Cahiz: Edebiyat İmamları (Birinci Cilt)
الجاحظ: أئمة الأدب (الجزء الأول)
Türler
بلاغة العرب
كل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال، وكأنه إلهام، وليست هناك معاناة ولا مكابدة ولا إجالة فكر ولا استعانة، وإنما هو أن يصرف وهمه إلى الكلام وإلى رجز يوم الخصام، أو حين أن يمتح على رأس بئر أو يحدو ببعير، أو عند المقارعة والمناقلة، أو عند صراع أو في حرب؛ فما هو إلا أن يصرف وهمه إلى جملة المذهب وإلى العمود الذي إليه يقصد، فتأتيه المعاني إرسالا وتنثال عليه الألفاظ انثيالا، ثم لا يقيده على نفسه ولا يدرسه أحدا من ولده، وكانوا أميين لا يكتبون، ومطبوعين لا يتكلفون، وكان الكلام الجيد عندهم أظهر وأكثر، وهم عليه أقدر وأقهر، وكل واحد في نفسه أنطق، ومكانه في البيان أرفع، وخطباؤهم أوجز، والكلام عليهم أسهل، وهو عليهم أيسر من أن يفتقروا إلى تحفظ أو يحتاجوا إلى تدارس، وليس هم كمن حفظ علم غيره، واحتذى على كلام من كان قبله، فلم يحفظوا إلا ما علق بقلوبهم، والتحم بصدورهم، واتصل بعقولهم، من غير تكلف ولا قصد ولا تحفظ ولا طلب. وإن شيئا الذي في أيدينا جزء منه، لبالمقدار الذي لا يعلمه إلا من أحاط بقطر السحاب وعدد التراب، وهو الذي يحيط بما كان والعالم بما سيكون.
ونحن - أبقاك الله - إذا ادعينا للعرب أصناف البلاغة من القصيد والأرجاز، ومن المنثور والأسجاع، ومن المزدوج وما لا يزدوج، فمعنا العلم على أن ذلك لهم شاهد صادق من الديباجة الكريمة، والرونق العجيب، والسبك والنحت الذي لا يستطيع أشعر الناس اليوم ولا أرفعهم في البيان أن يقول في مثل ذلك إلا في اليسير والنبذ القليل، ونحن لا نستطيع أن نعلم أن الرسائل التي في أيدي الناس للفرس أنها صحيحة غير مصنوعة، وقديمة غير مولدة، إذا كان مثل ابن المقفع وسهل بن هارون وأبي عبيد الله وعبد الحميد وغيلان وفلان وفلان يستطيعون أن يولدوا مثل تلك الرسائل، ويصنعوا مثل تلك السير.
وأخرى أنك متى أخذت بيد الشعوبي، فأدخلته بلاد الأعراب الخلص، ومعدن الفصاحة التامة، ووقفته على شاعر مفلق، أو خطيب مصقع، علم أن الذي قلت هو الحق، وأبصر الشاهد عيانا.
فهذا فرق ما بيننا وبينهم، فتفهم عني - فهمك الله - ما أنا قائل في هذا، واعلم أنك لم تر قوما قط أشقى من هؤلاء الشعوبية، ولا أعدى على دينه، ولا أشد استهلاكا لعرضه، ولا أطول نصبا، ولا أقل غنما من أهل هذه النحلة. وقد شفى الصدور منهم طويل جثوم الحسد على أكبادهم، وتوقد نار الشنآن في قلوبهم، وغليان تلك المراجل الفائرة، وتسعر تلك النيران المضطرمة. ولو عرفوا أخلاق كل ملة، وزي كل لغة، وعللهم في اختلاف إشاراتهم وآلاتهم وشمائلهم وهيئاتهم، وما علة كل شيء من ذلك، ولم اختلقوه ولم تكلفوه؛ لأراحوا أنفسهم، وتخففت مؤنتهم على من خالطهم.
البكاء
البكاء صالح للطبائع، ومحمود المغبة إذا وافق الموضع، ولم يجاوز المقدار، ولم يعدل عن الجهة، ودليل على الرقة، والبعد من القسوة، وربما عد من الوفاء، وشدة الوجد على الأولياء، وهو من أعظم ما تقرب به العابدون، واسترحم به الخائفون. قال بعض الحكماء لرجل اشتد جزعه من بكاء صبي له: لا تجزع فإنه أفتح لجرمه، وأصح لبصره. وضرب عامر بن عبد قيس بيده على عينه، فقال: جامدة شاخصة لا تندى. وقيل لصفوان بن محرر عند طول بكائه وتذكر أحزانه: إن طول البكاء يورث العماء، فقال: ذلك لها شهادة. فبكى حتى عمي. وقد مدح بالبكاء ناس كثير منهم يحيى البكاء وهيثم البكاء، وكان صفوان بن محرر يسمى البكاء.
الضحك
ما ظنك بالضحك الذي لا يزال صاحبه في غاية السرور إلى أن ينقطع عنه سببه، ولو كان الضحك قبيحا من الضاحك وقبيحا من المضحك، لما قيل للزهرة والحبرة والحلي والقصر المبني كأنه يضحك ضحكا. وقد قال الله جل ذكره:
وأنه هو أضحك وأبكى * وأنه هو أمات وأحيا ، فوضع الضحك بحذاء الحياة، ووضع البكاء بحذاء الموت، وأنه لا يضيف الله إلى نفسه القبيح، ولا يمن على خلقه بالنقص.
Bilinmeyen sayfa