إِلَّا أن السيوطيّ فاته - فيما أزعم - بعض كتابات لأئمة فحول، اوْدَعُوهَا بطون مصنفاتهم، منها: ما صنعه الإمام الفاضل القاضي عياض المالكي المتوفي سنة (٥٤٤ هـ)، وذلك في كتابه الفذ "مشارق الأنوار على صحاح الآثار"، حيث عقد في أواخر كتابه بابًا في "ألفاظ وجمل في هذه الأصول (١) يحتاج إلى تعريف صوابها وتقويم إعرابها وتفهيم المؤخر من المقدم من ألفاظها وبيان إضماراتٍ مشكلة وعلى ما يعود المراد بها" (٢).
ومنها: ما أشار إليه القرطبي (٣) أبو العباس أحمد بن عمر في شرحه على "صحيح مسلم"، المسمى "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم"، وذلك في نبذ نحوية متناثرة.
ومنها: ما أبدعه أحد علماء الحنابلة، وهو الإمام ابن قيم الجوزية، المتوفى سنة (٧٥١ هـ) ﵀! - وذلك في كلامه على بعض المسائل النحوية والبلاغية في كتابه البديع: "بدائع الفوائد".
إِلَّا أن السيوطيّ ﵀! قد يكون معذورًا بسبب أنّه عنى انفراد الكتاب المصنِّف بإعراب الحديث دون التعرض لشيء سواه (٤).
ولعلّه من نافلة القول أن أقول: إن النحويين - كغيرهم إِلَّا من رحم اللَّه - لا يبالون بقوة الحديث من ضعفه، فيروون في كتبهم ما يَعْضُدُ مذهبهم من أحاديث (٥)
_________
(١) يعني الصحيحين وموطَّأ مالك.
(٢) "مشارق الأنوار" (٢/ ٣٥١)، طبع ونشر المكتبة العتيقة بـ "تونس" ودار التراث بـ "القاهرة" د. ت.
(٣) وهو شيخ القرطبي المفسر. توفي ﵀! - سنة (٦٥٦ هـ). وينظر ترجمته في: "شجرة النور الزكية" (ص ١٩٤)، و"الديباج المُذهَب" (١/ ٢٤٠)، تحقيق د. الأحمدي أبو النور، دار التراث، و"شذرات الذهب" (٥/ ٢٧٣)، و"هدية العارفين" (٥/ ٩٦).
(٤) وللدكتور أحمد محمّد الخراط مقال بعنوان "أضواه على حركة التصنيف في إعراب الحديث وغريبه"، نشرته مجلة المنهل بعددها الصادر في رجب (١٤١٧ هـ - نوفمبر ١٩٩٦ م).
(٥) على خلاف مشهور في جواز الاحتجاج بالحديث الشريف في القضايا النحوية. وينظر فيه: "الاقتراح" للسيوطي (ص ٥٢، ٥٣) تحقيق د. إبراهيم قاسم، و"عقود الزبرجد" له (١/ ٧ - ١١)، و"موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث"، للدكتورة خديجة الحديثي، و"الحديث النبوي في النحو العربي"، للدكتور =
1 / 18