مناداة اللحم السمين، لكن جنبتها فحش القول، إذ لست من أهله، وخلدتها في ديوان الدهر شاهدة على المسيء بفعله، ورجوت بها الثواب، نصرة للمظلوم، وغيرة على حَمَلَةِ العُلُومِ، وسميتها: " الحرقة للخرقة " فقلت: اعلموا يا ولاة الأمر، ويا ذوي الكرم الغمر، أبقاكم الله بمصر (١) لْلأُمَّةِ، ووفقكم لدفع الإصر وبراءة الذمة، أن حلب قد نزعت للزبدة، ووقعت من ولاية التاجر الرباحي في خسر وشدة، قاضٍ سلب الهجوع وسكب الدموع، وأخاف السرب، وَكَدَّرَ الشُرْبَ، بجراءته التي طمت وطمت، وَعَمَايَتِهِ التي عمت وغمت، وفتنته التي بلغت الفراقد، وأسهرت ألف راقد، ووقاحته التي أدهشت الألباب، وأخافت النطف في الأصلاب، فكم لطخ من زاهد، وكم أسقط من شاهد، وكم رعب بريًّا، وكم قرب جريًّا، وكم سعى في تكفير سليم، وكم عاقب بعذاب أليم، وكم قلب ذائب، بنائبة توسط بها عند النائب، فامتنعت الأمراء عن الشفاعة، وظنوا هم والنائب أن هذا امتثال لأمر الشرع وطاعة:
يَا حَامِلَ النَّائِبَ فِي حُكْمِهِ * ... * ... * أَنْ يَقْتُلَ النَّفْسَ التِي حُرِّمَتْ
غَشَشْتَهُ وَاللهِ فِي دِينِهِ * ... * ... * بُشْرَاكَ بِالنَّارِ التِي أُضْرِمَتْ
_________
(١) كانت مصر في عهد المؤلف وهو القرن الثامن عاصمة دولة المماليك.
1 / 43