بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مبدي النعم، أولًا وآخرًا، مسدي الولاء باطنا وظاهرًا، الذي فطر الإنسان بحكمته ولطفه، وركب فيه آلة النطق فبلغ به كمال وصفه، فكان ذلك عليه من أتم الإحسان، الذي تميز به عن جميع أصناف الحيوان، ولولا فضله لما ورد في القرآن المجيد، مقرونا بالإخراج من العدم إلى الوجود، فقال تعالى: (الرحمن علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان) نحمده على ترادف آلائه وتهاديها، والتحاق رائحها بغاديها، حمدًا يكون بالزيارة ضمينًا، وبإيلاء الخيرات قمينًا، ونصلي على رسوله محمد الصادع بأمره، القائم بدينه في سره وجهره، وعلى آله مصابيح الإيمان وزهره، وأصحابه ملاذ الإسلام وذخره.
أما بعد فلما كان تأليف الكلام، مما لا يوقف على غوره، ولا يعرف كنه أمره، إلا بالاطلاع على علم البيان، الذي هو لهذه الصناعة بمنزلة الميزان، احتجت حين شدنت نبذة. من الكلام المنثور، إلى معرفة هذا المذكور، فشرعت عند ذلك في تطلبه، والبحث عن تصانيفه وكتبه، فلم أترك في تحصيله سبيلًا إلا نهجته، ولا غادرت في إدراكه بابًا إلا ولجته،
1 / 1
حتى اتضح عندي بأدبه وخافيه، وانكشفت لي أقوال الأئمة المشهورين فيه، كأبي الحسن علي بن عيسى الرماني، وأبي القاسم الحسن بن بشر الآمدي، وأبي عثمان الجاحظ، وقدامة بن جعفر الكاتب، وأبي هلال العسكري، وأبي العلاء محمد بن غانم المعروف بالغانمي، وأبي
1 / 2
محمد عبد الله بن سنان الخفاجي، وغيرهم ممن له كتاب يشار إليه، وقول تعقد الخناصر عليه، ثم لما مضى على ذلك ملاوة من الدهر، وانقضى دونه برهة من العمر، لمحت في أثناء القرآن الكريم، من هذا النحو أشياء طريقة، ووجدت في مطاويه من هذا النوع نكتًا دقيقة لطيفة، فعرضتها عند ذلك، على الأقسام التي ذكرها هؤلاء العلماء وشرحوها، والأصناف التي بينوها في تصانيفهم وأوضحوها، فألفيتهم قد غفلوا عنها، ولم ينبهوا على شيء منها، وكان ذلك باعثًا لي على
تصفح آيات القرآن العزيز، والكشف عن سره المكنون، فاستخرجت منه حينئذ ثلاثين ضربًا من علم البيان، لم يأت بها أحد من أولئك العلماء الأعيان، وكان ما ظفرت به أصل هذا الفن وعمدته، وخلاصة هذا العلم وزبدته، فحيث أحرزت هذه الفضيلة، وحصلت عندي هذه العقيلة، أحببت أن أفرد لها كتابًا، وأفصلها فيه أقسامًا وأبوابًا، ليكون مقصورًا على شوارد هذا العلم وغرائبه، ورموزه الخفية وعجائبه، وليجعله مؤلف الكلام رأس بضاعته، ويعلم به مواقع الصواب في صناعته، فلما شرعت في تلفيقه، وبدأت بإيضاح القول فيه وتحقيقه، عاودت النظر في تصانيف العلماء المذكورين، والتبصر في أقوال أئمة هذه الصناعة المشهورين، فسنح لي عند ذلك لطائف رائعة، ونوادر حسنة فائقة، هي كالشاهدة لما بينوه، والمشيدة لما نصوا عليه وعينوه، وقلما تركت قولًا من أقوالهم بحاله، من غير زيارة أودعها في خلاله.
فصار هذا الكتاب لغوامض علم البيان مبينًا، ولما ذكره أرباب هذه الصناعة، وما لم
1 / 3
يذكروه متضمنًا، فأوردت في صدره ما يجب على مؤلف الكلام علمه، وينبغي له معرفته وفهمه. ثم شفعت ذلك بذكر الفصاحة والبلاغة، وصغت الكلام فيهما أحسن الصياغة، فأوضحت ما أشكل من طريقتهما، وبينت أقوال العلماء في حقيقتهما، مع ما أضفته إلى ذلك من زيادات مناسبة، واحترازات واجبة.
ثم شرحت بعد ذلك جميع أنواع علم البيان، وشفيت القول فيهما بحسب الإمكان، وسميته بكتاب: (الجامع الكبير، في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور). وجعلت مدار الكتاب على قطبين: (القطب الأول) في الأشياء العامة. (القطب الثاني) في الأشياء الخاصة.
