الإهداء
الحقيقة الكبرى
بين جنديين
لقاء
كافر (وحي شيطان مريد)
غانية وفكر
وجهة نظر
مصرع المثال
الإهداء
الحقيقة الكبرى
بين جنديين
لقاء
كافر (وحي شيطان مريد)
غانية وفكر
وجهة نظر
مصرع المثال
كافر
كافر
وحي شيطان مريد
تأليف
زهير ميرزا
الإهداء
إلى الجليل المتصاعد الذي نحن أمه وأبوه أضع هذه اللبنة المتواضعة في صرح فكره الحي الخالد:
يهزج ب «هزيج الأبطال»،
ويهتف بهتاف الأجيال،
ويتعالى على ذرى الأجبال،
رائده الفكر، ومرقاته الفكر، واتجاهه:
نحو مطلع الشمس!
زهير ميرزا
ح ...
في 6 / 8 / 1948
الحقيقة الكبرى
حوار شعري في منظر واحد (إلى «توفيق الحكيم».) (شهرزاد مكبة على الديوان العريض وداخلة في تأمل بعيد.) (يدخل قمر.)
قمر :
شهرزاد ... ... ...
شهرزاد : ... من؟ ... ... ...
قمر : ... ... جئت! ... ...
شهرزاد : ... ... ... ليتك ما جئ
ت ... ... ... ...
قمر :
لماذا؟ ... ... ...
شهرزاد : ... ... الطيف أحلى ارتيادا
قمر :
شهرزاد؟ ... ... ...
شهرزاد : ... هي الحقيقة يا حبي
قمر :
ولم جاءت؟ ... ... ... ...
شهرزاد : ... ... لا تسلني ازديادا
إن طيف الحبيب أجمل منه
ودنا الوهم ما تمل حصادا
قمر :
فيم بدلت؟ ... ... ... ...
شهرزاد : ... ... لم أبدل سوى قل
ب يمل الحياة شيئا معادا
قمر :
أأنا «الشيء»؟ ... ... ...
شهرزاد : ... ... بل أردتك «شيئا»
خالدا ... ... ... ...
قمر : ... كيف؟ ... ... ...
شهرزاد : ... ... أن تشط ابتعادا
قمر :
لست أسطيع! ... ...
شهرزاد : ... ... فلتزرني طيفا
قمر :
وخفوق اللقاء؟ ... ...
شهرزاد : ... ... هبه حصل
قمر :
ودنا الحب، والحديث وقوت ال
لحظ والمسكرات وال ...
كيف أحظى بكل هذا خيالا؟
كيف يرضى - إما رضيت - الأمل؟
نحن، أهل الغرام، يدفئنا الوع
د ففي وهمه نغذي الأجل
شهرزاد :
قم تزود ... ... ... ...
قمر : ... ... وبعد؟ ... ... ...
شهرزاد : ... ... ... أقصر ...
قمر : ... ... ... ... هبيني
لا أطيق البعاد ... ...
شهرزاد : ... ... ... القلب مل!
قمر :
مل مني؟ ... ... ... ...
شهرزاد : ... ... لا، من حقيقتك الشو
هاء! ... ... ... ...
قمر : ... ماذا؟ ... ... ...
شهرزاد : ... ... لقد خبوت حبيبا
كلنا عاش في الحقيقة والوه
م، فحسبي لقد مللت الرتيبا
إن تكن نائيا أحبك أضعا
ف غرامي إن كنت مني قريبا
قمر :
شهرزاد! ... ... ... ...
شهرزاد : ... لن تجدي الصرخة الكب
رى ... ... ...
قمر : ... أأمضي؟ ... ... ...
شهرزاد : ... ... أجل ... ...
قمر : ... ... ... وداعا ...
شهرزاد : ... ... ... ... وداعا
وضعت عام 1944 بالسويداء
بين جنديين
حوار في منظر واحد ( إلى «الجندي السوري».) (في الخطوط الأمامية؛ الخندق.)
الأول :
يا أخي! ... ... ... ...
الثاني : ... ... من؟ ... ... ...
الأول : ... ... ... محارب ! ... ...
الثاني : ... ... ... ... بورك اسم!
ما الذي تبتغي؟ ... ... ...
الأول : ... ... ... لقد ضقت صدرا!
الثاني :
ضقت صدرا، بأي شيء؟ ... ...
الأول : ... ... ... ... بهذا ال
جو! بالبارود اللعين ...
الثاني (آمرا) : ... ... ... أسرا
1
الأول :
لست أقوى؛ فقد تبدت لعيني
ميتتي! ... ... ... ... ...
الثاني : ... بئس ما تقول وتجرا
اخفض الصوت ... ... ...
الأول : ... ... لن أكبل وجدا
ني! ... ... ... ...
الثاني : ... أتقوى على الخيانة جهرا؟
الأول :
إي! ... ... ... ... ...
الثاني : ... اقترب مني أستمع لك رأيا
الأول :
أي رأي تود؟ قد نؤت صبرا
كل يوم لي اندفاع إلى المو
ت، ألاقي في جانبيه الأمرا
أنا إما سلمت يومي، فما أم
لك من بعده السلامة شهرا
الثاني :
يا أخي! ... ... ... ... ...
الأول : ... ... من؟ ... ... ... ...
الثاني : ... ... ... ضميرك الحر! ... ...
الأول : ... ... ... ... ... قد ما
ت! ... ... ... ...
الثاني : ... أخوك الجندي؟! ... ...
الأول : ... ... ... أودع قبرا
الثاني :
أمك الأرض! ... ... ...
الأول : ... ... كفنت أمس إخوا
ني! ... ... ... ...
الثاني : ... أبوك الإخلاص! ... ...
الأول : ... ... ... مني يبرا
الثاني :
وطن يرتجيك! ... ... ... ...
الأول : ... ... إن مت فالأر
ماس أوطاني! ... ... ... ...
