ـ[جامع الأصول في أحاديث الرسول]ـ
المؤلف: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (المتوفى: ٦٠٦هـ)
تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - التتمة تحقيق بشير عيون
الناشر: مكتبة الحلواني - مطبعة الملاح - مكتبة دار البيان
الطبعة: الأولى
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ومذيل بحواشي المحقق الشيخ عبد القادر الأرنؤوط ﵀، وأيضا أضيفت تعليقات أيمن صالح شعبان (ط: دار الكتب العلمية) في مواضعها من هذه الطبعة]
_________
الجزء [١، ٢]: ١٣٨٩ هـ، ١٩٦٩ م
الجزء [٣، ٤]: ١٣٩٠ هـ، ١٩٧٠ م
الجزء [٥]: ١٣٩٠ هـ، ١٩٧١ م
الجزء [٦، ٧]: ١٣٩١ هـ، ١٩٧١ م
الجزء [٨ - ١١]: ١٣٩٢ هـ، ١٩٧٢ م
الجزء [١٢] (التتمة): ط دار الفكر، تحقيق بشير عيون
Bilinmeyen sayfa
- أ -
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد: فإن السنة النبوية هي الأصل الثاني من أصول الأحكام الشرعية التي أجمع المسلمون على اعتبارها أصلًا قائمًا بذاته، فهي والقرآن متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر، فالقرآن كليُّ هذه الشريعة، والرسول ﷺ مبين بسنته لجزئياتها. قال الله تعالى: ﴿وأنزلنا إليك الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ للنَّاس ما نُزِّلَ إليهم﴾ [النحل: ٤٤] .
فما ورد في القرآن من الآيات مجملًا أو مطلقًا أو عامًا، فإن السنة النبوية، القولية منها أو الفعلية تقوم ببيانها، فتقيد مطلقها، وتخصص عامها، وتفسر مجملها، ولذا كان أثرها عظيمًا في إظهار المراد من الكتاب، وفي إزالة ما قد يقع في فهمه من خلاف أو شبهة.
قال الإمام أحمد بن حنبل ﵀: " إن الله جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، بعث محمدًا ﷺ بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلِّه ولو كره المشركون، وأنزل عليه كتابه، فيه الهدى والنور لمن اتبعه، وجعل رسوله الدال على ما أراد من ظاهره وباطنه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وما قصد له الكتاب، فكان رسول الله ﷺ هو المعبِّر عن كتاب الله، الدال على معانيه ".
1 / 3
- ب -
وقد تظاهرت الآيات في وجوب العمل بالسنة النبوية، والاعتماد عليها، والإذعان لها، وتحكيمها في كل شأن من شؤون حياتنا. قال تعالى: ﴿وما آتاكم الرسول فخُذوهُ وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ [الحشر: ٧] وقال: ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ [النساء: ٨٠] وقال: ﴿فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلِّموا تسليمًا﴾ [النساء: ٦٥] وقال: ﴿فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر﴾ [النساء: ٥٩] وقال: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسولُه أمرًا أن يكون لهم الخِيرَةُ من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالًا مبينًا﴾ [الأحزاب: ٣٦] .
وقد أنعم الله على هذه الأمة الإسلامية بأن قيَّض لها في القرون الأولى المشهود لها بالفضل نخبة ممتازة وصفوة مختارة ندبت أنفسها لخدمة السنة النبوية المطهرة ولم شتاتها، فالتقطوها من أفواه سامعيها، وجمعوها من صدور حامليها، وطَوَوْا الفيافي والقِفار إلى حَفَظَتِها في كل قطر ومصر، وبذلوا في سبيل ذلك أموالهم، وأفنوا أعمارهم، فكان من أثر ذلك تدوين المؤلفات الضخمة العديدة التي ضمت تراث نبينا الكريم، فاستحقوا بذلك رضوان الله تعالى، والشكر والتكريم.
