وعاد وجهه إلى مكانه وراحت ألوان النار تعبث بحبات العرق التي كانت قد احتلت جبهته، وبعض أجزاء وجهه المستطيل المتغضن المرتكز على ركبتيه الذي لا تستريح ملامحه، وقال وهو ساهم وعيناه في النيران: ياما تعلمت من يوم ما سبت الفلاحة، كنت مرابع باشتغل عند واحد بأردبين دره في السنة، وهجيت، كنت زهقان وغاوي مكن، كنت أسرق قطن تاني جمعة وأبيعه وأشتري صندوق دخان للأسطى محمد سواق اللنز بتاع عزبة المردنلي عشان يخليني أسوق اللنز وأحرث بيه خط، كل خط بصندوق دخان ودفتر بفره.
وسكت سيد قليلا ثم انتابت وجهه الرعشة العصبية التي كثيرا ما تنتابه، وكز على أسنانه وقال: بس كله إلا الترب، وأبو دومة ومراته.
وقال له حمزة: دول ناس كويسين جدا.
وانتابته الرعشة مرة أخرى وهو يقول: ومراته دي رخرة مناخيرها في السما بنت ال... - أبدا يا سيد دي ست كويسة، هي عملت فيك حاجة؟ - هي تقدر تعمل حاجة؟ - إنت كل ساعة تجيب سيرتها. - هي مين دي؟ دا إن مكانشي جوزها قادر عليها أربيها أنا. - إنت مشغول بيها قوي.
فارتعش وجهه مرة أخرى وقال: يعني مشغول ببنت السلطان ياخي؟ دي ...
وبصق مشمئزا.
وراقبه حمزة وهو يضم فمه بشدة ويحك أظافره في أظافره وينقبض وجهه وينبسط، وكان سيد هكذا دائما يحس حمزة كلما رآه أنه في قلق مستمر، حتى وهو صامت يضج صدره بالأزمة ويبدو على لسانه كلام لا ينطلق ووراء ملامحه كبت مستطير.
وقطع صمته وقال في صوت يجاهد ليفلت من أسنانه المضمومة: كل أما بشوف واحد متعلم زيك وسايب عيشة لوكس وجاي يناهد ويانا احنا اللي الواحد بتطلع روحه علبال ما يطلع اللقمة، أبقى عايز اقوم على أولاد الكلب اخنقهم واحد واحد.
ثم لاحت ابتسامة شاحبة على وجهه وقال: وبعد ما يروحوا الانجليز في داهية، أظن مش حنشوفك.
وكانت النار قد خبت وتحولت إلى بصابيص تشع ضوءا أحمر بلون وجه حمزة وسيد وكل ما حولهما من أشياء، حين قال حمزة: بس لما يروحوا، الحكاية يا سيد مش حكاية الانجليز؛ دي حكايتنا احنا، حياتنا ومستقبلنا على الأقل في الميت سنة الجايين، لغاية لما العيشة كلها تبقى لوكس زي ما بتقول.
Bilinmeyen sayfa