من أفضل ما قيل عن الكتاب
تصدير
1 - الغرض من الاتحاد الأوروبي
2 - كيف صنع الاتحاد الأوروبي؟
3 - كيف يحكم الاتحاد الأوروبي؟
4 - السوق الموحدة والعملة الموحدة
5 - الزراعة والأقاليم والميزانية: صراعات حول ما سيحصل عليه كل طرف
6 - السياسة الاجتماعية والسياسة البيئية
7 - منطقة حرية وأمن وعدالة
8 - قوة مدنية عظيمة ... وأكثر أم أقل؟
9 - الاتحاد الأوروبي وسائر أوروبا
10 - دور الاتحاد الأوروبي في العالم
11 - الكثير من الإنجازات ... لكن ماذا بعد؟
تأريخ للأحداث في الفترة 1946-2013
مسرد المصطلحات
المراجع
قراءات إضافية
مصادر الصور
من أفضل ما قيل عن الكتاب
تصدير
1 - الغرض من الاتحاد الأوروبي
2 - كيف صنع الاتحاد الأوروبي؟
3 - كيف يحكم الاتحاد الأوروبي؟
4 - السوق الموحدة والعملة الموحدة
5 - الزراعة والأقاليم والميزانية: صراعات حول ما سيحصل عليه كل طرف
6 - السياسة الاجتماعية والسياسة البيئية
7 - منطقة حرية وأمن وعدالة
8 - قوة مدنية عظيمة ... وأكثر أم أقل؟
9 - الاتحاد الأوروبي وسائر أوروبا
10 - دور الاتحاد الأوروبي في العالم
11 - الكثير من الإنجازات ... لكن ماذا بعد؟
تأريخ للأحداث في الفترة 1946-2013
مسرد المصطلحات
المراجع
قراءات إضافية
مصادر الصور
الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي
مقدمة قصيرة جدا
تأليف
جون بيندر وسايمون أشروود
ترجمة
خالد غريب علي
مراجعة
ضياء وراد
من أفضل ما قيل عن الكتاب
هذا الدليل الحديث اليسير إلى فهم منظومة الاتحاد الأوروبي، الذي أخرجه فريق من الخبراء الأكاديميين والمهنيين، ذو فائدة عظيمة لكل من يرغب في فهم آليات عمل الاتحاد الأوروبي اليوم، والسبب وراء المشكلات التي تضاهي إنجازاته عددا. إنه كتاب يستحق الاحتفاء به.
أليكس وورلي-لاك
يكتب جون بيندر بأسلوب واضح مباشر وجميل ... وقد لخص التاريخ بصورة استثنائية، كما أخرج الكتاب في صورة حديثة تماما.
هيلين والاس
يحتل جون بيندر مكانة لا ينازعه فيها أحد من الباحثين؛ فهو يضفي رؤية وتوضيحا لكل ما يبدو معقدا ومبهما في أغلب الأحوال. أسلوبه يجعل المؤيدين للاتحاد الأوروبي ومعارضيه يتساءلون عما يمكن أن يحقق الاتحاد الأوروبي بعد إصلاحه وتقوية شوكته لأوروبا كلها والعالم.
أندرو داف، عضو بالبرلمان الأوروبي، المتحدث في الشئون الدستورية
كتاب لا غنى عنه، ليس للمبتدئين فحسب، بل لجميع المهتمين بالقضايا الأوروبية. موجز ، وفصيح، ولا يشق على أحد فهمه. يتناول التاريخ الحديث والمؤسسات والسياسات، ولا يغفل التطورات المستقبلية.
صاحب السعادة جايلز راديس، عضو بالبرلمان الإنجليزي
لا يلم الكتاب بموضوعه فحسب، بل يتجاوزه إلى ما هو أبعد من ذلك. إنه دليل موجز ومفيد ومباشر للاتحاد الأوروبي.
مجلة «إندبندنت أون صنداي»
كتاب لا يقدر بثمن!
ويليام كيجان، صحيفة «ذي أوبزرفر»
تصدير
ما زال تناول كيان كالاتحاد الأوروبي في هذا الكتاب المختصر يشكل لنا تحديا حقيقيا ونحن مقبلان على طبعتنا المزيدة والمنقحة الثالثة. ويعكس هذا في جانب منه رغبتنا ليس في استعراض أسس عملية التكامل الأوروبي فحسب، بل أيضا عرض أسباب ضرورة ذلك التكامل، وفي جانب آخر، ذلك نتاج طبيعة الاتحاد ذاته، الذي صار يلعب دورا حيويا في الحوكمة الأوروبية المعاصرة.
أيا كان السبب، فإننا سعينا إلى الاستزادة على خبراتنا وأفهامنا (المختلفة بشدة)؛ فقد ظل جون - الذي وضع بمفرده الطبعة الأولى من هذا الكتاب - متابعا للتطورات على مدى أكثر من نصف قرن، وكون في وقت مبكر جدا رأيا يقول بأفضلية التحرك على خطوات ومراحل نحو الفيدرالية، ولم ير ما يدعوه إلى تغيير هذا الرأي. هذا لا يعني اقتلاع أمم أوروبا القديمة من جذورها ومحاولة غرسها في تربة بكر، بل يعني وضع إطار يمكنها فيه التعامل مع مشكلاتها المشتركة بطريقة فعالة وديمقراطية. ويصطبغ اختياره الأفكار بهذا الرأي. وأما خبرة سايمون فمستقاة من حقبة ما بعد ماستريخت، بكل ما انطوت عليه من صعوبات في بناء أطر دستورية، وإشراك المواطنين. وهو أيضا يدرك قيمة الفيدرالية باعتبارها مبدأ هاديا إلى التكامل، وإن كان ذلك في إطار نظام تظل فيه الدول - على الأرجح - أطرافا فاعلة محورية على مدى المستقبل المنظور.
ظل شغلنا الشاغل عرض الأفكار على نحو يساعد على إتاحة سياق للعقلاء - من يميلون منهم إلى نهج فيدرالي، ومن يميلون إلى نهج حكومي دولي - لتقييم أداء الاتحاد، واتخاذ القرار بشأن الاتجاه الذي ينبغي أن يسير فيه، متوخيين الدقة فيما يتعلق بالحقائق.
من قبيل التهوين أن نقول إن الاتحاد شهد أحداثا كثيرة في السنوات الخمس المنقضية منذ الطبعة الثانية، وقد سعينا إلى أن تعكس صفحات الكتاب هذه التغيرات والتحديات. وكحالنا دائما، ندين بالشكر لكثيرين؛ منهم: إيان بيج، ولورا تشابل، وبرندن كونيلي، وأندرو دف، وروبرتا جيرينا، ونايجل هيج، وكريستوفر جونسون، ويورج مونر، وسايمون نتل، كما نشكر المسئولين بمطبعة جامعة أكسفورد الذين جمعوا بين الكفاءة وتفهم حاجات المؤلفين. فإذا لم يلق ما بين دفتي هذا الكتاب إعجاب القارئ، فما الذنب ذنب هؤلاء.
جون بيندر
سايمون أشروود
يناير 2013
الفصل الأول
الغرض من الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي الذي نراه اليوم ثمرة عملية انطلقت منذ أكثر من نصف قرن من الزمان بإنشاء «الجماعة الأوروبية للفحم والصلب». وكانت هاتان الصناعتان آنذاك تمثلان شريان الحياة الصناعي للقوة العسكرية؛ إذ أكد وزير الخارجية الفرنسي، روبرت شومان، في 9 مايو 1950، في إعلانه الذي دشن المشروع، أن «أي حرب بين فرنسا وألمانيا» أصبحت «غير واردة، بل ومستحيلة واقعيا.» ويجسد فوز الاتحاد الأوروبي بجائزة نوبل للسلام لسنة 2012 أهمية تلك العملية ذاتها. (1) السلام الدائم
ربما لا يسهل في يومنا هذا، وبعد هذه الفترة الزمنية كلها، أن نقدر ما كان يعنيه ذلك في حين لم يمض إلا خمس سنوات على نهاية الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، التي جلبت معاناة رهيبة على كل البلدان الأوروبية تقريبا. وبالنسبة لفرنسا وألمانيا - اللتين خاضتا ثلاث حروب كل منها ضد الأخرى خلال العقود الثمانية السابقة على ذلك التاريخ - كان إيجاد سبيل للتعايش في ظل سلام دائم أولوية سياسية أولى أنشئت الجماعة الجديدة لتحقيقها.