والكتاب الذي نقدمه للقراء - وهو أحد تلك المؤلفات العظيمة تأليف الإمام أبي السعادات مجد الدين المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، ثم الموصلي المعروف بابن الأثير من رجال القرن السادس الهجري -
قد عمد فيه المؤلف إلى الأحاديث التي وعتها الأصول الستة المعتمدة عند الفقهاء والمحدثين: - الموطأ، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، التي حوت معظم ما صح عن النبي الكريم - فجمعها وأدمجها كلها في مؤلف واحد بعد أن رتبَّها وهذَّبها وذلَّل صِعابها، وقرب نفعها، وافتتحه بمقدمة ضافية فصل فيها الطريقة التي اتبعها في تصنيف الكتاب، وذكر جل قواعد مصطلح الحديث التي تمس الحاجة إلى معرفتها، وختمها
1 / 4
- جـ -
بتراجم الأئمة السنة الذين جمع كتبهم في تأليفه هذا، فجاء فَذًَّا في بابه، لم ينسج أحد - فيما نعلم - على منواله، فكل من يقتنيه عن الأصول الستة يغنيه.
خطة المؤلف في الكتاب:
لقد ذكر المؤلف في مقدمته أن أول عمل قام به، هو حذف الأسانيد، فلم يثبت إلا اسم الصحابي الذي روى الحديث عن النبي ﷺ إن كان خبرًا، أو اسم من يرويه عن الصحابي إن كان أثرًا، اللهم إلا أن يعرض في الحديث ذكر اسم أحد رواته فيما تمس الحاجة إليه، فإنه يذكره لتوقف فهم المعنى المذكور في الحديث عليه.
وأما متون الأحاديث فقد أثبت منها ما كان حديثًا عن رسول الله ﷺ، أو أثرًا عن صحابي، وما وجد من أقوال التابعين والأئمة المجتهدين في الأصول التي جمعها في كتابه، فلم يذكرها إلا نادرًا.
واعتمد في النقل من كتابي البخاري ومسلم على " الجمع بين الصحيحين " للإمام أبي عبد الله الحميدي، وذكر أنه أحسن في ذكر طرقه، واستقصى في إيراد رواياته، وأن إليه المنتهى في جمع هذين الكتابين.
وأما باقي الكتب الأربعة، فقد نقلها من الأصول التي قرأها وسمعها، كما اعتمد على نسخ أخرى منها غير مسموعة له.
وقد عوَّل في المحافظة على ألفاظ البخاري ومسلم أكثر من غيرهما من باقي الأئمة الأربعة، اللهم إلا أن يكون في غيرهما زيادة أو بيان أو بسط، فإنه يذكرها، كما يتتبع الزيادات من جميع الأمهات، ويضيفها إلى مواضعها.
وقد عدل عن الطريقة التي اتبعها أصحاب الأصول الستة في الترتيب والتبويب، لأن كل واحد منهم قد ذكر أحاديث في أبواب من كتابه، ذكرها غيره في غير تلك
1 / 5
- د -
الأبواب، فعمد إلى الأحاديث المضمنة في هذه الأصول، فاعتبرها وتتبعها واستخرج معانيها، وبني الأبواب على المعاني التي دلت عليها الأحاديث.
وكل حديث انفرد بمعنى، أثبته في باب يخصُّه، وما اشتمل من الأحاديث على أكثر من معنى إلا أنه بأحدها أخص وهو فيها أغلب، فقد أثبته في الباب الذي هو أخص به وأغلب عليه، وإذا كان يشتمل على أكثر من معنى ولا يغلب أحد المعاني على الآخر، فقد أورده في آخر الكتاب في اللواحق.
ثم إنه خرَّج أسماء الكتب المودعة في الكتاب، وجعلها مرتبة على حروف المعجم، طلبًا لتسهيل كلفة الطلب، وتقريبًا على المريد بُلْغَةَ الأرب، إلى آخر ما سيراه القارئ الكريم مفصلًا في مقدمته.
وقد أثبت ما وجده في كتب الغريب واللغة والفقه من معنى مستحسن، أو نكتة غريبة، أو شرح وافٍ في آخر كل حرف على ترتيب الكتب (١) بعد الاحتياط فيما نقله، وما لم يجده فيها - وهو قليل - فقد ذكر فيه ما سنح له بعد سؤال أهل المعرفة والدراية.
ومما لا شك أنه قد أسدى بتأليفه هذا الكتاب العظيم إلى الإسلام وأهله يدًا لا تزال مشكورة ما دام في الدنيا من يدين بهذا الدين، ويتبع سبيل المؤمنين، فجزاه الله تعالى وسلفه وخلفه ممن نهج نهجه وسلك سبيله في خدمة هذا الدين خير جزاء.
