فعادت أمها إلى سعيدة وسألتها عن اسمها، فلما نبأتها به قالت لها: «إن العادة جرت يا سعيدة بأن يأتي الخادمات بضمانة، فهل تستطيعين ذلك؟»
فتنهدت وقالت: «لقد صرحت لك يا سيدتي بما عانيته من المخدمين وضمانتهم، فلست أستطيع أن آتي بضمانة، ولكن عندي سوارا وقرطا ثمينين فاجعليهما عندك إلى أن تتحققي أمانتي.»
فاقتنعت بذلك، وألحقتها بخدمة البيت بدلا من الخادمة القديمة، فأخذت سعيدة تظهر من المهارة في الخدمة والنظافة ولطف الحديث ما جعلها موضع إعجاب سلمى ووالدتها، وحسبتا أنهما حصلتا على سعادة لم يحصل عليها أحد سواهما.
وكانت سعيدة تمتدح سلمى دائما، وتبالغ في التقرب إليها وإظهار التفاني في محبتها، فأحبتها سلمى وأشارت باصطحابها معهم في رحلة الأهرام.
أما داود فبارح الإسكندرية بالقطار السريع، وقضى معظم الطريق في إعداد القصة التي قصها على سليم، ثم عاد إلى الإسكندرية وفي ظنه أن قصته مع الخطاب الذي كتبته وردة إلى سليم على لسان والدته فيهما ما يكفي لعدوله عن حب سلمى.
وتربص الجميع هناك في انتظار رد سليم على خطاب والدته بعد مقابلة داود، فمضى أسبوع دون أن يصل إليهم أي شيء منه. على أن وردة كانت كبيرة الأمل في أن تنال بغيتها على يد سعيدة فلبثت تنتظر أخبارها على أحر من الجمر. •••
ركب حبيب القطار عائدا إلى حلوان مع والدته وشقيقته، وقد كان في متمناه ألا يفارق أدما، على أنه أشار إليها عند الوداع بما يدل على أنه فارقها مرغما، وسيلتقي بها عما قريب.
وكانت هي قد أحست عند وقوف العربات للوداع عند محطة حلوان، بأن قلبها سينتزع منها، ولكنها تعللت بقرب اللقاء لأن حبيبا تعود التردد على بيت أبيها من حين إلى حين.
وبقي حبيب في القطار صامتا سابحا في تيار من الهواجس التي لم يشعر من قبل بمثلها، لكنه رغم سروره بما تحققه من حب أدما، كان يشعر بانقباض داخلي لا يعرف له سببا.
ولاحظت والدته صمته وانقباضه فقالت له: «ما لي أراك صامتا يا حبيب بعد أن كنت مسرورا جدا في الأهرام، هل أنت متكدر من شيء؟»
Bilinmeyen sayfa