كانت فرنسا ترى في قيام دولة ألمانية مستقلة تماما، بما لها من إمكانيات صناعية هائلة، أمرا ينذر بالخطر. وكانت محاولة إخضاع ألمانيا - على النحو الذي سعى إليه الفرنسيون بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918) - قد فشلت فشلا كارثيا، فبدت فكرة دمج ألمانيا داخل إطار مؤسسات قوية تضم بالمثل فرنسا والبلدان الأوروبية الأخرى - ومن ثم تكون مقبولة للألمان على الأمد الأبعد - فكرة واعدة بدرجة أكبر. وقد تحقق هذا الموعود كما كان مأمولا. كان الفرنسيون ينظرون إلى الاتحاد الأوروبي بوصفه الثمرة التي أثمرتها مبادرتهم غير المسبوقة، وقد سعوا - بنجاح كبير - إلى لعب دور الزعيم بين الأمم الأوروبية، على الرغم من تراجع ثقتهم بدورهم القيادي منذ انضمام 12 دولة لعضوية الاتحاد عامي 2005 و2007.
لكن المشاركة في هذه المؤسسات الأوروبية على قدم المساواة أعطت أيضا الألمان إطارا يقيمون فيه علاقات سليمة وبناءة مع العدد المتزايد من الدول الأعضاء الأخرى، ويتمون فيه أيضا اتحادهم عام 1990 بسلاسة. ففي أعقاب سنوات الحكم النازي الاثنتي عشرة التي انتهت بالدمار سنة 1945، أتاحت الجماعة للألمان سبيلا كي يستعيدوا احترامهم كشعب من جديد. كانت فكرة قيام جماعة مؤلفة من أنداد تضم مؤسسات قوية لها جاذبيتها. وكان شومان قد أعلن أيضا أن الجماعة الجديدة ستكون «أول أساس صلب لاتحاد فيدرالي أوروبي لا بد منه للحفاظ على السلام.» لكن في حين ظل الالتزام الفرنسي بتطوير الجماعة في اتجاه فيدرالي يشهد مدا وجزرا، ساندت الطبقة السياسية الألمانية - وقد استوعبت مفهوم الديمقراطية الفيدرالية تماما - مثل هذا التطور بإيمان لم يتزعزع. والحقيقة أن تعديلا أدخل سنة 1992 على القانون الأساسي لألمانيا الموحدة، ونص على مشاركتها في الاتحاد الأوروبي، التزم بالمبادئ الفيدرالية.
رأت الدول المؤسسة الأربعة الأخرى (بلجيكا وإيطاليا ولوكسمبورج وهولندا) أيضا الجماعة الجديدة كوسيلة لضمان السلام عن طريق دمج ألمانيا داخل مؤسسات أوروبية قوية، كما رأت هذه الدول بوجه عام - مثلها في ذلك مثل الألمان - الجماعة كمرحلة من مراحل إنشاء كيان فيدرالي، وظلت تراه هكذا عموما.
وعلى الرغم من أن الحرب العالمية الثانية بدأت تتوارى في طيات الماضي البعيد، يظل دافع تحقيق السلام والأمن داخل كيان ديمقراطي - وهو الدافع الذي كان محوريا في تأسيس الجماعة - مؤثرا قويا على الحكومات والساسة في كثير من الدول الأعضاء. وينظر إلى النظام الذي ظل يوفر إطارا للسلام على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان كضمان للاستقرار المستقبلي. وكان أحد الأمثلة على ذلك قرار تعزيزه بطرح العملة الموحدة، التي ترى كوسيلة لتعزيز الارتباط بألمانيا، التي كان من المنتظر أن تصير أقوى بعد توحيدها. وكان انضمام عشر دول من أوروبا الوسطى والشرقية بحثا عن ملاذ آمن بعد الحرب العالمية الثانية ومرور نصف قرن من الهيمنة السوفييتية، مثالا آخر. وقد شهدنا ضغطا متواصلا لتوطيد دعائم مؤسسات الاتحاد بغية الحفاظ على الاستقرار في ظل ازدياد عدد الدول الأعضاء، بفضل التوسع شرقا، إلى ثلاثين دولة أو أكثر، من ضمنها العديد من الديمقراطيات الجديدة.
لم يكن لدى البريطانيين، الذين لم يمروا بتجربة الهزيمة والاحتلال، ذلك الدافع الأساسي نحو تقاسم السيادة مع الشعوب الأوروبية الأخرى، وكانوا يرون أن الاعتماد على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي كاف. ومن هنا جاء التركيز على الجوانب الاقتصادية للتكامل الذي شاع بين الساسة البريطانيين وقيد قدرتهم على لعب دور مؤثر وبناء في بعض من أهم التطورات، غير أن قدرة الاتحاد الأوروبي على المساهمة في تحويل العالم إلى مكان أكثر أمانا في ميادين كتغير المناخ وحفظ السلام، وكذلك بسياساته الاقتصادية الخارجية وسياساته في مجال المعونات بوجه أعم، يمكنها - كما سنبين لاحقا في هذا الكتاب - إعطاء مبرر لتغيير هذا الموقف البريطاني الأساسي. (2) القوة والازدهار الاقتصاديان
على الرغم من أن السلام الدائم كان دافعا سياسيا أصيلا وراء تأسيس الجماعة الجديدة، فإنها ما كانت لتنجح دون أداء معتبر في الميدان الاقتصادي الذي استقت صلاحياتها منه، وقد وفت الجماعة - بحق - بالغرضين الاقتصادي والسياسي. كانت الحدود بين فرنسا وألمانيا وبلجيكا ولوكسمبورج، التي تقوم بين مصانع الصلب، والمناجم التي تمدها بالفحم، تعوق الإنتاج الرشيد. وقد حققت إزالة هذه الحواجز وما صاحبها من حوكمة مشتركة للسوق المشتركة الناتجة عن ذلك؛ نجاحا من المنظور الاقتصادي. شجع ذلك، إضافة إلى الشواهد على وجود مصالحة سلمية جار تحقيقها بين الدول الأعضاء، هذه الدول على رؤية الجماعة الأوروبية للفحم والصلب خطوة أولى - كما أشار شومان - في عملية توحيد سياسي واقتصادي. وبعد محاولة فاشلة لخطو خطوة ثانية (عندما لم تصدق الجمعية الوطنية الفرنسية على معاهدة لإقامة جماعة دفاع أوروبية عام 1954)، استأنفت الدول المؤسسة الست مسار التكامل الاقتصادي من جديد، ثم امتد مفهوم السوق المشتركة ليشمل كل تجارتها المتبادلة في السلع بتأسيس «الجماعة الاقتصادية الأوروبية» عام 1958؛ مما فتح الطريق أمام اقتصاد متكامل استجاب لمنطق الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول الأعضاء.