الثاني : ... ... لم تمت! ... ...
الأول : ... ... ... ... أنت أدرى
أنا، إما بقيت، سوف ألقى
ميتة هولها يحدث ذكرا
ميتة ليس يدفع اليوم عنها
طول باع ولا مكانة كسرى
كلها الغدر ... ما يمينك بالسيف
تداري الموت المعاطيك غدرا!
رب طلق أريد منه دعاب
أحدث اليوم في الجوانح جحرا
أو هواء قد سمموه فراح ال
جبس بالندس والصناديد خسرا
أو فتيل قد أشعلوه فدك ال
أرض دكا، وأمطر الناس جمرا
فتهاووا كأنهم ورق الأش
جار ... مرت بها الأعاصير تترى
وإذا هم من بعد ذا مستحاثا
ت! ... وعاد الوجود يطفح بشرا
ضل عهد البارود والغاز! ... فالنا
س تساووا من بعد ذينك قدرا
الثاني :
يا أخي! ... ... ... ...
الأول : ... ... من؟ ... ... ...
الثاني : ... ... ... محارب! ... ...
الأول : ... ... ... نوهض اسم!
الثاني :
استمع لي عسى أحيطك خبرا
ما جمال الحياة؟! ... ...
الأول : ... ... ... نهلة كأس
لم تشبها الأكدار ... ... ...
الثاني : ... ... ... قد شئت أمرا
أجميل من الوجود صباح
لم يلد ليله مع الكره، فجرا؟
الأول :
لا! ... ... ... ...
الثاني : ... جميل من الوجود رياض
لم يلدها الشتاء رعدا وقطرا؟
الأول :
لا! ... ... ... ...
الثاني : ... جميل من الوجود صفاء
لم يطعم شجى ولم ينز ذكرى؟
الأول :
لا! ... ... ... ...
الثاني : ... أتسطيع أن تنال ورودا
دون شوك يجرح الكف قسرا؟
الأول :
لا ! ... ... ... ... ...
الثاني : ... أخي! ادن لا تخف وأجبني
أفرارا تنجو من الموت؟ ...
الأول (يطرق متفكرا) : ... ... ... ... صبرا!
الثاني :
يا أخي، ادن لا تخف وأجبني
إن طلبنا الفرار، نخلد دهرا؟
الأول :
لا، ولكن نؤجل الموت! ... ...
الثاني : ... ... ... ... قل لي:
أحياة الإذلال تحسب عمرا؟
الأول :
لم أقل ذا! ... ... ...
الثاني : ... ... ... إذن أجبني: أترضى
بحياة نباع فيها ونشرى؟
الأول :
خسئ العمر أن أباع؛ فغيري
يرتضي ذاك، وهو بالعبد أحرى!
الثاني :
أي فرق بين العبيد وبينا
إن طلبنا الفرار ممن تجرا؟
الأول :
إن رغبنا الفرار؟ من قال هذا؟!
الثاني :
أنت قد قلته! ... ... ...
الأول : ... ... ... لقد قلت إمرا
لا تدعني أنام إلا وقد أف
رغت حقدي نيران تطلب صدرا ...
فلنا اليوم عزة دونها الشم
س! وإلا فاحفر لنا الآن قبرا!
لقاء
حوار في منظر واحد (إلى عذارى بابل.) (بين فتى وفتاة في طريق منفردة.)
هو :
أيها الحسن! ... ... ... ...
هي (نافرة) : ... ... إنأ، لا تقترب من
ي ... ... ... ...
هو : ... لماذا؟ ... ... ...
هي : ... ... أخاف منك عليا
هو :
لا تخافي فكلي الحب والتح
نان ... ... ... ... ...
هي : ... لا! لا. أرجوك دعني وهيا
إن قلبي كصفحة الماء؛ إن م
ر عليها النسيم خلف شيا
لا تعذبني ... ... ...
هو : ... ... بل سأسعدك اليو
م! ... ... ... ... ...
هي : ... يقينا لا ... ... ...
هو : ... ... ... أتخشين قلبا فتيا
جاء يسعى إليك، يدفعه الشو
ق، وحب هدهدته بيديا؟
هي (نافرة) :
ما الذي قلت؟ إنأ، لا تقترب من
ي. أخاف الهوى على مقلتيا
وحرام عليك تذبل جفني
ي سهادا فما أتيت فريا
هو :
أهو الحب يذبل الجفن؟ ...
هي : ... ... ... ... إرحم
ني! ... ... ... ...
هو : ... حنانيك! لا تذيبي شقيا
تيمتني عيناك ... ...
هي : ... ... رفقا بقلبي!
هو :
لو ملكت الإشفاق ملت إليا
هي (متوسلة) :
لا تعذب صبية، وردة اليو
م، ومل بالشراع عن شاطئيا
إن تكن عاشقي، فدونك دنيا ال
فكر، فاعشق بها خيالي سنيا
هو :
وغرام العيون؟ ... ... ...
هي (ترسل إليه ببصرها) : ... ... أسقيك منها ال
آن ما تبغي ... ... ...
هو (مستغرقا في نعيم ناظريها) : ... ... ... أيها الحسن! ...
هي : ... ... ... ... ... هيا
هو (مأخوذا) :
ما السلاف المعتق الآن؟ ما السح
ر المغذي ينساب في ناظريا
ما الحياة التي أحس؟ وما ه
ذا الذي يسري في عروقي؟ أفق يا
هي :
قد أفاق الذي دعوت! ...
هو (مضطربا) : ... ... ... ... أحقا؟
هي (دامعة العينين) :
ليت لي أن أقول ما ليس فيا
هو :
أنت أنقى من الشعاع! ...
هي : ... ... ... ولكن
أنت لوثتني! ... ... ...
هو : ... ... أبالحب؟ ...
هي (لا تجيب) : ...
هو (راكعا) : ... ... ... لميا!
