Yer Çivileri Janaqu
الجنقو مسامير الأرض
Türler
قالت لي: إن ود أمونة يعمل بجد، ويكدح من أجل العازة.
قلت مندهشا: العازه! العازة دي منو؟
فحكت لي ألم قشي ما يحكيه ود أمونة، أو هي الحكاية الشائعة، وود أمونة نادرا ما يتحدث في هذا الموضوع: عندما خرجت العازة من السجن، أخذت معها ود أمونة، وكانت قد وعدته، ووعدت أمه أمونة التي تركتها في السجن وراءها بأنها ستعتني به كما لو كان ولدها، وأنها ستدخله المدرسة، إلا أن العازة بعد خروجها من السجن واجهتها مشاكل كثيرة جدا من أسرتها؛ حيث إن إخوانها ووالدها كانوا يصرون على أن تلتزم بواحد من الاثنين؛ إما أن تتزوج أيا كان وبسرعة، وإما أن تترك العمل الذي أخذت تمارسه بعد خروجها من السجن مباشرة، وهو بيع الشاي والقهوة في سوق القوني، وأن تبقى في المنزل ولا تبرحه؛ لأن أسرتها كبيرة وإخوانها معروفون ؛ لذا تهمهم سمعتها، لكن العازة رفضت كل العروض وواصلت عملها في سوق القوني؛ حيث كسبت مجموعة من الزبائن، وطورت عملها عندما ألحقت بمقهاها مطعما تبيع فيه الأغذية البلدية، وأدخلت ود أمونة مدرسة خاصة في حي كرفس واستأجرت لها بيتا في حي الأسرى؛ كي يكون قريبا من موقع عملها، والحق يقال كانت ملتزمة أخلاقيا، ومحترمة لنفسها، ولعملها، ولم يعرف لها أي نشاط مخالف للقانون، ولم يتشك منها الجيران، مع ذلك فإن إخوانها لم يرضهم كل ذلك، وخططوا لتخويفها وطردها من مدينة القضارف لأي بلدة كانت، وكانت تعلم بمخططهم وتستعد لمقاومته، وفعلا هاجمها اثنان من إخوانها في بيتها عدة مرات، واعتدوا عليها بالضرب، وهاجمها في مكان عملها بعض البلطجية المأجورين، وكانت ترد في شراسة، ولكنهم فكروا أخيرا في استهداف ود أمونة؛ استأجروا بعض الصبية المشردين ومدمني البنزين ليعتدوا عليه بالضرب في طريقه إلى المدرسة، وأينما وجدوه، ولكن بعض الشواذ منهم عندما رأوه فكروا في الاعتداء عليه جنسيا، وقد تخلص ود أمونة منهم بما تعلمه من أمه من مهارات قتالية، ثم أخبر العازة التي قامت بعمل كمين لهم، وضربهم ضربا عنيفا، بل إنها طعنت اثنين منهم بسكين اعتادت أن تحملها معها منذ أن خرجت من السجن، أصيب أحدهم بعجز مستديم، ومات الآخر، ودخلت السجن هذه المرة مدانة بالقتل العمد مع سبق الإصرار، ومع أن أهل المتشردين الذين ظهروا فجأة قبلوا بالدية فإنها تعسرت في دفعها، فظلت منذ ذلك الوقت الوقت مواجهة إما بالدية، أو المؤبد، حتى بعد أن قبلت أسرة القتيل بخمسمائة ألف جنيه فقط
بعد مساومات من رجال ونساء خير كثر، فإن المبلغ يعتبر كبيرا جدا بالنسبة لامرأة وحيدة وبالنسبة لأصدقاء فقراء؛ لم يتمكنوا من جمع سوى القليل، ثم أحبطوا فتكاسلوا، وهكذا بقي ود أمونة وحده يعمل منذ ذلك الحين مع أدي وغيرها؛ كي يتمكن من تسديد الدية حتى تنال العازة حريتها، قال لي قبل شهر تقريبا إنه لم يتبق عليه سوى مائة جنيه فقط؛ لذا ربما كان ذهابه للقضارف بشأن أمر العازة، فهو دائما ما يزورها في السجن، عندما التقيت هذه المرة بود أمونة تغيرت صورته في نظري إلى بطل إنساني عظيم، وفور أن سألته عن صحة العازة، أخذ يحكي لي عنها؛ عن شهامتها، وكرمها، وإنسانيتها، وكيف أنها ظلت تعاني عمرها كله من أقرب الأقربين إليها، وهم أفراد أسرتها، ثم تناقشنا فيما تبقى لها من دية، وسألته ما إذا كان قد ذهب إلى مكتب الزكاة؟ ضحك في ألم وهو يحكي لي رحلة مرة مع البيروقراطية، قال إنهم أولا طالبوه بشهادة فقر من المحلية، ثم بصورة من الحكم، ثم بالتاريخ الشخصي للعازة، وأخيرا قالوا له: إن المال المرصود لمصرف الغارمين لهذه السنة قد تم صرفه، وأن عليه أن يعود إليهم في العام القادم، وفي العام القادم بدأت الرحلة من جديد، وانتهت بأن لم يرصد مال للغارمين في هذه السنة؛ نسبة لحاجة الناس للمال في مصرف آخر وهو مصرف المؤلفة قلوبهم، سوف يحاولون في العام الذي يليه، وقال لي ود أمونة إنه يعلم أن مكتب الزكاة قد قام بدفع الملايين لكبار التجار من مدينة خشم القربة تسديدا لديونهم في البنوك، بعد أن أقسموا أنهم معسرون، والناس تتحدث عن ممتلكات هؤلاء المعسرين من وابورات، وشاحنات، وسيارات نقل ركاب، وعقارات، ومغالق، وتوكيلات تجارية.