كما تمكنت الجماعة الاقتصادية الأوروبية، بفضل الإصرار الفرنسي على إحاطة السوق المشتركة بتعريفة خارجية موحدة، من الدخول في مفاوضات تجارية على قدم المساواة مع الولايات المتحدة؛ مما أثبت قدرة الجماعة على أن تصبح طرفا فاعلا رئيسا في النظام الدولي عندما تكون لديها أداة مشتركة تنفذ بها سياسة خارجية. كانت تلك خطوة أولى نحو تلبية دافع آخر لإنشاء الجماعة؛ ألا وهو استعادة النفوذ الأوروبي في العالم ككل. وهو النفوذ الذي كان قد تلاشى نتيجة الحربين العالميتين اللتين شهدتا تناحر دول أوروبية، والذي أصبح يمكن تعزيزه بفضل قدرة الاتحاد على المساهمة في الأمان والازدهار العالميين اللذين نحن في أمس الحاجة إليهما.
شكل : تشرشل في لاهاي يؤسس «الحركة الأوروبية» في أعقاب دعوته إلى «كيان أشبه بالولايات المتحدة الأوروبية».
بالنظر إلى إخفاق بريطانيا في فهم قوة مسوغات مثل هذا الإصلاح الجذري، كان ونستون تشرشل حالة استثنائية؛ إذ قال في كلمة له في زيورخ بعد نهاية الحرب بأقل من عام ونصف: «علينا الآن أن نبني كيانا أشبه بالولايات المتحدة الأوروبية ... يجب أن تكون الخطوة الأولى شراكة بين فرنسا وألمانيا ... يجب أن تأخذ فرنسا وألمانيا معا بزمام المبادرة.» لكن لم يكن إلا قليل من البريطانيين يفهمون تمام الفهم مسوغات إقامة جماعة جديدة، وتشرشل نفسه لم يكن يرى ضرورة أن تكون بريطانيا - التي كانت آنذاك على رأس إمبراطوريتها، وتجمعها علاقة خاصة أقيمت حديثا مع الولايات المتحدة - عضوا في هذه الجماعة. غير أن كثيرين لم يشاءوا انتقاص مزاياهم في أسواق أوروبا القارية وحرمانهم من المشاركة في اتخاذ القرارات المهمة المتعلقة بالسياسات؛ لذا فبعد الإخفاق في إقامة منطقة للتجارة الحرة تضم الجماعة الاقتصادية الأوروبية إضافة إلى بلدان أوروبية غربية أخرى، سعت الحكومات البريطانية المتتالية إلى الانضمام إلى الجماعة، ونجحت أخيرا عام 1973. لكن فيما لعب البريطانيون دورا قياديا في تطوير السوق المشتركة إلى سوق موحدة أتم، ظلوا يفتقرون إلى الدوافع السياسية التي دفعت الدول المؤسسة وبعض الدول الأخرى إلى المضي قدما نحو صور أخرى من التكامل الأعمق.
من المهم أن نفهم دوافع الدول المؤسسة والبريطانيين التي ما زالت - فيما تواصل تطورها - تؤثر على المواقف تجاه الاتحاد الأوروبي. هذه الدوافع تشترك فيها، بنسب متفاوتة، الدول الأخرى التي انضمت على مر السنين، وهي تشكل أساس معظم الدراما التي تكشفت فصولها منذ خمسينيات القرن المنصرم لخلق الاتحاد الذي هو موضوع هذا الكتاب. (3) نظريات وتفسيرات
هناك طريقتان رئيستان لتفسير ظاهرة الجماعة والاتحاد، يؤكد أنصار الطريقة الأولى على دور الدول الأعضاء وتعاملاتها الحكومية الدولية، أما أنصار الأخرى فيعطون ثقلا أكبر للمؤسسات الأوروبية.
يرى معظم الفريق الأول - الذي ينتمي إلى المدارس الفكرية «الواقعية» أو «الواقعية الجديدة» - أن الجماعة والاتحاد لم يحدثا أي تغيير جذري في العلاقات بين الدول الأعضاء التي تواصل حكوماتها البحث عن مصالحها الوطنية، والسعي إلى تعظيم قوتها داخل الاتحاد الأوروبي وغيره على حد سواء. وثمة صورة أحدث من هذا، وتسمى الحكومية الدولية الليبرالية، تعتمد على تفاعل القوى في سياستها المحلية لتفسير سلوك الحكومات في الاتحاد. وسنستخدم التعبير «حكومي دولي» - نظرا لعدم وجود كلمة أدق - فيما يلي للإشارة إلى هذا الضرب من تفسيرات كيفية عمل الجماعة والاتحاد.
ينبغي ألا يبخس المرء قدر الدور الذي تحتفظ به الحكومات في شئون الاتحاد، باعتبار وضعها كموقعة على معاهدات الاتحاد، وما تملكه من صلاحية اتخاذ القرارات في المجلس الذي يمثل الدول الأعضاء، واحتكارها القوة المسلحة «كملاذ أخير»، لكن هناك نهجا أخرى - من ضمنها النهجان المعروفان بالوظيفية الجديدة والفيدرالية - تمنح المؤسسات الأوروبية ثقلا أكبر مما يمنحها إياها النهج الحكومي الدولي.
رأى أنصار الوظيفية الجديدة الجماعة وهي تتطور، بفضل عملية «انتشار» من الجماعة الأوروبية للفحم والصلب الأصلية التي كان نطاقها مقتصرا على قطاعين صناعيين فقط. وسوف تشعر جماعات أصحاب المصالح والأحزاب السياسية التي اجتذبها نجاح الجماعة في التعامل مع مشكلات هذين القطاعين بالإحباط؛ لعجزها عن التعامل مع المشكلات ذات الصلة في ميادين أخرى، وسوف تضغط بنجاح، بقيادة المفوضية الأوروبية، من أجل توسيع اختصاص الجماعة حتى توفر في نهاية المطاف صورة من الحوكمة الأوروبية لنطاق واسع من شئون الدول الأعضاء. ويعطينا هذا تفسيرا جزئيا - على الأقل - لبعض الخطوات التي خطتها الجماعة في تطورها، بما في ذلك الانتقال من السوق الموحدة إلى العملة الموحدة.
هناك منظور فيدرالي يمضي - مع تأكيده في الوقت نفسه على أهمية المؤسسات المشتركة - إلى ما هو أبعد من الوظيفية الجديدة في اتجاهين رئيسين؛ أولا: يعزو هذا المنظور نقل الصلاحيات إلى الاتحاد الأوروبي إلى عجز الحكومات المتنامي عن التعامل بفاعلية مع مشكلات صارت عبر وطنية؛ ومن ثم تتجاوز نطاق الدول القائمة، أكثر مما يعزوه إلى نقل صلاحيات سلطة قائمة إلى سلطة جديدة. يتعلق معظم هذه المشكلات بالاقتصاد والبيئة والأمن، وينبغي أن تحتفظ الدول بالسيطرة على الأمور التي لا يزال بإمكانها التعامل معها بشكل مناسب. ثانيا: على الرغم من أن أنصار الوظيفية الجديدة لم يكونوا واضحين بشأن المبادئ التي ستشكل المؤسسات الأوروبية؛ فإن هناك منظورا فيدراليا يستند إلى مبادئ الديمقراطية الليبرالية، وبالتحديد سيادة القانون استنادا إلى الحقوق الأساسية والحكم النيابي، بحيث يتولى سن القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية نواب المواطنين المنتخبون. ووفقا لهذا الرأي، ينبغي أن تتولى مؤسسات الحكومة الصلاحيات التي تمارس بالاجتماع؛ لأن الطريقة الحكومية الدولية لا هي ذات فاعلية، ولا هي ديمقراطية بما يكفي لتلبية حاجات مواطني الدول الديمقراطية. إذن فإما أن يجري تعزيز العناصر الفيدرالية في المؤسسات حتى يصبح الاتحاد كيانا ديمقراطيا ذا فاعلية، استنادا إلى مبدأي سيادة القانون والحكم النيابي، وإلا لن ينجح الاتحاد في استقطاب دعم كاف من المواطنين لتمكينه من الازدهار، وربما مجرد البقاء. لم ينشأ الاتحاد للحلول محل الدول الأعضاء، بل لتحويلها إلى أجزاء متتامة من مشروع تعاوني؛ حيث تكتسب هويات المواطنين مستوى جديدا يتفاعل مع مستويات هوياتهم القائمة.