وينقسم القطب الأول إلى فنين: الفن الأول فيما يجب على مؤلف الكلام الابتداء به، وهو أربعة أبواب: (الباب الأول) في آلات التأليف (الباب الثاني) في أدواته
(الباب الثالث) في الطريق إلى صناعة النثر والنظم (الباب الرابع) في الحقيقة والمجاز.
الفن الثاني في الكلام على الألفاظ والمعاني، وتفضيل الكلام المنثور على المنظوم، وهو ثلاثة أبواب: (الباب الأول) في الألفاظ المفردة والمركبة وهو قسمان (الباب الثاني) في الكلام على المعاني. (الباب الثالث) في تفضيل الكلام المنثور على المنظوم.
(القطب الثاني) وفيه فنان: (الفن الأول) في الفصاحة والبلاغة. (الفن الثاني) في ذكر أصناف البيان وانقساماتها، وهو بابان: (الباب الأول) في الصناعة المعنوية. (الباب الثاني) في الصناعة اللفظية.
وينقسم الباب الأول إلى تسعة وعشرين نوعًا: (الأول) في الاستعارة. (الثاني) في التشبيه. (الثالث) في شجاعة العربية، وهو أربعة أقسام. (الرابع) في الإيجاز وهو قسمان. (الخامس) في الإطناب. (السادس) في توكيد الضمير المتصل بالمنفصل. (السابع) في الكناية والتعريض (الثامن) في استعمال العام في النفي، والخاص في الإثبات. (التاسع) في التفسير بعد الإبهام. (العاشر) في التعقيب المصدري. (الحادي عشر) في التقديم والتأخير. (الثاني عشر) في عطف المظهر على ضميره. (الثالث عشر) في التخلص
1 / 4
والاقتضاب. (الرابع عشر) في المبادئ والافتتاحات. (الخامس عشر) في قوة اللفظ لقوة المعنى. (السادس عشر) في خذلان المخاطب. (السابع عشر) (في الاشتقاق. النوع (الثامن عشر) في الحروف العاطفة والجارة. النوع (التاسع عشر) في التكرير. (العشرون) في تناسب المعاني من المقابلة والتقسيم والتفسير. (الحادي والعشرون) في الخطاب بالجملة الفعلية والخطاب بالجملة الاسمية. (الثاني والعشرون) في لام التأكيد. (الثالث والعشرون) في الاقتصاد والإفراط والتفريط. (الرابع والعشرون) في المعاظلة. (الخامس
والعشرون) في التضمين. (السادس والعشرون) في الاستدراج. (السابع والعشرون) في الأرصاد. (الثامن والعشرون) في التوشيح. (التاسع والعشرون) في الأخذ والسرقة.
وينقسم الباب الثاني إلى سبعة أنواع: (الأول) في السجع والازدواج. (الثاني) في التجنيس (الثالث) في الترصيع. (الرابع) في لزوم ما لا يلزم. (الخامس) في الموازنة. (السادس) في اختلاف صيغ الألفاظ. (السابع) في تكرير الحروف. وستذكر ترجمة الأبواب والأنواع عند ذكرها إن شاء الله تعالى.
1 / 5
القطب الأول في الأشياء العامة
الفن الأول في ما يجب على مؤلف الكلام الابتداء به
الباب الأول من الفن الأول من القطب الأول
آلات التأليف
اعلم أن صناعة تأليف الكلام، من المنثور والمنظوم، تحتاج إلى أسباب كثيرة، وآلات جمة، وذلك بعد أن يركب الله تعالى في الإنسان الطبع القابل لذلك، المجيب إليه، فإنه متى لم يكن ثم طبع لم تفد تلك الآلات شيئًا البتة. فمثل الطبع كمثل النار الكامنة في الزناد، ومثل الآلات كمثل الحراق والحديدة التي يقدح بها، ألا ترى إنه إذا لم يكن في الزناد نار لا يفيد ذلك الحراق ولا تلك الحديدة شيئًا، إلا أن الطباع القابلة للعلوم مختلفة الأنحاء؛ فمنها ما يكون قابلًا لعلم الأدب كالنحو والتصريف وغيرهما، ومنها ما يكون قابلا للعلوم الدينية كأصول الفقه وأصول الدين وما جرى هذا المجرى، ومنها ما يكون قابلا لغير ذلك كالعلم الرياضي؛ كالحساب والهندسة، ومنها ما يكون قابلا لغير ذلك، كالصنائع والحرف. وقد يوجد في الطباع ما يكون قابلا لجميع العلوم. ومن أدل دليل على اختلاف الطباع وتباينها أنا نرى مؤلف الكلام يكون تارة مؤلفًا مطلقًا، ونعني بالمطلق أن يكون عارفا بصناعة المنظوم من الكلام والمنثور؛ ويكون مؤلفًا غبر مطلق، ونعني بغير المطلق إنه يكون عارفًا بأحد هذين القسمين دون الآخر، وهو مع ذلك عالم بجميع آلات التأليف نظمًا ونثرًا، كما هو المؤلف المطلق ولا فرق. فإذا ركب الله في
الإنسان الطبع القابل لمعرفة تأليف الكلام على الإطلاق فيحتاج حينئذ إلى تحصيل الآلات التي يخرج بها ما في القوة إلى الفعل. وتنحصر آلات التأليف في قسمين:
1 / 6
(الأول) يشترك فيه النظم والنثر وهو سبعة أنواع: (الأول) معرفة علم العربية من النحو والتصريف والإدغام. (الثاني) معرفة ما يحتاج إليه من اللغة. (الثالث) معرفة أمثال العرب وأيامهم. (الرابع) الاطلاع على تأليفات من تقدمه من أرباب هذه الصناعة، المنظوم منها والمنثور، والتحفظ للكثير من ذلك. (الخامس) معرفة الأحكام السلطانية في الإمامة والإمارة والفضاء وغير ذلك. (السادس) حفظ القرآن الكريم والممارسة لغرائبه، والخوض في بحور عجائبه. (السابع) حفظ ما يحتاج إليه من الأخبار الواردة عن الرسول ﷺ.
