حديث: "ألا أخبركم بأحبكم إلي .. "
وقال رسول الله ﷺ: "ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقًا، الموطأون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون، ألا أخبركم بأبغضكم إلي وأبعدكم مني مجالس يوم القيامة؟ الثرثارون المتفيهقون".
قوله ﷺ: "الموطأون أكنافًا" مثل، وحقيقته أن التوطئة هي التذليل والتمهيد، يقال: دابة وطيء، يا فتى، وهو الذي لا يحرك راكبه في مسيره، وفراش وطيء إذا كان وثيرًا لا يؤذي جنب النائم عليه، فأراد القائل بقوله: " موطأ" الأكناف" أن ناحيته يتمكن فيها صاحبها غير مؤذى، ولا ناب به موضعه.
قال أبو العباس: حدثني العباس بن الفرج الرياشي قال: حدثني الأصمعي قال: قيل لأعرابي وهو المنتجع بن نبهان١ ما السميدع؟ فقال: السيد الموطأ الأكناف.
وتأويل الأكناف الجوانب، يقال: في المثل: فلان في كنف فلان، كما فلان في ظل فلان، وفي ذرى فلان، وفي ناحية فلان٢، وفي حيز فلان.
وقوله ﷺ: "الثرثارون" يعني الذين يكثرون الكلام تكلفًا وتجاوزًا، وخروجًا عن الحق. وأصل هذه اللفظة من العين الواسعة من عيون الماء، يقال: عينٌ ثرثارةٌ. وكان يقال لنهرٍ بعينه: الثرثار٣، وإنما سمي به لكثرة مائه، قال الأخطل: ٤
لعمري لقد لاقت سليمٌ وعامرٌ ... على جانب الثرثار راغية البكر
قوله: " راغية البكر" أراد أن بكر ثمود رغا فيهم فأهلكوا، فضربته العرب مثلًا، وأكثرت فيه، قال علقمة بن عبدة الفحل:
رغا فوقهم سقب السماء فداحضٌ ... بشكته لم يستلب وسليب٥
_________
١ من طيىء؛ ذكره الزبيدي في الطبقة الأولى من اللغويين البصريين ص ١٧٥.
٢ تكملة من ر.
٣ الثرثار: موضع عند تكريت.
٤ زيادات ر: "واسمه غياث بن غوث، يكنى أبا مالك، ويلقب بدوبل، والدوبل: الخنزير"، وكذلك في س.
٥ زيادات ر: "السقب: ولد الناقة، والشكة: مايلبس من السلاح، والسليب: من سلب سلاحه".
1 / 8