وانطلقت من صدره ضحكة عالية تحولت إلى قهقهة نشرت العدوى بين الرجال، والنساء أيضا. أصبح الضحك يخرج من صدورهن مع الهواء بصوت مرتفع.
انطلقت صفارات الإنذار في الجو. أطل المدير برأسه من مكتبه العلوي. ظهرت رئيسة الحكيمات برأسها الملفوف بالطرحة البيضاء من خلفها فرقة من التمورجية يمسك كل منهم عصا من الخيزران. يلسعون النساء على أردافهن. - كله يدخل العنابر! كله يدخل جوه!
تهرول النساء إلى الداخل، إلا تلك المرأة التي بدأت الضحك. تمشي بحركة بطيئة رافعة عينيها نحو القادمة الجديدة. ملامحها غريبة ومألوفة. هذه الحركة الجامحة رأتها من قبل، كالفرس الحرة غير مملوكة لأحد، يلسعها التمورجي فوق ردفيها. - بسرعة! ادخلي يا بت يا نفيسة!
تتلكأ في مشيتها. تهز ردفيها. تلسعها العصا مرة أخرى. تستدير نحوه بحركة غاضبة. - متشطر على النسوان! ما تروح تضرب الرجالة! - بسرعة ادخلي يا بت! المدير جاي!
لم يكن التمورجية يضربون الرجال فوق أردافهم. يكتفون بشخطة أو لكزة في الكتف ببوز العصا. ويدخل الجميع إلى العنابر إلا إبليس يختفي وراء جذع شجرة، ورجل آخر أكبر سنا. لحيته طويلة بيضاء، رأسه ملفوف بعمامة على شكل القمع، مدببة القمة تعلوها ريشة سوداء. تنتصب في الهواء كعرف الديك. يلكزه التمورجي في كتفه بالعصا الخيزران. - ياللا ادخل بسرعة مش شايف المدير؟ - مدير مين يا حمار؟ مش عارف أنا مين؟ - عارف يا مولانا بس ادخل بسرعة خلي اليوم يفوت على خير.
في مدخل السراي كان المدير واقفا داخل معطفه الأبيض. أمامه قائد الفرقة البوليسية، يناوله ورقة ملفوفة على شكل قرطاس. - اتفضل يا فندم، وقع لنا باستلام المريضة.
فتح المدير الورقة. تأمل الحروف طويلا. زحفت عيناه من الورقة إلى المرأة الواقفة كالنمرة وحذاؤها في يدها. عيناها تدوران حولها تتأمل المكان الجديد. فوق شفتيها ابتسامة. أخرج قلمه الحبر من جيبه العلوي ووقع باسمه فوق الورقة على شكل شخبطة. حملق فيها قائد البوليس بعينين متسعتين ثم رفع يده بالتحية العسكرية. ضرب كعبي حذائه أحدهما بالآخر. خبط بهما الأرض عدة خبطات، واستدار معطيا ظهره للمدير وخرج من البوابة مع فرقته يدبون بكعوبهم كحوافر الخيل.
الرئيسة كانت واقفة خلف المدير. حول عنقها خيط أو سلسلة تتدلى منها صفارة، راقدة فوق صدرها كالفأر الصغير داخل الخندق بين النهدين الكبيرين. رأسها الملفوف بالطرحة البيضاء مطرق إلى الأرض. عيناها تختلسان النظر إلى قدمي المرأة الحافيتين. تصعدان إلى ساقيها المشدودتي العضلات داخل سروال من الجلد. حول خصرها حزام عريض. قميصها أبيض فضفاض، له فتحة واسعة يطل منه عنقها الطويل، أسمر اللون كجذع شجرة يخرج من بطن الأرض. عيناها واسعتان تملؤهما نظرة ثابتة كالجنون. - اسمك إيه؟ - جنات!
قالتها بملء فمها، وابتسمت. امتلأ وجهها بالضوء. بينها وبين اسمها علاقة حب قديمة، «جنات». جمع جنة. هكذا كان يقول أبوها.
ودارت عيناها تتأملان المكان حتى التقتا بعيني الرئيسة. حملقت فيهما طويلا كأنما رأتهما من قبل. - نرجس؟!
Bilinmeyen sayfa