فأخبرهم جل ذكره أنه خلق لهم ما في الأرض جميعا، لأن الأرض وجميع ما فيها لبني آدم منافع. أما في الدين فدليل على وحدانية ربهم، وأما في الدنيا فمعاش وبلاغ لهم إلى طاعته وأداء فرائضه فلذلك قال جل ذكره: { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا }. وقوله: «هو» مكنى من اسم الله جل ذكره، عائد على اسمه في قوله:
كيف تكفرون بالله
[البقرة: 28]. ومعنى خلقه ما خلق جل ثناؤه: إنشاؤه عينه، وإخراجه من حال العدم إلى الوجود. و«ما» بمعنى «الذي». فمعنى الكلام إذا: كيف تكفرون بالله وقد كنتم نطفا في أصلاب آبائكم، فجعلكم بشرا أحياء، ثم يميتكم، ثم هو محييكم بعد ذلك، وباعثكم يوم الحشر للثواب والعقاب، وهو المنعم عليكم بما خلق لكم في الأرض من معايشكم وأدلتكم على وحدانية ربكم. و«كيف» بمعنى التعجب والتوبيخ لا بمعنى الاستفهام، كأنه قال: ويحكم كيف تكفرون بالله، كما قال: فأين تذهبون. وحل قوله:
وكنتم أموتا فأحيكم
[البقرة: 28] محل الحال، وفيه إضمار «قد»، ولكنها حذفت لما في الكلام من الدليل عليها. وذلك أن «فعل» إذا حلت محل الحال كان معلوما أنها مقتضية «قد»، كما قال جل ثناؤه:
أو جآءوكم حصرت صدورهم
[النساء: 90] بمعنى: قد حصرت صدورهم. وكما تقول للرجل: أصبحت كثرت ماشيتك، تريد: قد كثرت ماشيتك. وبنحو الذي قلنا في قوله: { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } كان قتادة يقول: حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } نعم والله سخر لكم ما في الأرض. القول في تأويل قوله تعالى: { ثم استوى إلى السمآء فسوهن سبع سموت }. قال أبو جعفر: اختلف في تأويل قوله: { ثم استوى إلى السمآء } فقال بعضهم: معنى استوى إلى السماء، أقبل عليها، كما تقول: كان فلان مقبلا على فلان ثم استوى علي يشاتمني واستوى إلي يشاتمني، بمعنى: أقبل علي وإلي يشاتمني. واستشهد على أن الاستواء بمعنى الإقبال بقول الشاعر:
أقول وقد قطعن بنا شرورى
سوامد واستوين من الضجوع
فزعم أنه عنى به أنهن خرجن من الضجوع، وكان ذلك عنده بمعنى أقبلن. وهذا من التأويل في هذا البيت خطأ، وإنما معنى قوله: «واستوين من الضجوع» عندي: استوين على الطريق من الضجوع خارجات، بمعنى استقمن عليه. وقال بعضهم: لم يكن ذلك من الله جل ذكره بتحول، ولكنه بمعنى فعله، كما تقول: كان الخليفة في أهل العراق يواليهم ثم تحول إلى الشام، إنما يريد تحول فعله. وقال بعضهم: قوله { ثم استوى إلى السماء } يعني به: استوت، كما قال الشاعر:
Bilinmeyen sayfa