ففي الباب الرابع والخامس لا نذكر إلا الماضي المقيد والمصدر فقط طلبا للإيجاز، ومتى قلنا في فعل مضارع بالضم أو بالكسر فاعلم أن ماضيه مفتوح الوسط لا محالة - وكذا أيضا لا نذكر مصدر الفعل الرباعي مع ذكر الفعل إلا نادرا؛ لأن مصدره مطرد على وزن الأفعال بالكسر لا يختلف - وكذا نسند كل فعل نذكره إلى ضمير الغائب غالبا؛ لأنه أخصر في الكتابة إلا في موضع يفضي إلى اشتباه الفعل المتعدي باللازم اشتباها لا يزول من اللفظ الذي نفسر به الفعل، أو يكون في إسناده إلى ضمير المتكلم فائدة معرفة كونه واويا أو يائيا نحو: غزوت ورميت؛ فيكون إسناده إلى ضمير المتكلم دالا على مضارعه، أو يكون مضارعا فيكون إسناده إلى ضمير المتكلم مع النص على حركة عين الفعل دالا على بابه نحو: صددت ومسست ونحوهما، أو فائدة أخرى إذا طلبها الحاذق وجدها فحينئذ نسنده إلى ضمير المتكلم، ونترك الاختصار دفعا للاشتباه أو تحصيلا للفائدة الزائدة، وإنما نذكر في أثناء المختصر لفظ الماضي مع قولنا: إنه من باب كذا؛ لفائدة زائدة على معرفة بابه، وهي: كونه متعديا بنفسه أو بواسطة حرف الجر وأي حرف هو، وأما ما عدا الثلاثي من الأفعال فإنا لم نذكر له ميزانا؛ لأنه جار على القياس في الغالب، فمتى عرف ماضيه عرف مضارعه ومصدره إلا ما خرج مضارعه أو مصدره عن قياس ماضيه فإنا ننبه عليه، وكذا أيضا لم نذكر الفعل المتعدي بالهمزة أو بالتضعيف بعد ذكر لازمه؛ لأن لازمه متى عرف فقد عرف تعديه بالهمزة والتضعيف من قاعدة العربية، كيف وإن تلك القاعدة مذكورة أيضا في حرف الباء الجارة من باب الألف اللينة في هذا المختصر. فإن اتفق ذكر الفعل لازما أو متعديا بواسطة، فذلك لفائدة زائدة تختص بذلك الموضوع غالبا.
قاعدة ثالثة
اعلم أنا متى ذكرنا مع الفعل مصدرا بوزن التفعيل أو التفعل أو التفعلة، أو ذكرنا مصدرا من هذه الأوزان الثلاثة وحده، أو قلنا فعله فتفعل؛ كان ذلك كله نصا على أن الفعل مشدد؛ إذ هو القاعدة فيؤمن الاشتباه فيه مع ذلك، والتزمنا من الموازين أنا متى قلنا في فعل من الأفعال أنه من باب ضرب أو نصر أو قطع أو غير ذلك من الموازين المعدودة؛ فإنه يكون موازنا له في حركات ماضيه ومضارعه ومصدره أيضا على التصريف المذكور عند ذكر الموازين لا على غيره إن كان للميزان تصريف آخر غير التصريف الذي ذكرناه، وأما الأسماء فإنا ضبطنا كل اسم يشتبه على الأعم الأغلب إما بذكر مثال مشهور عقيبه، وإما بالنص على حركات حروفه التي يقع فيها اللبس، وإن كان كثير مما قيدناه يستغني عن تقييده الخواص؛ ولهذا أهمله الجوهري - رحمه الله تعالى - لظهوره عنده، ولكنا قصدنا بزيادة الضبط بالميزان أو بالنص عموم الانتفاع به، وأن لا يتطرق إليه بمرور الأيام تحريف النساخ وتصحيفهم، فإن أكثر أصول اللغة إنما يقل الانتفاع بها، ويعسر لعلتين:
إحداهما:
عسر الترتيب بالنسبة إلى الأعم الأغلب.
والثانية:
قلة الضبط فيها بالموازين المشهورة وقلة التنصيص على أنواع الحركات اعتمادا من مصنفيها على ضبطها بالشكل الذي يعكسه التبديل والتحريف عن قريب، أو اعتمادا على ظهورها عندهم فيهملونها من أصل التصنيف.
وهنا تم ما أردنا إيراده في شرح خطبة الكافي من الفوائد التي لا يستغني عنها من أحب أن يكون على بصيرة في علم اللغة، وقد آثرنا الإيجاز في كثير من المواضع، ونسأل من لا يخيب راجيه أن يقيلنا العثرة، وأن يجعلنا ممن يجزى بالحسنى.
Bilinmeyen sayfa