5
سيان إن كنت طودا للعلى شمخت
فيه العدالة والآداب والحلم
أو كنت ذا نقمة يغتال صاحبه
فالله يرضى بذا والشرع والأمم
فالرأي العام يقول: لا فائدة في كوني بارا إذا لم يذع فضلي ويشتهر بري وصلاحي في الملأ، فلا يصيبني من جراء ذلك سوى الاضطراب والخسران، مع أني لو كنت متعبدا وانتحلت شهرة عادل، فلي حياة سعادة لا توصف، فما دامت المظاهر الخارجية راجحة على الحقيقة الداخلية كما أوحي إلى الحكماء، وهي أول معارج السعادة، فيجب أن أستسلم بكليتي إليها، مستترا برداء الفضيلة، وأجر ورائي ذيلا ثعلبيا
6
من المكر والدهاء، على قول أرخيلوخس.
ورب قائل: إنه ليس من السهل استتار المنافقين طويلا. فنرد عليه أن ليس شيء من العظائم سهلا، وإذا رمنا السعادة فهذا هو سبيل الفوز بها، كما أثبت بحثنا ذلك؛ فلكي نخفي حقيقة خداعنا يجب أن نؤلف جمعيات سرية، وننشئ أندية أدبية، وهنالك أساتذة بارعون تجري البلاغة على ألسنتهم، قادرون على الإفحام في ميادين الشرع والبيان، وبهذه الوسائل الإقناعية، حسنت أو ساءت، نفوز بأغراضنا ونواصل أعمالنا الخداعية دون عقوبة. على أنه يقال إن مخادعة الآلهة والتغلب عليها مستحيلان. فنجيب: إذا كانت الآلهة غير موجودة، أو إذا كانت موجودة لكنها عديمة الاكتراث لشئون الخلائق، فلماذا نزعج أنفسنا مخافة مراقبتها أعمالنا ومعرفتها سرنا وجهرنا؟ وإذا كانت الآلهة موجودة وساهرة على مراقبة أمورنا، فلسنا نعرف عنها شيئا غير أساطير الشعراء الذين أوردوا أنسابها، فقد أخبرنا هؤلاء الثقات أن الآلهة تسترضى فتؤمن غوائلها وتحول عن مقاصدها بالذبائح والنوافل والتضرعات، فإما أن نؤمن بالقولين كليهما أو نرفضهما كليهما. فإذا قبلناهما سلكنا سبل التعدي وترضينا الآلهة بالذبائح المقتناة بالأموال التي ربحناها بجناياتنا؛ لأنه إذا كنا عادلين نجونا حقا من العقاب بين أيدي الآلهة، ولكنا بذلك ننفض أيدينا من الفوائد الناجمة عن التعدي. أما إذا كنا متعدين فلا نحرز هذه الفوائد فقط، بل نتمكن من التأثير في الآلهة بصلواتنا المرفوعة إليها بعد ارتكابنا المعاصي والآثام، فتعفو عنا. على أنه يعترض بأننا سنعاقب في هادز عن خطايا هذه الدار، التي نرتكبها نحن أو أحفادنا، بل بالحري يا صديقي (يستمر بطل الجدل في كلامه)
أن الطقوس السرية والآلهة الغفورة لها فاعليتها العظمى، كما اتصل بنا من أعظم الدول ومن أبناء الآلهة الذين تجسدوا شعراء وأنبياء ملهمين، فأثبتوا لنا صحة ذلك.
Bilinmeyen sayfa