[الشورى: 24] وقال: { وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة } والغشاوة في كلام العرب: الغطاء، ومنه قول الحارث بن خالد بن العاص:
تبعتك إذ عيني عليها غشاوة
فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
ومنه يقال: تغشاه الهم : إذا تجلله وركبه. ومنه قول نابغة بني ذبيان:
هلا سألت بني ذبيان ما حسبي
إذا الدخان تغشى الأشمط البرما
يعني بذلك: إذا تجلله وخالطه. وإنما أخبر الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عن الذين كفروا به من أحبار اليهود، أنه قد ختم على قلوبهم وطبع عليها فلا يعقلون لله تبارك وتعالى موعظة وعظهم بها فيما آتاهم من علم ما عندهم من كتبه، وفيما حدد في كتابه الذي أوحاه وأنزله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى سمعهم فلا يسمعون من محمد صلى الله عليه وسلم نبي الله تحذيرا ولا تذكيرا ولا حجة أقامها عليهم بنبوته، فيتذكروا ويحذروا عقاب الله عز وجل في تكذيبهم إياه، مع علمهم بصدقه وصحة أمره وأعلمه مع ذلك أن على أبصارهم غشاوة عن أن يبصروا سبيل الهدى فيعلموا قبح ما هم عليه من الضلالة والردى. وبنحو ما قلنا في ذلك روي الخبر عن جماعة من أهل التأويل. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصرهم غشاوة } أي عن الهدى أن يصيبوه أبدا بغير ما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك، حتى يؤمنوا به، وإن آمنوا بكل ما كان قبلك. حدثني موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم } يقول فلا يعقلون، ولا يسمعون. ويقول: وجعل على أبصارهم غشاوة، يقول: على أعينهم فلا يبصرون. وأما آخرون فإنهم كانوا يتأولون أن الذين أخبر الله عنهم من الكفار أنه فعل ذلك بهم هم قادة الأحزاب الذين قتلوا يوم بدر. حدثني المثنى بن إبراهيم، قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: هاتان الآيتان إلي: { ولهم عذاب عظيم } هم:
الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار
[إبراهيم: 28] وهم الذين قتلوا يوم بدر فلم يدخل من القادة أحد في الإسلام إلا رجلان: أبو سفيان ابن حرب، والحكم بن أبي العاص. وحدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، عن الحسن، قال: أما القادة فليس فيهم مجيب، ولا ناج، ولا مهتد، وقد دللنا فيما مضى على أولى هذين التأويلين بالصواب كرهنا إعادته. القول في تأويل قوله تعالى: { ولهم عذاب عظيم }. وتأويل ذلك عندي كما قاله ابن عباس وتأوله. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ولهم بما هم عليه من خلافك عذاب عظيم، قال: فهذا في الأحبار من يهود فيما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك بعد معرفتهم.
[2.8]
Bilinmeyen sayfa