Cemalüddin-i Efganî: Birinci Yüzyıl 1897-1997
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
Türler
وقامت المسيحية على المسالمة والمياسرة في كل شيء، ورفع القصاص، وطرح الملك والسلطة، ونبذ الدنيا وبهرجها، وأوصت بطاعة ملوك الدنيا وترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله، والابتعاد عن التنازع والأحقاد والأهواء كما هو الحال في الوصايا على الجبل. هذا على مستوى النظر، وهي مبادئ صحيحة في كل دين. أما على مستوى العمل فقد قام المسيحيون بعكس ذلك، التقاتل على الدنيا، والمفاخرة والمباهاة، ورغد العيش، والصراع بين الممالك، والتغلب على الأخطار. يبدعون في فنون الحرب، ويستعملونها ضد بعضهم البعض وضد الغير، فانقلب المثال إلى ضده. وتحول المسيحيون إلى وثنيين، وبدلا من تطبيق محبة الجار طبقوا شريعة الغاب. وقام الإسلام على طلب الغلبة والشوكة والفتح والعزة، ورفض كل قانون يخالف شريعته، ونبذ كل سلطة لا تقوم على أساسه، فهم أهل قتال وحرب، وعلم وقوة،
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة . لذلك حرمت الشريعة المراهنة إلا في السباق والرماية أي في الفنون العسكرية. وهي مبادئ صحيحة للإسلام ولكل دين يبغي العزة لقومه في الدنيا والنجاة في الآخرة، أما على مستوى العمل فإنهم مستضعفون متخلفون مستعمرون أذلاء، فاقتهم الأمم الأخرى في الفنون العسكرية وأصبحوا مقلدين لها. عاشوا تحت سلطة مخالفيهم، ورضخوا لهم. لقد اخترع أهل النصرانية مدافع الكروب والميتراليوز وبندقية مارتين، وأحكموا الحصون، وأقاموا البواخر قبل المسلمين. وهنا تكمن المأساة، تحول النصارى إلى مسلمين فتقدموا، وتحول المسلمون إلى نصارى فتأخروا. كل فريق عمل عكس ما توحي به تعاليم دينه، فتقدم النصارى، وتخلف المسلمون.
ويتساءل الأفغاني: ألم ترسخ الديانتان في قلوب الناس؟ هل نبذت كل ملة عقيدتها وكتبها المقدسة؟ هل تبدلت سنن الكون؟ هل طغت الأبدان على الأرواح؟ هل طغى الخيال على العقل؟ هل انقلب الناس على الدين وعصت النفوس؟ هل السبب اختلاف الأجناس مع أن البشر متقاربون وينتسبون إلى أصل واحد؟ هل السبب اختلاف الأقطار وطبائع البلدان؟ ولا يجيب الأفغاني على هذه التساؤلات ولكن يعطي حجة تاريخية. فالتاريخ خير شاهد؛ فقد تمثل المسلمون الأوائل الإسلام فبهروا الأبصار. وانتصر العرب والفرس والترك بفضل الإسلام. وكانت للمسلمين في الحروب الصليبية آلات نارية مثل المدافع أفزعت المسيحيين، وكان محمود الغزنوي يحارب الوثنيين في الهند بالمدافع، فهزمهم عام 400ه قبل أن يعرف النصارى عنها شيئا. فلماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم؟ تقدم النصارى ضد قواعد دينهم، وتخلف المسلمون ضد قواعد دينهم كذلك. كان سبب تقدم النصارى أنهم أبقوا على عادات وطبائع الرومان، وبقيت في الأعماق. وجاءت النصرانية ولم تغيرهم في شيء. بقيت النصرانية في الكنائس والأديرة، خارج الحياة العامة. ثم شرعوا الحروب الصليبية فانتهت النصرانية، وتزعزعت العقائد، وعادوا كلهم إلى الوثنية التي نشئوا عليها، وأصبحوا مسيحيين في الظاهر، وماديين في الباطن. أما المسلمون فبعد تمثلهم الأول للإسلام وأصوله ظهر أقوام بلباس الدين، وأدخلوا في أصوله ما ليس منه. فانتشرت عقائد الجبر والاستكانة بالإضافة إلى ما أدخله الزنادقة والسوفسطائيون في القرنين الثالث والرابع، ووضع الأحاديث المهبطة للعزائم. وتحول السم من الخاصة إلى العامة خاصة بعد انحسار التعليم والتقصير في الإرشاد. ولم يبق الدين إلا عند خاصة الخاصة. ومع ذلك لو أصبح المسلمون مسلمين، أو عادوا إلى الأصول لخفت العوارض وما لحق بهم من تخلف في التاريخ. هذه المقارنات بين المسلمين والنصارى تقوم على المرآة المزدوجة، قراءة الأنا في مرآة الآخر وقراءة الآخر في مرآة الأنا مع بيان أوجه التشابه والاختلاف بين التجربتين التاريخيتين كما فعل الطهطاوي في
تخليص الإبريز
وكل أدب الرحلات الذي حاول
علم الاستغراب
تحويله إلى علم دقيق.
8
وإذا كانت أوروبا قد وصلت إلى مبادئ الإسلام ومقاصد الشريعة بالعقل فإن أهل أوروبا يكونون مستعدين لقبول الإسلام إذا أحسنت الدعوة إليه. فالإسلام مقارنة بالديانات الأخرى يتسم بيسر العقائد وقرب تناولها. وأقرب الناس إليه الأمريكيون. فلا يوجد بين الإسلام وأمريكا عداوة كما هو الحال بين الإسلام وأوروبا، وقد تحققت نصف نبوءة الأفغاني، وانتشر الإسلام بين الأفريقيين الأمريكيين، الإسلام الأسود، وأصبح قوة مؤثرة في حياة الأمريكيين في الداخل والخارج بما يمثله من دعوة إلى الفضائل وسياسة خارجية لصالح الشعوب. ولم يتحقق النصف الآخر وهو تحول أمريكا إلى عدو للإسلام مع أوروبا خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والبحث عن عدو جديد. وقد لفت القرآن نظر الإفرنج إلى حسن الإسلام؛ لأنه يدعوهم بلسانهم، العقل والتجربة. ولكنهم يرون سوء حال المسلمين فيتراجعون عن الإسلام. ومن ثم يكون السبيل إلى الدعوة إلى الإسلام، التغير العملي والتحقق بالإسلام. فالقرآن أول من دعى إلى الوصول إلى الحقائق بالبراهين الفلسفية والبحث عن العلل. وقد كان العرب في الجاهلية لا شيء معهم. وبفضل القرآن ملكوا العالم، وفاقوا الأمم علما وصناعة، فلسفة وحضارة. وإذا استطاع القرآن ذلك قديما فهو قادر على أن يصنعه اليوم. العيب في المسلمين والتبعة على الأمة، الانصراف عن الأخذ بروح الإسلام والعمل بمعانيه ومضمونه، وانشغال المسلمين بالألفاظ والإعراب، والوقوف على الباب دون الدخول إلى المحراب. وكما لخص تلميذ الأفغاني القضية عندما ذهب إلى الغرب، فقال: رأيت إسلاما بلا مسلمين، وعندنا مسلمون بلا إسلام.
9 (3) الشرق والغرب
Bilinmeyen sayfa