حدث ذلك في نفس الأيام التي كان هو يستجدي فيها المكتب لدفع ولو خمس الدية، سألته عن أمه، قال لي إنها خرجت من السجن قبل سنوات طوال، وتزوجت من شرطي سجون، كان يعمل بالقضارف، وتم نقله إلى سجن شالا بالفاشر، وسافرت معه إلى هنالك، ونسبة لأن ود أمونة رفض السفر معها، ولأن زوجها نفسه لم ترق له فكرة اصطحابه معه؛ فقد قامت أمونة أمه بتسليمه إلى أدي، وهي صديقتها، وقد عاشتا ردحا من الزمن معا في أم حجر، بعد أن اعتزلت أدي العمل العسكري بعد التحرير؛ حيث كانت تعمل مقاتلة في الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، لم يجد ود أمونة صعوبة في التأقلم والعيش مع أدي، فهو قد ولد بالحلة، وقضى جانبا كبيرا من طفولته بها.
وجد ألم قشي ببيت أدي، ولها صلة بصديقته العازة، ومع أنه لا يدري مدى عمق الصلة؛ فإن ألم قشي رحبت به واحتضنته، ولقد سألت ألم قشي فيما بعد عن صلتها بالعازة، فقالت: تجارة. على الرغم من الظروف الصعبة التي أمر بها أنا نفسي، ظرف العطالة والاستعداد للموسم الزراعي الجديد، والتجهيز لمولودي القادم، وبقاء ألم قشي بالبيت عاطلة عن العمل، فإنني تبرعت لود أمونة بنصف المبلغ المتبقي من الدية، اعتذر ود أمونة عن تسلم المبلغ لأسباب يراها موضوعية، وهي: أولا: هذه الأيام هي أيام الزراعة، وأنا أحتاج لكل مليم من أجل أرضي، ولربما أنا لا أعرف مدى حاجتي للمال في هذه الأيام نسبة لعدم خبرتي في الحرث والزرع، والأولوية للأرض، والشيء الآخر: هو أنه لا يمتلك النصف الآخر من المبلغ إلا بانتهاء شهر أكتوبر؛ لأنه دفع مبلغا كبيرا من المال في الأسبوع الماضي، تحصل عليه من «صرفة صندوق»، ولا يمكنه التحرر من هذا الدين إلا مع نهاية شهر يونيو؛ لذا في كل الأحوال ستبقى العازة بالسجن إلى ما بعد أكتوبر، وقد اقترح علي أن أستخدم المال في الزراعة، وبعد ذلك الموسم أعطيه إليه إذا توافر لي مرة أخرى، على كل شكرني ود أمونة شكرا أخجلني، ولم يأخذ مني شيئا، قبل أن أغادر إلى المشروع للعمل جاء لقطيتنا في المساء، وحدثني بما اعتبره أحد الأسرار: اعمل حسابك من السكة وما تشيل معاك قروش كتيرة! ما تثق في زول، الدنيا ما معروفة.
ولم أستطع أن أعرف منه أكثر من ذلك، ووعدني بأنه سيبقى مع ألم قشي في ذات القطية، قد تحتاج إليه فتجده، وذلك إلى أن أعود، وكي يطمئنني أكثر أضاف: ألم قشي دي أختي.
انتظم المطر تقريبا بعد عاصفة منتصف يونيو، كان مطرا غزيرا؛ ولكنه كما قال لي الجنقو العارفون بالمطر: لم يكن خريفا استثنائيا، وقالوا: بداية عادية، ولكنها مبشرة، إذا نجحت العينة الأولى سوف ينجح الخريف كله.