وسنحاول في الفصول اللاحقة بيان إلى أي مدى عكس تطور الجماعة والاتحاد هاتين الرؤيتين المختلفتين. وينبغي أن ينتبه القارئ في هذه الأثناء إلى أن المؤلفين يريان أن ضرورة وجود حكومة ذات فاعلية وديمقراطية دفعت الجماعة الأوروبية والاتحاد الأوروبي، على خطوات ومراحل، إلى قطع شوط بعيد في اتجاه الفيدرالية، وينبغي أن تستمر في ذلك، وإن كان هذا ليس مؤكدا على الإطلاق.
الفصل الثاني
كيف صنع الاتحاد الأوروبي؟
«لن تصنع أوروبا دفعة واحدة، ولا وفقا لخطة عامة واحدة، بل ستبنى من خلال إنجازات ملموسة تخلق أولا تضامنا واقعيا.» بهذه الكلمات تنبأ إعلان شومان - بدقة - بالطريقة التي تحولت بها الجماعة إلى الاتحاد الذي نراه اليوم؛ إذ تطورت المؤسسات والصلاحيات خطوة بخطوة، بناء على الثقة المكتسبة من نجاح الخطوات السابقة للتعامل مع المسائل التي بدا أن السبيل الأفضل هو التعامل معها بالعمل المشترك.
تتناول الفصول التالية مؤسسات معينة ومجالات اختصاص محددة بمزيد من التفصيل؛ إذ نرى كيف اقترنت المصالح والأحداث لإحداث التطور ككل. لقد نظرنا في الفصل السابق إلى بعض المصالح والدوافع الأولية؛ وهي: الأمن؛ ليس بالوسائل العسكرية وحسب، بل بإقامة علاقات اقتصادية وسياسية، والازدهار؛ في ظل وجود مؤسسات الأعمال والنقابات العمالية ذات المصالح الخاصة، وحماية البيئة؛ في ظل الضغط الذي تمارسه أحزاب الخضر والمنظمات التطوعية، وصيرورة تغير المناخ إلى مسألة محل اهتمام عام متزايد، والتأثير في العلاقات الخارجية؛ وذلك بهدف تعزيز المصالح المشتركة في العالم ككل.
بتأسيس الجماعة لتحقيق هذه الأغراض، دخلت مصالح أخرى على الخط؛ فمن كانوا يخشون وقوع ضرر من نواح معينة سعوا إلى التعويض من خلال تدابير إعادة التوزيع؛ فكانت السياسة الزراعية المشتركة من نصيب فرنسا لمعادلة التفوق الصناعي الألماني، والصناديق البنيوية من نصيب البلدان ذات الاقتصادات الأضعف التي تخشى الخسارة نتيجة قيام سوق موحدة، وتسويات الميزانية من نصيب البريطانيين وغيرهم من أصحاب المساهمات الصافية المرتفعة. وضغطت بعض الحكومات والبرلمانات والأحزاب والمنظمات التطوعية من أجل إصلاحات تهدف إلى زيادة فاعلية المؤسسات وديمقراطيتها. واصطدم هؤلاء بمن يعارضون أي تحركات تتجاوز اتخاذ القرارات على المستوى الحكومي الدولي، انطلاقا من عدة دوافع؛ منها: الالتزام الأيديولوجي بالدولة الأمة، والإيمان بأن الديمقراطية لا تتسنى إلا داخل هذه الدولة الأمة، وليس أبعد من ذلك، وعدم الثقة في الأجانب، والتعلق المحض بالوضع الراهن. وكان من بين هؤلاء شخصيات تاريخية: كالرئيس شارل ديجول ، ورئيسة الوزراء تاتشر، فضلا عن تشكيلة واسعة من المؤسسات والأفراد الذين يتركز أغلبهم بين البريطانيين والدنماركيين والتشيكيين والبولنديين. أما من بين المؤسسات الأوروبية فكان مجلس الوزراء هو الأقرب إلى هذا الرأي.
كان جان مونيه وجاك ديلور اثنين من أعظم أنصار الفيدرالية تأثيرا، وكانا ملتزمين بإقامة كيان أوروبي يتعامل بفاعلية مع المصالح المشتركة للدول الأعضاء ومواطنيها، وخطا كلاهما خطوات كبيرة في سبيل الهدف الفيدرالي. أما ألتيرو سبينيللي فكان يمثل نوعا مختلفا من الفيدرالية؛ إذ كان يفكر في إمكانية القيام بتحركات أكثر راديكالية نحو وضع دستور أوروبي. وكانت البرلمانات والحكومات الألمانية والإيطالية والبلجيكية والهولندية من بين أنصار الفيدرالية المؤسسية، لكن بدرجات متفاوتة، ومثلها كانت المفوضية والبرلمان الأوروبيان، وكذلك محكمة العدل بقدر إمكانية تفسير المعاهدات على ذلك النحو. كانت هذه المؤسسات - بوجه عام - تفضل نهج مونيه المتدرج، على الرغم من تبني البلجيكيين والإيطاليين والبرلمان الأوروبي الفيدرالية الدستورية. (1) الخمسينيات: المعاهدات التأسيسية
كان مونيه مسئولا عن صياغة إعلان شومان، وترأس مفاوضات إبرام معاهدة الجماعة الأوروبية للفحم والصلب، وكان أول رئيس لسلطتها العليا. وقد جسدت هاتان الكلمتان إصراره على وجود سلطة تنفيذية قوية في قلب الجماعة. وهو إصرار نابع أصلا من تجربته باعتباره نائب أمين عام عصبة الأمم بين الحربين العالميتين التي أقنعته بضعف أي نظام حكومي دولي. لكنه كان مقتنعا - فيما يخص الدول الديمقراطية الأعضاء - بضرورة تزويد هذه الجماعة بمجلس برلماني ومحكمة (وهما بذرتا سلطة تشريعية فيدرالية وسلطة قضائية) ووجود مجلس لوزراء الدول الأعضاء.
شكل : شومان (يمينا) ومونيه (يسارا).
شكل : الصفحة الأولى من النص الذي أرسله مونيه إلى شومان من أجل «إعلان شومان» الصادر في 9 مايو 1950.
ظل هذا الهيكل مستقرا، بشكل لافت للنظر، إلى يومنا هذا، وإن كانت العلاقة بين المؤسسات تغيرت؛ إذ صار المجلس - وبالأخص المجلس الأوروبي لقادة الحكومات منذ 1974 - هو الأقوى، وفقدت المفوضية الأوروبية - على الرغم من أنها ما زالت شديدة الأهمية - جزءا من سلطاتها لصالحه، وازداد البرلمان الأوروبي قوة، ووطدت محكمة العدل دعائمها بصفتها السلطة القضائية العليا في شئون اختصاص الجماعة . أما الحكومات البريطانية التي جاءت في الخمسينيات فقد رأت أن هذه المؤسسات على درجة كبيرة من الفيدرالية تجعل المشاركة البريطانية غير ممكنة، على الرغم من أنها ستقبلها فيما بعد.
لكن الدول الأعضاء الست كانت تميل إلى المضي في ذلك الاتجاه إلى ما هو أبعد، فردت الحكومة الفرنسية على الإصرار الأمريكي على إعادة تسليح ألمانيا عقب آثار السياسة التوسعية الشيوعية في كل من أوروبا وكوريا باقتراح تأسيس «جماعة دفاع أوروبية» بجيش أوروبي، فوقعت الحكومات الست على معاهدة لتأسيس جماعة دفاع أوروبية صدقت عليها أربع منها، لكن المعارضة تنامت في فرنسا فصوتت الجمعية الوطنية الفرنسية سنة 1954 برفضها، فكانت النتيجة أن ظلت فكرة إنشاء اختصاص في حقل الدفاع منطقة محظورة حتى التسعينيات.