ولما اتجهت النية إلى إخراج هذا الكنز النفيس من دفائنه ونشره نشرة صحيحة متقنة، انعقدت العزائم على إصداره أجزاء متتالية وبقيمة ميسرة بالتعاون مع الناشرين الأفاضل: السيد حسين ناظم الحلواني، والسيد عبد الله الملاح، والسيد بشير عيون، ومن ثمَّ شرعنا نبحث عن الأصول الخطية لاعتمادها في الطبع، وقد عثرنا - ولله الحمد والمنَّة - على عدة نسخ
_________
(١) وقد عدلنا عن صنيع المؤلف هذا، فأثبتنا غريب كل حديث وشرحه عقبه تسهيلًا للقارئ.
1 / 6
- هـ -
جيدة نادرة في دار الكتب الظاهرية العامرة بدمشق الشام المحروسة، منها ما هو تام، ومنها ما هو ناقص، وهاك وصفها.
وصف النسخ
النسخة الأولى تحت رقم (٢١٠) حديث
١- وهي نسخة خزائنية تامة جيدة الضبط والإتقان، نادرة الغلط، يمكن الثقة بها والاطمئنان إليها، وقد أثبت على هوامشها تصحيحات وتصويبات تشير إلى أنها مقروءة من بعض أهل العلم الذين لهم اطلاع ومعرفة.
وتقع في مجلد ضخم، عدد أوراقها (٨٧٥) ورقة من المقاس الكبير، في كل صفحة (٣٣) سطرًا، وفي كل سطر (٢٠) كلمة تقريبًا، وخطها نسخي مقروء واضح، وقد جاء في آخرها أن كاتبها - وهو آدم بن محمد بن محمد بن محسن بن علي بن سليمان - ابتدأ كتابتها في السادس من شهر الله المحرم سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، وأتمها في السادس والعشرين من الشهر المذكور سنة أربع وسبعين وسبعمائة، وهي من الكتب التي أوقفها والي الحاج وأمير الشام في القرن الثاني عشر الهجري، أسعد باشا العظم صاحب القصر الأثري المعروف بدمشق، على مدرسة والده إسماعيل باشا العظم
٢- النسخة الثانية: الموجود منها ثلاث مجلدات، المجلد الثالث تحت رقم (١٩٩) وعدد أوراقه (٢٦٢) ورقة، يبدأ بالكتاب السادس من حرف الصاد، صلة الرحم، وينتهي بفضائل مدينة الرسول ﷺ، والمجلد الرابع تحت رقم (٢٠٠) وعدد أوراقه (٢٧٠) ورقة، يبدأ بالباب التاسع من كتاب الفضائل، وينتهي بالفصل الرابع من أحاديث متفرقة من كل نوع، والمجلد الخامس تحت رقم (٢٠١) وعدد أوراقه (٢٥٨)، يبدأ بالركن الثالث في الخواتم، وينتهي بآخر الكتاب. وخط هذه النسخة معتاد جيد مقروء، كتبها محمد بن محمد بن فائد الحنفي، بالمدرسة العادلية في الحادي والعشرين من شهر شوال سنة (٧٣٣ هـ)، وهذه النسخة بأجزائها الثلاثة المتتالية، تقارب ثلاثة أخماس الكتاب.
1 / 7
- و-
٣- النسخة الثالثة: الموجود منها ثلاث مجلدات، المجلد الثاني تحت رقم (٢٠٦) وعدد أوراقه (٢٥٦) ورقة، يبدأ بالأذان والمؤذن، وينتهي بآخر كتاب الحج، والمجلد الثامن تحت رقم (٢٠٣) وعدد أوراقه (٢٠٣) ورقات يبدأ بفضل الأذان، وينتهي بالأحاديث التي تتعلق بأشراط الساعة، والمجلد العاشر تحت رقم (٢٠٤) وعدد أوراقه (٢٠٤) ورقات يبدأ بالباب الخامس من معجزاته ﷺ، وينتهي بالباب الثاني في ذكر جماعة من الأنبياء. وخط هذه الأجزاء الثلاثة نسخي معتاد مقروء، كتبت في أواسط القرن الثامن الهجري، وقد جاء في المجلد الثامن ما نصه: كتب في سلخ شوال سنة (٧٤٥ هـ) بالقدس الشريف، بيد محمد بن سالم بن عبد الناصر الحاكم بها يومئذ، وهذه النسخة يتخلل نصوصها فوائد شتى من كلام على متن حديث أو سنده أو معناه، وقد كتبت بالمداد الأحمر، تمييزًا لها عن أصل المؤلف، وقد نبَّه على ذلك كاتبها في الورقة الأخيرة من المجلد الثامن، وهي تعادل ربع الكتاب تقريبًا.
