121

وقال فيجايا وقد رفع صوته لكي يمكن الاستماع إليه وسط الخشخشة التي تحدثها العربة وهي تسير بأدنى سرعة لها عندما نقل محرك السرعة: ممارسة الحب وسيلة نفسية بدنية لبلوغ غاية تتجاوز الخبرة البشرية، وذلك - أولا وقبل كل شيء - هو صميم كل أنواع اليوجا. ولكن أنواع اليوجا كذلك شيء آخر غير هذا. هي حيل للتعامل مع مشكلات السيطرة. وأعاد العربة إلى سرعة أكثر هدوءا وأخفض صوته إلى نغمته الطبيعية وكرر قوله: مشكلات السيطرة، التي تقابلها على كل مستوى من مستويات النظم، كل مستوى؛ من الحكومات الوطنية إلى الحضانات والعروسين في شهر العسل؛ لأن الأمر لا يقتصر على تصعيب الأمور على كبار القادة، فهناك الملايين من صغار المستبدين والذين يضطهدون غيرهم، هناك كثيرون مثل هتلر وإن كانوا صامتين ولا يعلو لهم ذكر، هناك من هم أمثال نابليون في كل قرية، وأمثال كالفن، وتوركمادا

4

في كل أسرة. ولا أذكر قطاع الطرق والمتنمرين الذين بلغ بهم الغباء أن يصمهم المجتمع بالإجرام. كيف تروض السطوة الكبرى التي تصدر عن أمثال هؤلاء وتجعلها تعمل بطريقة نافعة، أو على الأقل تحول دون أن تكون مصدرا للأذى؟

قال ويل: هذا ما أريدك أن تخبرني به. من أين تبدءون؟

أجاب فيجايا: نبدأ من كل جهة في وقت واحد. ولكن حيث إن المرء لا يستطيع أن يتحدث في أكثر من موضوع واحد في نفس الوقت، دعنا نبدأ بالحديث عن السيطرة من ناحية التشريح ووظائف الأعضاء. أرجو يا دكتور روبرت أن تحدثه عن تناولك للموضوع من ناحيته الكيماوية الحيوية.

قال الدكتور روبرت: بدأت ذلك منذ نحو أربعين عاما عندما كنت أدرس الطب في لندن. بدأت بزيارة السجون في عطلات نهاية الأسبوع وقراءة التاريخ كلما خلوت في المساء. وكرر قوله: التاريخ والسجون. ولقد كشفت عن العلاقة الوطيدة بينهما؛ سجل الجرائم والحماقات ومحن البشر (هكذا قال جيبون. أليس كذلك؟) والمكان الذي تئول إليه الجرائم والحماقات التي لم تنجح لسوء حظ مرتكبيها بصورة ما. طالعت الكتب وتحدثت إلى السجناء، ووجدتني أسائل نفسي: أي صنوف البشر يصبح منحرفا خطرا؛ من كبار المنحرفين الذين ورد ذكرهم في كتب التاريخ، وصغارهم؟ أي صنوف البشر تحركهم شهوة السلطة، والميل إلى التنمر والسيطرة؟ والمستهترون من الرجال والنساء الذين يعرفون ما يريدون ولا تخزهم ضمائرهم إذا ألحقوا بغيرهم أذى أو قتلوهم في سبيل تحقيق ما يريدون، والوحوش الذين يؤذون ويقتلون لا من أجل منفعة، وبغير مبرر؛ لأن الإيذاء والقتل من أسباب اللهو؛ من يكون هؤلاء؟ وكنت أناقش هذه المسائل مع الخبراء؛ من الأطباء وعلماء النفس، وعلماء الاجتماع ، والمعلمين. ولقد انتهى عهد مانتيجازا وجولتون،

5

وأكد لي الخبراء أن الإجابات الصحيحة لهذه الأسئلة لا تلتمس إلا في الثقافة والاقتصاد والأسرة. والأمر كله يرجع إلى الأمهات وتربيتهن لأطفالهن، يرجع إلى التكييف في سن مبكرة وإلى البيئات التي تصدم العواطف. الأمهات والتربية الباكرة وما يحيط بالطفل من كلام فارغ؛ هذه كلها أمور هامة بشكل واضح. ولكن هل هي ذات الأهمية القصوى؟ لقد بدأت ألمس أثناء زيارتي للسجن أدلة على نوع من الأنماط في تكوين الأفراد، أو على الأصح على نوعين من أنماط التكوين؛ ذلك أن المنحرفين الخطرين ومثيري الشغب من محبي السلطة لا ينتميان إلى نوع واحد. أكثرهم - كما بدأت أن أدرك حتى في ذلك الحين - ينتمي إلى أحد نوعين متميزين متخلفين؛ فهناك «أصحاب العضلات» وهناك «أنماط بيتر بان». وقد تخصصت في النوع الثاني.

سأل ويل: تقصد الأولاد الذين لا يخرجون من دور الطفولة قط؟ - «قط» تعبير غير صحيح؛ ففي الحياة الواقعية ينتهي بيتر بان دائما بالنمو، وإن يكن نموه لا يأتي إلا متأخرا؛ ينمو فسيولوجيا بدرجة أبطأ من سني حياته. - وماذا عن بيتر بان من الفتيات؟ - إنهن نادرات. أما الفتيان فتبلغ كثرتهم مبلغ حبات العليق، من بين كل خمسة أو ستة أطفال من الذكور تجد بيتر بان. ومن بين الأطفال المشكلين، والأولاد الذين لا يستطيعون القراءة، والذين لا يقبلون التعلم، ولا يصاحبون أحدا، وأخيرا يلجئون إلى الانحراف نحو أشكال العنف المختلفة، تجد من بين هؤلاء سبعة من كل عشرة - إذا أنت أخذت أشعة سينية لعظام المعصم - من طراز بيتر بان، والباقون من «أصحاب العضلات» بشكل ما.

قال ويل: إنني أحاول أن أجد مثالا تاريخيا حسنا لبيتر بان منحرف. - لا تمعن في التفكير. إن أحدثهم، وخير مثال لهذا الطراز وأضخم مثال، أدولف هتلر.

Bilinmeyen sayfa