ولا أعلم أحدا ممن بالحضرة إلا وقد علم كيف داوينا الرجل الذى كان يضره كل شياف يكتحل به حتى برأ. وكانت فى عينه قرحة عظيمة مؤلمة. وكان مع ذلك الغشاء العنبى قد نتا. فتأنيت لذلك النتو حتى سكن وللقرحة حتى اندملت من غير أن أستعمل شيئا من الشيافات. واقتصرت على أنى كنت أهيئ له فى كل يوم ثلاثة ألوان من المياه: أحدها ماء قد طبخ فيه خلبة، والآخر ماء قد طبخ فيه ورد، والثالث ماء قد خلطت به زعفرانا مسحوقا غير مطبوخ. وقد رآنى جميع الأطباء الذين بالحضرة وأنا أستعمل هذه المياه، فلم يقدر أحد منهم أن يمتثل استعمالى إياها. وذلك أنهم لا يعرفون الطريق والمقدار الذى يحتاج أن يقدر فى كل يوم من كل واحد من هذه المياه، على حسب ما تحتاج إليه العلة. وذلك أن تقدير ما كان لتلك المياه: عند شدة الوجع وغلبته بنوع، وعند نفور النتو بنوع، وعند كثرة الوسخ فى القرحة أو الزيادة فى عمقها أو بقائها بنوع. ولم أستعمل شيئا سوى هذه الثلاثة المياه. وبلغت ما أردت من سكون نتو الغشاء العنبى الذى كان نتا وتسكين الوجع وتنقية القرحة فى وقت ما كان الوسخ كثيرا فيها، وإنبات اللحم فى الوقت الذى كانت فيه عميقة وإدمالها فى وقت ما امتلأت. ولست أخلو فى يوم من الأيام من أن أبين من مبلغ الحذق بهذه الصناعة ما هذا مقداره فى العظم أو شبيها به. وأكثر من يرى هذا من الأطباء لا يعلم أين هو مكتوب، فضلا عما سوى ذلك. وبعضهم إذا رأى ذلك لقبنى البديع الفعل وبعضهم البديع القول.
٤
Sayfa 60