4
وقضى حمزة أياما كئيبة خانقة في الشقة الفاخرة يروح ويجيء كالطلقة الحبيسة.
الجرائد التي ينكب عليها طول اليوم فارغة خاوية، اختفت منها تماما أنباء الكتائب والمعركة وحفلت بتأييد التجار والشركات لرئيس الحكومة الجديدة منقذ البلاد وحامي حمى الوطن، نفس التجار والشركات الذين كانوا لا يتركون مناسبة تمر أيام الكفاح المسلح إلا ويعلنون تأييدهم التام للفدائيين وتبرعاتهم للكتائب.
تاجر الأسلحة اللعين لم يحضر في صباح الأحد الباكر ولا في ضحاه، حظر التجول مفروض، والقاهرة تموت مع الغروب والشتاء بارد، والخروج قد أصبح مخاطرة عظمى؛ فالبوليس السياسي منتشر والحملات تتزايد كل يوم وهاكستب قد فتح أبوابه يستقبل الوطنيين، وصلته قطعت تماما بأعضاء اللجنة، وحين طلب من بدير أن يذهب لمقابلة أحدهم قال له: اسمع ياخويا يا حمزة، تقعد عندي في الشقة على عيني وراسي، إنما تشغلني في الأمور بتاعتكو دي يفتح الله.
النقود التي معه مرصودة للسلاح ولا يملك فيها تصرفا وما عاد معه نقود، وفقد العمل.
ومع كل هذا كان شيء ما في نفس حمزة يأبى أن يصدق ما يحدث وينكر أن كل شيء قد انتهى، فكان أحيانا كثيرة يتحدث مع نفسه ومع بدير وكأن المعركة لا زالت قائمة، وكأن الضربة المفاجئة الغادرة لم تكن.
وأحيانا كثيرة كان يفكر في فوزية، ويعجب من الأمل الكبير الذي يعلقه على مقابلتها، فلحظات معرفته لها لم تتعد الساعة، ومع هذا فميعاده معها كان يبدو وكأنه كل ما تبقى له من أمل.
غير أن ذلك الأمل الأخير تبدد حين تذكر حمزة مفجوعا أن ميعاده معها في التاسعة، وأن حظر التجول يبدأ من السادسة ومن المستحيل عليهما أن يلتقيا.
وجاء يوم الأربعاء - ميعاد اللقاء - ومضى اليوم وحنق حمزة يتضاعف ويتضاعف حتى ليكاد يطغى على حنقه لمؤامرة الحريق كلها.
وفي صباح الخميس لم يغادر الفراش، وهم قابض يخنق روحه وإحساس يتملكه أنه فقد شيئا غاليا كان يعتز به، وكأن فوزية ماتت من حياته بل كأنها قتلت، وكأن قاتلها في نظره هو نفس حارق القاهرة وفارض النوم من الغروب، وخائن المعركة وسارق الأقوات.
Bilinmeyen sayfa