58

Kâmil Tarih

الكامل في التاريخ

Araştırmacı

عمر عبد السلام تدمري

Yayıncı

دار الكتاب العربي

Baskı Numarası

الأولى

Yayın Yılı

١٤١٧هـ / ١٩٩٧م

Yayın Yeri

بيروت - لبنان

Türler

Tarih
[ذِكْرُ الْأَحْدَاثِ الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَنِ نُوحٍ ﵇]
قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي دِيَانَةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ نُوحٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَلِ بِمَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ رُكُوبِ الْفَوَاحِشِ، وَالْكُفْرِ، وَشُرْبِ الْخُمُورِ، وَالِاشْتِغَالِ بِالْمَلَاهِي عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ طَاعَةٍ. وَبِيَوْرَاسِبُ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْقَوْلَ بِمَذْهَبِ الصَّابِئِينَ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ نُوحٌ، وَسَنَذْكُرُ أَخْبَارَ بِيَوْرَاسِبَ فِيمَا بَعْدُ.
وَأَمَّا كِتَابُ اللَّهِ، قَالَ: فَيَنْطِقُ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا﴾ [نوح: ٢٣] .
قُلْتُ: لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ الْحَقَّ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ هُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَهُوَ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّابِئِينَ، فَإِنَّ أَصْلَ مَذْهَبِ الصَّابِئِينَ عِبَادَةُ الرَّوْحَانِيِّينَ، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ لِتُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى زُلْفَى، فَإِنَّهُمُ اعْتَرَفُوا بِصَانِعِ الْعَالَمِ وَأَنَّهُ حَكِيمٌ قَادِرٌ مُقَدَّسٌ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا الْوَاجِبُ عَلَيْنَا مَعْرِفَةُ الْعَجْزِ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى مَعْرِفَةِ جَلَالِهِ، وَإِنَّمَا نَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِالْوَسَائِطِ الْمُقَرَّبَةِ لَدَيْهِ، وَهُمُ الرَّوْحَانِيُّونَ، وَحَيْثُ لَمْ يُعَايِنُوا الرَّوْحَانِيِّينَ تَقَرَّبُوا إِلَيْهِمْ بِالْهَيَاكِلِ، وَهِيَ الْكَوَاكِبُ السَّبْعَةُ السَّيَّارَةُ لِأَنَّهَا مُدَبِّرَةٌ لِهَذَا الْعَالَمِ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، وَهُمْ أَصْحَابُ الْأَشْخَاصِ، حَيْثُ رَأَوْا أَنَّ الْهَيَاكِلَ تَطْلُعُ وَتَغْرُبُ وَتُرَى لَيْلًا وَلَا تُرَى نَهَارًا - إِلَى وَضْعِ الْأَصْنَامِ لِتَكُونَ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ لِيَتَوَسَّلُوا بِهَا إِلَى الْهَيَاكِلِ، وَالْهَيَاكِلُ إِلَى الرَّوْحَانِيِّينَ، وَالرَّوْحَانِيُّونَ إِلَى صَانِعِ الْعَالَمِ، فَهَذَا كَانَ أَصْلَ وَضْعِ الْأَصْنَامِ أَوَّلًا، وَقَدْ كَانَ أَخِيرًا فِي الْعَرَبِ مَنْ هُوَ عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: ٣] فَقَدْ حَصَلَ مِنْ عِبَادَةِ

1 / 62