٤- نسخة موجود منها المجلد الرابع فقط، تحت رقم (٢٠٨) وعدد أوراقه (٢٢٣) ورقة، يبدأ بكتاب الصوم، وينتهي بكتاب العمرى، وهو آخر حرف العين، كتب بخط نسخي جيد،وهو غاية في النفاسة والإتقان والضبط، فإنه بخط المؤلف ﵀ كما جاء في الورقة الأخيرة منه، وقد من كتابته، سنة (٥٨٦ هـ) أي قبل وفاته بعشرين سنة، وقد قرأه على المؤلف أفاضل العلماء في عصره، كما ستراه مثبتًا في السماعات المصورة، وقد جاء عنوان الكتاب على الصفحة الأولى هكذا: جامع الأصول في أحاديث الرسول.
٥- نسخة موجود منها المجلد السابع تحت رقم (٢٠٢) وعدد أوراقه (٣٠٤) ورقات، يبدأ بكتاب الفضائل من حرف الفاء، وينتهي بحرف القاف، وخطه نسخي جيد ممتاز، كتب في حياة المؤلف، بيد أبي القاسم عمر بن سعد بن الحسين سنة (٥٩٣) هـ. وقد سمعه غير واحد من العلماء على صاحبه أبي يوسف يعقوب بن محمد بن الحسن الموصلي بحق سماعه من المؤلف ﵀، وقد جاء في ظاهر الورقة الأولى منه ما نصه: هذا
1 / 8
- ز -
الكتاب ملك الفقير إلى الله الغني به عما سواه، الحسيب إسماعيل بن محمد بن الحسن أمير المؤمنين ﵁.
٦- نسخة موجود منها المجلد الثاني تحت رقم (٢٠٥) وعدد أوراقه (١٩٣) ورقة يبدأ بفضائل القرآن والقراء، وينتهي بالكتاب السادس في القتال الحادث بين الصحابة والتابعين والاختلاف، وليس عليه تاريخ كتابته ولا اسم ناسخه، ومن المرجح أن يكون تاريخ نسخه في القرن السابع أو الثامن الهجري، وخطه نسخي واضح بين.
٧- نسخة موجود منها المجلد السادس تحت رقم (٢١١) وعدد أوراقه (٣٤١) ورقة، يبدأ بالباب الأول والثاني في ذكر جماعة من الأنبياء، وينتهي بنهاية الكتاب، وخطه فارسي جيد، فرغ من كتابته صبيحة الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان من شهور سنة (٦٩٤) هـ. محمد بن المعتز بن أبي سعد بن نصر الله بن بركات، وجاء في هامش الورقة الأخيرة ما نصه: بلغت المقابلة حسب الوسع والطاقة بنسخ مقروءة مقابلة بنسخة المؤلف وخطه.
٨- نسخة موجود منها المجلد العاشر تحت رقم (٢٠٩) عدد أوراقه (٢٦٠) ورقة يبدأ بالباب الثاني في ذكر جماعة من الأنبياء، وينتهي بترجمة كعب بن الخزرج، وخطه نسخي جيد لا يعرف تاريخ كتابته ولا اسم ناسخه لكن عليه سماعات يرجع تاريخها إلى سنة (٦٦٧) هـ.
٩- نسخة موجود منها المجلد الرابع تحت رقم (٢٠٧) عدد أوراقه (٢٢١) ورقة يبدأ بكتاب الفتن وينتهي بالفصل الثامن في الكفارة، كتب بعدة خطوط ممتازة لا بأس بها، وهو غفل عن تاريخ نسخه واسم الناسخ.
هذا وقد سبق لهذا الكتاب أن طبع في مطبعة السنة المحمدية بمصر في اثني عشر مجلدًا بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية، وبإشراف مفتي الديار المصرية سابقًا الشيخ عبد المجيد سليم، سنة ١٣٦٨ هـ - ١٩٤٩ م. وهذه الطبعة لا بأس بها إلا أنها غير تامة. وما لم يطبع منها يوازي خمس الكتاب تقريبًا، وفيها من التصحف والتحريف ما سنشير إلى بعضه في مواضعه إن شاء الله تعالى.
