Farklı Sosyal Sistemlerdeki Düşünsel Yönler
الجوانب الفكرية في مختلف النظم الاجتماعية
Türler
ليس من السهل أن يأتي المرء بمجموعة من الصفات المميزة للمرحلة الإقطاعية في التطور الاقتصادي، إذ إن معظم هذه الصفات تصدق على مجتمعات معينة ولا تصدق على مجتمعات أخرى.
ففي بعض الأحيان يعرف الإقطاع تعريفا زمنيا، فيقال إنه هو النظام الاقتصادي السائد في العصور الوسطى. ولكن هذا التعريف لا يسري إلا على نظام الإقطاع في أوروبا، أما في كثير من أماكن العالم الأخرى، وضمنها الشرق، فلا زال للإقطاع وجود، بشكل أو بآخر، حتى اليوم. وفي أحيان أخرى يعرف الإقطاع تعريفا سياسيا أو اجتماعيا، فيقال إنه النظام الذي يستبد فيه المالك الإقطاعي بأقدار كل من يعملون عنده، وتكون له عليهم سلطة مطلقة تعلو على سلطة الدولة ذاتها. ومع ذلك فإن هذا التعريف يتجاهل حقيقة عرفتها أوروبا في بداية عصر التصنيع، وهي أن الإقطاع كان في بعض الأحيان أرحم من العصر الرأسمالي في الفترة الأولى من تاريخه؛ لأنه كان يمنح الناس قدرا من الأمن والحماية على الأقل.
كذلك يعرف الإقطاع أحيانا على أساس مركز السلطة فيه، فيقال إنه ذلك النظام الذي تتفكك فيه السلطة المركزية للحكومة أو تختفي نهائيا، لتحل محلها سلطات متعددة ينفرد بكل منها إقطاعي يكون له الأمر والنهي على كل من يعملون في أرضه. ولو صح هذا التعريف لما أمكن القول بوجود مرحلة إقطاعية في البلاد التي ظلت السلطة فيها طوال تاريخها في يد حكومة مركزية واحدة، ومن بينها مصر.
وربما كان الأصح أن نربط بين الإقطاع وبين النمط الزراعي في الاقتصاد، فنقول إنه ذلك النظام الذي يقوم في البيئات الزراعية على أساس علاقات معينة بين المالك الكبير والفلاحين المشتغلين في أرضه، تتسم أساسا بأنها علاقات تسلطية. والواقع أن البيئة الزراعية ضرورية لفهم الإقطاع؛ إذ إن عناصر النظام الإقطاعي لا تكتمل بصورتها المطلقة في الحالات التي يكون فيها مالك الأرض الكبير مشتغلا بمهنة أخرى لا صلة لها بالحياة الريفية، كالعمل في ميدان المال أو التجارة أو الصناعة. كذلك فإن هذه البيئة هي التي تضفي على الإقطاع طابعا خاصا، وتنشر في المجتمع الذي يسوده الإقطاع قيما معينة، تظل متأصلة في النفوس حتى بعد أن يتم التخلص - اقتصاديا - من العلاقات غير المتكافئة التي يستتبعها نظام الإقطاع.
ولعل هذه النقطة الأخيرة هي التي تقتضي منا اهتماما خاصا بالمرحلة الإقطاعية؛ ذلك لأن أوروبا بدأت تتخلص من السيادة المطلقة لنظام الإقطاع منذ عصر النهضة الأوروبية؛ أي في حوالي القرن السادس عشر، وسددت الضربة القاضية إلى هذا النظام في عهد الثورة الفرنسية (على المستوى السياسي) وفي عهد الثورة الصناعية (على المستوى الاقتصادي والاجتماعي)، بحيث يمكن القول إنها قد تخلصت من آخر آثاره في القرن التاسع عشر. أما بالنسبة إلينا فإن الإقطاع ما زال نظاما يعيش بيننا ويؤثر في عقليتنا وفي قيمنا ونظرتنا إلى العالم. صحيح أننا استطعنا تصفيته منذ اللحظة التي قضي فيها على نظام الملكيات الزراعية الكبيرة بفضل قوانين الإصلاح الزراعي، ولكن من الواجب أن نتذكر أن الإقطاع، بأشكاله المختلفة، ظل هو النظام السائد في بلادنا مئات بل ألوفا من السنين، وأن التصفية المادية للنظام لا تعني التخلص من آثاره المعنوية، التي ستظل تلازمنا فترة غير قصيرة من الزمن ، ما لم نبذل جهدنا من أجل التخلص منها بالعمل الواعي والسعي الدائب.
