Edebiyat Üzerine Sözler

Enver Macdavi d. 1385 AH
52

Edebiyat Üzerine Sözler

كلمات في الأدب

Türler

استخدمت الضمائر الثلاثة هنا وهناك: ضمير الغائب وضمير المتكلم وضمير المخاطب، في شريحة تحليلية واحدة هدفها تعرية الوعي الباطن تعرية كاملة، حتى نستطيع أن ندرك حقيقته من خلال النظرة المصوبة إلى مختلف زواياه. من ضمير الغائب نستطيع أن نستخلص من الكاتب معالم الجو النفسي الذي تعيش فيه الشخصية، ومن ضمير المتكلم نستطيع أن نحصل من الشخصية على نوع من الاعتراف الذاتي المفسر لطبيعة وجودها الداخلي، ومن ضمير المخاطب نستطيع أن نترقب خطوات سلوكها الحركي منتظرا لما يدور بداخلها من طاقة انفعالية.

يتفق النموذجان من ناحية الهدف الفني لاستخدام الضمائر الثلاثة، ثم يختلفان بعد ذلك من ناحية المستوى التلويني في التعبير عن مجرى الشعور عند البطلين، تبعا لاختلاف المستوى العقلي عند هذا وذاك. لقد كان سارتر يقوم بعملية سياحة داخلية، في نفس مدرس للفلسفة واسع الثقافة هو «ماتيو»، بينما كان نجيب محفوظ يقوم بنفس الدور، بالنسبة إلى لص لم ينل إلا قسطا ضئيلا من التعليم وهو سعيد مهران!

ومضمون «اللص والكلاب» مضمون واقعي، وليس مضمونا رومانسيا كما قرر ذلك أحد النقاد،

1

واقعي في أحداثه ومواقفه، وإن كانت المواقف لم تخل من مذاق «وجودي » في بعض الأحيان. إن سعيد مهران بكل ميوله النفسية الناقمة، لم يكن إلا نمطا إنسانيا صنعته ظروف ضاغطة، ظروف اجتماعية حددت خط سيره في طريق الحياة. وكل واحد منا لو نشأ نفس النشأة وتعرض لنفس الظروف؛ أعني لو نشأ محروما من كل الفرص التي تهيئ للفرد كرامة الشعور بأنه إنسان، ثم عرف خيانة الزوجة وتنكر الابنة وغدر الصديق وضياع كل وسائل الإنقاذ، لو قدر لكل منا أن يرتطم بكل هذه القوى المحطمة، فسيتحول قطعا إلى النمط «الواقعي» الذي يمثله سعيد مهران، وأقول «قطعا» إذا كان هذا النمط شجاعا لا يعرف الجبن. ومن هذه الزاوية نستطيع أن نتمثل حقيقة الوجود الداخلي لبطل «اللص والكلاب» من وراء هذه الكلمات: «إن من يقتلني إنما يقتل الملايين؛ أنا الحلم والأمل فدية الجبناء؛ أنا المثل والعزاء والدمع الذي يفضح صاحبه.»

نجيب محفوظ واقعي في روايته القصيرة كما كان واقعيا في روايته الطويلة، وأعني بها ثلاثية «بين القصرين»؛ كل ما في الأمر أنهما نمطان من الواقعية: واقعية كلاسيكية تعنى بالتفصيلات الكثيرة، وتحاول أن ترصد كل شيء وأن تفسر كل شيء، وتهتم بالترتيب الزمني للأحداث، وواقعية تساير روح العصر فتحل التركيز محل التفصيل، وتستغني بالرمز عن الشرح وبذكاء القارئ عن مهمة التفسير، وهي في النهاية تستبدل بالترتيب الزمني للأحداث لونا من الترتيب الشعوري، الخاص بنظرة البطل إلى خريطة التضاريس النفسية لحياته.

