... والاستغفار مجازي، وهو أن يقول بلسانه: أستغفر الله، ولا يتصور شيئا بقلبه، وحقيقي وهو الذي حظي به الكل، وهو نصب أعينهم إن سبقت لهم الحسنى والعناية الأزلية من الله تعالى لسرهم وروحهم، ولطيفتهم بطلب استعداداتهم الغير المجهولة بستر أنانيتهم، وتعينهم الجزئي المائل عن حد الاعتدال في سعة بحر إطلاق وجود سيدهم، فاستمر فناؤهم في ربهم، وبقاؤهم بوجوده في سائر المراتب الاستيداعية، والمقامات الاستقرارية، فلا جرم دام شهودهم في جميع أحوالهم بغير مزاحمة دعوى الاستقلال بالوجود، وكانوا معه سبحانه في شهود شؤونه حيث كان معهم أين ما كانوا، فاستغفارهم أزلي أبدي بستر وجودهم في وجود سيدهم، وفي سائر أسمائه، وصفاته، وأفعاله، وسمعوا خطاب (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) [غافر: 16].
... بل شاهدوا جهارا أنه الواحد في الكل، فلا يكن الزائر أنزل حالا ممن ذمه الله تعالى في كتابه من الظمآن الذي وجد الله عنده فوفاه حسابه، وكان يقول قديما مشائخ ما وراء النهر: من طلب شيئا وجده. ويقول مشائخ العراق: من وجد شيئا طلبه، وشيخ الإسلام من مشائخ خراسان يقول: النزاع لفظي، والمآل واحد، سواء ضربت الزجاج على الحجر، أو الحجر على الزجاج، وأنا مع العراقيين. ومآل الأقوال: يرجع إلى ما نحن فيه من الوجدان البسيط الستري، والمركب التفصيلي، ويتعلق بهذا الباب ما نقل عن بعض المحققين أنه قال: كل شيء إذا طلبته وجدته إلا الحق سبحانه وتعالى، فإن وجوده سابق لطلبه. وكان يقال: ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك. وجاء في الخبر: إن سيدنا موسى - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رب! أبعيد أنت فأناديك، أم قريب فأناجيك؟ فسمع الله تعالى يقول: أين ما قصدتني وجدتني، ويشير إلى الذوق الموسوي قوله تعالى: ( فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ) [سورة البقرة: 115]. وما أعذب ما قال:
Sayfa 54