وأما القسم الثاني فإنه يخص النظم دون النثر، وذلك علم العروض والقوافي، الذي يقام به ميزان الشعر. ولنذكر بعد ذلك فائدة كل نوع من هذه الأنواع فتقول:
أما (علم النحو) فهو الذي يستقيم به معاني الكلام، وتصان عرى تأليفه عن الانحلال والانفصام، ولولا ذلك لفسدت معانيه واختلت مبانيه. ولنضرب لهذا مثالًا يوضحه فتقول: لو قال لنا قائل: (ما أحسن زيد). ولم يبين الإعراب لما فهمنا غرضه من هذا القول، إذ يحتمل أن يريد به التعجب من حسنه، ويحتمل أن يريد به الاستفهام عن أي شيء فيه أحسن، ويحتمل أن يريد الأخبار بنفي الإحسان عنه. ولو بين الإعراب في ذلك فقال: ما أحسن زيدًا! وما أحسن زيد؟ وما أحسن زيد، علمنا غرضه وفهمنا مغزى كلامه، لانفراد كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة بما يعرف به من الإعراب، فوجب حينئذ على المؤلف، بهذا الدليل، معرفة النحو إذ كان ضابطًا لمعاني كلامه، حافظًا لها من الاختلالات. فإن قبل: أما علم النحو فمسلم إليك إنه يجب على مؤلف الكلام معرفته، لكن التصريف والإدغام
1 / 7
لا حاجة به إليهما، لأن التصريف إنما هو معرفة أصل الكلمة وزيادتها. وهذا لا يضر
مؤلف الكلام جهلة، ولا ينفعه معرفته. ولنضرب لذلك مثالًا كيف اتفق، فتقول: إذا قال القائل: رأيت سرداحًا، لا يلزمه أن يعرف أن الألف في هذه اللفظة زائدة هي أم أصل، لأن العرب لم تنطق بها إلا كذلك، ولو قالت (سردح) بغير ألف، لما جاز لأحد أن يزيد الألف من عنده، فيقول (سرداح) فعلم بهذا أن مؤلف الكلام إنما ينطق بالألفاظ كما سمعها عن العرب، من غير زيادة فيها، ولا نقصان، وليس عليه بعد ذلك أن يعرف أصلها، ولا زيادتها، لأن ذلك أمر خارج عما تقتضيه صناعته. وكذلك الإدغام، فإنه إذا قال القائل (مررت برجل ضف الحال) لا يلزمه أن يعلم أن الأصل في (ضف) ضفف وأن لا يجب عليه علمه، ولا يضطر إلى معرفته البتة، وذلك إنه إنما ينقل هذا وأمثاله عن العرب. فالذي يسمع أنهم قد تكلموا به يحذو حذوهم فيه، غير أن يتصرف بشيء من عنده، فإن (كان) مؤلف الكلام لم يسمع أن العرب قالوا (رجل ضف الحال) فقال هو (ضفف الحال) ولا سمع أنهم قالوا: (ضفف الحال) فقال هو (ضفف الحال فإنما تكلم بما سمعه عن العرب من غير زيادة فيه ولا نقصان منه. الجواب عن ذلك إنا نقول: أعلم أنا لم نجعل معرفة التصريف والإدغام، ضرورة على مؤلف الكلام، كمعرفة النحو. لأن المؤلف إذا كان عارفًا بالمعاني، مختارًا لها، قادرًا على الألفاظ، مجيدًا فيها، ولم يكن عارفًا بعلم النحو فإنه يفسد ما يصوغه من الكلام، ويختل عليه ما يقصده من المعاني، كما أريناك في ذلك المثال المتقدم. وأما التصريف والإدغام فإن المؤلف إذا لم يكن عارفًا بهما لم يفسد عليه معاني كلامه، وإنما تفسد على الأوضاع، كانت المعاني صحيحة مفهومة. وسيأتي بيان ذلك في تحرير الجواب. فنقول:
