208

Jurisprudence of Worship According to the Hanafi School

فقه العبادات على المذهب الحنفي

Türler

تندب زيارة قبر النبي ﷺ ندبًا مؤكدًا، بل تقرب من درجة الواجبات لمن له سعة. فإنه ﷺ حرض عليها وبالغ في الندب إليها فقال ﷺ فيما رواه عنه ابن عمر ﵄: (من زار قبري وجبت له شفاعتي) (١)، وعنه أيضًا قال: قال رسول الله ﷺ: (من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي) (٢) إلى غير ذلك من الأحاديث.
فإذا نوى المسلم زيارة القبر الشريف فلينو معه زيارة المسجد النبوي أيضًا، فإنه أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، لما روى أبو هريرة ﵁ يبلغ به النبي ﷺ: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام ومسجد الأقصى) (٣) .
وينبغي لمن رغب في زيارة قبر النبي ﷺ أن يكثر من الصلاة والتسليم عليه ﷺ في طريقه إلى المدينة المنورة. فإذا عاين حيطان المدينة يصلي على النبي ﷺ ثم يقول: "اللهم هذا حرم نبيك ومهبط وحيك فامنن عليّ بالدخول فيه، واجعله وقاية لي من النار وأمانًا من العذاب، واجعلني من الفائزين بشفاعة المصطفى يوم المآب".
ويغتسل قبل الدخول أو بعده قبل التوجه للزيارة إن أمكنه، أو يتوضأ، ويلبس أحسن ثيابه ويتطيب تعظيمًا للقدوم على النبي ﷺ.
ثم يدخل المدينة المنورة ماشيًا، إن أمكنه، متواضعًا بالسكينة والوقار ملاحظًا جلالة المكان قائلًا: "بسم الله وعلى ملة رسول الله ﷺ. رب أَدْخِلني مُدْخَل صِدق وأخرجني مُخْرَج صِدق واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا. اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل محمد واغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك وفضلك".
فإذا وصل باب مسجده فليقدم رجله اليمنى في الدخول، ثم يأتي الروضة فيصلي ركعتين تحية المسجد عند المنبر بحيث يكون عمود المنبر بحذاء منكبه الأيمن، لما روي عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة. ومنبري على حوضي) (٤) . ثم يسجد شكرًا لله تعالى بأداء ركعتين غير تحية المسجد لما وفقه الله ومنّ عليه بالوصول إليه، ويدعو بما يحب ولمن أحب.
ثم يتوجه إلى قبره الشريف ﷺ فيقف بعيدًا عنه بمقدار أربعة أذرع، بغاية الأدب، مستدبر القبلة، محاذيًا لرأس النبي ﷺ، ملاحظًا في قلبه منزلة من هو بحضرته وسماعه لكلامه، فعن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (ما من أحد يُسلم عليّ إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أردَّ ﵇ (٥) ثم يسلم ويقول: "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبيّ الله، السلام عليك يا صفيَّ الله السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا نبيَّ الرحمة، السلام عليك يا شفيع الأمة، السلام عليك يا سيد المرسلين، السلام عليك يا خاتم النبيين وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين، جزاك الله عنا أفضل ما جزى نبيًا عن قومه ورسولًا عن أمته، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وأوضحت الحجة، وجاهدت في سبيل الله حق جهاده، وأقمت الدين حتى أتاك اليقين، فصلى الله عليك إلى يوم الدين. يا رسول الله نحن وفدك وزوار قبرك، جئناك قاصدين قضاء حقك والتيمن بزيارتك والاستشفاع بك إلى ربنا، فإن الخطايا قد قصمت ظهورنا والأوزار قد أثقلت كواهلنا، وأنت الشافع المشفع. قال تعالى: ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابًا رحيمًا﴾ (٦) . وقد جئناك ظالمين لأنفسنا مستغفرين لذنوبنا، فاشفع لنا إلى ربك، واسأله أن يميتنا على سنتك، وأن يوردنا حوضك، وأن يسقينا بكأسك غير خزايا ولا نادمين. الشفاعة الشفاعة يا رسول الله. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم".
ويبلغه سلام من أوصاه فيقول: "السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان، يستشفع بك إلى ربك، فاشفع له ولجميع المسلمين". ثم يصلي عليه ﷺ ويدعو بما شاء.
ثم يتحول قدر ذراع جهة يمينه حتى يحاذي رأس الصديق ﵁ فيقول مسلمًا عليه: "السلام عليك يا خليفة رسول الله، السلام عليك يا صاحب رسول الله وأنيسه في الغار ورفيقه في الأسفار، جزاك الله عنا أفضل ما جزى إمامًا عن أمة نبيه. اللهم أمتنا على حبه ولا تخيب سعينا في زيارته برحمتك يا أرحم الراحمين".
ثم يتحول مثل ذلك حتى يحاذي رأس عمر ﵁ فيقول: "السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا مظهر الإسلام ومكسر الأصنام. جزاك الله عنا أفضل الجزاء، ورضي عمن استخلفك". ثم يرجع قدر نصف ذراع فيقول: "السلام عليكما يا ضجيعَي رسول الله ﷺ ورفيقيه، جزاكما الله أحسن الجزاء". ثم يدعو لنفسه ولوالديه ولن أوصاه بالدعاء ولجميع المسلمين.
ثم يرجع فيقف عند قبر رسول الله ﷺ ويقول: "ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وإخواننا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
ويأتي الأسطوانة التي تاب عندها أبو لبابة ﵁ فيعلن توبته. وقد روي عن ابن عمر ﵄ (أن رسول الله ﷺ كان إذا اعتكف يطرح له فراشه أو سريره إلى اسطوانة التوبة مما يلي القبلة يستند إليها) (٧) .
ثم يأتي الروضة فيصلي فيها ما شاء ويدعو ويكثر من التسبيح والاستغفار، فعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام) (٨) .
ويستحب له أن يخرج بعد زيارته ﷺ إلى البقيع، فيأتي المشاهد والمزارات وخاصة قبر سيد الشهداء حمزة ﵁. ويقول: "سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، سلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون". ويقرأ آية الكرسي وسورة الإخلاص. فعن عائشة ﵂ قالت: كان رسول الله ﷺ كلما كانت ليلتها من رسول الله ﷺ يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدًا، مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) (٩) .
كما يستحب أن يأتي مسجد قِباء يوم السبت أو غيره ويصلي فيه ويقول بعد دعائه بما أحب: "يا صريخ المستصرخين، يا غياث المستغيثين، يا مفرج كرب المكروبين، صلِّ على سيدنا محمد وآله، واكشف كربي وحزني كما كشفت عن رسولك كربه وحزنه في هذا المقام، يا حنّان يا منّان يا كثير المعروف يا دائم الإحسان يا أرحم الراحمين"، لما روي عن ابن عمر ﵄ قال: (كان رسول الله ﷺ يأتي مسجد قباء راكبًا وماشيًا فيصلي فيه ركعتين) (١٠) .

(١) الدارقطني: ج ٢ / ص ٢٧٨.
(٢) الدارقطني: ج ٢ / ص ٢٧٨.
(٣) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٩٥/٥١١.
(٤) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٩٢/٥٠٢.
(٥) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ١٠٠/٢٠٤١.
(٦) النساء: ٦٤.
(٧) البيهقي: ج ٥ / ص ٢٤٧.
(٨) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٩٤/٥٠٦.
(٩) مسلم: ج ٢ / كتاب الجنائز باب ٣٥/١٠٢.
(١٠) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٩٧/٥١٦.

1 / 208