على الرغم من أن انهيار جماعة الدفاع الأوروبية كان انتكاسة شديدة؛ فإن الثقة في الجماعة الأوروبية ذاتها كإطار للعلاقات السلمية بين الدول الأعضاء كانت قد نمت، وكان هناك حافز سياسي قوي إلى «إعادة تدشين» عملية تطويرها. كان الهولنديون جاهزين بمقترح لإقامة سوق مشتركة عامة سرعان ما بانت مساندة بلجيكا وألمانيا إياها. كان الشك ينتاب الفرنسيين، الذين كانوا ما زالوا على تأييدهم الواضح لسياسة الحمائية، لكنهم تمسكوا بمشروع الوحدة الأوروبية المتمحورة حول شراكة فرنسية ألمانية؛ ومن ثم قبلوا السوق المشتركة التي أرادها الألمان شريطة تلبية المصالح الفرنسية الأخرى؛ وهي تأسيس جماعة للطاقة الذرية كانت فرنسا مهيأة للعب الدور القيادي فيها، والسياسة الزراعية المشتركة، وارتباط الأقاليم المستعمرة بشروط مواتية، ومساواة النساء في الأجور في عموم الجماعة؛ والتي من دونها كانت الصناعة الفرنسية - الملزمة من قبل بهذه المساواة بموجب القانون الفرنسي - ستشهد تراجعا تنافسيا في بعض القطاعات. أما الإيطاليون، الذين كانوا أصحاب أضعف اقتصاد بين الدول الست، فضمنوا من جانبهم إنشاء البنك الأوروبي للاستثمار، والصندوق الاجتماعي، وحرية حركة وتنقل الأيدي العاملة. وهكذا اشتملت هذه العناصر كلها في معاهدتي روما اللتين تأسست بموجبهما «الجماعة الاقتصادية الأوروبية» و«الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية»، فيما يعد نموذجا مبكرا لصفقة شاملة تتضمن مزايا لكل دولة عضو، وهو ما كان سمة لكثير من الخطوات التي اتخذت منذ ذلك الحين.
دخلت المعاهدتان الجديدتان حيز التنفيذ في الأول من يناير 1958، وبينما همشت الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية، صارت الجماعة الاقتصادية الأوروبية الأساس لتطور الجماعة المستقبلي. كانت مؤسساتها مماثلة لمؤسسات الجماعة الأوروبية للفحم والصلب، لكن بسلطة تنفيذية أقل قوة نوعا ما، تسمى المفوضية لا السلطة العليا، وأعطيت الجماعة الاقتصادية الأوروبية مجموعة واسعة من الاختصاصات الاقتصادية؛ منها: صلاحية إقامة اتحاد جمركي مع العمل بنظام التجارة الداخلية الحرة، وتطبيق تعريفة خارجية موحدة، ووضع سياسات لقطاعات بعينها أبرزها الزراعة والتعاون بمعناه الأعم.
إطار 1: المعاهدات
لم يتحقق كل ما تحقق بين عشية وضحاها، وكانت معاهدتا روما (اللتان دخلتا حيز التنفيذ عام 1958) لبنة كبرى في عملية طويلة ومعقدة أفضت إلى إنشاء الاتحاد الأوروبي الحالي. ومن المعاهدات الأخرى المهمة معاهدة الجماعة الأوروبية للفحم والصلب (دخلت حيز التنفيذ عام 1952)، والقانون الأوروبي الموحد (1987)، ومعاهدة ماستريخت (1993)، ومعاهدة أمستردام (1999)، ومعاهدة نيس (2002)، ومعاهدة لشبونة (2009).
ثمة التباس بسيط؛ ذلك أنه كانت هناك معاهدتان باسم معاهدة روما (انظر أدناه)، لكن معاهدة «الجماعة الاقتصادية الأوروبية» كانت أهم كثيرا جدا من معاهدة «الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية» المعروفة عموما باسم «معاهدة روما».
وثمة التباس كبير؛ هو أن الاتحاد الأوروبي أنشئ بموجب معاهدة ماستريخت، مع «ركيزتين» جديدتين: إحداهما للسياسة الخارجية، والأخرى للأمن الداخلي، إلى جانب الجماعة الأوروبية التي كانت لديها بالفعل معاهداتها الخاصة بها. وقد نظمتا إلى جانب «معاهدة الجماعة الأوروبية»، وفي إطار «معاهدة الاتحاد الأوروبي». تمخضت معاهدة لشبونة في النهاية عن شيء من التبسيط لهذا الأمر، وذلك بدمج الركائز كلها في ركيزة واحدة؛ إذ يعمل الاتحاد الأوروبي الآن على أساس «معاهدة الاتحاد الأوروبي» و«المعاهدة المنظمة لعمل الاتحاد الأوروبي».
ملحوظة:
لتفادي تعقيد لا داعي له، يلتزم هذا الكتاب بمبدأين في الإشارة إلى الجماعة الأوروبية والاتحاد الأوروبي؛ وهما:
تستخدم الجماعة الأوروبية أو الجماعة فيما يتصل بالأمور التي تتعلق كلية بالوقت السابق على تأسيس الاتحاد الأوروبي، أو في الفترة بين معاهدتي ماستريخت ولشبونة، عندما تكون الخصائص المنفردة للجماعة الأوروبية وثيقة الصلة بالموضوع .
الاتحاد الأوروبي، أو الاتحاد، في الحالات الأخرى كافة.
كان فالتر هالشتاين أول رئيس للمفوضية، فقادها منطلقا بها انطلاقة قوية، مع تسريع الجدول الزمني لإقامة الاتحاد الجمركي. وتمتعت الجماعة في هذا الإطار بنجاح اقتصادي ملحوظ في الستينيات؛ حيث بلغ متوسط النمو نحو 5 في المائة سنويا، وهو معدل أسرع مرتين منه في بريطانيا والولايات المتحدة، لكن الصراع بين الجماعة الفيدرالية الناشئة - على النحو الذي تصوره مونيه أو هالشتاين - والتزام ديجول المتعصب تجاه الدولة الأمة؛ جعل ذلك العقد بالنسبة للجماعة محفوفا بالمخاطر السياسية. (2) الستينيات: ديجول ضد أنصار الفيدرالية
في يونيو 1958، وبعد أقل من 6 أشهر على دخول معاهدتي روما حيز التنفيذ، تولى ديجول سدة الحكم في فرنسا، ولم يكن تعجبه عناصر الجماعة وطموحاتها الفيدرالية، لكنه لم يكن أيضا مستعدا لتحدي معاهدات وافقت عليها فرنسا حديثا تحديا مباشرا، فسعى بدلا من ذلك إلى استخدام الجماعة كوسيلة للارتقاء بقوة فرنسا وقيادتها. ومن أمثلة ذلك: تهميش الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية لأجل الإبقاء على القطاع الذري الفرنسي قطاعا وطنيا. وثمة مثال آخر: وهو ممارسته حق النقض (الفيتو) الذي أنهى في 1963 المفاوضات الأولى لتوسيع الجماعة لتشمل بريطانيا والدنمارك وأيرلندا والنرويج. وعلى الرغم من أن تصور الحكومة البريطانية للجماعة كان أقرب إلى تصور ديجول منه إلى تصور حكومات الدول الأعضاء الأخرى الأكثر ميلا إلى الفيدرالية، وأن دفاع بريطانيا عن مصالحها الزراعية ومصالح الكومنولث أزعج هذه الدول بتصعيب المفاوضات وتطويلها؛ فإن هذه الدول استاءت من أسلوب الفيتو أحادي الجانب والقومي المتعصب استياء شديدا على نحو أثار أول أزمة سياسية داخل الجماعة، ثم تلت هذه الأزمة أزمة أكبر عام 1965 على خلفية الترتيبات للسياسة الزراعية المشتركة.