هي :
كنت في جنتي، فصوحت روضي
وأملت الغصون شيئا فشيا
ودفعت الشقاء بالكأس حتى
ذاب في مذوقي فأضحى شهيا
ما الذي فيه؟ ... ... ... ...
هو : ... ... ... كل لذ وإن كا
ن مريرا ... ...
هي : ... ... رضيته عبقريا
هو :
لم تعد وحدك الذي يتلوى!
هو :
رحمة بي! ... ... ... ...
هي : ... ... إذهب وعد لي نبيا!
دمشق 1946
كافر (وحي شيطان مريد)
فصل في منظرين اثنين
أقولها لكم: «لن تؤمنوا حتى تكفروا، ولن تكفروا حتى تؤمنوا.»
تلك هي تعاليم الفكر الواحدة في الأرض الخالدة. ***
حديث في الملأ الأدنى! فلا تسترسلوا.
بدئ بوضعه عام 1943 ولما ينته عام 1948
تمهيد
خطوت على جدث منتن
وأوغلت في الزمن الأرعن
وفي خاطري همسات عسى
تشدد من عزمي المنثني
شباب، ومن كالشباب إذا اع
تراه الشعور المفيض الغني؟
يدافع بالمنكب الغادرات
ويترع كأس الهوى بالأمل
ويضحك ثغر، وقلب، وخا
طر، والنهى، ضحكة للغزل
يريد الحياة كما يشتهي
جنونا وطيشا بلا ثمن
وفي الكون هذا، ولكن ترى
مفاتيحه بين أيدي من؟! •••
ركبت مع الريح أسعى إلى الس
سماء وفي خافقي لهف
وجزت حزون الموانع ما
يعارضني خاطر مرهف
وأيقنت أني سأحظى بما
أريد، وفي همتي مسعف!
وحلقت حتى تركت الذي
بنفسي من خاطر يائس
وصفقت بالجانحين إلى
رياض من الأمل الناعس
فلما قربت، تلاشى الهواء
وغام الفضاء فما أعرف
وأهويت نحو ثراي وبي
بقية أهواء تستنزف!
تقاربت، بالفكر، من خالقي
وأوسعت خطوي فما أرجع
يشجعني أمل باسم
وتشملني قوة تدفع
شباب وفكر وعزم وما
يريد الخلود: هوى يرفع
إذا بي يحطمني من له اق
تدار ليرفعني عاليا
ويسعى ليبني على جدثي
وما كان إلا فتى غاليا
يلازمني الحس يدفعني
فأرضى، ويغضب إذ أقنع
وما كان إلا نعيمي ومقب
رتي ... ثم لي فيه ما يشفع •••
أنفت من السعي في مركبي
وعدته متلفات الشراع
وهذا الوجود على رحبه
تضايق حتى غدا طول باع
فطرت على جانحي فكرة
أيمم ما لم أزر من بقاع
فلما بعدت، بكى خافقي
فعذبته بالصدود الأصم
فثار لنكبته خاطري
فغذيته بالأسى والألم
إذا بي أبرأ من واقعي
يطهرني في رؤاه اليراع
وعاد الوجود على ضيقه
كبيرا يمدد لي في اتساع!
المشهد الأول: المحكمة العليا (في قمة جبل صخري، في إحدى مغاراته الرهيبة، يجلس في صدر المغارة الموحشة شيخ جليل، وعن يمينه ملاك وعن يساره مارد، وأمامه يقتعد الأرض إنسي، وعلى مبعدة تتصاعد ألسنة اللهيب.)
الشيخ :
روعوه، إن استطعتم، فقد عا
ث فسادا، وأمطر الأرض كفرا
وأتى بالعجيب، حتى أثار الذ
عر في الأرض، واستبد مصرا
ما تقولون؟! ... ... ...
الملاك، المارد، الإنسي : ... ... بئس! ... ...
الشيخ : ... ... ... بورك فيكم!
سوف نأتي به ليشرح أمرا
لم يكن من حقوقنا حمل هم الأرض!
لكن: لكل أمر قرار
سكر الأمس، واستبد بها اليوم
وروى الأحداث ما يختار
ولو ان يكتفي اكتفينا. ولكن
شط في الغي فالسكوت صغار! •••
نحن قمنا في الأرض، أسيادها الكف
ء فما إن نقول بالطغيان
وعلمنا عن الحياة كثيرا
وسهونا عن طينة الإنسان
جبلت من مياه مستنقع رج
س، وصلصالها رفات الهوان •••
إنما «هو» حقيقة الإنس جمعا
ء، و«هي» فتنة الوجود اللعين
قد سقي من رحيقها، وسقاها
من رحيق عصيره من طين
وتبنى - كما تبنت - شحوب الر
أي في أرذل الوجوه المهين! •••
أحضروه مكبلا بقيود ال
وهم والخزي والأسى والآثام
الملاك :
واطرحوه أمام محكمة العد
ل ليلقى جزاء ذاك الكلام
الإنسي :
ودعوه يقول ... ... ... ...
الشيخ : ... ... لا لا! فما كا
ن له أن يقول غير مرامي!
أحضروه! ... ... ...
الإنسي : ... ليؤت بالفنن الذا
وي! فقد طال في الغياهب لبثه
هو في غيهبين: نفس وسجن
وهو في الناس كافر ضل بحثه
وهو منه ضحية القلق الجب
ار ... ... ... ... ...
الشيخ : ... لا لا! فقد أضلك خبثه!
المشهد الثاني («هو» يأتي مكبلا بالسلاسل وعلى وجهه مخايل كفره!)
الشيخ :
أنت «هو»؟ ... ... ... ...
هو : ... ...؟ ... ... ... ...
الشيخ : ... ... قل! ... ... ...
هو : ... ... ... أجل! ... ...
الشيخ : ... ... ... ... وأمك «تلك»؟
هو : ؟ ... ... ... ... ... ... ...