1 / 8
أما قولك أيها المترخص أن التصريف والإدغام لا حاجة لمؤلف الكلام اليهما، واستدلالك على هذا بما ذكرته من هذين المثالين اللذين ضربتهما، فإن ذلك لا يستمر لك الكلام فيه البتة أما التصريف وتمثيلك إياه بلفظة (سرداح) وقولك إن
المؤلف لا يحتاج إلى معرفة أن الألف التي فيها زائدة هي أم أصل؛ لأنه ينقلها عن العرب على ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان، فإن ذلك لا يطرد إلا فيما هذا سبيله من نقل الألفاظ على هيئتها، من غير تصرف فيها، يحال من الأحوال، فأما إذا أراد المؤلف تصغيرها، أو جمعها، أو النسبة إليها، فإنه إذا لم يعرف الأصل في حروف الكلمة وزيادتها وحذفها وإبدالها، يضل عن السبيل ويصير عليه مجال للطاعن والغائب ألا ترى إنه إذا قيل للنحوي، وكان جاهلًا بعلم التصريف: كيف تصغر (اضطراب)؟ فإنه يقول (ضطيريب) لا يلام على جهله بذلك لأن الذي تقتضيه صناعة النحو قد أتى به، وذلك أن النحاة يقولون في كتبهم (إذا كانت الكلمة على خمسة أحرف، وفيها حرف زائد، ولم تكن حذفته (حذفتة) نحو قولهم في منطلق (مطيلق) وفي جحْمرش (جحيمر) فلفظه منطلق على خمسة أحرف، وفيها حرفان زائدان، هما الميم والنون، إلا أن الميم زيدت فيها لمعنى، فلذلك لم تحذف، وحذفت النون.
وأما لفظة (جحمرش) فخماسية لا زيادة فيها، وحذف منها حرف أيضًا، ولم يعلم النحوي أن علماء النحو إنما قالوا ذلك مهملًا، اتكالًا منهم على تحقيقه من علم التصريف، لأنه لا يلزمهم أن يقولوا، في كتب النحو، أكثر مما قالوا، وليس عليهم أن يذكروا في باب من أبواب النحو شيئًا من التصريف، لأن كلًا من النحو والتصريف علم منفرد برأسه، غير أن أحدهما مرتبط بالآخر، ويحتاج إليه. وإنما قلت: إن النحوي، إذا سئل عن تصغير (اضطراب) يقول (ضطيريب) لأنه لا يخلو: إما أن يحذف من لفظة (اضطراب) الألف، أو الضاد، أو
1 / 9
الطاء، أو الراء، أو الباء، هذه الحروف المذكورة غير الألف ليست من حروف الزيادة، فلا تحذف، بل الأولى أن يحذف الحرف الزائد، ويترك الحرف الذي ليس بزائد، فلا جل ذلك قلنا: إن النحوي يصغر لفظة (اضطراب) على (ضطيريب) فيحذف
الألف، التي هي حرف زائد دون غيرها، مما ليس من حرف الزيادة. وأما أن يعلم النحوي أن الطاء في (اضطراب) مبدلة من تاء، وأنه إذا أريد تصغيرها يعاد إلى الأصل الذي كانت عليه، وهو التاء، فيقول (ضتيريب) فإن هذا لا يعلمه إلا التصريفي. وتكليف النحوي الجاهل بعلم التصريف معرفة ذلك كتكليفه معرفة علم الغيب، فثبت بهذا الدليل، الذي ذكرناه، أن مؤلف الكلام يحتاج إلى علم التصريف، لئلا يغلط في مثل هذه الأماكن، فيستوجب عند ذلك المذمة والعيب.
