فإن قال قائل: هذا كفر بالله أن جعلتم للقدرة غاية وأنتم تنكرون القول بتخصيص القدرة وتعتقدون (2) أن عمومها بالمقدروات كلها. قلنا: لسنا نريد بهذه الغية في صفة القدرة [36] وإنما نريد بها غاية في نهابة المقدور، وإنما كان يجب التخصيص أن لو قلنا إن الله قادر على تفريق بعض المجتمعات أو على قسم بعض المؤتلفات. فأما إذا قلتا إن الله قادر على تفريق كل مجتمع حتى لا يبقى اجتماع فيه وعلى قسم كل متآلف وتجزئته حتى لا يبق فيه تأليف فأين وجه التخصيص في القدرة؟ فمن اتسع عقله الجواز الوصف للبارئ جلت عظمته بالقدرة على قسم الجوهر مع علمه أن الجوهر في الحقيقة عند الله الجزء الذي لا يتجزأ، وأن القسم والتجزؤ إنما هو رفع تأليف ما، ولا تأليف في الجوهر، لزمه أن يصف الجوهر بالتجزؤ، والأعمى بالصبر، والميت بالحياة، المتحرك بالسكون، فإن متى سئل هل يقدر أن يعمى الأعمى الذي لا بصر له، أو بميت من ليس بحي، أو تحرك غير ساكن، لزمه على أصله أن يقول نم يقدر على ذلك.
فإن قوله: يجزئ الجوهر وهولا يتجزأ، ويعمى الأعمى وهو لا يبصر، ويذهب حركة الساكن وهو ليس بمتحرك، سواء لا فرق بين ذلك ولا معنى مختلف هنالك، غير أنا نسلك طريف الكشف البالغ في الفصل الثالث، ونقتصر فيه على ثلاثة أسباب:
الأول: في بيان القدرة والمقدور.
الثاني: في المسائل المشهورة عن أصحابنا في هذا المعنى.
الثالث: في وجه الاستحالة في المسألة الجوهرية واجتماع الأضداد، والله ولى التوفيق والإرشاد والهداية والسداد.
الباب الثامن عشر
باب بيان القدرة وتأثيرها في المقدورات
اعلم أن أسماء الله وصفاته على ضربين: ضب مآثر، وضرب مقصور.
Sayfa 49