أُولَئِكَ آبَائِي فَجِئْنِي بِمِثْلِهمْ ... إِذَا جَمَعَتْنَا يَا جَرِيرُ المَجَامِعُ
لقد حكى الأستاذ محمّد عوامة في كتابه "أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة" قصة تبين أن الأصل في ضبط الحديث النبوي إنّما هو السماع لا ضبط المطابع المعاصرة، يقول:
" ..، لكن دعاني إليه ما أحكيه للقراء (من المضحك المبكي) نقلًا عن شيخنا علامة حِمْص ونادرتها - رحمه اللَّه تعالى - حكى لي ذلك من قرابة تسع سنوات في منزلي بـ "حلب"، قال: دخل على المسجد قبل أذان الظهر رجل لا أعرفه، ثمّ سُمِّي لي ..، فجلس ينتظر الأذان، فلما قال المؤذن: اللَّه أكَبْرَ اللَّهُ أكَبْرَ - بفتح الراء - قال هذا الرَّجل بانتفاضة وغضب: هذا خطأ، هذا بدعة. فقال شيخنا: ما هو الخطا والبدعة؟ فقال: هذا مخالف لما في "صحيح مسلم". فكرر عليه شيخنا السؤال: ماذا في "صحيح مسلم"؟ فقال الرَّجل: الّذي في "صحيح مسلم": اللَّه أكبر اللَّه أكبر - بضم الراء - فقال له شيخنا بأدبه المعروف وسكونه: تلقيتم "صحيح مسلم" عن شيوخكم عن شيوخهم إلى الإمام مسلم أنّه روى الحديث بضم الراء؟ أو هو ضبط المطبعة؟ ! قال شيخنا: فسكتَ وسكتُّ، وصلّى وانصرف" (١).
نعم، لقد رحل السماع وانتهى، إِلَّا بقية من ضبط بعض أهل العلم الذين حفظوا لنا وعلينا حديث رسول اللَّه ﷺ، أمثال أبي سليمان الخطابي في "إصلاح غلط المحدثين"، والقاضي عياض في "مشارق الأنوار"، وابن حجر والبدر العيني في شرحيهما للبخاري، والقرطبي والنووي في شرحيهما لمسلم، وغيرهم ممّن عُنُوا بضبط الأحاديث كتابة في مصنفاتهم، إِلَّا أن الأمر لم يكن مستوعبًا،
_________
(١) "أثر اختلاف الحديث"، نشر در السّلام، هامش (ص ٣٥) - بتصرُّف.
ولست أذكر القصة هنا على سبيل الاحتجاج، بل للاستئناس فقط؛ فإن المنكر على المؤذن له وجه صحيح وله عذره، وأمّا سماع المعاصرين هؤلاء فلا يؤمن اللحن من قبِلِهِمْ، إِلَّا أننا قد نرى وجهًا لضبط "أكبر" بفتح الراء، وتكون منصوبة على الحال، ويكون التقدير: هذا اللَّه أكبر من كلّ شيء أو نحو ذلك، ولكننا لا نعلم رواية كهذه.
1 / 16