ومن العجب أن يقال إن مؤلف الكلام لا يحتاج إلى التصريف. ألم تعلم أن نافع بن أبي نعيم، وهو أكبر القراء السبعة قدرًا، وأفخمهم شأنًا، قال في (معايش) (معائش) بالهمز، ولم يعلم بالأصل في ذلك، فأخذ عليه وعيب من أجله. ومن جملة من عابه على ذلك أبو عثمان المازني، فقال في كتابه في التصريف (أن نافعًا لم يدر ما العربية). وكثيرًا ما يقع أولو العلم في مثل هذه المواضع، فكيف الجهال الأغمار، الذين لا خبرة لهم بها، ولا اطلاع لهم عليها؟
وإذا كان المؤلف عارفًا بحقيقة الأمر في ذلك لا يقع في ورطة تؤخذ عليه، وهذه لفظة معايش لا يجوز همزها البتة بإجماع من علماء العربية، لأن الياء فيها ليست مبدلة من
1 / 10
همزة، وإنما الياء التي تبدل من الهمزة، في هذه المواضع، تكون بعد ألف الجمع المانع من الصرف، ويكون بعدها حرف واحد، لا يكون عينًا نحو سفائن. ولم ينظر إلى أن الأصل في معيشة (معيشة) على وزن مفعلة. وذلك لأن أصل هذه الكلمة من عاش التي أصلها عيش. على وزن (فعل) ويلزم مضارع فعل المعتل العين بالياء (يفعل) لتصح الياء نحو (يعيش) ثم تنقل حركة العين إلى الفاء، فيصير (يعيش) ثم يبنى من (يعيش) مفعول فيقال (معيوش به) كما يقال (مسيور به) ثم يخفف ذلك يحذف الواو فيقال (معيش) (به) كما يقال (مسير به) ثم تؤنث هذه اللفظة فتصير (معيشة) فأعرف ذلك وقس عليه.
وهاهنا نكتة أخرى، وهي من أعظم الأسباب الموجبة لمعرفة علم التصريف، وذلك أن المعتل من الكلام إذا بني من ماضيه مستقبل، يجهل مواقع الصواب فيه إذا لم
1 / 11
يكن المؤلف عارفًا بعلم التصريف. مثال ذلك إذا أراد المؤلف أن يبني من وزن (فعل) المعتل فاؤه بالواو مستقبلا. فإن كان جاهلًا بذلك قال في وعد (يوعد) قياسًا على الصحيح في ضرب (يضرب) وإن كان عالمًا به حذف الواو، لوقوعها بين ياء وكسره، فقال وعد (يعد). وكذلك إذا أراد أن يبني من وزن (فعل) أو وزن (فعل) المعتلي الفاء بالواو مستقبلا. فإنه إن كان جاهلًا ذلك، وكان قد سمع بعض العلماء، يقول في وعد (يعد) حمل (فعل وفعل) على ذلك الأسلوب فقال (وجل يجل) وفي (وضوء يضوء). وإذا كان عارفًا بمعني الأمر في ذلك لم يحذف الفاء في مستقبل (فعل وفعل) بل يقول (وجل يوجل) و(وضوء يوضؤ). وكثيرًا ما يقع الخطأ في تصريف الكلام المعتل، من الماضي إلى المستقبل، وهو موضوع من العربية وعر المسلك، فينبغي لمؤلف الكلام مراعاته والاعتناء به، وأمثال هذا كثير فاعرفها.
وأما الإدغام وقولك: إن المؤلف لا يحتاج إلى معرفته، واستدلالك عليه بما ذكرته من المثال، وهو قولك: (مررت برجل ضف الحال). فإن ذلك لا يسلم إلا في هذه الصورة، وما يجري مجراها، في نقل الألفاظ على هيأتها، ومن شرط الأمثلة أن تكون شائعة في جنسها. ولنضرب لذلك مثالًا، كيف اتفق، فنقول: إذا قال النحوي في تعريف الحال (إنها هيأة الفاعل أو المفعول وهي نكرة منصوبة مشتقة، أو في تقدير المشتقة، تأتي بعد معرفة، ويحسن تقدير (في) معها وسؤال (كيف) ثم مثل ذلك بقولة: (جاء زيد راكبًا). فلا يجوز أن يكون هذا المثال غير مطرد في جنسه، لأنه لو لم يكن مطردًا في جنسه لما جاز أن يجعل مثالًا لما تقدمه من هذه المصادر، وكذلك هذا المثال الذي مثلت به ما ادعيته في الإدغام فإنه ليس بشائع
في جنسه. وبيان ذلك أنا نقول: قد ورد عن بعضهم هذان البيتان وهما:
اذهبي في كلاءة الرحمن ... أنت مني في ذمةٍ وأمان
ترْهبيني والجيدُ منك لليلى ... والحشا والبُغامُ والعينان
1 / 12
فماذا يقول هذا الشاعر إذا سئل عن قوله (ترهبيني) وقيل: إن الأصل في ذلك (ترهبينني) يحذف إحدى النونين؟ فلا أجده يستطيع الجواب عن ذلك، إلا أن يكون عارفًا بالإدغام، وهو: إذا كان المثلان في كلمتين وقبلهما ساكن، وهو حرف مداولين، يجوز إدغام أحدهما في الآخر، ولما وجد هذا السبب في (ترهبينني) أدغمت إحدى النونين في الأخرى، ثم خفف الإدغام فصارت (ترهبيني) فيجب حينئذ على مؤلف الكلام، بهذا الدليل، معرفة الإدغام، ليسلم من اعتراض متعرض أو تعنت متعنت.
