قيل له: ولو شاء ذلك وأراده لكان.
فإن قال: فما الدليل؟
قيل له: قول الله: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا} دليل على أنه لم يشأ أن يؤمنوا جميعا؛ لأنه قد أخبر أنه لو شاء /84/ لآمنوا جميعا. فلما لم يؤمنوا جميعا علمنا أنه لم يشأ أن يؤمنوا.
فإن قال: لو شاء لآمنوا بالجبر.
قيل له: إن الإيمان قد يكون بجبر وبغير جبر، فلم جاز ذلك أن يقول: لو شاء لآمنوا بالجبر دون غيره، فليس لك أن تزعم أن معنى ذلك خاص إلا بآية من الكتاب تدل على خصوص هذه الآية، فأما الله تعالى فلم يجبر أحدا، وإنما آمن من آمن مختارا غير مجبور.
فأما ذكر الجبر أنهم يكرهون عند القتال حتى يقروا بالإيمان، وقد قال: {إنه تذكرة * فمن شاء ذكره * وما يذكرون إلا أن يشاء الله}، وقال: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا}، ففي هذا تثبيت المشيئة وأنه لا يكون إلا ما علم الله وشاء وأراد، وفي هذا إبطال قول من زعم أنهم يفعلون خلاف ما علم منهم، وخلاف ما أراد -تعالى الله علوا كبيرا-.
4- باب:
مسألة في القدر
- وسأل فقال: أتقولون: إن الخير والشر كله من الله؟
قيل له: إن كنت تعني أنه من خلق الله فنعم، الخير والشر كله خلق من الله، خلقه على ما هو عليه، فهو من الله خلق، ومن العباد عمل، وذلك قوله: {وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم}، فجمع ذلك كله في هذه الآية، وبين أنه خلقه، وعليم به، ولا يشبه خلقه بفعل المخلوقين.
وقال الله |تعالى|: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} فقد أخبر أنه يبلوهم بذلك، ولا يجوز ابتلاؤه إلا من تدبيره، والفتنة قد تصرف على معان كثيرة.
Sayfa 119