وأسباب النقل متعددة على رأسها: (1) البحث عن الغذاء عند الجماعات البدائية تكنولوجيا. (2) التجارة الإقليمية والدولية. (3) أغراض سياسية وعسكرية. (4) أغراض ترفيهية ودينية ومعنوية. (5) الحركة اليومية من المدن الرئيسية وإليها. (1-1) البحث عن الغذاء عند الجماعات البدائية تكنولوجيا
سنتحدث بالتفصيل عن هذا الموضوع فيما بعد. ويمكننا أن نلخص ما سبق قوله في أن الجماعات البشرية القديمة السابقة على الزراعة والرعي، والجماعات البدائية المعاصرة في غابات أفريقيا وصحاريها الجنوبية، وفي أمازونيا وجنوب الأرجنتين وشيلي وتيرادلفويجو، والقبائل المنتشرة في داخلية النطاق الغابي الكثيف في الملايو وبورنيو والفلبين وغينيا الجديدة (إيريان وبابوا)، وغالبية سكان مجموعات الجزر الباسيفيكية. هذه الجماعات كلها تمارس الانتقال الدائم والموسمي من أجل الحصول على الغذاء، في دوائر محدودة المساحة، أو تنتقل في قواربها وراء الأسماك في مساحات محدودة أيضا من مياه الباسيفيك. أما حركة رعاة الإبل والبقر في السفانا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وصحاري منغوليا وسنكيانج، بالإضافة إلى رعاة الرنة في سيبيريا، والإسكيمو، صيادي الحيوانات البحرية في شمال أمريكا الشمالية؛ فحركتهم موسمية واسعة نسبيا، ومنتظمة سنويا.
ويشتمل انتقال هذه الجماعات غالبا على: «أ» في حالة السكن المستقر في أماكن الوفرة النسبية كالواحات أو النطاق الاستوائي أو نطاق السفانا أو جزر الباسيفيك، يقوم الشبان بالتنقل إلى معسكرات موسم المطر أو الصيد الوفير، بينما تظل معظم الجماعة في أماكن سكنها الدائم. «ب» في حالة البداوة الكاملة كما هو الحال عند أقزام وسط أفريقيا وبشمن كلهاري في أفريقيا الجنوبية، وإسكيمو الشمال الأمريكي، ولاب شمال اسكندنافيا وجماعات رعي الرنة السيبيرية، تنتقل الجماعة بكاملها، كبار السن وصغارهم، من مكان إلى آخر وراء الصيد أو إلى مناطق معينة تحددها إيكولوجية حيوان الصيد أو حيوان الرعي في العالم القطبي.
ويختلف الانتقال عند كل من الفئتين؛ فإن البداوة الكاملة تستدعي نقل كل ما تملكه الجماعة في ترحالها الموسمي، أو ترحالها الدائم بحثا عن الطعام عند جامعي الغذاء، بينما يقتصر التنقل في الحالة الأولى على معسكر الشباب فقط. ويترتب على اختلاف المستوى الحضاري عامة اختلاف في حجم المنقولات؛ فهي شديدة البساطة عند الجماعيين، بينما تتعدد المنقولات عند الرعاة أو الزراع البدائيين لتشمل المسكن ومستلزمات الحضارة الأعلى من أوعية متعددة الأغراض، إلى الطعام المحفوظ، إلى الملابس والأسلحة وأدوات الإنتاج المختلفة. وفي حالة الزراع البدائيين لا ينقل المسكن المبني عادة من الأخشاب، بل يترك ويبنى غيره في المكان الجديد.
وبناء على ذلك، فإن النقل عند الجماعيين لا يستلزم وسيلة نقل خاصة سوى النقل بواسطة الأفراد، وربما كان ذلك سببا من أسباب قلة منقولاتهم. ويشترك الزراع البدائيون مع الجماعيين في قلة منقولاتهم. أما الرعاة فإنهم يستخدمون حيوان الرعي في النقل، إما للحمل وإما للجر أو لكليهما معا.