1 / 9
- حـ -
عملنا في تحقيق الكتاب:
لقد تولينا تصحيح النص وضبطه ومقابلته على ما بأيدينا من الأصول الخطية التي سبق وصفها، والأصول الستة التي جمع المؤلف كتابه منها، وبذلنا الجهد في ترقيمه وتفصيله، وألممنا بمذاهب الأئمة المجتهدين ومناحي أقوالهم، وذكرنا جملًا نافعة من الفوائد المستنبطة من الأحاديث، وتتبعنا الأحاديث التي لم يلتزم أصحابها إخراج الصحيح، كأبي داود، والترمذي، والنسائي، وتكلمنا على كل حديث من جهة الصحة والضعف. لأن المؤلف لم يتعرض لذلك، مع أن معرفة كون الحديث صحيحًا أو ضعيفًا أمر هام يوقف القارئ على جلية الأمر، ويتيح له وضع الأسس الصحيحة والتفريغات القائمة على نهج السلامة.
ثم إننا قد استشهدنا بأحاديث صحيحة من خارج الكتاب مما هو مدون في المسانيد والكتب كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وقد يكون في بعض ما نذهب إليه من التحقيق شيء من الخطأ، فما يخلو عمل إنسان غير معصوم من الخطأ، فالمأمول من أهل العلم والفضل ممن له بصر ومعرفة في هذا الفن الشريف، ألا يبخلوا علينا بملاحظاتهم أو استدراكاتهم أو تعقيباتهم، فإننا سنقبل كل ذلك، ونرحب به، ونضعه في مواضعه إن شاء الله. والله الموفق لا رب سواه
يوم الخميس ١٤ صفر ١٣٨٩ هـ
الموافق لـ ١ أيار ١٩٦٩ م
عبد القادر الأرناؤوط
1 / 10
- ط -
ترجمة المؤلف
هو الإمام البارع مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري ثم الموصلي المعروف بابن الأثير.
ولد في أحد الربيعين سنة أربع وأربعين وخمسمائة في جزيرة ابن عمر، وهي - على ما يقول ياقوت الحموي معاصر المؤلف - بلدة فوق الموصل؛ بينهما ثلاثة أيام، ونشأ بها وتلقى من علمائها معارفه الأولى، من تفسير وحديث ونحو ولغة وفقه، ثم تحول سنة (٥٦٥ هـ) إلى الموصل، وفيها بدأت معارفه تنضج وثقافته تزداد، وأقام بها إلى أن توفي.
قرأ الأدب على ناصح الدين أبي محمد سعيد بن المبارك بن الدهان البغدادي، وأبي بكر يحيى بن سعدون القرطبي، وأبي الحزم مكي بن الريان بن شبَّة النحوي الضرير، وسمع الحديث بالموصل من جماعة، منهم خطيب الموصل أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي، وقدم بغداد حاجًا فسمع بها من أبي القاسم صاحب ابن الخلِّ، وعبد الوهاب بن سُكينة، وعاد إلى الموصل فروى بها وحدث وانتفع به الناس.
وصفه من أرخ له بأنه كان من محاسن الزمن، ذا دين متين، وطريقة مستقيمة، عارِفًا، فاضلًا، وَرِعًا، عاقلًا، مطاعًا، رئيسًا، مُشاورًا، ذا بر وإحسان. قد جمع بين علم العربية والقرآن والنحو واللغة والحديث والفقه، وصنف تصانيف مشهورة وألف كتبًا مفيدة.
منها " غريب الحديث " على حروف المعجم، وهو المعروف بالنهاية، و" الشافي شرح مسند الشافعي " و" الإنصاف بين الكشف والكشاف " جمع فيه بين تفسيري
1 / 11
- ي -
الثعلبي والزمخشري، و" البديع " في النحو، و" الباهر في الفروق " في النحو أيضًا. و" تهذيب فصول ابن الدهان " و" المصطفى المختار من الأدعية والأذكار " و" كتاب لطيف في صناعة الكتابة " وله رسائل في الحساب مُجَدْوَلات، وكتاب ديوان رسائله: كتاب البنين والبنات، والآباء والأمهات، والأذواء والذوات. و" جامع الأصول في أحاديث الرسول " وهو هذا الكتاب. إلى غير ذلك من المؤلفات القيمة والمصنفات النافعة.
