İnsanlığın Özü: Bitmeyen Bir Arayış ve Durmaksızın Bir Hareket
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
Türler
الفصل السابع
الحضارة 1: المدن والمعابد
لنتحدث الآن عن ظهور سبع حضارات رئيسية أشرت إليها في الفصل السابق. الأدلة على هذه الحضارات أثرية إلى حد كبير؛ من خلال العثور على بقايا لتكوينات حجرية بارزة فوق سطح الأرض ثم الحفر إلى الأسفل للكشف عن أساساتها (أحيانا يحدث التنقيب بناء على الحدس وحده). في الوقت نفسه تنخل التربة جيدا لإظهار أي أشياء أثرية مدفونة بالقرب من الموقع؛ مثل عملات أو حلي أو أختام، أو أجزاء خزفية كانت أكوابا فيما مضى أو أواني لتخزين الطعام، أو ألواح تحتوي على نصوص قديمة. لا تخبرنا الهياكل العظمية للبشر عن حجم الناس الذين عاشوا في هذا الموقع فحسب، لكنها تخبرنا أيضا عن بعض الأمراض التي عانوا منها؛ وتكشف لنا بقايا الحيوانات والمحاصيل عن معلومات حول الممارسات الزراعية والنظام الغذائي لبعض السكان. ويمكن تحديد عمر كل شيء عضوي يستخرج بدقة إلى حد ما عن طريق التأريخ بالكربون، الذي كما ذكرنا سابقا يمكنه تحديد عمر الأشياء التي يتراوح عمرها بين 50 ألف سنة و200 سنة؛ ومن ثم يشمل الفترة التي نتحدث عنها.
1
أما بالنسبة للعظام والأشياء المصنوعة من الحجارة أو الطمي أو المعادن، فإن ثمة أساليب تأريخ أخرى تطبق. بالطبع لا يستطيع المرء إلا تأريخ الأشياء التي يعثر عليها؛ فالمباني الخشبية لا تنجو عادة من الدمار الذي يحدث عبر الزمن، وبالتأكيد لا تنجو أيضا الأكواخ البسيطة المصنوعة من الطمي والقش. ومع ذلك فإن هذه تحديدا تمثل المنازل التي عاش فيها جموع الناس. استمر هذا الأمر حتى بضع مئات من السنوات؛ فإذا تجولت بالسيارة في أوروبا فسترى كنائس وكاتدرائيات، وقلاعا وقصورا للأغنياء، كلها مبنية من الحجارة أو الطوب، لكن أكواخ الفقراء لم تدم؛ لذا يعتمد قدر كبير من معرفتنا بالحضارات القديمة على القصور والمباني العامة، وعلى الأهرامات والمعابد، ويكون أسلوب حياة العامل (الذي يكون عبدا عادة) الذي بنى كل هذا مسألة تخمين إلى حد كبير. (1) بلاد الرافدين
تعتبر مدينة أور والوركاء أقدم مدينتين في العالم؛ حيث سكنهما الناس منذ نحو 7 آلاف سنة، وكلمة «أور» في حد ذاتها أصبحت تعني القدم البالغ. تقع هاتان المدينتان على نهر الفرات بالقرب من مدينة البصرة الحالية في جنوب العراق، وكانتا جزءا من مملكة السومريين. وبحلول عام 3200 قبل الميلاد كانت مدينة الوركاء بها ثلاثة معابد وقصر وقاعة أعمدة ومبان أخرى توجد كلها داخل مجمع عرف باسم إيانا. أما تعداد سكانها، الذي كان نحو 10 آلاف قبل ثلاثة قرون، فقد زاد إلى 50 ألف بحلول عام 3800 قبل الميلاد. ولم يقلل وصول الأكاديين من الجنوب في هذا الوقت من أهمية أي من المدينتين (رغم أن فيضانا حدث قبل هذا في أور، من مصب النهر عند الوركاء، كاد أن يفعل هذا)، وفي عام 2150 قبل الميلاد أصبحت أور عاصمة الإمبراطورية السومرية الجديدة. استولى عليها الكلدان من شبه الجزيرة العربية في أوائل القرن التاسع قبل الميلاد لكنها استمرت في الازدهار بجانب دول مدينية أخرى؛ كان بعضها، مثل أبو صلابيخ وكيش وبابل، يقع عند منبع النهر على طول نهر الفرات، وبنيت أخرى مثل لجش وأوما، بالقرب من نهر دجلة في الشرق. خضعت كل هذه المدن في النهاية للفارسيين تحت حكم قورش الكبير في نحو 540 قبل الميلاد. لم يتبق حاليا الكثير من مدينتي أور والوركاء، ومعظم ما نعرفه عنهما مستمد من المصنوعات التي عثر عليها هناك.