واقعية الأمس وواقعية اليوم عند نجيب محفوظ، أشبه بمن يصحبك إلى بيت كبير ليطوف معك بكل حجرة من حجراته؛ وفي كل حجرة يقف بك وقفة طويلة ليصف لك كل ما بها من محتويات. جهد عظيم بلا شك؛ جهد الخبرة والمعرفة والصبر الطويل، ونقل هذه الخبرة إليك بصورة أمينة وكاملة. ولكن عيب هذه الطريقة أن الكاتب لا يشركنا معه، لا يترك لنا فرصة التأمل الذاتي في أن نكتشف بأنفسنا ما وراء كلماته أو ما بداخل حجراته، إنه يقول لنا كل شيء، ومن الأفضل ألا يقدم لنا الكاتب كل ما عنده، وأنا أقصد الكاتب الروائي بالذات؛ ذلك لأن الرؤية الموحية في رأيي أكثر تجسيدا للمشكلة المعروضة من الرؤية المباشرة، ومن هنا كانت الواقعية الرمزية أعمق إثارة للوجود الذهني عند القارئ من الواقعية التصويرية. إن الإيحاء - وبخاصة عن طريق الرمز - أشبه بباب نصف مفتوح، باب يغرينا بأن نحاول فتحه على مصراعيه، لنكتشف ما وراءه من ممرات تقودنا إلى الحقيقة، ثم هو بعد ذلك يدفعنا بحماسة إلى أن نلتمس للرمز أكثر من تفسير، وقد نصل إلى تفسير معين لم يخطر للكاتب الروائي في بال، وقد يتفوق تفسيرنا على المعنى الذي استقر عليه هو من وراء رمزيته، وبذلك يكتسب العمل الفني الناضج مزيدا من الأبعاد.

وهكذا فعل نجيب محفوظ في «اللص والكلاب»؛ فقدم إلينا اللون الواقعي الملائم لروح العصر، ترك لنا حرية التفسير والتبرير لسلوك شخصياته، وحرية الحكم عليها كأنماط بشرية تعيش في مجتمعنا، أو كرموز إيحائية لمشكلات يعرفها نفس المجتمع. إن شخصيات الشيخ علي الجندي ورءوف علوان ونور ونبوية وعليش، يصلح بعضها أن يكون نمطا، ويصلح بعضها الآخر أن يدخل في نطاق الرمز؛ الرمز إلى كيان موضوعي لمشكلة معينة. نبوية مثلا نمط، نمط من النساء تندرج تحته كل امرأة فارغة العين، لا تستقر نظرتها إلا على كل رجل يملأ عينيها ببريق الغواية. وعليش هو الآخر نمط، نمط من الناس يندرج تحته كل رجل فارغ المروءة، لا يستعذب العدوان إلا على من أحسن إليه. ونور في رأيي رمز؛ لا للوفاء كما هو ظاهر من دلالة السلوك، ولكنها رمز لمفارقات الحياة الضخمة، حين تتحول المفارقة في حياتنا إلى مشكلة؛ وجوهر المفارقة أننا نلجأ أحيانا إلى الشرفاء والمثاليين، نلتمس عندهم الإنقاذ والخلاص، فلا ينقذنا - أو يتعاطف معنا على الأقل - غير الضائعين أو الذين هم في رأينا لا شرف لهم. ورءوف علوان مثلا هو الرمز الكبير لكل هؤلاء الذين يتظاهرون بالمثالية والتمسك بالقيم، حتى إذا ما حققوا مآربهم من وراء هذا التظاهر، بدت وجوههم على حقيقتها وهي خالية من زيف المساحيق. ويبقى الشيخ علي الجندي كرمز أخير لمشكلة؛ مشكلة التدين. يتحول مفهوم الدين عند بعض الناس إلى نوع من الغيبوبة العقلية، التي تواجه واقع الحياة ومشكلات الأحياء بالمنطق المترنح والفكر النائم. إن الدين في تعامله مع الحياة - وبخاصة حياتنا المتطورة المعقدة - يجب أن يكون صحوة عقل ... صحوة مرنة واعية تفتح الباب أمام اجتهاد المسارية لروح العصر، بغير إحراج للدين وبغير إحراج للحياة، وهذا - في اعتقادي - هو ما يريد أن يقوله لنا نجيب محفوظ.

ولا أعتقد أن نور، من حيث التسمية وكما قال بعض النقاد

2

Bilinmeyen sayfa