178

فغضب وقال: علي به، فلما حضر هم بضربه فأقسم عليه بعمه جعفر وكان (عليه السلام) إذا أقسم به عليه سكن، فقال: ما حملك على أن أخذت قبل القسمة؟ قال: إن لنا فيه حقا فإذا أعطيتنا رددناه، قال: لا يجوز أن تنتفع بحقك قبل انتفاع الناس، لو لا أني رأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقبل ثنيتك لأوجعتك ضربا، ثم دفع إلى قنبر درهما وقال: اشتر به من أجود عسل يوجد.

قال الراوي: فكأني أنظر إلى يد علي على فم الزق وقنبر يقلب العسل فيه، ثم شده بيده وهو يبكي ويقول: اللهم اغفر للحسن، فإنه لم يعلم.

فأعجب بهذه المكارم والأفعال والقضايا التي هي غرر في جبهات الأيام، والزهادة التي فاق بها جميع الأنام، والورع الذي حمله على ترك الحلال فضلا عن الحرام، والعبادة التي أوصلته إلى مقام وقف دونه كل الأقوام.

مناقب لجت في علو كأنها

تحاول نارا عند بعض الكواكب

محاسن من مجد متى يقرنوا بها

محاسن أقوام تعد كالمعايب

ولما ألزم نفسه الشريفة تحمل هذه المتاعب وقادها إلى أتباعه فانقادت انقياد الجنايب، وملكها حتى صاحب منها أكرم عشير وخير مصاحب، واستشارها ليختبرها فلم تنه إلا عن منكر ولا أمرت إلا بواجب، صار له ذلك طبعا وسجية، وانضم عليه ظاهرا ونية، وأعمل فيه عزيمة كهمته قوية، واستوى في السعي لبلوغ غاياته علانية وطوية، فما تحرك حركة إلا بفكر، وفي تحصيل أجر وفي تخليد ذكر، لا لطلب فخر وإعلاء قدر، بل لامتثال أمر وطاعة في سر وجهر، فلذلك شكر الله سعيه حين سعى، وعمه بألطافه العميمة ورعى، وأجاب دعاءه لما دعا، وجعل أذنه السميعة الواعية فسمع ووعى، فأسأل الله بكرمه أن يحشرني ومحبيه وإياه معا.

قال الواحدي في تفسيره يرفعه بسنده إلى ابن عباس قال: إن علي بن أبي طالب كان يملك أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا، وبدرهم سرا، وبدرهم علانية، فأنزل الله سبحانه فيه: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون @HAD@ [1].

أنشدني بعض العلويين لبعض الأصحاب:

Sayfa 183