لا ينطبق هذا الأمر على مدينة بابل؛ فقد كشفت عمليات تنقيب مطولة عن حجم المدينة، وقد سرت في أزقة المدينة التي أصبحت الآن تحت سطح الأرض وتعجبت من المباني المكتشفة على جانبيها؛ على القارئ أن يتذكر أنه كلما زاد العمق الذي يكتشف فيه نشاط إنساني، زاد قدم عمر هذا النشاط. ومثل مدينتي أور والوركاء تعرضت بابل لاحتلال الأكاديين والحيثيين والكاشيين وغيرهم على مدار نحو ألفي عام. على الأرجح نشأ الأكاديون في هذه المنطقة، التي تتمثل حاليا في شمال سوريا والعراق، والتي ضمت المدن المكتشفة حديثا مثل ماري وتوتوي وتل خويرة بالقرب من نهر الفرات، وأشور ونينوى على نهر دجلة، ونجار ونبادا على نهر خابور بينهما. ذكرت كل هذه المواقع، فقط من أجل توضيح مدى انتشار الحضارة السومرية.
2
جاء الحيثيون من منطقة مرتفعة أبعد جهة الشمال، كانت عاصمتهم حتوساس (بوغاز كوي حاليا، التي تقع على بعد 22 ميلا شرق أنقرة). وصلت بابل إلى أوج تطورها الثقافي تحت حكم الكلدان، الذين احتلوها قبل 100 سنة تقريبا من اجتياح قورش لها في النهاية. ومثلها مثل أور والمدن الأخرى أصبحت مهجورة فيما بعد. وحاليا يمكن رؤية كثير من البقايا المكتشفة، بما في ذلك الطوب المصقول الجميل على شكل رأس أسد الذي زين بوابة عشتار إلى المدينة، في متحف بيرجامون في برلين (توجد نسخة منها ترحب بالزائرين في عصرنا الحالي على مدخل المدينة). ومن ألواح الطين النضيج، والمنحوتات الحجرية والعاجية، والأختام الأسطوانية والأشياء الأخرى، يمكن للمرء الحصول على فكرة عن أسلوب الحياة المترف الذي عاش به البابليون وسكان المدن المجاورة. وتحت حكم السومريين أصبح الطب والعمارة والهندسة تخصصات مهنية، وكانوا أول من وحد الأوزان والمقاييس، واخترعوا واحدة من أقدم اللغات المكتوبة، ووضعوا أسس الرياضيات وعلم الفلك. وكان شهرهم القمري الذي يبلغ 29 يوما و12 ساعة و44 دقيقة في نطاق 0,002٪ من قيمته الحقيقية. كما كانوا يعرفون أن مجموع مساحتي المربعين المنشأين على الجانبين القصيرين لمثلث قائم الزاوية يساوي مساحة المربع المنشأ على الجانب الثالث الطويل قبل ألف عام من فيثاغورس.
بنوا أضرحة صخرية مزخرفة لحكامهم المتوفين في شكل أهرامات مدرجة تعرف باسم الزقورات، ما زال النصف السفلي لأحدها الذي بني في الألفية الثالثة قبل الميلاد موجودا في بابل، وربما يعبر عن برج بابل الأسطوري، وكانت ثمة لهجات مختلفة للأكاديين والسومريين ولغات أخرى تستخدم في هذا الوقت. كان السومريون من أوائل الذين زرعوا الأرض لمتعتهم أكثر من مجرد إنتاج الطعام؛ فتشهد حدائق بابل المعلقة، التي تعد واحدة من عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، على مهارتهم المبتكرة في توصيل المياه - ما يقرب من 300 طن في اليوم وفقا للحسابات - إلى أعلى سلسلة من المصاطب، أعلى من نهر الفرات المجاور لها. تعتمد معرفتنا بهذه الحدائق على النصوص الإغريقية التي كتبت بعد عدة قرون؛ إذ إن موقعها الفعلي، الذي يفترض أنه كان مجاورا للقصر الملكي، لم يعثر عليه قط. على أنه يوجد احتمال أن الحدائق لم تكن في بابل على الإطلاق، إنما في نينوى التي تبعد 200 ميل شمالا، على ضفاف نهر دجلة (بالقرب من الموصل الحالية). تعتبر حضارة السومريين بوجه عام واحدة من أقدم الحضارات - ربما أقدمها - التي بدأت في الظهور منذ 6 آلاف سنة، وهي أبلغ مثال على الكيفية التي يمكن بها لعدد من المجتمعات المتفاعلة ابتكار أسلوب حياة رفيع المستوى والحفاظ عليه طوال فترات احتلال طويلة لمعتدين خارجيين. بالطبع يعتمد هذا النجاح على رغبة الغازي في استيعاب الثقافة بنفس قدر سعي المنهزمين للحفاظ عليها. (2) مصر
Bilinmeyen sayfa