ونصحت بالبداية المبكرة، اشتعلت المشاريع؛ جنقوجورا يحرثون وينثرون السمسم، وينشدون في صبر وألم، يصنعون الحياة الحقة للملايين بعرق مر، ويحرمون أنفسهم من لحظة الحلم، التي لا يعونها هم أنفسهم، لا يفكرون كثيرا ولا عميقا في الأشياء كما أن الثورة الخرائية التي قاموا بها لم تلهمهم أفكارا أخرى، أو مشروعات، أو أي عملية إيجابية لاحقة، عبرت مثل نكتة سخيفة، حكيت أضحكت ثم تلاشت، وانشغلوا بعدها جميعا بخلق القيمة بالعمل، ونسوا كل شيء خلافه، يريد الجنقوجورا المال، والطريق الوحيد للمال هو العمل المتواصل الذي ينتهي غالبا عند شجرة الموت في فريق قرش بالحمرة، أو أي شجرة موت أخرى، إلى أن استيقظنا ذات صباح بخبر غريب عن قطاع الطرق الفالول، أو الشفتة، في خور عناتر المعشوشب الواقع وسط المشاريع الغربية، بين الشقراب والحلة، ظل هذا المكان آمنا حتى في سنوات الحرب الإريترية الإثيوبية، وانفلات الأمن عند الحرب ما بين جيش الحكومة والمعارضة المسلحة، في ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم؛ لذا كانت دهشة الناس عظيمة عندما عرفوا أن الشفتة لم يكونوا من الفالول الأحباش، أو الإريتريين، ولكنهم سودانيون، بل ومن الجنقو، وعرف البعض بأسمائهم، كانوا يحملون الأسلحة البلدية: فئوسا، وحرابا، وخناجر، وسيوفا أيضا، كانوا لا يقلون عن عشرة من الرجال السود الأقوياء، قاموا بنهب عربة بوكس تعمل في نقل الركاب إلى معسكر الشقراب، أخذوا كل ما لدى الركاب من أشياء قيمة، مثل الساعات، والنقود، وحتى الأحذية الجديدة، وتحصلوا على مسدس كان يخص سائق العربة ويخفيه تحت المقعد مع كرتونة من الخمر المستورد، وفي نفس اليوم هاجموا نقطة التفتيش الواقعة في مفترق الطرق بين الشواك والشقراب، واستولوا على رشاشة كلاشينكوف وبندقية جيم 3، وهربوا في اتجاه غابة زهانة، مستخدمين عربة نقطة التفتيش التي وجدت معطوبة قرب قرية الجيرة.
حدث بهذه الضخامة عندما يدخل الحلة فإنه يخرج منها أحداثا كثيرة بشعة، وهذا ما وقع بالفعل؛ حيث أشيع أن الجنقو تمردوا جميعا، والآن يهاجمون جيش الحكومة في حاميتي زهانة وهمدائييت بأسلحة تحصلوا عليها من إريتريا، وصدقت الإدارة العسكرية والأمنية الرواية الشعبية للحدث، واتصلت بحامية خشم القربة، وحامية القضارف، طالبة العون العاجل لإخماد ثورة الجنقو، ولكن نسبة لخبرة الحكومة الكبيرة في الصراعات المحلية والثورات المسلحة لم ترسل جيشا، ولكنها أرسلت لجنة تقصي الحقائق برئاسة مسئول أمني في رتبة كبيرة، وقامت اللجنة المطوقة بحراسة مشددة على عربة مصفحة بزيارة مواقع العمليات، والتقت الأشخاص الذين هوجموا وحققت مع الجميع، ثم كونت لجنة مدنية حققت مع السكان، ثم كتبت تقريرا أهم ما فيه: «خمسة رجال من عمال المشاريع الموسميين يقومون بأعمال تخريبية لأهداف غير معلومة، ويرجح أنها للحصول على المال، يتسلحون بمسدس وبندقية جيم 3 ورشاشة كلاشينكوف وأسلحة بيضاء أخرى، بعضهم جنود مسرحون من الجيش، لا يميلون للقتل أو سفك الدماء، معروفون لدى كل السكان بالاسم وهم: طه كوكو نمر «عسكري معاش»، عبد الله خير السيد الطيب، برهاني تخلي ولدو، دنق مايوم أجانق «عسكري معاش»، إبراهيم عثمان الشايقي، وهم الآن إما في مكان ما بغابة زهانة، أو أنهم عبروا نهر سيتيت إلى مدينة الحمرة، أو أنهم يتحركون في هذا المجال من وإلى إثيوبيا»، ثم أوصى التقرير بحماية طرق السيارات العامة التي تربط الحلة بالشقراب، وطريق همدائييت والجيرة، الحفيرة زهانة، وأن ينشأ طوق عسكري آمن يتحرك في غابة زهانة للبحث عن المجموعة، ونصح التقرير بصورة واضحة عدم اعتقال المواطنين أو الإضرار بهم، وتجنب الدخول في صراع مسلح مع أي كان ما لم يبادر الخصم بإطلاق النار أو نصب الكماين.
Bilinmeyen sayfa