الشيخ :
قل! ... ... ... ... ... ...
هو : ... أجل! ... ... ... ... ...
الشيخ (متذمرا) : ... ... ما أرى لك اليوم ناصر!
وأبوك المسكين «ذاك»؟ ... ...
هو : ... ... ...؟ ... ...
الشيخ : ... ... ... أجب! ...
هو : ... ... ... ... لا!
الشيخ :
كيف؟ ... ... ... ... ... ...
هو : ... لا! لم يكن أبي صنو حافر!
الشيخ :
لا تفه مقذعا من القول! ...
هو : ... ... ... ... ... لكن
الشيخ (ملوحا بقبضته) :
ليس في عرفنا لواكن
1
كافر!
من تراه أبوك ... ...
هو : ... ... ... «ذاك» ...
الشيخ (ملتفتا يمنة ويسرة) : ... ... ... ... وأنتم
وزعوا عنه قيده والشنارا (يوزع عنه قيده، وينتقل اللهب إلى وسط المغارة أمام الشيخ الجليل.)
الشيخ (ل «هو») :
اقترب! ... ... ... ... ... ...
هو (يقترب) :
الشيخ : ... أيضا ... ... ... ... ...
هو (يلبث في مكانه) :
الشيخ : ... ... ما لك اليوم تخشى الن
ار؟ ... ... ... ...
هو : ... حسبي! فما أطيق النارا
الشيخ :
كيف طقت الوجود تصهر فيه
كافرا ... ثم خفت الشرارا؟!
هو :
كان لي في الحياة كفري معينا
ثم أضحى المعين شيطان شاعر
الشيخ :
كيف؟ ... ... ... ... ... ...
هو : ... لا أدري! ... ... ... ...
الشيخ : ... ... ... بل أجب! ... ...
هو : ... ... ... ... ... لست أسطي
ع! ... ... ... ... ...
الشيخ : ... جبان! ... ... ... ...
هو : ... ... بل غير هذا! ...
الشيخ : ... ... ... ... ... مكابر!
وستدري أن المصير سيلقا
ك عنيدا ... ...
هو (متهكما) : ... ... وبعدها؟ ...
الشيخ : ... ... ... ستجاهر!
هو (بحزم) :
علمتني عقيدتي أن من يق
ضي بدنيا آرائه فشهيد!
الشيخ :
ثم ... ... ... ... ...
هو : ... صمت! ... ... ... ...
الشيخ : ... ... وبعد؟ ... ... ...
هو : ... ... ... صمت! ... ...
الشيخ : ... ... ... ... ومن بع
دهما؟ ... ... ... ...
هو : ... صمت! ... ... ...
الشيخ : ... ... أنت غر عنيد
نحن في كفنا كتاب مواضي
ك ... ... ... ...
هو : ... اطرحوها ... ... ... ... ...
الشيخ : ... ... بل قل لنا ما نريد
هو :
عبثا تطلبون مني اعترافا
أنا أودعته من الصدر قبرا
تستطيعون كل شيء سوى الإك
راه! ... ... ... ...
الشيخ : ... بل نستطيعه الآن قسرا
هو :
حاولوه! ... ... ... ...
الشيخ : ... خسئت من كافر غ
ر ... ... ... ... ... ...
هو (بعناد) : ... سواي ال ... ... ... ...
الشيخ : ... بل أنت أوضع قدرا
هو :
فيم تؤذونني؟ ألم أك حرا؟
الشيخ :
كنت حرا مقيدا! ... ...
هو : ... ... ... لست أفهم!
الشيخ :
غير مجد إفهامك الآن! ...
هو : ... ... ... ... تضلي
ل! ... ... ... ... ...
الشيخ : ... صه! ... ... ... ...
هو : ... ... لا! ... ... ...
الشيخ : ... ... ... ستصمت الآن مرغم
هو :
عجبا! تطلبون مني اعترافا
فإذا فهت قيل: لا تتكلم
لي حق وليس لي أي حق!
منطق الأرض ثم أقوى وأدعم
الشيخ :
لست في الأرض! ... ... ... ...
هو (صارخا) : ... ... ... أين؟ ... ... ...
الشيخ : ... ... ... ... في الملأ الأد
نى! ... ... ... ...
هو : ... أأجثو؟ ... ... ...
الشيخ : ... ... مخير! ... ...
هو : ... ... ... بل محطم!
الشيخ :
فليكن! ... ... ... ...
هو : ... كيف؟ ... ... ...
الشيخ : ... ... أنت حر! ...
هو : ... ... ... ... أراني
نؤت فكرا بين التناقض مبهم
أنا حر ولست حرا ... فكيف ال
جمع ... ضدان ضمن كفة حابل؟
أرهقتني حقائق في وجودي
وأضل التفكير ميزان عاقل
كلما شئت أن أخط كتابي
قيل: لا تجترئ فقد قال قائل! •••
عذبوني، إن استطعتم، بجسمي
فوجودي قد كان أدهى عذاب
منحوا عقلا قال لي: أنت مشدو
د إلى «اللوح» و«الدنى» و«التراب»
لا تكن كافرا تخب! ودع الإي
مان تسليما تنج! يا لاضطرابي!
كيف خيرت؟ كيف أجبرت؟ لا أد
ري! ... ... ... ... ... ...
الشيخ : ... ستدري من بعد ... ... ...
هو : ... ... ... ... قد ضقت صبرا
كل شيء معلق بانتظار ال «بعد» ... وال «بعد» مغلق ليس يدرى
والذي أغلق الوجود عليه
شاء أمرا، ونفذ اليوم أمرا
ولنا - لا لغيرنا - حق تسطي
ر مصير سؤالنا عنه حشرا
كيف يجني امرؤ ويسأل عنه
غيره؟ ... ... ... ... ...
الشيخ : ... أنت لم تحط به خبرا
لست تجني إلا أثاما وترغي
قد ضللت الصواب عقلا وفكرا
الملاك :
فلنؤدبه ... ... ...
