وذهب إلى المطبخ الأنيق ذي الفريجيدير الضخم والبوتاجاز والطلاء الأبيض الناصع الذي يلون جدرانه وأرففه ودواليبه، ويحيله إلى شيء يكاد يقترب من حجرة العمليات، كثيرا ما فكر حمزة أن ينام فيه، وسمع صوتها يأتيه من بعيد: عاوزة كباية كبيرة، سكر مظبوط وحياتك.
فرد عليها بصوت مرتفع: بس كده؟
وبحث بعينيه في الدولاب حتى وجد كوبا يصلح.
وبعد برهة كان ينقل أقدامه بحرص وهو يحمل صينية عليها كوب القهوة المضبوط، وفنجان سكر زيادة صنعه لنفسه، وماء مثلجا، وما إن رأته حتى ضحكت وقالت: ياه! أشكرك جدا! دا أنت ولا جروبي!
وأخذت رشفة من الكوب ثم قالت: تصور إني أديت ست حصص النهاردة! أنا دماغي خلاص، والمشكلة إني بعد ما بارجع البيت بافتح مدرسة تانية لاخواتي. - إنتي ليكي أخوات؟ - بنتين أصغر مني. - وحلوين زيك كده؟
قالها حمزة مدفوعا بطاقة الحديث ليس إلا، وأنب نفسه بسرعة وفظاعة على ما قال وكأنه ارتكب إثما.
وساد سكوت لم تكن تسمع خلاله إلا رشفات القهوة، وكان من العسير والمكتب يفصلهما وكل يتحاشى النظر في وجه الآخر ويتلهى باحتساء القهوة، والهدوء مخيم وجميل والظلام قد بدأ يدب إلى الخارج والجو يوحي بالصمت، كان من العسير استئناف الحديث، ولكن حين بحث حمزة بيديه وأخرج سيجارة من درج المكتب قالت فوزية: مش قلتلك، حتبقى كيف؟
فقال حمزة وهو لا يزال يبحث عن الكبريت: أبدا، أصل الواحد أعصابه ...
وأخيرا أشعل السيجارة وقال وهو يكح: أظن نبدأ العمل. - أيوه. - بقى شوفي يا ستي، أنا بقيت زي الفار في المصيدة بعدما فقدت كل اتصالاتي، ودلوقتي انتي الصلة الوحيدة اللي باقية لي، فاهماني ازاي؟ أنا معرفشي استعدادك ايه، معرفشي إذا كنت فاضية ، ممكن تشتغلي واللا متشتغليش.
وقاطعته فوزية: بقى شوف يا سيدي! بلاش مقدمات وحياتك خش في الموضوع، عايز ايه؟! - عايزك تروحي لواحد وتقوليله إنك متصلة بي، وتوضبي معاه ازاي أقدر أقابله. - اسمه إيه وساكن فين؟ - اسمه حسن محمد حسن ما انتي لازم تعرفيه، مش فاكرة الجدع الطويل الضخم اللي كان معايا في الخيمة يوم ماجيتي. - أيوه. - أهو ساكن في القبيسي في حارة كشك نمرة 5. - اكتب لي العنوان. - أهه. - عاوز حاجة تانية؟ - أيوه، ده عنوان الأوضة اللي كنت ساكن فيه وده مفتاحها، تروحي هناك وتفرزي كل الورق اللي تلقيه مهم هاتيه معاكي، وإذا كان ممكن تجيبيلي الغيارين اللي هناك، وخلي بالك البيت لازم مراقب. - حاجة تانية؟ - أيوه تبعتي الإيجار لصاحب البيت في جواب مسوجر على نفس البيت، وآدي الفلوس. - بس؟! - بس، كلميني بقى عن جمعيتكم، فيها كام مدرسة، استعدادهم ايه؟ ممكن يعملوا ايه؟ - شوف.
Bilinmeyen sayfa