قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: قد سمعنا منك وفهمنا عنك، وأعجبنا بك، ولكنا لم نؤمن لما حدثتنا به صباح اليوم؛ فقد فسرت لنا ما تقرأ في الكتب، ولم تفسر لنا ما نرى في الحياة.
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى في صوت يكاد يبين عن خوف دفين: وما ذاك؟
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: لقد أنبأتنا، كما أنبأتنا الكتب، بأن من قدم إلى الناس خيرا لقي منهم خيرا، ومن قدم إلى الناس شرا لقي منهم شرا، وقصصت علينا من كتاب المكافأة في ذلك قصصا رائعة، وأخبارا بارعة، ولكنا ننظر فنرى الصنيعة لا تكاد تغرس في قلوب الناس حتى تستحيل إلى شجرة الزقوم، تلك التي وصفها القرآن الكريم، بأنها طعام الأثيم، كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم.
قال الأستاذ الشيخ وعلى وجهه ابتسامة رفيقة رقيقة: فإن هذه الشجرة كما وصفها القرآن الكريم، تخرج في أصل الجحيم، وليست قلوب الناس كلهم جحيما؛ وإن منها لجنات يستحيل فيها الشر خيرا، والمساءة إحسانا؛ فاجعل ما نقوله لك من هذا عزاء عما تقوله لك الحياة، وقدم الخير غير يائس من أن تجزى عليه بمثله.
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: فإني أكره أن أتجر بالمعروف، وأوثر أن أقدم الخير لا ألتمس له جزاء، وأوثر إذا لم يكن بد من الجزاء أن أنتظره من الله الذي لا يذهب العرف بينه وبين الناس.
وكنت حاضر هذا الحديث، فذكرت قول مؤرخ روماني عظيم قلما ينظر فيه الأدباء المعاصرون: «إن الصنيعة لا تزال محتفظة بقيمتها ما دام شكرها يسيرا؛ فإذا جلت عن الشكر جوزيت بالكفر والجحود.»
حمارا رهان
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: أي صديقيك شر: هذا الذي يوادك حين تستغني عنه ويحادك حين تحتاج إليه، أم هذا الذي يكلؤك حين ترزؤك النقمة، ويشنؤك حين تفجؤك النعمة؟
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: كلاهما مريض يا بني يحسن أن نلتمس له الطب ونقدم إليه الدواء، فأما أولهما فعلته الأثرة التي تفسد المروءة، وأما ثانيهما فعلته الحسد الذي يلبس ثوب الكبرياء.
وكنت حاضر هذا الحديث، فلم أستطع أن أدافع ضحكا عريضا؛ فنظر الشيخ وتلميذه إلي في شيء من وجوم كأنهما يتسألان عن هذا الضحك، فقلت: أذكرتماني قصة العبادي؛ فقد قيل له: أي حماريك شر؛ هذا الذي يبطئ بك حين تحتاج إلى السرعة، أم هذا الذي يسرع بك حين تحتاج إلى الأناة؟ فقال: «هذا ثم هذا.»
Bilinmeyen sayfa