Felsefi Kökler Yapısalcılık
الجذور الفلسفية للبنائية
Türler
ميدانا آخر مفضلا لدى البنائيين؛ لأنه يتعلق بشعوب بدائية، أعني بما يمكن أن يوصف بأنه شعوب بلا تاريخ، ما دام التطور يكاد يكون غير ملحوظ بين هذه الجماعات. ومن هنا كان نجاح البنائية في كشف الأنساق الثابتة في هذا الميدان، وعجزها عن تطبيق منهجها هذا على الجماعات البشرية الحديثة التي هي مجتمعات موجودة «في التاريخ». ففي الشعوب البدائية تحل الأسطورة محل التاريخ. ومن سمات الأسطورة أن التعاقب الزمني لا يؤدي فيها وظيفة ذات بال، بل إن الأسطورة ذاتها إذا طرأ عليها تطور خلال الزمان، فإن القديم فيها يتعايش مع الحديث كما تتعايش حفريتان تنتميان إلى عصور مختلفة؛ ولذلك كان الميدان المفضل للبحث في المبادئ الأساسية للعقل الإنساني، عند البنائية، هو الأساطير البدائية الساكنة، المعبرة عن العقل في ثباته وفي سماته الجذرية. (3)
والواقع أن البنائية، في معارضتها للنزعة التاريخية، قد استهدفت إحداث تغيير منهجي حاسم في العلوم الإنسانية. ويمكن القول إن هذا التغيير يماثل، من وجهة نظرها الخاصة، ذلك الانقلاب الأساسي الذي طرأ على العلوم الطبيعية حين تخلت في أوائل العصر الحديث عن الطريقة الكيفية في فهم ظواهر العالم الطبيعي، واستعاضت عنها بالطريقة الكمية. فهناك أوجه شبه متعددة بين الهدف الذي تسعى البنائية إلى تحقيقه في ميدان دراسة الإنسان، وذلك الذي حققته العلوم الطبيعية في تلك المرحلة الانتقالية الحاسمة من تاريخها: (أ)
ففي كلتا الحالتين كان الانتقال ثوريا، يمثل التحول من مرحلة «ما قبل العلمية» في دراسة الظواهر، إلى المرحلة العلمية الدقيقة. ولقد كان من أهم أوجه النقد التي وجهها البنائيون إلى المنهج التاريخي في دراسة الإنسان، التجاؤه إلى تعبيرات غامضة وعبارات إنشائية مطاطة، وعجزه عن التعبير عن الظواهر التي يتركها كلها تنساب في مجرى التاريخ، دون أن نتمكن من إيقاف هذا السيل المتدفق من أجل دراسته بطريقة علمية منضبطة. (ب)
وفي كلتا الحالتين كان العلم يسعى إلى تجاوز المظهر الخارجي للظواهر، والنفاذ إلى حقيقة أو ماهية أعمق منها، تظل ثابتة مهما طرأ على الظواهر من تغيرات. ولا شك أن هناك شبها قويا بين المعادلات الرياضية التي أصبحت قوانين الطبيعة تصاغ فيها بعد انتقال العلوم الطبيعية إلى مرحلة التعبير الكمي عن الظواهر، وبين البناءات التي تظل ثابتة من وراء الأشكال المتعددة التي تتحقق من خلالها في المجتمعات المختلفة. وفي كلتا الحالتين يحتاج الوصول إلى الثوابت، من وراء المتغيرات الظاهرية، إلى نفس القدر من الجهد العقلي والقدرة على التجريد. (ج)
بل إننا نستطيع أن نهتدي إلى وجه شبه مباشر بين الحالتين، يتمثل في التجاء البنائية إلى نماذج رياضية - قد تكون جبرية، وقد تكون هندسية - من أجل التعبير عن الأنساق الثابتة التي يتم التوصل إليها. ومعنى ذلك أن البنائية تحقق، بطريق مباشر، الانتقال إلى أسلوب التعبير الكمي في ميدان الدراسات الإنسانية، وهو الانتقال الذي حدث بالفعل في العلوم الطبيعية منذ أربعة قرون. (د)
وأخيرا ففي كلتا الحالتين تتخذ الحقيقة طابعا لازمانيا. فللقانون العلمي الرياضي أزليته الخاصة، بمعنى أنه يعبر عن حقيقة ضرورية. وبالمثل يتسم البناء، في ميدان العلوم الإنسانية بالأزلية، لا لأنه يعبر عن حقيقة مجهولة المصدر، تظل ثابتة على مر الزمان؛ بل لأن فيه ضرورة تماثل ضرورة القانون الرياضي. ومن هنا كان في وسعنا أن نقول إن التساؤل عن المصدر الذي يأتي منه البناء هو، بمعنى معين، تساؤل ساذج؛ إذ إننا في حالة القانون العلمي الرياضي لا نتساءل عن مصدر المعادلة الرياضية، أو عن المصدر الذي فرض على الطبيعة تنظيما رياضيا ثابتا، وجعل لها قوانين ثابتة من وراء مظاهرها المتغيرة؛ ففي كلتا الحالتين ترجع الأزلية إلى الضرورة المنطقية قبل كل شيء.
وفي ضوء هذه الملاحظات نستطيع أن نفهم على نحو أفضل طبيعة الصراع المشهور الذي قام بين البنائية والنزعة التاريخية، وندرك الهدف الفلسفي والمنهجي الذي دفع البنائية إلى رفض المنهج التاريخي بصورته التقليدية.
وبعد هذا العرض العام لسمات البنائية، من خلال الاتجاهات الرئيسية التي تعارضها، نستطيع أن ننتقل إلى معالجة الأسس الفلسفية لهذا الاتجاه الفكري الهام عند ممثليه الرئيسيين.
ولا جدال في أن هذه المعالجة التفصيلية ستزيد من وضوح السمات العامة التي اهتدينا إليها من قبل، وتضفي عليها مزيدا من التحدد والدقة المكتسبة من تطبيقها على مذاهب فكرية محددة المعالم.
الأسس الفلسفية للبنائية عند ليفي ستروس
Bilinmeyen sayfa