وطبيعي أن يكون من الصعب الحديث عن الخصائص الفكرية لمرحلة مرت بها البشرية زمنا طويلا كهذا، وانتشرت في بيئات شديدة التباين. فمن العسير أن نتحدث عن «قطاع» واحد في العالم بأسره؛ لأن الإقطاع كان يتخذ أشكالا تختلف باختلاف الظروف المحلية التي ينتشر فيها. وربما كان الأيسر أن نعالج الإقطاع - من الناحية الفكرية - على أنه نوعان: إقطاع غربي، وإقطاع شرقي؛ على أن يكون مفهوما أن المقصود بالشرق تلك المنطقة التي نعيش فيها من العالم، لا البلاد الشرقية على إطلاقها. (2) الإقطاع في الغرب
من العوامل الأساسية لظهور نظام الإقطاع في أوروبا تلك الحروب الكثيرة التي كان يخوضها الملوك، إما ضد بعضهم، وإما ضد أعداء من الخارج. فلقد أدت هذه الحروب إلى ازدياد أهمية فئة العسكريين المحترفين، وزيادة عدد أفرادها. ونظرا إلى أن الملوك لم يكن لديهم دائما المال الذي يكفي لمكافأة هؤلاء المحاربين، ولا سيما القادة منهم، على خدماتهم، فقد كانوا يمنحونهم قطعا من الأرض جزاء لهم على حسن بلائهم في الحروب. ولم تكن هذه المنح في البداية على شكل ملكية دائمة، بل كانت تعطي المحارب حق الانتفاع من الأرض، ثم تحول هذا الحق فيما بعد إلى ملكية دائمة. ومما ساعد على هذا التحول أن صغار الفلاحين كانوا يحتمون بالمالك الكبير ضد أخطار الضرائب وعدم الاستقرار، ورغبة منهم في الشعور بمزيد من الأمن. وهكذا كان الفرسان المحاربون من أهم العناصر التي تكونت منها طبقة الإقطاعيين في العصور الوسطى، وكان لهذه الحقيقة أثرها البالغ في صبغ القيم الفكرية في عصر الإقطاع الأوروبي بطابعها الخاص.
ومن ناحية أخرى كان كبار رجال الكنيسة والأديرة يسيطرون على مساحات شاسعة من الأرض، قدمت إليهم بوصفها هبات أو منحا أو هدايا، فضلا عن أن الإعفاءات الضريبية والتسهيلات الكثيرة التي كانوا يتمتعون بها قد ساعدتهم على استثمار ثرواتهم ومضاعفتها، حتى أصبحت أملاك الكنيسة تكون نسبة كبيرة من الأراضي الخاضعة للإقطاع، كما أصبح رجال الدين من أهم عناصر الطبقة الإقطاعية في العصور الوسطى.
ولقد كان هذا الأصل المزدوج لنظام الإقطاع في الغرب، أعني انتماء الإقطاعيين إلى فئة الفرسان المحاربين من جهة، وإلى فئة كبار رجال الدين من جهة أخرى، كان هذا الأصل المزدوج هو الذي يعلل مجموعة القيم والعادات العقلية التي سادت المجتمع الإقطاعي في العصور الوسطى. (1)
فقد كانت أهم القيم الأخلاقية في العالم الغربي في العصر الوسيط هي «قيم الشجاعة والأرستقراطية» والترفع. وتلك هي قيم الفرسان النبلاء من ملاك الأرض، الذين ظلوا يحتفظون بالفضائل العسكرية حتى بعد أن تحولوا إلى الحياة المدنية المستقرة. وفي استطاعة المرء أن يلمس مدى أهمية هذه القيم إذا رجع إلى أي عمل أدبي تدور حوادثه في عالم فرسان العصور الوسطى. وفي كثير من الأحيان كان هذا الترفع الأرستقراطي يتسم بنوع من النظرة الأبوية إلى عامة الشعب. وليس معنى النظرة الأبوية في هذه الحالة وجود نوع من العطف أو المحبة بالضرورة، بل إن المقصود منها هو نظرة المالك الإقطاعي إلى عامة الناس على أنهم من رعاياه، وعلى أنه مسئول عنهم بمعنى ما، أي إنه يتخذ القرارات الحاسمة بشأن مستقبلهم، وربما شارك في حل مشكلاتهم إذا كانت طبيعته تسمح له بالاهتمام بهذه المشكلات.
Bilinmeyen sayfa