المارد : ... فلنعذبه ... ...
الشيخ : ... ... لا لا!
سوف أشقيه بالخيال المجنح
الإنسي :
شقوة الناس بالحياة، وآما
لهمو بلسم لجرح تقيح
لا تعذبه بالخيال وأنت ال
عدل! ... ... ... ...
الملاك : ... بل زده بالحنين المبرح
صله طورا، واهجره طورا، ولقن
ه التسامي، ودعه في الوحل يضبح
المارد :
واحبه المال لا يقيم له أو
دا ... وجرده من يقين موضح
ثم واجعل أليفه شر من فهم الأل
فة ... وامنع دموعه أن تسفح
ثم ... ... ... ... ... ...
الإنسي (صارخا) : ... يكفي! ... ... ... ... ...
الملاك : ... ... لا! ... ... ... ...
الإنسي : ... ... ... بل كفى! ... ...
الشيخ : ... ... ... ... ... أنت منه!
الإنسي :
إن هذا ما لا تطيق الجبال
عذبوه بجسمه، إن أردتم
الشيخ :
إن أقصى الجزاء فيه الخيال
ما تقولون؟ ... ... ...
الأكثرية : ... نعم! ... ...
الشيخ (مشيرا إلى «هو») : ... ... ... بورك فيكم
عد إلى الأرض! دارك الأوحال!
هو :
حكمكم حكم من تحكم قبلا
أنتم عصبة وإني وحيد
عذبوني وأرهقوني خيالا
وارجموني كما يشاء المريد
ودعوني حتى أغوص لفرعي
في وحول الحياة ... لست أحيد
أطعموني عصارة القذر المر ...
وهاتوا ما ترتضيه العبيد
وادفعوا الرجس في دمي يتمشى
ودعوا الإثم في عروقي يزيد
واملئوا لي فمي ترابا؛ فقد ما
ت ، كلام لم يستسغه الوجود
وانبذوني - كما نبذتكم الأم
س - وقولوا: هذا شريد طريد
واكفروا بي، كما كفرت بغيري
إن شيطاننا وحيد مريد!
خالق «الشيء» مؤمن بقواه
فإذا عقه أتاه الجحود
لا تلوموه إن تلوى شكوكا
فلقد ساقه إليه القيود
الغوايات في دمي تتنزى
والشرايين فجرتها السدود
والمفاهيم عطلتها التقالي
د وأودى بطهرهن السجود
السجود المرير للأرض والنف
س! وبعض السجود ذل عنيد
والبراءات وسختها القوافي
والدناءات شجعتها الحدود
والقوانين تدعم الشر للشر!
وضل
2
ما ند عنه وليد!
عطلوا الأرض من عصارة طهر
فإذا ممرع الرياض حصيد
وإذا الأرض منبت الشر لا يق
وى على فصد شرها مفصود
كلما أنبت السمو نباتا
أيبسوه! فلن يكون جديد!
كل حر بين العبيد رقيق
أفنرجو أن يسترق العبيد؟
اصنعوا ما بدا لكم وادعموه
نطق الظلم فيكم ما يريد
علمتني عقيدتي: أن من يق
ضي بدنيا آرائه فشهيد! (يساق.)
غانية وفكر
حوار في منظرين
من الكفر الأول
عذاب ...
لا ترغي في هوى الجسد فالشهوة اليوم تضطهد
وطهري جسمك الذي دنسه حب مفتقد
لا تتلوي على الوسائد التي تنهك الجسد
حسبك تذويب هذه القوى على مذبح نكد
تعتصرين الرغاب قسرا باشتعال لتبترد
ما لك منفوشة الشعور في جنون وفي جهد
لاهثة كالتي غدت رهينة سوط مضطهد
براقة العين كالتي تعوزها وثبة الأسد
مفغورة الثغر شهوة تحوطه موجة الزبد
أتعبك الجسم يا فتاتي وسيرميك بالكمد
أن صريع الرغاب كالمجنون يحيا بلا قود
تقوده شهوة ستحرق الحياة التي يود!
23 / 6 / 1943
المنظر الأول (قاعة أنيقة يقوم على جنباتها أثاث نفيس - صور راقصات وأشباح عارية - لوحات جنسية مختلفة ورائعة - في منتصف القاعة آنية يتصاعد منها خيط من بخور معطر - أزهار في أوان - ثريات كهربائية نفيسة - أضواء ناعمة مترفة.)
هو :
كيف ... ... ... ... ... (يقلب نظره في ساعة ذهبية في معصمه.) ... لم تأت ... ... ... (يدور قليلا ويتضمخ بالعطر الفواح.) ... ... ... ويحها تخلف المي
عاد؟ ... ... ... ... (مؤكدا): ... لا! إن طبعهن الوفاء
هن ظل الرجال، ما عز منهم
جانب، كيف لا تناهى الإباء؟
حسبهن الألفاظ تترى على ثغ
ر أنيق ليستحل المنيع
لفظة أو رشاقة أو رياء
أو وعود أو قبلة أو دموع
فإذا حصنهن ينهار أطلا
لا ... ويخفن كبرياء تميع
ذلك الجنس في وضاعة مبنا
ه تساوى لديه رغد وجوع
غير أني ... ... ... ... (يدوي الجرس الكهربائي.) ... ... أتت! ... ... ...
المنظر الثاني (تدخل «هي».)
هو : ... ... ... إذن قد تأخر
ت ... ... ... ... ...
هي : ... كثيرا؟ ... ... ... ...
هو : ... ... وددت لو جئت قبلا
كنت غيرت فكرتي ... ... ...
هي (وفي فمها لفافة تبغ) : ... ... ... هات لي جذ
وة نار، وقل لي الآن: أهلا
هو :
لم أكن مالكا قوى الفكر، فالقل
ب ... ... ... ...
