من سوء الحظ أن هذه التطورات الخطيرة تحدث في وقت نحن مشغولون فيه بهجوم رجعي مبيت من المشرق، هجوم يتزعمه للأسف أيضا حكام سوريا البلد الذي ترعرعت العروبة الحديثة فوق أرضه، وهي تطورات تدل على أننا نواجه تحركات أيضا في المغرب العربي . وأنا لن أسبق الحوادث وأدعي أنها تطورات رجعية غربية وفرنسية بالذات، وكل ما أمامي لأقوله أن أصر على أن فرنسا وأمريكا لا تضيعان الوقت في اللهو بالجزائر، وأن الوضع الآن هناك من الميوعة والفراغ بحيث يمكن لأية قوة أن توجه أقوى الطعنات إلى الحركة الوطنية في الجزائر ومن ثم إلى الحركات الوطنية في المغرب العربي كله، المغرب ابتداء من ليبيا وبترولها إلى الجزائر وتونس ومراكش وما فيها من خيرات وثروات، وما فيها من مؤامرات وخيانات واستعدادات للاتفاق. كل ما في الأمر أن مشكلة هذه القوى الاستعمارية المتربصة كانت هي التكتيك ومخالب القطط التي تستعملها لتوجيه هذه الضربات. وكما تعلمت الحركات الوطنية من حربها للاستعمار دروسا كذلك تعلم الاستعمار. وإذا كانت الحركات الوطنية قد تعلمت أن تسلب الجيش من يد المستعمر والخائن والرجعي لتجعله خنجرا في يد الشعب، فكذلك من الممكن أن يتعلم الاستعمار أن يلعب هو الآخر لعبة الجيش، وتحت أية شعارات وطنية قد تخطر على البال.
والمسرح في الجزائر ممهد تماما للعبة الجيش.
فهل نترك له المسرح خاويا؟
إنني أطالب، كما فعلنا والجزائر تناضل الاستعمار، بحشد كل القوى الشعبية العربية، بالكتابة، بعقد الاجتماعات، بالاتصالات، بالمؤتمرات، بإيفاد الوفود، بتجنيد الشعب العربي كله، والشعب الجزائري خاصة، للوقوف في وجه مخالب القطط الاستعمارية للحيلولة بين أن تنتصر الجزائر كبلاد مستعمرة لتسقط كبلاد مستقلة.
مرحبا بزافاتيني، ولكن ...
السبت
لم يسعدني كثيرا خبر اتفاق المنتج رمسيس نجيب مع الكاتب الإيطالي زافاتيني لكتابة سيناريو لفيلم عن السد العالي، لا لشيء إلا لأن هذا الاتفاق إن هو إلا استمرار لسياسة ترقيع قربة السينما المصرية المقطوعة، تلك التي ترى أن عيوب أفلامنا سببها ضعف «صنعة» السيناريو، وضعف التكنيك السينمائي بها، في حين أن مشكلة السينما عندنا هي «الموضوع»، الموضوع كفكرة، والموضوع كعلاج وإخراج.
الموضوع لدينا هو المشكلة؛ إذ مع احترامي لكل ما قام به السينمائيون من جهود فإني أعترف أني لم أشهد موضوعا سينمائيا مصريا منذ فيلم العزيمة؛ فالسينما ليست فقط صنعة ولكنها أولا فن، والفن إحساس ، والإحساس ليس أبدا إحساسا مطلقا معلقا في الهواء ولكنه إحساس كائنات بشرية معينة تحيا في وطن معين وتعاني من مشاكل وتناقضات معينة. الفن السينمائي إذن لا يمكن أن يوجد هكذا لقيطا إذ لا بد له من نسب، لا بد للفيلم المصري لكي يكون فنا ولكي يكون حقيقيا وعالميا وممتازا أن ينبع من احتياجات وخلجات ومشاعر الشعب المصري. والأفلام التي تخرجها السينما المصرية مصيبتها الكبرى أنها ليست بعيدة فقط عن حياتنا ولكنها بعيدة أيضا عن حياة أي شعب آخر، ومعظمها لا يمكن أن يحدث أو يؤمن الإنسان بإمكانية حدوثه لأي ساكن من سكان كرتنا الأرضية. السينما عندنا «تختلق» المواضيع اختلاقا و«تصنعها» و«تحبكها» وتعتمد على حرفية الصناعة وإعطاء الممثلين أسماء وملامح حقيقية لكي يصدقها الناس فلا يصدقها أحد. هذا الاختلاق سببه أن معظم مخرجينا ومنتجينا ينظرون إلى الفن السينمائي وكأنه لعبة حاوي المهم فيها هو البراعة في أدائها، المهم أن تثير الجمهور وتربطه بلا حراك فوق الكراسي، حتى المشاكل الاجتماعية تختار أو تصطنع بحيث تدخل في قالب اللعبة والحبكة.
وعلى نفس هذه الخطوط يجري تفكير معظمهم لمحاولة الارتقاء بالصناعة؛ إذ يفهمونه على أنه ارتقاء بالتكنيك أيضا في حين أن صناعة السينما عندنا لن ترتقي ولن تتقدم إلا بتغيير «الموضوع»، إلا بطرح الصنعة والصناعة جانبا وفهم السينما على أنها فن مصري لا بد أن يفرزه فنانون مصريون؛ كتاب ومخرجون، وبالطريقة التي يختارونها هم حتى لو تعارضت مع كل مفاهيمهم الهتشكوكية والصراعية والتلفيقية، وكأن رمسيس نجيب لم يتعظ بدرس «وا إسلاماه» الذي أحضر كاتبا هوليوديا عظيما ليكتب سيناريو فكانت النتيجة أنه لا أحس الموضوع ولا تجاوب معه؛ إذ حقيقة، كيف لكاتب من هوليود أن يحس ويجسد ويعبر عن صرخة الإسلام في «وا إسلاماه»؟
وكيف لكاتب من إيطاليا، أنحني لعبقريته في مواضيعه الإيطالية لفهمه العميق الواعي للإنسان الإيطالي، أن يحس ويعبر ويجسد السد العالي، مأساتنا وبطولتنا، محاولتنا الكبرى وانتصارنا الأعظم. ليس هناك مانع طبعا أن يكتب الكتاب الأجانب عنها ولكنهم أبدا لن يصلوا إلى شعورنا الداخلي ولن يدركوا أبعاده. وأي عامل عادي ينقل التراب في السد باستطاعته أن يعبر عن هذا المشروع بالنسبة للإنسان المصري بأروع مما يستطيعه شكسبير وزافاتيني؛ فنحن في عصر لم يعد الفن فيه أكاذيب وخيالات، الفن في عصرنا أصبح هو والصدق وجهين لعملة واحدة اسمها الحياة. وحسبنا أن نرى «مذكرات مهندس» ذلك الفيلم التسجيلي القصير الصادق الذي أنتجه المخرج صلاح التهامي حتى دون الاستعانة بكاتب، لكي ندرك أن السد العالي ليس سدا صناعيا في أسوان ولكنه أولا حلم رائع يحيا داخلنا ونبنيه بصبر وطوبة طوبة.
Bilinmeyen sayfa