كانت السياسة الزراعية المشتركة منذ البداية مصلحة فرنسية أساسية، وكان ديجول عاقدا العزم على العمل على إرسائها دون تأخير لا مبرر له. كان مقررا أن تستند هذه السياسة إلى سياسات لدعم الأسعار تتطلب إنفاقا عاما كبيرا، وقد اتفقت كل من فرنسا والمفوضية على ضرورة أن يكون مصدر هذا الإنفاق ميزانية الجماعة لا الدول الأعضاء، لكن المفوضية، بتوجهها الفيدرالي ، والبرلمان الهولندي، بالتزامه العميق بالمبادئ الديمقراطية، أصرا على ضرورة خضوع إنفاق الميزانية للرقابة البرلمانية، وبما أنه لا يمكن مراقبة ميزانية أوروبية من جانب ستة برلمانات منفصلة، فسيكون لزاما أن يتولى البرلمان الأوروبي هذه المهمة. كان هذا مناسبا تماما للحكومات الأخرى، لكنه كان شيئا بغيضا بالنسبة لديجول، الذي فجر أزمة «الكرسي الشاغر» بمنعه وزراءه من حضور اجتماعات المجلس طوال النصف الثاني من عام 1965 على نحو أثار مخاوف بين الدول الأخرى من احتمال كونه يعد لهدم الجماعة.
لم يكن أي من الجانبين مستعدا للاستسلام، فانتهى هذا الفصل في يناير 1966 بما يسمى «تسوية لوكسمبورج». شددت الحكومة الفرنسية على حق الفيتو خاصتها عندما تكون المصالح «بالغة الأهمية لواحدة أو أكثر من الدول الأعضاء» على المحك، وأكدت الخمس الأخريات التزامها بما نصت عليه المعاهدة من تصويت بأغلبية مشروطة على مسائل معينة، والذي كان مقررا دخوله حيز التنفيذ في ذلك الشهر ذاته فيما يتعلق بالتصويت على مجموعة واسعة من الموضوعات. وفي واقع الأمر تغلبت وجهة نظر ديجول على مدى العقدين التاليين؛ ومن ثم يبدو «فيتو» لوكسمبورج وصفا أدق من «تسوية» لوكسمبورج، لكن في منتصف الثمانينيات بدأ التصويت بالأغلبية يمارس في سياق برنامج السوق الموحدة، وصار الآن الإجراء الموحد الساري على معظم القرارات التشريعية.
على الرغم من هذه الصراعات بين التصورين الحكومي الدولي والفيدرالي، أنجز الاتحاد الجمركي بحلول يونيو 1968؛ أي قبل الموعد الذي حددته المعاهدة، وكان أثره قد أصبح ملموسا بالفعل، ليس داخليا فحسب، بل أيضا في علاقات الجماعة الخارجية. فباستخدام أداة التعريفة الخارجية الموحدة، بدأت الجماعة تتحول إلى قوة تضارع الولايات المتحدة في مجال التجارة، فرد الرئيس كينيدي على ذلك باقتراح مفاوضات متعددة الأطراف لإجراء تخفيضات كبيرة في التعريفات الجمركية، فاستجابت الجماعة إيجابيا بقيادة بارعة من المفوضية، فكانت المحصلة تخفيضات بمقدار الثلث في المتوسط، مما استهل عهدا ستكون فيه المفوضية القوة الرئيسة المؤيدة لتحرير التجارة الدولية.
إلى جانب التقلبات التي شهدتها شئون الجماعة السياسية، أحرزت محكمة العدل تقدما مطردا في ترسيخ سيادة القانون؛ فاستنادا إلى التزامها التعاهدي بضمان «مراعاة القانون»، أرست المحكمة في أحكامها التي أصدرتها في 1963 و1964 مبدأي أسبقية قانون الجماعة ونفاذه المباشر؛ بحيث يطبق بصورة متسقة في الدول الأعضاء كافة. وعلى الرغم من افتقار الجماعة إلى وسائل الإنفاذ التي تملكها الدول؛ فإن احترام القانون، استنادا إلى المعاهدات والتشريعات التي سنتها مؤسسات الجماعة، كان هو العروة الوثقى التي أبقت على تلاحمها. (3) توسع وشيء من التعمق: انضمام بريطانيا والدنمارك وأيرلندا
باستقالة ديجول عام 1969، صارت السياسة الفرنسية أكثر براجماتية. كانت بريطانيا والدنمارك وأيرلندا والنرويج ما زالت تسعى إلى الانضمام، وقد وافق الرئيس الفرنسي الجديد جورج بومبيدو على ذلك شريطة الموافقة على تمويل السياسة الزراعية المشتركة، إضافة إلى عناصر «التعمق» كالاتحاد النقدي وتنسيق السياسة الخارجية. كانت هذه العناصر، إضافة إلى خدمة مصالح فرنسا الزراعية، تهدف إلى المزيد من توثيق عرى ارتباط ألمانيا بالجماعة، إلى جانب اتقاء خطر أن يؤدي توسيع الجماعة إلى إضعافها. تلاءم هذا تماما مع الاستشراف الاستراتيجي للمستشار الألماني فيلي برانت، الذي كان آخذا في الانفتاح على الكتلة السوفييتية من خلال «سياسة الانفتاح على الشرق» وفي الوقت نفسه توثيق عرى ارتباط ألمانيا بالغرب، من خلال خططه للتوسع وإقامة اتحاد نقدي.
لكن سيكون على الاتحاد الاقتصادي والنقدي الانتظار؛ إذ كان الفرنسيون يرون الرغبة الألمانية في تنسيق قوي للسياسة الاقتصادية أبعد مما ينبغي بخطوة، فكانت النتيجة وضع نظام للتعاون في مجال أسعار الصرف لم يقو على تجاوز الاضطراب الدولي في العملات الذي شهدته تلك الفترة. وبالمثل، كان النظام الذي استحدث للتعاون في السياسة الخارجية ذا طابع حكومي دولي بالكامل؛ مما حد من أثره. وعلى الرغم من أن فرنسا تمكنت من تحقيق تنظيم مالي مؤات جدا للسياسة الزراعية المشتركة، جاء هذا في مقابل إعطاء البرلمان الأوروبي صلاحية تقاسم المراقبة على الميزانية مع المجلس، وهو القرار الذي تعزز في معاهدتين عامي 1970 و1975. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة لم تكن إلا خطوة أولية نحو منح البرلمان صلاحيات مختصة بالميزانية، فقد قدر لها أن تنمو وتتحول إلى عنصر أساسي في هيكل الاتحاد المؤسسي .
انضمت بريطانيا هي والدنمارك وأيرلندا إلى الجماعة في يناير 1973، لكن النرويجيين رفضوا الانضمام في استفتاء شعبي، وكان مقررا أن يصوت البريطانيون أيضا في استفتاء سيجرى عام 1975. كان هارولد ويلسون قد خلف إدوارد هيث على رئاسة الوزراء عام 1974، في أعقاب فوز حزب العمال في الانتخابات، وكان الحزب يزداد معارضة للجماعة يوما بعد يوم (وهو الموقف الذي استمر في الثمانينيات). وبعد «إعادة تفاوض» سطحية، أوصت حكومة ويلسون باستمرار العضوية، وفي 1975 وافق عليها الناخبون بأغلبية اثنين إلى واحد. ومع وصول المحافظين بزعامة مارجريت تاتشر إلى السلطة عام 1979، انفتحت جبهة توتر جديدة، حيث حاربت تاتشر من أجل «استرداد أموالنا» - كما جاء على لسانها - بعرقلة الكثير من أعمال الجماعة حتى ضمنت التوصل إلى اتفاق عام 1984 لتخفيض صافي مساهمة بريطانيا الكبيرة في ميزانية الجماعة.
