لأعفرن مصون وجهي بينها ... وأقبل الآثار والحجرات ... قال في ((المواهب اللدنية)): وقد اطلعت في الاحتجاج لتفضيل المدينة على مكة، وإن كان مذهب إمامنا الشافعي تفضيل مكة؛ لأن هوى كل نفس حيث حل حبيبها. على أن للقلم في أرجاء تفضيل المدينة مجالا واسعا، ومقالا جامعا، لكن الرغبة في الاختصار تطوي أطراف بساطه، والرهبة من الإكثار تصدف عن تطويله، وإفراطه، وأنت إذا تأملت قوله عليه وآله الصلاة والسلام: ((يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. والذي نفسي بيده! لا يخرج أحد منها رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيرا منه))0 ظهر لك أن فيه إشعارا بذم الخروج من المدينة، بل نقل المحب الطبري عن قوم أنه عام أبدا مطلقا، وقال: إنه ظاهر اللفظ. انتهى.
... وأقول:
أيا ساكني أكناف طيبة حبكم ... من السعي للعلياء جيرة أحمد
فمن يبتغي عنها بلاد وإن سمت ... لأمر من الدنيا فليس بمهتد
... وما أحسن ما قال الناظم:
علي عهود عن دياركم لا أخطو ... ولو ضاق فيها العيش أو طاول القحط
على أنني فيها على خير حالة ... عزيز جنابي لا يزاولني البسط
أبى الله أن ترضى سواها جبلتي ... فتنتقل أقدامي إلى غيرها الوخط
أأرحل عمن لا يضام نزيله ... ومن لا يطيق الخطب في جاره يسطو
أأضرب صفحا عن شفيعي ... ونافعي إذا أعرضت عني الأقارب والرهط
فما أسعد القوم الذين رضوا به ... معينا وفي أكنافه أبدا حطوا
أولئك يمحو الله عنهم ذنوبهم ... وإن عظمت فحشا ولم يحوها ضبط
فكم عثرات لي أقيلت بابه ... ومن شدة حلت وقد أحكم الربط
ولي هفوات قد كثرن ولا أرى ... لها غير جاه المصطفى نافع قط
فيا سيدي سل لي من الله عطفة ... وطيب رضا لا يختشى بعده سخط
وجبر الكسر طال ما قد شكوته ... إليك فأدركني لينجر الوهط
Sayfa 32