Siyasi Coğrafya
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Türler
وعلى هذا فإنه ليس ضروريا أن نعرف تاريخ اليهود والدول اليهودية في الشرق القديم لكي نفهم جذور المشكلة الفلسطينية الحالية وأوضاعها واتجاهاتها، فدراسة الدولة اليهودية القديمة أمر حسن في حد ذاته، لكنه غير مفيد كمؤشر لما هو حادث اليوم، ويكفي أن هناك أكثر من ألفي سنة تفرق بين الماضي والحاضر في رقعة فلسطين الجغرافية، والفارق الزمني له اعتباره الكبير في الدراسات الإنسانية؛ لأن الإنسان ليس نمطيا في بنائه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي؛ أي أنه ليس كممالك النمل والنحل التي لم تتغير في تركيبها لملايين السنين.
والعامل الزمني له تأثيره المهيمن على المكان، وليس ذلك بمعنى أن المكان يتغير، ولكن علاقات المكان هي التي ينتابها التغيير، فرقعة المعمور قد اختلفت كثيرا عما كان معروفا منذ ألفي سنة، والدول التي كانت موجودة في الماضي قد اختفت تماما وحلت محلها قوى عالمية جديدة، والاتصالات العالمية والمعارف التكنولوجية مختلفة عما كان في الماضي. وخلاصة القول أن انقطاعا تاريخيا جغرافيا سلاليا حضاريا اقتصاديا يفصل ويفرق تماما بين ما كان وما هو حادث في أرض فلسطين الحالية، ولهذا فإن الجغرافيا السياسية لمشكلة فلسطين الحالية يجب أن تركز تماما على وقائع اليوم وعلاقات الناس والدول داخل الشرق الأوسط وخارجه، وارتباط ذلك بالتأثيرات الاقتصادية لكل من العرب واليهود على المستوى العالمي الاقتصادي، ومدى استقطاب الرأي العام العالمي وانحيازه في كل دولة على حدة إلى أحد أطراف الصراع العربي الإسرائيلي من بين عوامل أخرى كثيرة.
والحقيقة أن بعض مؤيدي المنهج التاريخي ينتهون من دراساتهم إلى وضع قواعد ومبادئ عامة يخضعون لها الدول في نموها وتوسعها، لكن مثل هذه القواعد والمبادئ تشكل أخطر منزلق تنتهي إليه الجغرافيا السياسية؛ ذلك لأنها «تحدد» و«تحتم» الاتجاهات والميول ومحاور النمو والتوسع التي لا تحيد عنها الدولة في نموها، وفوق هذا فإن هذه المبادئ تنمط الدولة بمراحل لا تحيد عنها كما لو أن العلاقات المكانية والمواقع الجغرافية هي ثابتة وجامدة.
وهذا غير صحيح بالمرة؛ إذ إن كل شيء يتغير على مر الزمن نتيجة تغير الطاقات البشرية وما يترتب عليه من تغير حقيقي في قيمة المكان وأهمية الموقع الجغرافي.
ومن ثم فإن إسقاط هذه القواعد والمبادئ المستمدة من أحداث الماضي على حاضر الأمور يؤدي بالحكام والزعماء الذين يلتزمون بها إلى ارتكابهم أخطاء جمة ضد حياتهم وحياة شعوبهم.
فكون أنه كان لليهود دولة ما في الماضي في مكان معين لا يعني بالضرورة عودة هذه الدولة إليهم؛ لأنها ماتت من زمن بعيد، وليس من الحتم أن تعود إلى الحياة مرة أخرى - على الأقل في المكان القديم نفسه - لأن كل العلاقات والموازين الطبيعية والبشرية والتقنية قد تغيرت تماما.
وهذا هو أول أخطاء الدعوة الصهيونية كدعوة سياسية، فالمكان الذي طالبت به غير خال من السكان، والعالم المحيط بها معاد لها؛ ولهذا فإن قيام إسرائيل وبقاءها سيظل معتمدا على القوة لفترة طويلة، وهذا - كما نعرف - لا يكون دولة ذات استقرار حقيقي.
وقد استغلت الدعوة الصهيونية التشابه التاريخي الشكلي بين الاضطهاد الذي وقع على اليهود قديما وفي العصر الحديث لتبرير إقامة الدولة اليهودية من أجل التخلص من أسباب الاضطهاد، لكن هذه الدعوة قد فشلت للأسباب التالية: (1)
أن الاضطهاد الذي وقع على اليهود في الماضي يختلف كما ونوعا عن ذلك الذي وقع لهم في العصر الحديث؛ ففي الماضي لم يكن التمييز الذي وقع ضحيته العبرانيون سوى تمييز حضاري بحت، فالعبرانيون - كغيرهم من البدو الساميين - كانوا قبل ظهور الديانة الجديدة مجرد رعاة متجولين على هامش مصر الصحراوي ويخضعون للحملات التأديبية إذا ما قاموا بعمليات غزو أو سلب أو إخلال بالأمن، ومع تقبل بعضهم للديانة الجديدة - إذ إننا نعتقد أن عددا من المصريين قد قبلوا أيضا الدين الجديد - فإن الاضطهاد قد تحول إلى مرحلة جديدة دخل فيها عنصر حضاري جعل العبرانيين نقيضا حضاريا للمصريين، ومن ثم كانت بداية الهجرة خارج حدود مصر، وقد ضمت هذه الهجرة أعدادا أخرى من البدو في سيناء وجنوب الأردن الحالية - وهي معروفة باسم صحراء البطراء.
وبذلك تحولت الهجرة العبرانية من مصر إلى شكل معتاد كثير الحدوث في المناطق الصحراوية، فهي في جذورها لم تكن سوى واحدة من حركات البدو الساميين في هذه المنطقة، ارتبطت نواتها في البداية بتعاليم الديانة الجديدة، ولكن بني إسرائيل سرعان ما نفضوا عنهم جوانب جوهرية من تعاليم الديانة ومؤسسها ما زال بعد على قيد الحياة؛ أي في مرحلة مبكرة جدا من بداية الهجرة. وحينما دخلوا فلسطين أبقوا على الإطار الديني، وأضافوا تدريجيا من تاريخهم وسيرهم الكثير مما سطر في أسفارهم.
Bilinmeyen sayfa