هي : ... على عادة الرجال المثلى
أنتمو دائما بقايا اضطراب ال
جنس، حينا تسهون، حينا كلا
هو :
ما الذي فيك؟ ... ... ...
هي : ... ... ... فكرة! ... ...
هو : ... ... ... ... أترى أس
طيع تبديلها؟ ... ... ...
هي : ... ... خشيت بأن: لا
هو :
أنت لغز بدا، ويوشك أن ين
حل في كأس خمرة أو شهوه
ويقيني إن النساء بقايا
قطرات من غلمة ليس جذوه
ما تقولين في كؤيس من الخم
رة؟ ... ... ... ... ...
هي : ... لا بأس غير خمر ضعيفه
نحن نأبى العجاف حتى من الخم
رة أما أنتم ... ...
هو :
... ... ... فنفس عنيفه
تقبل الطازج الشهي وترضى
ببقايا إنسانة كالجيفه
حوم نحن حول منتن جسم
كالنسور المحلقات المخيفه
إنما نطلب الغذاء ... ولو كا
ن بمستنقع بدت محفوفه! (ينهض ويحضر آنية مع كؤيسين.)
هي :
فلسفات تضيع في حلبة المع
قول ... ... ... ...
هو : ... هذا شرعي! ... ...
هي : ... ... ... شريعة غلمه
لحظة، بعدها ترفع مغرو
ر، ومن ثم كبوة، ثم نقمه
ما نراكم إلا فتات رجال
تتهاوون من أعالي القمه
وغدا ... ... ... ... ...
هو : ... ما غد؟ ... ... ...
هي : ... ... ... رجوع إلى الما
ضي! ... ... ... ...
هو : ... أتفنى لذاتنا؟ ... ...
هي (بتهكم خفيف) : ... ... ... لا! ستحيا.
هو :
وا يقيني! قد خفت أن تتلاشى
جبلت في دمي طبيعة جنسي
غرفة ... ثم بعدها فليخب ال
عمر ... إن الحياة رعشة لمس
في دمي قد جرى التناقض: من نف
س كبركان والشعور بنفسي
قلق قام ... ... ... ... ...
هي : ... ... لا تخف! ... ... ...
هو (بقلق) : ... ... ... كيف؟ ... ...
هي : ... ... ... هات ال
كأس ... ... ... ... ...
هو : ... من ثم؟ ... ... ...
هي (مجتذبة الكأس إلى ثغرها) : ... ... ... غيبة عن وجود
هو (خائفا وجلا) :
بعد؟ ... ... ... ...
هي (بإغراء) : ... دنيا من الملاحة والإر
ضاء ... ... ... ... ...
هو (بذعر شديد) : ... لا، لا ... ... ...
هي (بتخاذل) : ... ... ... اشرب! ... ...
هو (نافرا) : ... ... ... ... خداع فحيدي
هي :
لم تخشى النساء؟ ... ... ...
هو : ... ... ... لا، لست أخشا
هن؛ بل أخشى من يذر وجودي
أنا أبغي جسما توقد بالنا
ر ... ولكن لا يحرقن رغابي
جسد المرأة اللعين خطايا
تشتوينا ولا نني باقتراب
شمعة النور تخلب الغر من كل
فراش فيرتضي باللهاب
يتدانى من منبع النار والنو
ر فيمسي - لبرهة - في التهاب!
هي (بإغراء وتخاذل) :
لا تخف، إقترب تعال اعتصر لا
تحترق مثلي، أنت كأس الشباب
هو :
أنا أبغيك، غير أني أخاف ال
إحتراق الرهيب ... ... ... ...
هي : ... ... لا تخش ما بي
جسد نابض تطلب رعشا
ت لينساب في هدوء العذاب
هات كأسا وثم أخرى ... فما العم
ر سوى لذة وكأس شراب!
هو :
وأنا؟ ... ... ... ...
هي : ... أنت؟ ذوب شعر وفن
عبقري يميد في الأوصاب
هو :
شئت لو لم أكن صنيعة شهوا
تي! ... ... ... ...
هي : ... سدى ترتجي! ... ...
هو : ... ... ... فيا لخرابي
منبع العبقرية الحلو كدر
ناه في رجس خمرة وكعاب
غير أني ... ... ... ...
هي : ... ... تعال! ... ...
هو : ... ... ... ويحي! ...
هي : ... ... ... ... هراء
أنت ما شئت ... ... ...
هو (صارخا بضعف) : ... ... ... لا! ... ...
هي : ... ... ... ... وشاءت رغابي
أنت ملكي أردت أم لم ترد ...
هو (مستسلما) : ... ... ... ... ... ... لا
هي :
من عيوني نهلت كوب الجحود
من رموشي فهمت معنى الوجود
وبوجهي قرأت سفر العهود
جسدي مصهر لفن الخلود!
كيف؟ ... ... ... ... ...
هي : ... أقبل! ... ... ... ...
هو : ... ... أخاف ... ... ...
هي (تنضو بعض ثيابها) : ... ... ... خذني! ... ...
هو : ... ... ... ... سدى تب
غين مني! فمتعتي من بعيد
أتغذى بالفكر! ... ...
هي (بجنون) : ... ... غر! سينقا
د سريعا بكسرة من وعود
زهد اليوم مذ رآني كما يه (مهددة):
وى غدا مصرع الغرور العنيد (تخرج.)
هو (لنفسه) :
أنا يا حسن! ... كافر بك! لا أر
ضاك إيمانا لي على طول باعك
أنت منهم معبودهم! ذل معبو
د إلى الخزي يرتضي بابتياعك
كنت مني محط قدسية الأ
مس ... إلى أن قضى الهدى باقتلاعك
لست مني ... ولست منك ... فقد ما
لت شراعي فمل إذن بشراعك
3 نيسان 1945
وجهة نظر
حوار في منظر واحد
من الكفر الثاني
المتحاورون «ذاك»:
الأب. «تلك»:
الأم. «هو»:
الابن. «أنا»:
أنا. (في قبو الزمان.)
