بدمائهم في حر الهجير تصهرهم الشمس نصب عينه بين المعارة والمخيم ، وقد خفقت أجنحة المنية على رأسه ، وجراحاته تشخب دما ، وقد بنى عليه درعه بنيانا ، وحال العطش بينه وبين السماء كالدخان ، ولما راى انه لم يبق بينه وبين الشهادة الا سويعة ، ليس بينه وبين هبوط جسده المبضع الى الارض وعروج روحه المعذبة الى السماء ، نعم لم يبق الا هذه الحملة الاخيرة يدخل الى الميدان ثم لايخرج منه الا ورأسه على السنان.
نعم من ذا الذي يقتدر أن يصور لك الحسين عليه السلام وقد تلاطمت امواج البلاء حوله ، وصبت عليه المصائب من كل جانب ، وفي تلك الحال عزم على توديع العيال ومن بقى من الاطفال ؛ فاقترب من السرادق المضروب على حرائر النبوة وبنات علي عليه السلام والزهراء عليها السلام ، فخرجت المخدرات من الخدور كسرب القطاء المذعور ، فأحطن به وهو سابح بدمائه ، فهل تستطيع أن تتصور حالهن وحال الحسين عليه السلام في ذلك الموقف الرهيب ولا يتفطر قلبك ؟ ولا يطيش لبك ؟ ولا تجرى دمعتك ؟ أما أنا فيشهد الله وكفى به شهيدا اني اكتب هذه الكلمات عصر هذا اليوم من محرم سنة : (1373) ه ولعلها الساعة التي وقف فيها سلام الله عليه لوداع اهل بيته اكتب والقلب يرتجف ، والقلم يرتعش والعين تدمع والحشا تذوب وتتلاشى. لا أدرى كيف أعبر ؟ وكيف أصور ذلك الموقف المهول ؟ وأعجب كيف لم تسقط السماء على الأرض أسى وحزنا ولوعة وشجوا ؟ غيرة الله وحجته يريد ان يرتحل من هذه الدنيا ويترك هذه الحرائر المخدرات في تلك الصحراء ، يتركهن في الصحراء بين جثث القتلى ومصارع فتيانهن ، وبين الوحوش الكاسرة التي قتلت رجالهن وأطفالهن ، تدبر ما شئت وفكر ما وسعك التفكير ، وتأمل كيف حاله سلام الله عليه في فراقه لهن وهن بذلك الوضع الشائك ، وكيف حالهن في فراقهن له وهو غيرة الله ، وهن ودائع الله ، وودائع رسوله ، تجسمت للحسين عليه السلام عند التوديع
Sayfa 117