وعاد ينظر إلى فوزية ليؤكد ثقته بنفسه، ولكن اضطرابا عظيما ألم به وهو يرى أن من أمامه لم تعد فوزية، لم تعد الصغيرة، المتعبة، المتحمسة، التي تكاد أن ترتجف من البرد؛ إنها أمامه قبس من نور ساطع براق لا يستطيع مواجهته، إنها تكاد تستحيل في عينيه إلى شيء مقدس كقسم المكافحين، كالتضحية، كأمل الملايين في يوم الخلاص، ولكنه لم يعد في إمكانه التراجع، عليه أن يستمر. - فيه موضوع. - إيه، اتكلم يا حمزة.
وابتسمت، يا لبسمتها تلك وفي ذلك الوقت بالذات! البسمة التي تذيب الإرادات إن شاءت وتصنع الأبطال إن أرادت، البسمة التي قد يواجه الإنسان جيشا ولا يستطيع مواجهتها. - بقى شوفي يا فوزية، أقصر خط بين نقطتين هو الخط المستقيم، وأنا مش عارف ابتدي ازاي، إنما دي حاجة مليش بيها أي دخل، حصلت غصب عني، بصيت لقيت حاجات عمالة تتجمع وتتراكم لغاية ما ماقدرتش أستحمل، فاهماني ازاي؟ وإذا كنت بكلمك النهاردة فلأني معتش قادر أستنى لبكره، خلاص فاض الكيل فاهماني ازاي؟
وتساءلت فوزية في دهشة كثيرة: إيه الحكاية؟ إيه المشكلة؟
فواصل حمزة كلامه وهو كثيرا ما يحدق في سطح المكتب الزجاجي المضيء وقليلا ما يحدق فيها: المشكلة إني أنا من مدة ابتديت أحس ناحيتك بإحساسات تانية غير إحساسات زمالتنا في المعركة وزمالتنا في الكفاح، قاومت هذه الانفعالات من أول دقيقة، إنما كان بيحصل حاجة غريبة قوي؛ فكل ما كنت بقاومها كل ما كانت بتزيد بشكل خطير، والمشكلة إني حسيت إني لازم أناقش معاكي بصراحة المسألة دي، فإيه رأيك؟
وبدأت فوزية تتخذ أهبتها للرد، ولكنه واصل كلامه: أرجوك حاولي تاخدي المسأله بعمق وبشكل جدي، أنا عمري ما مريت بحالة زي اللي أنا فيها دي.
وبدأت فوزية تستعد للرد ولكنه استطرد قائلا: المشكلة خاصة جدا، ومهما كان رأيك فيها، ومهما كان جوابك فأرجو إن ده لا يؤثر على العمل اللي بنؤديه مع بعض، أهم شيء هو المعركة باستمرار.
واعتزمت فوزية هذه المرة أن ترد، ولكنه استوقفها بإشارة راجية من يده: أرجوكي برضه إنك تفكري أكثر في المشكلة، مش عايزك حتى تتكلمي دلوقت؛ فأنت لا تتصوري أهميتها عندي.
وهنا قاطعته فوزية وأرغمته على التوقف وانطلقت تقول: متتكلم بصراحة أكتر، متقول يا أخي إنك بتحبني وتنتهي وإنك عايزني أحبك، مش هي دي المشكلة؟ مش هي دي الحكاية اللي اجتمعنا علشنها؟ احنا ورانا ايه غير كده، لا كفاح ولا يحزنون، فضينا للحب.
وحاول حمزة أن يقاطعها ويتكلم ولكنها استمرت: أنا كنت فاكرة إن الناس اللي زيك حاجة تانية، كنت فاكرة إن العمل الخطير اللي وراهم أهم من الحاجات التافهة اللي بيجري وراها كل الناس.
وهنا أصبح الحوار من الصعب أن تعرف قائله، وأصبح صوت الأعلى هو المسموع حين رد حمزة قائلا: دي مش حاجات تافهة يا فوزية، دي حياتنا. - حياتنا أسمى من كده، حياتنا وراها حاجات أهم من كده، المفروض إننا نحترق عشان غيرنا يعيش. - أبدا، احنا يجب نعيش ونكافح علشان الناس تعيش، احنا مش رهبان ولا ملائكة، احنا بني آدمين، احنا عايزين نحب وكل الناس تحب. - بلاش كلام فارغ، حرمانا هو الضريبة اللي بيفرضها علينا الكفاح. - إذا عملنا كده نبقى شواذ، نبقى بنخرف وكفاحنا يبقى كله تخريف. - طبعا، أمال حتقول ايه غير كده؟ أنت عاوز تفلسف انحلالك، إنت اللي كلامك كله تخريف، أنا اللي غلطانة، مش ممكن كنت أتصور، دا منتهى الانحلال، إنت بتخون دورك وثقتي فيك، إنت انتهيت، أنا لازم أناقش زملاءك دا منتهى الشناعة.
Bilinmeyen sayfa