امرت ان اخيرك في ثلاث فاختر منهن واحدة ودع اثنتين فقال له آدم عليه السلام وما الثلاث قال العقل والحياء والدين فقال آدم عليه السلام فانى قد اخترت العقل فقال جبرئيل للحياء والدين انصرفا فقالا (يا جبرئيل انا امرنا ان نكون مع العقل حيث كان قال فشانكما وعرج (مسألة) ان سئل سائل فقال كيف يحسن مخاطبة الحياء والدين وكيف يصح منهما النطق وهما داخلان في باب الاعراض التي لا تقوم بانفسها ولا تصح الحيوة والنطق منهما (الجواب) قيل له هذا مجاز من القول وتوسع في الكلام والمعنى فيه انهما لو كانا حيين قائمين بانفسهما تصح المخاطبة لهما والنطق منهما لكان هذا حكمهما والمحكى عنهما جوابهما وقد يستعمل العرب ذلك في كلامهما وهو نوع من انواع فصاحتها قال الشاعر (امتلا الحوض وقال قطني) (مهلا رويدا قد ملات بطني) ونحن نعلم ان الحوض لا يصح منه النطق ولكنه استعار النطق لانه عنده لو كان في صورة ما ينطق لكان هذا قوله (خبر آخر) في هذا المعنى وهو المشتهر بين الخاصة والعامة من ان اول شئ خلق الله تعالى العقل فقال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر فقال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو احب الي منك بك اعطي وبك امنع وبك اثيب وبك اعاقب وعزتي وجلالي لا اكملتك إلا فيمن احببت فالمعنى فيه نظير ما تقدم هو ان العقل لو كان قائما بنفسه حتى يوجد مفردا لكان اول شئ خلقه تعالى لفضله ولأن منازل العالية لا تستحق إلا به ولو كان حيا قادرا لصح منه امتثال أمر الشارع الى ما يؤمر به ولم يقع خلاف للمراد منه وهذا كله بينة على شرف العقل وجلالته وحث على وجوب الرجوع إليه والتمسك بحججه وفي القرآن لذلك نظائر (فصل) مما ورد في القرآن في هذا المعنى فمن ذلك قول الله عزوجل إنما امرنا بشئ إذا اردناه ان نقول له كن فيكون فدليل شاهد بان المراد بذلك ليس هو القول ولا يصح فيه حقيقة الامر لانه لو كان يامر الشئ في الحقيقة بالكون كان لا يخلو من حالين أما ان يامره بذلك والشئ في حال عدمه أو في حال وجوده ومحال ان يامره وهو في حال عدمه لان المعدوم في الحقيقة ليس بشئ فيتوجه إليه الامر والذين يثبتون انه شئ في حال عدمه من المتكلمين لا يخالفون في انه لا يصح ان يؤمر ومحال ايضا ان يامره بالكون وهو في حال وجوده لأن الموجود هو الكائن ولا يقال للكائن كن كما لا يقال للساكن اسكن وايضا فلو كان يامره في الحقيقة بالكون لكان الشئ المأمور هو الذي
--- [ 15 ]
Sayfa 14