ذاك : «تلك» شاءت! ... ... ... ...
هو : ... ... فداك نفسي! وما شا
ءت ... ... ... ...
ذاك : ... ترى فرحة بعرسك يا ابني
هو :
فرحة العرس؟ ويح نفسي عليها
أنا لما أزل صغير السن
ذاك :
كيف؟ ... ... ... ...
هو : ... أنفقت من حياتي عقدي
ن! ... ... ... ... ...
ذاك : ... أعقدان، لا ترى أن تبني؟
قل لها يا بني إنك ترضى!
هو :
لا! ونفسي فما أطيق القيودا
أنا في روضتي، فدعني أشم ال
آس والزهر والندى والورودا
لا تصوح شبابي البكر في الإص
باح دعني حتى أشب سعيدا
ذاك :
ضلة ما تقول ... ...
هو : ... ... ... أنت جليل
كيف ترضى بأن أموت اعتصارا
الزواج المجلوب مقبرة الح
س ... ... ... ...
ذاك : ... ضلالا ما تدعي وشنارا
سفهتك الأيام فانقدت للطي
ش وحملت رأيها والعارا
الزواج المجلوب يسعد ... ...
هو (مقاطعا) : ... ... ... لا! لا!
ذاك (زاجرا) :
أترى أن تميل بي عن يقيني؟
لم أعود تطاولا منك! ...
هو : ... ... ... ... عفوا
لم أشأ أن أثير مني معيني
لي رأيي أحبه وأراه
كن معيني عليه لا تخزيني
ذاك :
يا بني ارتدع! فما شئت إلا
أن أراك السعيد في أيامك
يا بني اقتصد! ولا تتبنى
كل رأي تراه في أوهامك
يا بني الحذار من فتنة الطي
ش ومن خدعة اندفاع غرامك
كن مثيلي؛ قالوا، فما قلت إلا
قولهم ... ... ...
هو : ... لست أستطيع! ...
ذاك : ... ... ... أتأبى؟
هو :
يا أبي! ... ... ... ... ...
ذاك : ... ... مه! ... ... ... ...
هو (متوسلا) : ... ... ... أبي! ... ... ...
ذاك : ... ... ... ... صه! ... ...
هو : ... ... ... ... ... استمع لي!
ذاك (غاضبا) :
قد سمعت العقوق يجحد ربا
هو (مستعبرا) :
أبتاه! ... ... ... ...
ذاك : ... مه ... ... ...
هو : ... ... رضيت! ... ...
ذاك (معانقا ابنه) : ... ... ... فيا بش
راك يا «تلك» قد أثابك حبا!
أنا :
أنا يا فكر، مؤمن بك مزهو
أراك النهار في كل ليل
كلما أطفأ العبيد شعاعا
من ضيائي وجدت نورك يجلي
لم أكن كافرا وآمنت، لكن
كنت حرا بين العبيد، فمن لي
ضاع صوت الإخلاص في زحمة الغد
ر فضم الرئبال شبلا لشبل
وانزوى يفطم الشبال على الثأ
ر، فكبر إما لوى كل عبل
ففطام عن اللبان رضاع
بدماء في ثدي جيلك تغلي!
دمشق في 16 تشرين الأول 1948
مصرع المثال
تمثيلية شعرية موسيقية: حوار في مشهدين من تمثيلية كاملة (سيقدر لكامل التمثيلية أن تطوى ليظهر هذان المشهدان.)
أصل الأسطورة ما معناه
نحت «بجمليون» - وهو المثال القدير - تمثالا رائعا من العاج - وقيل من غيره - أسماه «جالاتيا» أحبه حتى عبده، ثم طلب إلى الآلهة أن تنفخ فيه من روحها، فما إن دبت الحياة في جالاتيا حتى فسدت! فعاد «بجمليون» يطلب إلى الآلهة أن تعيدها تمثالا ففعلت، ثم حطم التمثال.
إلى ملهمنيها
الأستاذ توفيق الحكيم
تقضي الأمانة الأدبية أن أشير إلى أن الفضل في اختيار هذه الأسطورة لتكون مادة لتمثيليتي يرجع إليك يا سيدي الفنان الحق! لأنك استطعت بلدونة قلمك أن تغلغل في أطوائي سحر هذه الأسطورة لما نشرتها في كتابك الفني «بجمليون».
فأخذت عن قلمك هذا السحر الذي رشقته بعبقريتك بين أحرف المطبعة الجامدة، فأحلتها إلى مخلوقات حية متحركة لها سحرها ولها تأثيرها العميق وحيويتها الصارخة.
المتحاورون
بجمليون:
المثال الذي خلق وحطم.
جالاتيا:
المخلوق - التمثال - الذي لم يستحق الحياة فتحطم.
نرسيس:
صديق «بجمليون».
الصديق
أيهذا الإنسان قدسك الله
وصب الإخلاص في أعراقك
ونضا عنك صبغة اللؤم في الفج
ر، بيوم الميلاد، عند انطلاقك
وحباك الفؤاد ينبض بالحس
لتأسو الجراح من إشفاقك
وسقاك الحنان في أكؤس الحب
لتروي الظمآن من أخلاقك
ثم سماك ب «الصديق» وإن كن
ت خيالا لم تأت بعد انبثاقك
14 / 3 / 1943
المشهد السابع من الفصل الثالث (الممثل - قواعد رخامية ينتصب على إحداها تمثال «جالاتيا» بعد أن فارقته الحياة وعاد تمثالا. يدخل «بجمليون» متباطئا، يبدو عليه الكبر تماما، مشعث الشعر، زائغ البصر، يلهث لهاثا مضطربا متتابعا، يستند إلى تمثال نصفي منهوكا. الرياح في مبدأ ثورتها. موسيقى خفيفة ولكنها تنذر بالثورة.)