وأما النوع الثاني: وهو قولنا إن المؤلف يحتاج إلى معرفة اللغة فلسنا نعني بذلك إلا ما كان مألوفًا، متداولًا بين أرباب هذه الصناعة. وسيأتي ذكر ذلك في كتابنا هذا.
ويفتقر المؤلف أيضًا إلى معرفة عدة أسماء لما يقع استعماله في النظم والنثر، ليجد إذا ضاق به موضع في كلامه، بإيراد بعض الألفاظ فيه، العدول عنه إلى غيره، مما هو في معناه.
وكذلك يحتاج إلى معرفة الأسماء المشتركة، ليستعين بها على استعمال التجنيس في كلامه، علم أن هذا الموضع ينبغي أن يذكر فيه الأسماء البتة، وانقسام دلالتها على المعاني، فإن المؤلف إذا كان عالمًا بذلك، فهو مما لا يستغني عنه فتقول:
الألفاظ تنقسم دلالتها على المعاني ستة أقسام: مترادفة، ومشتركة، ومتباينة، ومتواطئة، ومشككة، ومتشابهة، فأما الثلاثة الأولى التي هي: المترادفة والمشتركة والمتباينة فيحتاج مؤلف الكلام إلى معرفتها. وإنما أوجبنا عليه معرفة الأسماء
المتباينة، لأن منها ما يوهم إنه من المترادفة، وليس كذلك، وأما الثلاثة الأخر التي هي: المتواطئة والمشككة
1 / 13
والمتشابهة فإنه لا يحتاج مؤلف الكلام إلى معرفتها، لأن ورودها في التأليف لا ينتج فائدة تذكر، كالمترادفة والمشتركة، وما شابه المترادفة من المتباينة، وإنما ذكرنا هذه الثلاثة الأخر ههنا، لنكون قد استوفينا جميع أقسام الأسماء في كتابنا هذا، فاعرفه.
فأما الأسماء المترادفة: فهي المختلفة الدالة على معنى يتدرج تحت حقيقة واحدة، كالخمر والراح، والعقار، فإن المسمى بهذه الأسماء شيء واحد، وهو الشراب المسكر المعتصر من العنب. وأما الأسماء المشتركة: فهي اللفظ الواحد المطلق على موجودات مختلفة بالحد والحقيقة، إطلاقًا متساويًا، كالعين، فإنها تطلق على العين الباصرة، وعلى ينبوع الماء، وعلى المطر. وكل من هذه الثلاثة مختلف بالحد والحقيقة وأما المتباينة: فهي الأسماء المختلفة الدالة على معان مختلفة، كالفرس، والحمار، والجدار. وغير ذلك. وقد يوجد من المتباينة ما يوهم إنه من المترادفة، وليس كذلك، وهو أن يتحد الموضوع، ويتعد الاسم، بحسب تباين اعتبارات، فمن ذلك أن يكود أحد الاسمين له من حيث هو موضوعه، والآخر من حيث هو صفة له، كقولنا السيف، والصارم. فإن الصارم دل على موضوع بصفة الحدة، وذلك بخلاف ما دل عليه السيف، لأنه موضوع بازاء هذه الآلة، كيف كانت. ومن ذلك أن يكون أحد الاسمين له بسبب وصف، والآخر بسبب وصف للوصف، كقولنا الناطق، والفصيح. فإن الفصيح وصف للناطق، الذي هو وصف الإنسان.
وأما الأسماء المتواطئة: فهي الدالة على أعيان متعددة بمعنى واحد مشترك بينها كدلالة اسم الحيوان على الإنسان، والفرس، والحمار، لأنها مشتركة في الحيوانية، والاسم موضوع بازاء ذلك المعنى المشترك المتعاطي.
1 / 14
وأما المشككة فهي كل اسم دل على شيئين فصاعدًا، بمعنى هو واحد في نفسه، لكن يختلف ذلك المعنى فيها من جهة أخرى، كالتقدم، والتأخر، والأشد والأضعف. أما التقدم والتأخر فكالوجود للجوهر قبل العرض وأما الأشد والأضعف فكالبياض الواقع على الثلج والعاج، فإن الثلج أشد بياضًا من العاج.
وأما المتشابهة فهي الأسماء التي لا يجمعها معنى واحد، لكن بينها تشابه ما، من حيث ذاتها، كالطين المصور على صورة الانسان، اذ يطلق لفظ الإنسان عليه، وعلى الإنسان الحقيقي، بطريق المشابهة لا بطريق التواطؤ، لأنهما مختلفان في الحد والحقيقة. هذا ما ينبغي ذكره في الأسماء وانقسامها في الدلالة على المعاني، فاعرفه.
