Cahiz: Edebiyat İmamları (Birinci Cilt)
الجاحظ: أئمة الأدب (الجزء الأول)
Türler
ولم يقف أثره عند هذا الحد، بل تعداه إلى أن أصبحت الكتاب تترسم خطاه في الإنشاء، بل تقتبس جمله ذات الجلبة في السمع والروعة في النفس. قال القاضي الفاضل: «وأما الجاحظ، فما منا - معشر الكتاب - إلا من دخل داره، أو شن على كلامه الغارة، وخرج وعلى كتفه منه الكارة.»
والجاحظ يكره التكلف كما يكره الإسفاف، ويعجب بالطبع السليم كما يعجب بالفكر الثاقب. قال: «أحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، ومعناه في ظاهر لفظه، وكأن الله - عز وجل - ألبسه من الجلالة وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه وتقوى قائله؛ فإذا كان المعنى شريفا، واللفظ بليغا، وكان صحيح الطبع، بعيدا من الاستكراه، ومنزها عن الاختلال، ومصونا من التكلف، صنع في القلب صنيع الغيث في التربة الكريمة، ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة، ونفذت من قائلها على هذه الصفة، أصحبها الله من التوفيق ومنحها من التأييد ما لا يمتنع من تعظيمها به صدور الجبابرة، ولا يذهل عن فهمها عقول الجهلة.»
هذا وفي إنشاء الجاحظ كثير من أساليب الخطابة والجدل، وله جملة تدل على ذلك، قال: «ينبغي للكاتب أن يكون رقيق حواشي اللسان، عذب ينابيع البيان، إذا حاور سدد سهم الصواب إلى غرض المعنى، لا يكلم العامة بكلام الخاصة ولا الخاصة بكلام العامة.»
ومما يشهد بسرعة جوابه وذلاقة لسانه قوله لرجل آذاه: «أنت - والله - أحوج إلى هوان من كريم إلى إكرام، ومن علم إلى عمل، ومن قدرة إلى عفو، ومن نعمة إلى شكر.»
وفي أجوبته وأحاديثه قليل من السجع والصنعة بخلاف إنشائه، قال أبو سعد داود بن الهيثم: رأيت الجاحظ يكتب شيئا، فتبسم، فقلت: ما يضحكك؟ فقال: «إذا لم يكن القرطاس صافيا، والمداد ناميا، والقلم مواتيا، والقلب خاليا، فلا عليك أن تكون كابيا.»
ووصف الحبارى فقال: «سلاحها سلاحها»، ووصف نبات النروج فقال: «يخرج كاسيا كاسيا»، وكان يقول: «من صنف فقد استهدف، فإن أحسن فقد استعطف، وإن أساء فقد استقذف.»
وكأنه كان يستعمل ذلك في كلامه من باب التظرف والتملح.
دعابته وفكاهته
كان في الجاحظ على جلالة قدره دعابة وفكاهة وخفة روح؛ فهو يخلط الهزل بالجد، ويجيد النكتة جوابا وكتابة ورواية، ولا تجد كاتبا من الكتاب شاعت النكتة في آثاره وحرص عليها مثل الجاحظ. وربما قيد إلى النكتة بالسلاسل، فكان ذهوله ونسيانه فكاهة مستملحة، قال: «نسيت كنيتي ثلاثة أيام، حتى أتيت أهلي فقلت لهم: بم أكتني؟ فقالوا: بأبي عثمان.»
وطالما استعمل الجاحظ فكاهته في النقد اللاذع، فعبث بالقصاص الدجالين، وتنادر على غلاة الشيعة، وسخر بالحكام ووسطائهم، وتهكم على الأدعياء، وضحك من الأغبياء، فبلغ من كل ذلك مبلغا لا ينال بالجد.
Bilinmeyen sayfa