.
وعلى وجه العموم، فإن لدول السوق على القارة الأوروبية واجهتين بحريتين رئيسيتين ترتبطان بالمواقع الرئيسية للصناعة الأوروبية؛ الواجهة الأولى: هي تلك الممتدة من هامبورج إلى الهافر وتخدم مركز الثقل المتجمع في أوروبا الغربية، والواجهة الثانية: هي تلك الممتدة من مرسيليا إلى جنوا. وفيما عدا ذلك فإن الموانئ الأوروبية تخدم مناطق محلية مثل تريستا وفينسيا ونابولي في الجنوب، وشربورج ونانت في الغرب.
وقد سبق أن أوضحنا العلاقة بين مرسيليا وجنوا وبينا تفوق خلفية مرسيليا بالقياس إلى جنوا، برغم وجود المنطقة الصناعية الإيطالية في خلفية جنوا. أما في الواجهة البحرية الشمالية بين هامبورج والهافر، فإننا نتبين بصورة لا تدعو لمزيد من الشرح، المكان المركزي لروتردام وأنتفيرت بالمقارنة بهامبورج والهافر؛ فالميناءان الأخيران يقعان في أماكن متطرفة بالنسبة لقلب الصناعة الأوروبية، ويخدمان التجمع الصناعي في شمال ألمانيا ومنطقة باريس على التوالي. أما روتردام وأنتفيرب فإنهما تقعان على البوابة المباشرة لحوض الراين والرور ومنطقة الصناعة البلجيكية الفرنسية.
وقد كانت روتردام - من قبل تكوين السوق الأوروبية - تحتل هذا المركز المتوسط، وكان حجم التعامل التجاري فيها أكبر من أي ميناء أوروبي آخر، وذلك برغم السياسات القومية في ألمانيا وفرنسا قبل وبعد الحرب العالمية الثانية مباشرة. وجاء تكوين السوق الأوروبية ليؤكد مرة أخرى أهمية المكان المركزي لروتردام ويجعلها في عام 1965 أكبر ميناء في العالم من حيث حجم التجارة التي يتعامل فيها، ويعطيها نموا زاد عن مرتين ونصف ما كان عليه حجم التعامل في عام 1938. وقد أمكن لروتردام أن تتعامل بكفاءة مع الحجم التجاري المتضاعف نتيجة الاستثمارات الضخمة من أجل التحسينات الشاملة الشاسعة في سعة الميناء والمخازن، والاستحداثات المستمرة في آلية الرفع والشحن والنقل.
ومن بين مؤشرات هذا الاستحداث إنشاء ميناء جديد كل الجدة على بعد قليل من الميناء الأصلي في اتجاه مصب النهر أطلق عليه اسم ميناء أوروبا
Europoort . وبطبيعة الحال فإن المركز المتوسط لروتردام على الجبهة البحرية الشمالية لدول السوق الأوروبية ما كانت تصبح له هذه الأهمية المعاد تأكيدها بصفة مستمرة بدون الخلفية الواسعة للميناء؛ فروتردام هي - من الناحية الطبيعية والاقتصادية - ميناء الراين الأول بدون منازع، وترتبط بالراين (بما في ذلك الرور) بكافة خطوط الحركة من القديم إلى الحديث والمتناهي الحداثة. وأقدم وسائل الاتصال هو الراين وشبكته المائية الضخمة، وأحدث وسائل الاتصال هي خطوط أنابيب البترول وشبكة الطرق البرية السريعة.
وتشارك أنتفيرب ميناء روتردام في موقعه المركزي، لكن حجم التعامل في هذا الميناء قد بلغ نصف مثيله في الميناء الهولندي، وبرغم ذلك فإن نمو الحركة في أنتفيرب قد بلغ نحو مرتين ونصف ما كان عليه التعامل عام 1938.
وخلفية هذا الميناء الرئيسية هي منطقة الصناعة البلجيكية الفرنسية، بحكم مسار نهر الشلد الذي تقع عليه، وبواسطة القناة الملاحية إلى منطقة لييج وشمال فرنسا الصناعي، ولكن أنتفيرب بدأت تمارس منافسة واضحة مع روتردام في إيجاد خطوط حركة حديثة وسريعة مع حوض الرور والراين بواسطة الطرق الحديدية والبرية.
وبرغم تطرف موقع الهافر بالنسبة للقلب الصناعي الأوروبي المشترك، إلا أن حجم التعامل فيها قد زاد بصورة أكبر مرتين مما حدث في روتردام وأنتفيرب، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى نمو ظهير صناعي جديد يمتد من باريس إلى الهافر على طول نهر السين، ويستفيد هذا النمو الصناعي من التكتل البشري في باريس ومن النهر كوسيلة نقل كثيف ورخيص.
أما هامبورج فإن تطرف موقعها بالنسبة للقلب الصناعي الأوروبي قد زاد عليه عامل سياسي أدى إلى انخفاض واضح في نمو حجم التعامل فيها بالقياس إلى الموانئ الأوروبية الأخرى؛ ذلك أن تقسيم ألمانيا إلى شرقية وغربية قد حرم هامبورج من التعامل مع ظهيرها الاقتصادي في حوض الألب، الذي كان يشتمل على مناطق الصناعة في تشيكوسلوفاكيا وإقليم سكسونيا وبرلين في ألمانيا الديموقراطية حاليا.
Bilinmeyen sayfa