وأما النوع الثالث: فهو معرفة أمثال العرب وأيامهم فإن مؤلف الكلام شديد الحاجة إلى ذلك، وذلك أن العرب لم تضع الأمثال إلا لأسباب أوجبتها، وحوادث اقتضتها، فصار المثل المضروب لأمر من الأمور عندهم كالعلامة، التي يعرف بها الشيء. وليس في كلامهم أوجز منها، ولا أشد اختصارًا. وسبب ذلك ما أذكره لك، لتكون من معرفته على يقين. فأقول: قد جاء عن العرب من جملة أمثالهم (أن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر). وهو مثل يضرب للأمر الظاهر المشهور، والأصل فيه:
قال المفضل بن محمد: إنه بلغنا أن بني ثعلبة بن سعد بن ضبة في الجاهلية تراهنوا على
1 / 15
الشمس والقمر ليلة أربع عشرة من الشهر، فقالت طائفة: تطلع الشمس والقمر يرى. وقالت طائفة: يغيب القمر قبل أن تطلع الشمس. فتراضوا برجل جعلوه بينهم حكمًا، فقال واحد منهم: أن قومي يبغون علي، فقال له الحكم: (أن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر) فذهبت مثلا. ومن المعلوم أن قول القائل (أن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر) إذا أخذ على حقيقته من غير نظر إلى
القرائن المنوطة به، والأسباب التي قيل لأجلها، لا يعطي من المعنى ما قد إعطاء المثل؛ وذلك لأن المثل له مقدمات وأسباب، قد عرفت، وصارت مشهورة بين الناس معلمة عندهم، وحيث كان الأمر كذلك جاز إيراد هذه اللفظات في التعبير عن المعنى المراد. ولولا تلك المقدمات المعلومة، والأسباب المعروفة لما فهم من قول القائل (أن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر) ما ذكرناه في المعنى المقصود، بل ما كان يفهم من هذا القول معنى مفيد البتة، لأن البغي هو الظلم، والقمر ليس من شأنه أن يظلم أحدًا، فكان يصير معنى المثل (أن كان يظلمك قومك لا يظلمك القمر) وهذا كلام مختل ليس بمستقيم.
فلما كانت الأمثال كالرموز والإشارات، التي يلوح بها على المعاني تلويحا، صار من أوجز الكلام وأكثره اختصارًا وحيث هي بهذه المثابة فلا ينبغي لمؤلف الكلام أن يخل بها.
وأما أيام العرب فإنها تتنوع وتتشعب، فمنها أيام فخار، ومنها أيام محاربة، ومنها أيام مذمة وعار، ومنها غير ذلك. ولا يخلو المؤلف من الانتصاب لوصف يوم يمر به، في بعض الأوقات، مشبهًا بذلك مماثلا له، فإذا جاء بذكر بعض تلك الأيام المناسبة لمراده، الموافقة له، وقاس عليه يومه، فقال: (أشهر من يوم كذا) أو (أسير)؛ أو ما جرى هذا المجرى،
1 / 16
فإنه يكون في غاية الحسن والرونق، وهذا لا خفاء به.
وأما النوع الرابع وهو الاطلاع على كلام المتقدمين من المنظوم والمنثور، فإن فيه للمؤلف فوائد جمة؛ وذلك أن يعلم منه أغراض الناس ونتائج أفكارهم، ويعرف مقاصد كل فريق منهم، والى أين ترامت به صنعته في ذلك، فإن هذه الأشياء مما تشحذ القريحة، وتذكي الفطنة. وإذا كان المؤلف عارفًا بها تصير المعاني، التي ذكرها أرباب هذه الصناعة، وتعبوا في استخراجها كالشيء الملقى بين يديه، يأخذ
منه ما أراد، ويترك ما أراد. وأيضًا فإنه إذا كان مطلعًا على المعاني المسبوق إليها، فقد ينقدح له من بينها معنى غريب، لم يسبق (إليه). ومن المعلوم أن خواطر المؤلفين وإن كانت متفاوتة في الجودة والرداءة، فإن بعضها قد يكون عاليًا على بعض، أو منحطًا عنه بشيء يسير. وكثيرًا ما تتساوى القرائح والأفكار، في الإتيان بالمعاني، حتى إن بعض المؤلفين قد يأتي بمعنى من المعاني مصوغًا بلفظه، ثم يأتي الآخر بعده، بذلك المعنى واللفظ، بعينهما، من غير علم منه بما جاء به المؤلف الأول، وهذا هو الذي تسميه أرباب هذه الصناعة (وقع الحافر على الحافر) كقول امرئ القيس:
وقوفًا بها صحبي عليّ مطيُّهم ... يقولون لا تَهْلِكْ أسىً وتَجمَّلِ
وقول طرفة بن العبد البكري بعده:
وقوفًا بها صحبي علي مطيُّهم ... يقولون لا تَهْلِكْ أسىً وتَجلَّدِ
وسيأتي لذلك باب مفرد في كتابنا هذا.