وعلى نحو تكرر كثيرا في تاريخ الاتحاد الأوروبي، شهدت السبعينيات تطورا متزامنا لأنشطة حكومية دولية، وأنشطة تتجاوز حدود الولاية الوطنية؛ إذ دشن الرئيس الفرنسي، فاليري جيسكار ديستان، الذي لم يكن من أنصار المذهب الديجولي، الاجتماعات الدورية للمجلس الأوروبي بين الزعماء الوطنيين، إضافة إلى الانتخابات المباشرة للبرلمان الأوروبي. وسرعان ما سيلعب المجلس الأوروبي دورا محوريا في اتخاذ قرارات الجماعة، ويحل الخلافات التي تعذر على الوزراء في المجلس حلها، ويتفق على الصفقات الشاملة الكبرى. كانت المعاهدات التي أبرمت في الخمسينيات قد نصت بالفعل على الانتخابات المباشرة، لكن الحكومات لم توافق إلا آنئذ، فأجريت الانتخابات الأولى في يونيو 1979، وقدر أن يكون لهذه الخطوة نحو الديمقراطية النيابية أثر كبير على تطور الجماعة المستقبلي. الأمر الذي يتساوى مع هذا في أهميته أن عام 1979 شهد استحداث نظام لتحقيق استقرار أسعار الصرف (النظام النقدي الأوروبي) الذي كتب له أن يصبغ المناقشات اللاحقة بشأن الاتحاد النقدي.
شكل : انضمام بريطانيا: هيث يوقع معاهدة الانضمام. (4) السوق الموحدة ومشروع معاهدة الاتحاد الأوروبي والتوسع جنوبا
تولى جاك ديلور رئاسة المفوضية في يناير 1985، وكان قد زار كل دولة من الدول الأعضاء للتعرف على ماهية المشروع الكبير الأقرب إلى القبول من الجميع. وبوصفه واحدا من أنصار الفيدرالية على طريقة مونيه، اشتملت قائمته القصيرة على مشروعات - سوق موحدة، عملة موحدة، سياسة دفاعية مشتركة، إصلاح مؤسسي - يمكن اعتبارها بمثابة خطوات في اتجاه الفيدرالية، لكن تاتشر - التي كانت رؤيتها للفيدرالية تشبه رؤية ديجول؛ ومن ثم كانت معارضة لمشروعات العملة الموحدة، والدفاع والإصلاح المؤسسي - كانت في الوقت نفسه ليبرالية اقتصادية شرسة ترى السوق الموحدة تدبيرا مهما من تدابير تحرير التجارة. كانت الاقتصادات الأوروبية قد فقدت الزخم خلال الأوقات العصيبة التي شهدها عقد السبعينيات، فقبلت الحكومات كافة مشروع السوق الموحدة كسبيل للفكاك مما سمي آنذاك «التصلب الأوروبي». كان المشروع مدعوما بقوة من قبل الشركات الأكثر ديناميكية ومؤسسات الأعمال الكبرى، وبالأخص لأن «تسوية» لوكسمبورج كانت قد سمحت بتراكم الحواجز غير الجمركية أمام التجارة خلال تلك الفترة.
شكل : ديلور: سياسي أوروبي موطد العزم مؤمن بالسوق الموحدة والعملة الموحدة.
كان النجاح في إلغاء التعريفات الجمركية على التجارة الداخلية قد برهن على قيمة وضع برنامج بجدول زمني؛ لذا أصدرت المفوضية قائمة تضم نحو 300 تدبير ليجري تطبيقها بنهاية 1992 من أجل إتمام السوق الموحدة بإزالة الحواجز غير الجمركية. أوكل المشروع إلى المفوض اللورد كوكفيلد - وزير سابق في حكومة تاتشر - وصيغ البرنامج سريعا في الوقت المناسب لعرضه على المجلس الأوروبي في ميلانو في يونيو 1985.
في هذه الأثناء، كان البرلمان الأوروبي قد أعد مشروعا سياسيا هو مشروع معاهدة الاتحاد الأوروبي، الذي أوعز به ألتيرو سبينيللي، تلك الشخصية القيادية، منذ الخمسينيات بين أنصار الفيدرالية الذين كانوا يرون أن صياغة دستور هي السبيل المباشر إلى اتحاد فيدرالي. صيغ مشروع المعاهدة لإصلاح مؤسسات الجماعة بغرض إضفاء صبغة فيدرالية عليها، وتوسيع صلاحياتها لاشتمال معظم الصلاحيات التي هي من سمة أي اتحاد فيدرالي باستثناء رئيس هو الدفاع، ودخولها حيز التنفيذ عند التصديق عليها من قبل أغلبية من الدول الأعضاء مع ترتيبات مناسبة يتم التفاوض بشأنها مع أي دول لم تصدق عليها. وعلى الرغم مما حظي به المشروع من مساندة واسعة في معظم الدول المؤسسة، كانت الحكومة الألمانية من بين الحكومات غير المستعدة للموافقة على احتمال استبعاد بريطانيا، غير أن الرئيس ميتران أعرب عن مساندته المشروع، وإن كان بعبارات ملتبسة. وقدمت مقترحات المشروع الرئيسة إلى المجلس الأوروبي في ميلانو، إضافة إلى مشروع السوق الموحدة المقدم من المفوضية.
قرر البرلمان الأوروبي عقد «مؤتمر حكومي دولي» لتعديل المعاهدة، متجاهلا بذلك المعارضة البريطانية والدنماركية واليونانية باستخدامه التصويت بالأغلبية لأول مرة على الإطلاق. نظر «المؤتمر الحكومي الدولي» التعديلات ذات الصلة ليس ببرنامج السوق الموحدة فحسب، بل أيضا بعدد من المقترحات الواردة في مشروع المعاهدة الذي أعده البرلمان، فكانت المحصلة هي «القانون الأوروبي الموحد» الذي نص على إنجاز السوق الموحدة بحلول 1992، وأعطى الجماعة صلاحيات في مجالات البيئة، والبحث التكنولوجي والتطوير، والسياسات الاجتماعية ذات الصلة بالتوظيف و«التماسك»، وضم التعاون في ميدان السياسة الخارجية إلى بنيان المعاهدة (وإن كان ذلك مع الاحتفاظ بإجراءات حكومية دولية واضحة). ومن هنا جاءت تسميته بالقانون الأوروبي الموحد تمييزا له عن مقترح للإبقاء على السياسة الخارجية منفصلة. نص القانون الموحد أيضا على التصويت بالأغلبية المشروطة في عدد من مجالات تشريعات السوق الموحدة، وعزز البرلمان الأوروبي من خلال «إجراء تعاوني» أعطاه نفوذا على مثل هذه التشريعات، إضافة إلى إجراء يشترط موافقته على معاهدات الانتساب والانضمام.
شكل : سبينيللي يصوت لصالح مشروع معاهدة الاتحاد الأوروبي الذي اقترحه.
توسعت رقعة الجماعة عام 1981 لتشمل اليونان، وعام 1986 لتشمل البرتغال وإسبانيا، وثلاثتها كانت من قبل تحت نظم سلطوية، ورأت في الجماعة سندا لديمقراطياتها ولتحديثها اقتصاديا على السواء. أما الجماعة فقد أرادت من جانبها أن تكون هذه الدول دولا أعضاء قابلة للبقاء، وأن تكون داعمة لمشروعاتها كالسوق الموحدة. وتحقيقا لهذه الغاية، تحديدا، اشتمل القانون الموحد على سياسة التماسك استنادا إلى مضاعفة الصناديق البنيوية للمساعدة على تطوير المناطق الضعيفة اقتصاديا.