قال ياقوت الحموي في " معجم الأدباء ": حدثني أخوه أبو الحسن قال: تولى أخي أبو السعادات الخزانة لسيف الدين الغازي بن مودود بن زنكي، ثم ولاه ديوان جزيرة ابن عمر وأعمالها، ثم عاد إلى الموصل، فناب في الديوان عند الوزير جلال الدين أبي الحسن علي بن جمال الدين محمد بن منصور الأصبهاني، ثم اتصل بمجاهد الدين قايماز - وكان نائب المملكة - بالموصل أيضًا، فنال عنده درجة رفيعة، فلما قُبِضَ على مجاهد الدين سنة ٥٨٩ هـ (١) اتصل بخدمة أتابَك عز الدين مسعود بن مودود إلى أن توفي عز الدين وآل الأمر إلى ولده نور الدين شاه، فاتصل بخدمته حتى صار واحد دولته حقيقة، بحيث إن السلطان كان يقصده في منزله في مهام نفسه، لأنه أُقعد في آخر زمانه، فكانت الحركة تصعب عليه، فكان يجيئه بنفسه أو يرسل إليه بدر الدين لؤلؤًا.
وكان قد عرض عليه غير مرة أن يستوزره، وهو يأبى، فركب السلطان إليه، فامتنع أيضًا، حتى غضب عليه، فاعتذر إليه وقال له: أنا رجل كبير، وقد خدمت العلم عمري واشتهر ذلك عني في البلاد، وأعلم أني لو اجتهدت في إقامة العدل بغاية جهدي ما قدرت أن أؤدي حقه، ولو ظُلم أكّار (حرَّاث) في ضيعة من أقصى أعمال السلطان لنسب ظلمه إليَّ، ورجعتَ أنت وغيرك باللائمة عليَّ، والملك لا يستقيم إلا بشيء من العسف والظلم، وأخذِ الخَلْق بالشدة، وأنا لا أقدر عليه، ولا يليق بي، فعذره وأعفاه.
_________
(١) وقول الشيخ محمد حامد الفقي في ترجمة المؤلف: حتى قبض على مجد الدين أبي السعادات، مخالف لما جاء في " معجم الأدباء " لياقوت، وهو معاصر المؤلف، وأعرف بهذا من غيره.
1 / 12
- ك -
ولما أُقعد آخره عمره، جاء رجل مغربي فعالجه بدهن صنعه، فبانت ثمرته، وتمكَّن من مدِّ رجليه، فقال لأخيه عز الدين أبي الحسن علي بن الأثير: أعطه ما يرضيه، واصرفه، فقال أخوه: لماذا وقد ظهر النُّجح؟! قال: هو كما تقول، ولكني في راحة من صحبة هؤلاء القوم - يعني الأمراء والسلاطين - وقد سكنت نفسي إلى الانقطاع والدعة، وبالأمس كنت أُذِل نفسي بالسعي إليهم، وهنا في منزلي لا يأتون إليَّ إلا في مشورة مهمة، ولم يبق من العمر إلا القليل، فدعني أعش باقيه حرًا سليمًا من الذل، قال أخوه: فقلبت قوله وصرفت الرجل بإحسان.
فلزم بيته صابرًا محتسبًا، يقصده العلماء، ويفد إليه السلاطين والأمراء، يقبسون من علمه، وينهلون من فيضه، حتى توفي ﵀ بالموصل سنة ٦٠٦ هـ.
* * *
1 / 13
- ل -
راموز الصفحة الأولى من النسخة الأولى التامة
1 / 14
- م -
راموز الورقة الأولى من كتاب اللواحق من النسخة الأولى
1 / 15
- ن -
راموز الورقة الأخيرة وجه أول من النسخة الأولى
1 / 16
راموز الورقة الأخيرة وجه ثاني من النسخة الأولى
1 / 17
راموز الصفحة الأولى من المجلد الثالث من النسخة الثانية
1 / 18
راموز الصفحة الأخيرة من المجلد الخامس من النسخة الثانية
1 / 19
راموز الصفحة الأخيرة من المجلد الثامن من النسخة الثالثة
1 / 20
راموز عنوان نسخة المؤلف التي كتبها بيده
1 / 21