قريش، ورأيت الأنصار فيهم سعدُ بن عبادة، وفيهم شعراؤهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وملأ منهم. فأويتُ إلى قريش. وتكلمت الأنصار، فأطالوا الخطاب، وأكثروا الصواب. وتكلم أبو بكر ﵁، فلله درُّه من رجلٍ لا يطيل الكلام، ويعلمُ مواضع فصل الخصام. والله لقد تكلمَ بكلامٍ ما يسمعُهُ سامعُ إلا انقاد له ومال إليه. ثم تكلم عمر بعدهُ بدون كلامه. ومدَّ يده فبايعه وبايعوه، ورجع أبو بكرٍ ورجعتُ معه. قال أبو ذؤيب: فشهدتُ الصلاة على النبيِّ محمد ﷺ، وشهدت دفنَه ﷺ. ثم أنشد أبو ذؤيب يبكي النبيَّ ﵇:
لمَّا رأبت الناسَ في عَسَلانِهِمْ ... ما بينَ مَلحودٍ لهُ ومُصرَّحِ
مُتبادرينَ لشرجَع بأكفِّهمْ ... نُصِّ الرِّقابَ لفقدِ أبيضَ أَرْوَحِ
فهناكَ صِرتُ إلى الهموم ومَن يَبتْ ... جارَ الهموم يَبِيتٌ غيرَ مُروَّحِ
كَسَفتْ لمصرعهِ النجومُ وبدرُها ... وترعرعتْ آطامُ بطنِ الأَبطحِ
وتزعزعتْ أجيالُ يَثربَ كلُّها ... ونخيلُها بحلول خَطْبٍ مُفْرِحِ
ولقد زجرتُ الطيرَ قبل وفاتِهِ ... بمُصابهِ، وزَجرتُ سعدَ الأُذْبُحِ
قال: ثم انصرف أبو ذؤيب إلى باديته، فأقام بها، وتوفي في خلافة عثمان بن عفان بطريق مكة قريبًا منها. ودفنه ابن الزُّبير. وقيلَ: غَزا أبو ذؤيب مع