استيقظ سليم في صباح اليوم التالي على قرع باب غرفته، فنهض وفتح الباب فإذا بخادم الفندق يحمل إليه كتابا ليس عليه خاتم البريد قائلا: «جاءت بهذا الخطاب لك منذ ساعة امرأة عجوز، وقد انصرفت بعد أن أوصتني بأن أسلمه إليك حين تستيقظ.»
فأخذ سليم الكتاب، وما كاد نظره يقع على العنوان حتى اختلج قلبه في صدره؛ لأن الخط الذي كتب به يشبه خط سلمى، فدخل الغرفة وفض الخطاب فإذا هو بخطها وعليه توقيعها، فازداد خفقان قلبه، وجلس على سريره وأخذ يقرأ الخطاب، فإذا فيه:
حبيبي ومنية فؤادي سليم
أكتب إليك هذا الخطاب، ولعله آخر ما أكتب إليك، وهذه هي يدي ترتجف، وهذا قلبي يخفق، بينما دموعي تتساقط على الورق، وأنا في حال لم أشعر من قبل بمثلها، ولكنني أستحلفك بما أكنه لك من محبة طاهرة خالصة من كل دنس أن تحفظ ما تقرؤه سرا لا يطلع عليه سواك، وأن تعيره أذنا صاغية وتعتبره صادرا عن قلب يتقد حبا وإخلاصا، قلب لم يكن يعرف الخفقان قبل أن عرفك، ولا عرف القلق أو السهاد إلا منذ حللت فيه.
إنني أكتب إليك الآن وقد انتصف الليل وهجع الناس مطمئنين، وأنا وحدي الساهرة المعذبة أسيرة القلق والاضطراب.
وإني لأشكر الله على أن وقفت أخيرا على سبب متاعبك، بعد أن أخفيته علي كرما منك ورحمة بي. نعم أشكر الله على أني عرفت الداء وصرت قادرة على وصف الدواء، وكما أنك تحملت العناء في سبيلي، يجب أن أتحمل في سبيلك مثل هذا العناء.
لقد وقع في يدي اتفاقا خطاب والدتك إليك في شأني، وقد فهمت منه أنك تقاسي أمورا مضنية من أجل حبي، وتكافح مكافحة الأبطال لكي تفي بعهدك لي، فأكرم بك من محب صادق وصديق مخلص!
أما التهم الموجهة إلي في هذا الكتاب، فلا أريد أن أبين بطلانها الظاهر، ولكن أكتفي بأن أقول: «إن والدتك طيبة القلب وقد عانت كثيرا في سبيل تربيتك وزهدت مباهج الدنيا من أجلك، ووضعت كل آمالها فيك، فأقل ما تنتظره منك أن تكون تعزيتها في شيخوختها.»
ولا شك في أنك إن أصررت على عزمك وخالفتها، ستكون سببا لشقائها. ولما كنت أعلم أن العهود التي بيننا هي مصدر متاعبك، لاعتبارك إياها عهودا مقدسة لا يسمح لك شرفك بنكثها، وأكرم به من شرف أثيل! فقد لاح لي أن أكتب إليك مذكرة إياك بأن الضرورات تبيح المحظورات، ولأقول لك وكلي أسف إني قد رأيت من الواجب علي أن أجعلك في حل من تلك العهود، لتكون حرا تختار لنفسك الزوجة التي ترضيك وترضى عنها والدتك.
فنحن منذ الآن، كما كنا قبل عشر سنين، لا عهود بيننا ولا روابط.
Bilinmeyen sayfa