ولا يدفع ذو علم بعكرمة ومعرفة بمولاه عبد الله بن عباس أن عكرمة كان -وهو رجل مجتمع- لابن عباس مملوكًا، بل كان من. خواص مماليكه وأنه لم يَزَلْ في ملكه حتى مضى لسبيله رحمه الله تعالى، مع علمه به وبموضعه من العلم بالقرآن وتأويله وشرائع الإِسلام وأحكامه، وأنه لم يُحْدِث له إخراجًا عن مِلكهِ ببيعٍ ولا هِبةٍ؛ بل ذُكر عنه أنه ربما اسْتَثْبَتَه في الشيء ثم يَسْتَصوِبُ فيه قوله.
ولو كان ابن عباس اطَّلع منه على أمرٍ -في طول مكثه في مِلكه- مذمومٍ، أو مذهبٍ في الدين مكروهٍ، لكان حريًّا أن يكون قد أخرجه عن ملكه أو عاقَبَهُ بما يكون له من مذهبه أو فعله (١)، أو يتقدم إلى أصحابه بالحذر منه ومن روايته، وأعلمهم من حاله التي اطلع منه عليها ما يوجب لهم الحذر منه والأخذ عنه.
وفي تقريظ جِلَّةِ أصحاب مولى عكرمة إياه ووصفهم له بالتقدم في العلوم وأمرهم الناس بالأخذ عنه: كجابر بن زيد أبي الشعثاء ومنزلتُه من الإِسلام منزلتُه، وموضعُه من الحلال والحرام موضعُه، وتقدمه في الفضل، الذي يقول -وقد سُئِلَ عنه -: هو البحر فَسَلُوه.
وكسعيد بن جبير، ومكانه من العلم بالحلال والحرام، ومعرفته بالشرائع وتأويل القرآن ومحله من الإِسلام، يقول -وقد سُئِلَ: هل بقي أحد أعلمُ منك؟ - فيقول: نعم! عكرمة.
_________
(١) كذا بالأصل، وكأن في العبارة سقطًا، ولعل الصواب: بما يكون له رادعًا ...
1 / 35