فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ «كَانَ رَبْعَةً»، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ شَعْرُهُ الْأَطْهَرُ ﷺ إِذِ الرَّجِلُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا وَسُكُونِهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الَّذِي فِي شَعْرِهِ تَكَسُّرٌ يَسِيرٌ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَحَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِهَا وَحِينَئِذٍ لَا يُحْتَاجُ إِلَى تَوْطِئَةِ الْخَبَرِ، وَكَانَ هَذَا الْمَعْنَى أَصْوَبُ ; إِذْ لَا يَلِيقُ بِحَالِ الصَّحَابِيِّ وَصْفُ النَّبِيِّ ﷺ بِكَوْنِهِ رَجُلًا بِالْمَعْنَى الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ، وَلَمْ يُسْمَعْ فِي غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرُ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِعُنْوَانٍ كَانَ رَجُلًا كَذَا بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ زِيَادَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ مِمَّنْ دُونَ الصَّحَابِيِّ فَإِنَّ الْحَدِيثَ سَيَأْتِي فِي بَابِ شَعْرِ النَّبِيِّ ﷺ عَنِ الْبَرَاءِ بِلَفْظِ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَرْبُوعًا» إِلَى آخِرِهِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا بِدُونِ لَفْظِ «رَجُلٌ»، كَذَا حَقَّقَهُ مِيرَكُ شَاهْ ﵀، لَكِنَّ الطَّعْنَ فِي الرُّوَاةِ مُسْتَبْعَدٌ لِأَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ إِجْمَاعًا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِفِ أَوْ عَلَى الْمُتَعَارَفِ، وَيُرَادُ بِهِ كَامِلُ الرُّجُولِيَّةِ أَوْ مُوِّطِئٌ لِلْخَبَرِ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْعُرْفِ يُقَالُ فُلَانٌ رَجُلٌ كَرِيمٌ وَرَجُلٌ صَالِحٌ، قَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ «أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ»، «أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ»، فَقَوْلُهُ «مَرْبُوعًا» صِفَةٌ لِرَجُلٍ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَخَبَرٌ آخَرُ لِكَانَ عَلَى
ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَكَذَا إِعْرَابُ قَوْلِهِ. (بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ): وَالْبَعِيدُ ضِدُّ الْقَرِيبِ وَيُقْرَأُ مُضَافًا إِلَى مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، وَقِيلَ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ بَعِيدًا مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ بِدُونِ الْإِضَافَةِ وَمَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ وَقِيلَ زَائِدَةٌ وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَأَرَادَ بِبَعِيدِ مَا بَيْنَهُمَا السِّعَةَ ; إِذْ هِيَ عَلَامَةُ النَّجَابَةِ، وَقِيلَ «بُعْدُ مَا بَيْنَهُمَا» كِنَايَةٌ عَنْ سِعَةِ الصَّدْرِ وَشَرْحِهِ الدَّالِّ عَلَى الْجُودِ وَالْوَقَارِ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: الْمَنْكِبُ مَجْمَعُ عَظْمِ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ وَمَعْنَاهُ عَرِيضُ أَعْلَى الظَّهْرِ، انْتَهَى. وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِعَرْضِ الصَّدْرِ وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي سَعْدٍ رَحِيبَ الصَّدْرِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ وَهُوَ تَصْغِيرُ تَرْخِيمٍ كَغُلَامٍ وَغُلَيْمٍ، وَالْأَصْلُ فِي تَصْغِيرِهِمَا بُعَيِّدٌ وَعُلَيِّمٌ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فِيهِمَا، ثُمَّ فِي هَذَا التَّصْغِيرِ إِشَارَةٌ إِلَى تَصْغِيرِ الْبُعْدِ الْمَذْكُورِ أَيْ أَنَّ طُولَ مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ الشَّرِيفَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُتَنَاهِيًا إِلَى الْعَرْضِ الْوَافِي الْمُنَافِي لِلِاعْتِدَالِ الْكَافِي، وَأَمَّا قَوْلُ الْعِصَامِ: وَقَدْ يُرْوَى مُصَغَّرًا فَمَحَلُّ نَظَرٍ ; إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ النُّسْخَةِ الرِّوَايَةُ وَلِذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقِيلَ بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ غَرِيبٌ بَلْ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِعِيدٌ بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ هُوَ، وَكَذَا. (عَظِيمَ الْجُمَّةِ): بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ كَثِيفَهَا، فِي النِّهَايَةِ: الْوَفْرَةُ الشَّعْرُ إِلَى شَحْمَتَيِ الْأُذُنِ وَاللُّمَّةُ دُونَ الْجُمَّةِ ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَلَمَّتْ بِالْمَنْكِبَيْنِ، وَالْجُمَّةُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ: مَا سَقَطَ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ، وَنَقَلَ الْجَزَرِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ قَاطِبَةً، وَفِي الْمُقَدِّمَةِ لِلزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّ الْجُمَّةَ هِيَ الشَّعْرُ إِلَى شَحْمَتَيِ الْأُذُنِ، قَالَ مِيرَكُ: وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ، قَالَ مُلَّا حَنَفِي: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ جَمْعِهَا إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ وَيُلَائِمُهُ عِظَمُهَا وَوُصُولُهَا إِلَى الْمَنْكِبِ فِي حَالِ إِرْسَالِهَا، انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الصِّحَاحِ: الْجُمَّةُ ; الشَّعْرُ الْمَجْمُوعُ عَلَى الرَّأْسِ، وَمَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ: أَنَّ الْجُمَّةَ ; الشَّعْرُ مُطْلَقًا، وَيَنْصُرُهُ كَلَامُ الْعَسْقَلَانِيِّ: أَنَّ الْجُمَّةَ هِيَ مُجْتَمَعُ الشَّعْرِ إِذَا تَدَلَّى مِنَ الرَّأْسِ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ وَإِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَإِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يُجَاوِزُ الْأُذُنَيْنِ فَهُوَ الْوَفْرَةُ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ: (إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ): بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْجُمَّةِ بِتَقْدِيرِ الْوَاصِلَةِ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ أَوْ حَالٌ مِنْهَا أَيْ
1 / 17