بجمليون (بإعياء!) :
وهنت قوتي وملت إلى الموت وعي ال
لسان والقلب يقرع
ويقيني إن المصير قريب
بصري زاغ والنهى ليس يسمع
وأراني يبست عضوا، فعضوا
وتمشى الإعياء في وأسرع
وتوالت نوائب الدهر تصمي
ني وترمي عقيدتي كي أخضع
وأنا مثلما تكونت لا أعن
و لغير الإخلاص للفن أجمع
كنت أبغي ألا أذوب وإن ذب
ت ففي ما ابتدعت أحيا وأرتع
كان همي ألا أموت فولي
ت كأن لم أكن وما عدت أنفع (تظهر عليه بوادر الجنون ... يصرخ):
ويح عقلي! كيف انطلقت إلى «في
نوس» أبغي أن تأخذ الروح منها؟
سحرتني، إذ كيف أطلب هذا؟
أتراني أعيش بالبعد عنها؟
يا لعقلي! ... ... ... ... ... (يضحك ثم يكف. يقترب من التمثال.) ... ... بل يا لها من فتاة
خيبت ما ظننت في تمثالي
كيف فرت مع اللئيم وأبقت
1
ني وحيدا أحار في أحوالي
كيف فرت؟ ولم أضع في بناها
أي إثم أو خسة في الخلال (ينفجر):
لا! رمتني ودستها! ... ... (يهدأ قليلا.) ... ... ... كيف هذا؟
إنها صنعتي وفيها أمالي
أنا أبدعتها كما شئت أنثى
مثل عال في كمال الكمال
وعبدت الجمال فيها فلما
حلت الروح ضاع حسن الجمال
فاكتست حلة النساء وسارت
في طريق الوضاعة القتال (يصرخ):
أصنيعي العظيم يمسي وضيعا؟ (يتعالى صفير العاصفة، مع موسيقى عاصفة.)
خسئت! لن تعود للأوحال
أنا إن مت قد تعيش ومن يد
ري؟ فقد تنثني إلى الابتذال
ثم تحتل وصمة في جبيني
بدل الفخر في الورى وجلالي؟!
ليس من حقها الحياة، وحقي ال
موت بل يقتضي الوفا بالزوال
بعد يوم أمضي وأنت؟ ... (يفتش عن مطرقته فيعثر عليها، فيتناولها ويهجم على التمثال محطما.) ... ... ... ... ستمضي
ن سريعا! ... ... ... ... ... وبعدها ... ... ... ... ... لن أبالي
لن أبالي ... ... ... ... ... ولن أبالي ... ... ... ... ... فموتي
ثم موتي ... ... ... ... تحطمي ... ... ... ... بامتثال (يدور في المكان محطما صارخا منهوكا.)
سيقولون ... ... ... ... ... جن! ... ... ... ... وابتاع بالعق
ل ترابا ... ... ... ... ... ... وعندها ... ... ... ... ... لا أبالي
لا أبالي ... (ينكفئ على وجهه مغمى عليه، وتنقطع الموسيقى فجأة، ويبقى صفير العاصفة يخف رويدا رويدا.)
المشهد الثامن (يدخل نرسيس.)
نرسيس :
ما أرى؟ ... ... ... ... (مذعورا): ... ... ما أرى؟ ... ... ... ... ... ... إلهي إلهي
جن بجمال ... ... ... ... حطم التمثالا (يهرع إلى بجمليون ويجثو إلى جانبه.)
بأبي أنت! ... ... ... ... ... ما أصابك «بجمل
يون»؟ ... ... ... ... ... ... ... قل لي ... ... ... ... (باكيا): ... ... ... فه! ... ... ...
بجمليون (متحركا) : ... ... ... ... لا أخاف الزوالا
لم أمت بعد؟ ... ... ...
نرسيس (فزعا) : ... ... ... لم تموت؟ ...
بجمليون : ... ... ... ... ... أتاني
وحي نفسي ... ... ... ... ... فقد ... ... ... ... ... سئمت النضالا
نرسيس :
أنت حطمتها؟ ... ... ...
بجمليون (بضعف) : ... ... أجل! ... ...
نرسيس : ... ... ... !ويح نفسي
فلقد ضاع ما خلقت وذالا
بجمليون :
أين مني المنقاش؟ ... ...
نرسيس : ... ... ... ضاع! ...
بجمليون : ... ... ... ... أعده!
نرسيس :
لن يعود المنقاش ... ... ... ...
بجمليون (بصوت ضعيف) : ... ... ... ما أنا أسمع!
نرسيس (بصوت عال) :
لن يعود المنقاش ... ... ...
بجمليون (متوسلا) : ... ... ... لا! بل أعده
سوف ... ... ... ... ... أحيي ... ... ... ... ... «جالاة» ... ... ... ... ... اخرى ... ... ... ... وأرفع!
نرسيس (آسفا) :
لم تعد قادرا ... ...
بجمليون (وهو يجود بنفسه) : ... ... ... لماذا ... ... ... ... ... لماذا؟
إن... ... ... ... ... ... ... ...نني ... ... ... ... ... ... ... ... خا... ... ... ... ... ... ... ...لق ... ... ... ... ... ... ... ... سأح... ... ... ... ... ... ... ...يا ... ... ... ... ... ... ... ... وأص... ... ... ... ... ... ... ...نع! (يقضي.)
نرسيس (مستعبرا) :
عبثا نطلب الخلود، بني المو
ت، فمن كان للردى ليس ينفع
كلما حاول الصعود تعالى
وتعالى، وسوف ينكب أجدع
طينة نحن ليس نعلو عليها
وإذا كان فالنهى قد يخدع (إلى بجمليون بحسرة):
عد كما كنت للتراب ولا تر
جع! وكل لأصله سوف يرجع
3 / 4 / 1944
Bilinmeyen sayfa