وأما النوع الخامس، وهو معرفة الأحكام السلطانية من الإمامة والإمارة، وغير ذلك،
1 / 17
فإنما أوجبنا على مؤلف الكلام معرفتها، والإحاطة بها؛ لأنه قد يحدث في الإمامة حادث، في بعض الأوقات، أو يجري فيها أمر من الأمور؛ بأن يكون الإمام القائم من المسلمين، ثم يتولى من بعده من لم تتكامل فيه شرائط الامامة؛ أو يكون كامل الشرائط، غير أن الإمام الذي كان قبله عهد بها إلى آخر غيره، وهو ناقص الشرائط، أو يكون قد تنازع الإمامة شخصان، أو يكون أرباب الحل والعقد قد اختاروا إمامًا، وهم غير كاملي الشرائط التي يجب أن توجد فيهم، أو يكون أمر غير ما ذكرنا، فتختلف الأطراف في ذلك، وينتصب ملك من ملوك الأرض له عناية بالإمام الذي قام للمسلمين، فيتقدم إلى كاتبه بكتبه كتابًا في معناه إلى الأطراف المخالفة له. وإذا لم يكن الكاتب عند ذلك عارفًا بالحكم، في هذه
الحوادث، واختلاف أقوال العلماء فيها، وما هو رخصة في ذلك، وما ليس برخصة، فإنه لا يكتب كتابًا ينتفع به البتة. ولسنا نعني بهذا القول أن يكون الكتاب مقصورًا على فقه محض فقط؛ لأنا لو أردنا ذلك لما كنا نحتاج فيه إلى كتبه كتابًا، بل كنا نقتصر على إنفاذ مصنف من مصنفات الفقه، عوضًا عن الكتاب، الذي نريد أن نكتبه، وإنما قصدنا بذلك أن يكون الكتاب الذي يكتب في هذا المعنى مشتملًا على التغيب والترهيب، والتسامح في موضع، والمحاقة في موضع، مشحونًا كذلك بالنكت الشرعية، التي تليق به وتناسبه، كما فعل الصابي في الكتاب الذي كتبه عن عز الدولة بن بويه إلى الطائع، لما مات المطيع،
1 / 18
فإنه من محاسن الكتب، التي يكتب بها في هذا الفن.
وأما النوع السادس وهو حفظ القرآن الكريم، والاطلاع على غرابته وعجائبه، فإن مؤلف الكلام ينبغي له أن يكون عارفًا بذلك، لأن فيه فوائد كثيرة، ومنافع زائدة، منها أن يضمن كلامه الآيات في أما كنها اللائقة بها، ومواضعها المناسبة لها، ولا شبهة فيما يصير للكلام بذلك، من الفخامة والجزالة والرونق، كما فعل الشيخ عبد الرحيم بن نباتة في خطبة فإنه أبدع في تضمين الآيات فيها، وسيأتي بيان ذلك في باب التضمين. ومنها أن المؤلف إذا عرف واقع البلاغة وأسرار صناعة الكلام، في تأليف القرآن الكريم، اتخذه بحرًا، يستخرج منه الدرر والجواهر، ويودعها في مطاوي كلامه. وكفى بالقرآن الكريم وحده آلة لمؤلف الكلام. فعليك أيها المترشح لهذه الصناعة بحفظه، والفحص عن سره الخفي، وغامض علمه المستور، فإنها تجارة للمؤلف لا تبور، ومنبع لا يغور، وكنز يرجع إليه، وذخر يعول في جميع كلامه عليه.
وأما النوع السابع، وهو تحفظ أخبار الرسول ﷺ مما يحتاج مؤلف الكلام إلى استعماله، فإن الأمر يجري في ذلك مجرى القرآن الكريم، وقد
تقدم القول فيه، فاعرفه.
1 / 19
القسم الثاني
وهو ما يخص الناظم دون الناثر
وذلك معرفة العروض، وما يجوز فيه من الزحاف، وما لا يجوز، فإن الشاعر محتاج إليه. ولسنا نوجب عليه المعرفة بذلك لينظم بعلمه، فإن النظم مبني على الذوق، ولو نظم بتقطيع التفاعيل لجاء شعره متكلفًا غير مرضي، وإنما أريد للشاعر معرفة العروض لأن الذوق قد ينبو عن بعض الزحافات، ويكون ذلك جائزًا في العروض. وقد ورد للعرب مثله. فإذا كان الشاعر غير عالم به لم يفرق بين ما يجوز من ذلك وبين ما لا يجوز.
وكذلك أيضًا يحتاج الشاعر إلى العلم بالقوافي والحركات، ليعلم الروي والردف وما لا يصح من ذلك، فإذا أكمل مؤلف الكلام معرفة هذه الآلات، وكان ذا طبع مجيب وقريحة مؤاتية، فعليه بالنظر في كتابنا هذا، والتدبر لمشكلاته، والتصفح لما أود عناه من حقائق علم البيان، ونبهنا عليه من أصول ذلك وفروعه.
1 / 20