فأنا لّين الإعطاف، هيّن الانعطاف، سريع الائتلاف، ولولا وجودي في الوجود لما كان مخلوق موجود، يعرف لطفى ذوو الألطاف فلا تظن اختلاف هوائي سبب إغوائي، بل أختلف في الفصول الأربع، لما هو أصلح لك وأنفع، فأهبُّ في الربيع شمالًا لألقح الأشجار، وأُعدّل فصلى الليل والنهار، وأهب في الصيف صبًّا لأنمّى الثمار، وأُصفّى الأنهار، وأهب في الخريف جنوبًا فتأخذ كل شجرة حد طيبها، وتستوفى حق تركيبها، وأهبّ في الشتاء دبورًا فآخذ عن كل شجرة حملها وأوراقها ويبقى أصلها. فأنا الذي تنمو بي الثمار، وتسمو بي الأزهار، وتتسلسل الأنهار، وتلقّح بي الأشجار، وتتروح بي الأسرار، وأبشرك في الأسحار بقرب المزار، وفي ذلك أقول:
يَاطِيب ما نقلَ النَّسيمُ لمَسْمعى ... عن طِيبِ ذيَّاك المحلّ الأرفعِ
وَافى لينشرَ ما انْطَوَى من نَشْرِهِ ... فَسَكِرتُ مِنْ طِيبِ الشَّذَا المتضوّعِ
ولربما أعتلّ النَّسيم إذا بَدَتْ ... أنفاس شوقي المستكنُ بأضلعِي
1 / 48