٤ إلا أنه قد ينبغى أن نتجنب فى قولنا هذا النظر فى أشباه هذه المطالبات ونجعل قصدنا وصف ما يظهر فى علاج التشريح على الحقيقة مثال ذلك أنا نجد فى جميع الأعضاء لا الدماغ ولا العين فقط شيئا عاميا وهو أن لكل واحد منها جوهرا خاصيا تأتيه عرق ضارب وعرق غير ضارب وعصبة فتنبث هذه الثلثة فيه وتتقسم تقسما كثيرا وتماسه فقط بمنزلة ما نجده فى الرطوبات التى فى العين فقط وفى الغشاء القرنى وفى جميع الأغشية إلا أن حاجة جميع الأعضاء إلى خدمة العروق غير الضوارب تجب ضرورة وقد تبين أيضا لمن استقصى التشريح أن العظام تشارك سائر الأعضاء فى ذلك وليس الأمر كذلك فى العروق الضوارب ولا فى العصب أيضا إلا أنا قد نجده يجرى من العروق الضوارب والعصب إلى كل واحد من الأعضاء المتشابهة الأجزاء بنسبة ما يجرى منها إلى العين إلا أن ظهور ذلك فى رطوبات العين ظهور بين بسبب عظمها ولونها وأما فى سائر الأعضاء فليس يتبين كما يتبين فى العين وإن وضعت ذهنك وتفقدت ما يظهر فى علاج التشريح على استقصاء وجدت فى جميع الأعضاء هذا الذى وصفته فى العين بعينه وذلك أنا نجد نقسم العروق الضوارب وغير الضوارب والعصب فى كل واحد من الأعضاء المتشابهة الأجزاء شبيها بما يظهر فى البساتين من تقسم الرواضع فيها وذلك أن الماء يدخل إليها من نهر واحد ثم يتقسم من ذلك النهر فى جميع البستان ويتفرع فى رواضع صغار تدور فى البستان كله إلا أن المواضع التى بين تلك الرواضع ليست الرواضع أنفسها وإنما تصل إليها فيشبه أن يكون الماء يجرى فى جميع البستان على جهة الرشح من تلك الرواضع فالجسم الموجود فى العضو وهو الخاصى به والذى به يتم فعله من الأجسام المتشابهة الأجزاء وقد أساء قوم فى تسمية هذا الجسم من الكبد وهو اللحم الخاصى بها حشوا وتوهمهم أن منفعته شبيهة بمنفعة الحلفاء التى يجعل فيما بين الأوانى التى تتخذ من الزجاج والخزف إذ كان يملأ المواضع الخالية التى فيما بين العروق والأعصاب التى فيها وفى الطحال أيضا لحم آخر شبيه بهذا اللحم الذى فى الكبد تخصه خواص غير خواص اللحم الذى فى الكبد إلا أن منفعته فى الطحال أيضا هذه المنفعة بعينها وكذلك أيضا لحم الكلى ولحم الرئة وذلك أن العروق والأعصاب تأتى هذه الأعضاء وتنقسم فيها أعنى الأجسام التى تخص كل واحد من هذه الجواهر وكذلك أيضا نجد العروق الضوارب وغير الضوارب تنبث فى الجوهر الخاصى المتشابه الأجزاء الذى للدماغ والذى للنخاع وكذلك أيضا جسم الأم الجافية من أمى الدماغ فإنك تجد فيه شيئا يخصه دون سائر الأعضاء وأما الأم الرقيقة من أمية فهى غشاء على الحقيقة لا فصل بينه وبين سائر الأغشية التى جميعها متشابهة الأجزاء فى جوهرها وفى منفعتها وأما الأم الثالثة الموجودة للنخاع فهى وقاية ثالثة تخصه دون الدماغ ومنشأها من أحد عظام الجمجمة والأفضل أن يقال فى الأم الرقيقة أنها رباط يربط النخاع والدماغ لا وقاية توقيها لأن المنفعة الأولى التى ينتفع بها الدماغ من الأم الرقيقة هى بمنزلة ما ينتفع به من الرباط ثم الثانية بعدها منفعة الوقاية الغريزية وكذلك أيضا الغشاء المحيط بسائر الأحشاء الباقية وهى الرئة والطحال والكلى والكبد وأما غشاء القلب المعروف بالدائر حوله فأغلظ من أغشية هذه الأعضاء إلا أن جوهره جوهر تلك بعينه وهو أيضا بحسب ما يدركه الحس منه متشابه الأجزاء وقد خفى أيضا على أكثر أصحاب التشريح طبيعة الغشاء المعروف بالصفاق فتوهموا أن طبيعته غير طبيعة سائر الاغشية لأنه تتصل بأكثر أجزاءه أوتار العضل الممدود على البطن عرضا إلا أن هذه الأوتار تفارقه فى المواضع السفلانية من البطن وتتباعد عنه فيبقى وحده معرى منها منبسطا على جميع تلك المواضع ونجده أيضا فى بعض المواضع باقيا على رقته وفى بعضها أكثر غلظا قليلا إلا أن أكثر أصحاب التشريح لم يفهموا ذلك وقد توهم أيضا بعضهم أن طبيعة الغشاء المغشى للبطن والأمعاء والرحم والمثانة من طبيعة هذا الغشاء وسموها جميعا باسم واحد لا يليق بهما إلا أن العادة فى الأسماء إذا كانت قد جرت على هذا فيجب ضرورة كما قد علمت أن يكون استعمالنا لها على ما جرت به العادة عند من كان قبلنا وأما الوقاية الملبسة على كل واحد من الأعضاء التى فى الصدر فمتشابهة الأجزاء فى جوهرها بمنزلة الغشاء المغشى للبطن المعروف بالصفاق PageV01P06 4
[chapter 5]
Sayfa 66