Soykırım: Toprak, Irk ve Tarih
جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ
Türler
مدينة وان - تركيا 1915م
أعمدة دخان أسود كثيف كانت تتصاعد من أحياء متفرقة في وان، أصوات طلقات نارية متقطعة تأتي بين الفينة والأخرى، المدفعية العثمانية تقصف الحي الأرمني بالقنابل، حركة الجنود ترى من التلة البعيدة وهي تستعد للمواجهة المرتقبة، الأعلام الحمراء ترفرف فوق المباني العالية، مشاهد نزوح للأهالي بالاتجاه البعيد نحو القرى الغربية لمدينة وان، كان هنالك خوف ورعب من القوات الروسية والمجاميع الأرمنية التي عمدت إلى مجازر بشعة بحق الأكراد والأتراك في تقدمها نحو مدينة وان، وهول الناس أخبار تلك المجازر حتى أصبحت هذه القوى تحتل القرى دون مقاومة تذكر.
أثناء تقدم أرتين مع الجيش في وحدة المشاة القتالية، تعرضوا لإطلاق نار من إحدى القرى الكردية على طريقهم، وقع عدد من الجنود جرحى وتم إسعافهم سريعا، بعدها وجهت المدفعية على القرية وتم قصفها بست قنابل، فتهدمت بعض البيوت الطينية من جراء القصف وهزة الانفجارات، كانت أصوات بكاء الأطفال وصيحات النساء قادمة منها، في مدخل القرية ظهرت أمامه امرأة من أحد البيوت وهي تحتضن رضيعها وتهرع خارج القرية هاربة، كانت ترتدي الزي الكردي النسائي؛ جلبابا أزرق فضفاضا مع عباءة سوداء ذات أكمام طويلة تتطاير مع الريح، وجه أرتين فوهة بندقيته صوبها، وقبل أن يرديها قتيلة تذكر العصابات التي كانت تغير على قريتهم وتقتل النساء والأطفال دون رحمة، تخيل أنه لو فعلها، لا يختلف شيئا عمن كانوا سببا في انضمامه للثوار، وفي خضم هذه الأفكار في مخيلة أرتين والمرأة تبتعد عن ناظره سقطت فجأة، ظن أن تعيسة الحظ قد تعثرت، التفت إلى يساره وإذا بجندي يلوح بيده فرحا وينادي: «لقد أصبتها.» بعدها توجه إليها، كان الطفل يصرخ من شدة البكاء، وقف الجندي على رأسها وأطلق النار على صدر الرضيع وكأنه يقتل كلبا لا إنسانا من لحم ودم.
بعدها تم إعدام جميع من وجدوا في القرية من النساء والأطفال والشيوخ رميا بالرصاص، إلا أولئك المسلحين الذين استسلموا بعد قتال دام لعدة ساعات ، فتم تعذيبهم حتى الموت، ثم حرقت تلك الجثث ومنازل القرية بالكامل، كانت حربا شعواء منزوعة الرحمة من الطرفين، حرب إبادة جماعية، كانت وحشية المقاتلين الأرمن أضعاف وحشية الجنود الروس، دوافع الثأر جعلتهم لا يميزون بين مذنب وبريء، الكل أصبحوا أعداء ويجب قتلهم. لم يستسغ أرتين تلك الوحشية ولم ير لها أي مبرر، لكن لا سيطرة له عليهم، هو الآن ليس قائدا لمجموعة الاغتيالات كما كان أيام الثورة، بل جنديا بسيطا تحت إمرة الجيش الروسي لا يتقدم خطوة للأمام إلا بأمر ولا يتراجع إلا بأمر.
على المدخل الشرقي لمدينة وان تحركت قوات المشاة ومعهم بعض من الجنود الخيالة بهجوم مكثف لفتح الطريق إلى الحي الأرمني، وبعد قتال شرس وقصف بالمدفعية واشتباكات بين الجنود دامت إلى حلول الظلام، انسحبت القوات العثمانية إلى حي المسلمين خلف سوق المدينة، وتم فتح الطريق أمام دخول القوات الروسية داخل الأحياء الأرمنية، ولاقتهم الأهالي من الأرمن بالأهازيج والفرح بوصول المنقذين لهم من الحصار والقصف اليومي لعدة أسابيع.
توجه أرتين سريعا إلى منزلهم في الحي الأرمني لعله يجد بانوس أو غريغور هناك، لكن المفاجأة كانت أن البيت كان مهدما بقنابل المدفعية العثمانية، صلى للرب أن تكون زوجته وابنته قد أرسلهما بانوس إلى القرية قبل نشوب المعركة. وبينما أرتين يتفحص البيت وينبش عن الذكريات بين الحطام والجدران المهدمة، سمع رجلا يتنحنح خلفه، التفت إليه فإذا بغريغور واقف أمامه والدموع تذرف من عينيه، انقض عليه أرتين وأمسكه من ياقته بشدة وغريغور مرتخ لم يأت بحركة. - أخبرني ماذا حصل؟ تكلم هيا! - لقد ماتت باتيل وابنتها أنوشكا في القصف قبل عدة أيام.
عندها خارت قوى أرتين وصرخ بوجهه: هذا ليس وقت مزاحك الثقيل يا غريغور. - هذه ليست مزحة، لقد دفنتهما بيدي هاتين. - يا يسوع عونك، أخبرني أين بانوس الآن، أين هو؟ - اهدأ يا أرتين، أرجوك أن تهدأ، سأخبرك بكل شيء، فقط اهدأ قليلا واترك ياقتي ستخنقني هكذا. - حسنا تركتها، هيا تكلم، أين هو؟ أريد رؤيته، هيا خذني إليه. - بعدما أخرجنا جثة زوجته وابنته من تحت الأنقاض ورآهما في تلك الحالة، صار كالأسد المجروح حتى إنه لم يبك عليهما من هول الصدمة، جلس بقربهما ووضع يديه على رأسيهما وأقسم أن يثأر لهما. بعدها حمل سلاحه وتوجه إلى الخطوط الأمامية، حاولت أن أمنعه لكنني لم أستطع.
للمرة الأولى أعترف أنه كان أشجع منا جميعا، كانت عيناه تقدحان شرارا، لم يكن بانوس الذي أعرفه، حتى إنه لم يفكر بدفنهما، لا أدري لربما لم يرد أن يجف الدم قبل أن يثأر لهما.
ثم سكت غريغور وصد وجهه عن أرتين وهو لا يريد أن يكمل الحديث. - هيا أكمل، ماذا حدث بعد ذلك؟ - قاتل بكل شراسة في الخطوط الأمامية، وكان سببا رئيسيا في صد إحدى الهجمات المباغتة للجيش العثماني من جهة كنيسة ديره التي لو وقعت بأيديهم لسقط الحي الأرمني بأكمله ولحدثت مجزرة عظيمة للأهالي، فقتل منهم عشرة جنود، لكنه ... - لكنه ماذا؟ - سقط شهيدا بعدها، كان في صدره آثار ثلاث طلقات نارية.
وقع أرتين أرضا من شدة هول الخبر، حمله غريغور إلى أقرب حائط اتكأ عليه، فنظر إلى غريغور مبتسما وعيناه تذرفان الدموع بلا إرادة. - عندما كنا على سفح الجبل قال لي: «يراودني شعور بأننا خلقنا من روح واحدة ثم جزأها الرب إلى ثلاث أرواح.» لم أفهم يومها ماذا كان يقصد، لم أفهم أنه كان يريد القول إن موت أحدنا هو موتنا جميعا؛ لأن الروح واحدة .. لم نفهمك يوما يا صديقي.
Bilinmeyen sayfa