وبرغم بساطة النقل عند الجماعات البدائية تكنولوجيا فقد كانت له آثار بعيدة بالنسبة لتعمير العالم؛ فإن الحركة المستمرة وراء الغذاء، سواء كانت للجماعيين أو الرعاة أو الزراع البدائيين، قد أدت طوال تاريخ الإنسانية إلى هجرات الشعوب الواسعة من أماكن محدودة على سطح الأرض، ليملئوا سطح القارات جميعا بحثا عن الغذاء. وهذه الهجرات قد تمت ببطء شديد. ولا شك أنها حدثت نتيجة تزايد العدد السكاني فوق موارد الإقليم الغذائية. وقد حدثت هذه الهجرات إما في صورة سلمية بسيطة وإما نتيجة الطرد بالقوة بواسطة جماعة وافدة غازية. ولكن هجرات الرعاة كانت دائما سريعة نسبيا نظرا لاستخدام وسائل النقل الحيوانية بالإضافة إلى التنظيم العسكري الذي يكون أساس حياة البداوة. (1-2) التجارة الإقليمية والدولية
ظهرت التجارة مع تقدم المستوى الحضاري والاقتصادي واستقرار الناس فيما بعد الثورة الإنتاجية الأولى - الزراعة واستئناس الحيوان - ونمو التخصص الإقليمي والاجتماعي في أشكال الإنتاج، ونوع الحرفة. وهذا التخصص في حد ذاته قد سبب نشوء التبادل التجاري، وما زال كذلك حتى الآن. وقد ارتبط حجم التبادل التجاري أولا بالاحتياجات المرغوبة، وثانيا بسعة وسائل النقل.
وفيما يختص بمدى تنوع الاحتياجات، فإن ذلك كان محدودا للغاية خلال معظم تاريخ الإنسان منذ اكتشاف الزراعة؛ ذلك أن الاكتفاء الذاتي كان هو النمط السائد في معظم مناطق الزراعة والرعي؛ فقد تأقلم الناس على أنواع الغذاء الذي يصنعه محصولهم الأساسي، وعلى أشكال الملبس الذي تمدهم به ظروفهم الإنتاجية والبيئية، وعلى أشكال الملبس الذي يرتبط بإيكولوجية المكان، وعلى أنواع الأدوات والأسلحة المرتبطة بتكنولوجية الإنتاج. وفيما عدا هذا كان احتياج المترفين إلى بعض المعادن والأحجار النادرة، وبعض منتجات من الأواني والمنسوجات الفاخرة المنتجة في أقاليم أخرى هو جل مكونات التبادل التجاري القديم. وفضلا عن ذلك ظهرت الحاجة إلى بعض المنتجات الضرورية من خامات مناطق بعيدة؛ كالحديد والنحاس والأخشاب الجيدة وخامات العطور والبخور وغير ذلك.
ولما كانت وسائل النقل محدودة السعة برغم تعدد أشكالها من قوافل الحمير أو البغال أو الخيول أو الإبل أو الإنسان، إلى عربات الجر والزحافات، إلى السفن النهرية والسفن البحرية، فإن التبادل التجاري في معظم فترات التاريخ المكتوب للبشرية، كان محدود الحجم ينطبق عليه خير انطباق المثل الشائع : «ما خف حمله وغلا ثمنه.»
أما التجارة فيما بعد العصر الصناعي فقد تغيرت صورتها تغيرا جذريا عما كانت عليه من قبل؛ فإن الاحتياجات البشرية من أجل الصناعة والاستهلاك قد توسعت بصورة مذهلة، بحيث شملت كل أشكال الإنتاج من الغذاء إلى الكماليات بين ساكني المدن، بينما تتحدد السلع المعروضة في الأسواق الريفية إلى أنواع قليلة من السلع الغذائية مقابل كثير من السلع المصنعة. وكذلك أدى انقسام العالم إلى متقدم صناعي ومتخلف أو نام ينتج الخامات بصفة أساسية، إلى نمط عالمي محدد في التجارة؛ فالسفن المتجهة إلى دول الشمال الصناعية تحمل خامات زراعية ومعدنية، والسفن المتجهة إلى الدول المدارية والجنوبية تحمل سلعا مصنعة، بالإضافة إلى بعض الأغذية الأساسية كطحين القمح أو الذرة، ومنتجات الوقود والطاقة المكررة.
Bilinmeyen sayfa