وهذا المعنى كثير في القرآن وفي السنة، من ذلك: أن رجلا أصابته شجة فأجنب، وقد اندملت عليه فاستفتي له فأمر بالغسل ولم يروا له عذرا فاغتسل فكز فمات. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: "قتلوه قتلهم الله". (¬1) ففي هذا دليل على إنه لم يجعل للمستفتي والمستفتي له عذرا، والله أعلم. ولعل المفتي لم يكن أهلا لذلك، ونحن نعوذ بالله من غلبة الأهواء ومسامحة الآراء وتقليد الآباء، وإياه نسأله أن يجعلنا من المتبعين لكتابه الذابين عن دينه والقائمين بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
باب في الناسخ والمنسوخ من القرآن
وإذا رفع الصحابي خبرا عن الرسول عليه السلام بإيجاب فعل وجب العمل به على من بلغه (¬2) من المكلفين إلى أن يلقى خبرا غيره ينسخ ذلك الخبر، كان على من عمل بالخبر الأول الرجوع إلى الثاني وترك العمل بالأول. وكذلك الحاكم يعمل بما قام عليه الدليل عنده من أقاويل العلماء، فإذا قام له دليل بعد ذلك على قول آخر هو أرجح عنده من الأول عمل بالثاني، وترك العمل (¬3) الذي حكم به واستعمله، والله أعلم، وإذا لم يرجح عنده أحد الدليلين، واستوى القولان عنده من كل الوجوه واعتدلا أخذ المتعبد بأي الأقاويل شاء، وبالله التوفيق.
والنسخ على ثلاثة أوجه: (¬4) وجهان منهما مفهومان عند العامة، فأحدهما انتساخ الشيء من كتاب قبله إلى كتاب آخر، والآخر نسخ الشيء وتحويله وتبديله، هذا هو الذي يفهمه الناس في القرآن والسنة جميعا.
¬__________
(¬1) رواه النسائي.
(¬2) في (ب) من بلغه من الكلفين.
(¬3) في (ب) وترك العمل بالأول.
(¬4) في (ج) أقسام أوجه.
Sayfa 9