هكذا عزز القانون الموحد صلاحيات الجماعة ومؤسساتها على حد سواء، في ظل تأثير مصدره توليفة من الحكومات والمصالح الاقتصادية، والشواغل الاجتماعية، والمفوضية، والبرلمان، ومجموعة متنوعة من القوى الفيدرالية. وتلت هذا معاهدات ماستريخت وأمستردام ونيس ولشبونة؛ مما أسفر بالمثل عن المزيد من تعزيز الصلاحيات والمؤسسات، والاستجابة لتوليفات مماثلة من الضغوط. وما كان هذا ليحدث لو لم ينجح القانون الموحد، لكن التوقعات بقيام السوق الموحدة ساعدت على إنعاش الاقتصاد، وازدادت مؤسسات الجماعة قوة وهي تتعامل مع برنامج التشريعات الهائل.
مات سبينيللي بعد التوقيع على القانون الموحد ببضعة أسابيع، وكان لديه انطباع بأنه فاشل، أو كما قال: «فأر ميت.» والحقيقة أن القانون بشر بعملية إعادة تدشين للجماعة ربما كانت بعيدة المدى في آثارها كالعملية التي أدت إلى معاهدتي روما. (5) معاهدتا ماستريخت وأمستردام والتوسع من 12 إلى 15 عضوا
عقد ديلور، عقب نجاحه في السوق الموحدة، عزمه على متابعة مشروع العملة الموحدة. لم تكن تاتشر هي الوحيدة التي عارضتها؛ إذ إن معظم الألمان، الذين كانوا يفخرون بالمارك الألماني بوصفه أقوى عملات الجماعة، كانوا قطعا غير متحمسين لها، لكن العملة ظلت هدفا فرنسيا رئيسا لأسباب اقتصادية وسياسية على السواء، وكان هلموت كول - وهو فيدرالي عتيد - مؤمنا بأنها ستكون خطوة بالغة الأهمية على الطريق إلى إقامة أوروبا فيدرالية. وعلى الرغم من تيسيره إعداد الخطط للعملة الموحدة؛ فإنه واجه صعوبة في الحصول على المساندة اللازمة في ألمانيا.
خريطة (1): نمو الاتحاد الأوروبي، 1957-2013.
كانت الأحداث التي شهدتها سنة 1989 انقلابا مزلزلا؛ فمع تفكك الكتلة السوفييتية - الذي فتح آفاق توسيع الجماعة شرقا - بات أيضا توحيد ألمانيا ممكنا، لكن كول كان بحاجة إلى مساندة ميتران - وذلك لأسباب رسمية - إذ إن فرنسا - باعتبارها قوة احتلال - كان يحق لها استخدام حق الفيتو ضد توحيد ألمانيا، وأيضا لضمان ألا تقوض العلاقات الشرقية الجديدة الجماعة الأوروبية والشراكة الفرنسية الألمانية، وذلك سيرا على خطى السياسة التي أرساها برانت. رأى ميتران أن العملة الموحدة هي السبيل إلى ربط ألمانيا بنظام الجماعة رباطا لا ينفصم؛ ومن ثم اعتبرها شرطا لتوحيد ألمانيا. وقد ضمن هذا لكول ما يلزمه من مساندة في ألمانيا للمضي قدما في المشروع.
كانت النتيجة معاهدة ماستريخت التي لم تنص على اليورو والبنك المركزي الأوروبي فحسب، بل نصت أيضا على إصلاحات مؤسسية واختصاصات أخرى. فأعطيت الجماعة بعض الصلاحيات في مجالات التعليم والشباب والثقافة والصحة العامة، وتعززت مؤسساتها من نواح عدة، بما فيها اتساع مجال التصويت بالأغلبية المشروطة في المجلس. وتعزز دور البرلمان الأوروبي من خلال إجراء «القرار المشترك» الذي اقتضى موافقته - إلى جانب موافقة المجلس - على القوانين في عدد من المجالات؛ وكفل له حق الموافقة أو عدم الموافقة على تعيين كل مفوضية جديدة. وأقيمت «ركيزتان» جديدتان بجانب الجماعة؛ إحداهما: «السياسة الخارجية والأمنية المشتركة»، والأخرى - التي تتعلق بحرية الحركة والتنقل والأمن الداخلي - سميت «التعاون في العدالة والشئون الداخلية»، ثم أعيدت تسميتها في معاهدة أمستردام «التعاون الشرطي والقضائي في المسائل الجنائية». كان أساس الاثنتين حكوميا دوليا، وإن كانتا متعلقتين بمؤسسات الجماعة. وقد سمي هذا الهيكل الثقيل بأكمله «الاتحاد الأوروبي» متضمنا ركيزة الجماعة الأولى المحورية بجانب الركيزتين الأخريين.
على الرغم من أن جون ميجور كان قد خلف السيدة تاتشر في رئاسة الوزراء، معلنا نيته الانتقال إلى «قلب أوروبا»؛ فإنه أصر على عدم مشاركة بريطانيا في العملة الموحدة، ولا في «فصل اجتماعي» بشأن المسائل التي تتعلق بالتوظيف. ولضمان الموافقة على المعاهدة ككل، قبل منح بريطانيا حق الانسحاب في كليهما، وكذلك الدنمارك طالما كانت المسألة معنية بالعملة الموحدة.
وقعت معاهدة ماستريخت في فبراير 1992، ودخلت حيز التنفيذ في نوفمبر 1993 بعد عدد من التقلبات؛ ففي الدنمارك أجري استفتاءان شعبيان رفضت المعاهدة في أولهما، وووفق عليها في الثاني بعد إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليها، وفي فرنسا أجري استفتاء شعبي وافق خلاله الناخبون عليها بأغلبية ضئيلة، وفي لندن شهد مجلس العموم عملية تصديق مشحونة، وفي ألمانيا أجرت المحكمة الدستورية مداولات مطولة قبل أن تصدر حكمها برفض دعوى بعدم دستورية المعاهدة. بدت هذه الأحداث، بجانب الشواهد على تراجع قبول الاتحاد بين المواطنين في الدول الأعضاء، مثار قلق، وبالأخص بالنسبة لأصحاب التوجه الفيدرالي.
لكن الشخصيات الأكثر فيدرالية في الحكومات رأت أن معاهدة ماستريخت لم تقطع شوطا كافيا؛ إذ كانوا يريدون إضفاء مزيد من الفاعلية والديمقراطية على الاتحاد في ظل الصلاحيات النقدية الجديدة الحاسمة، والتوقعات بمزيد من التوسع. وبحلول الوقت الذي دخلت فيه المعاهدة حيز التنفيذ ، كانت مفاوضات الانضمام مع النمسا وفنلندا والسويد قد بدأت بالفعل، وتقدمت قبرص ومالطة والنرويج وسويسرا بطلباتها للانضمام، وتفاوضت النرويج بشأن معاهدة انضمام، لكنها رفضت من جديد في استفتاء شعبي، وسحبت الحكومة السويسرية طلبها بعد هزيمتها في استفتاء شعبي على المنطقة الاقتصادية الأوروبية، التي تمثل صورة أقل إلزاما بكثير. كان مقررا للمفاوضات مع قبرص ومالطة أن تبدأ في 1998 و2001 بالتزامن مع بدء المفاوضات مع عشر دول من أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية، وذلك في أعقاب قرار المجلس الأوروبي بإمكانية انضمام الأخيرة عند استيفائها الشروط الاقتصادية والسياسية، لكن النمسا وفنلندا والسويد انضمت في يناير 1995؛ لذا تلا معاهدة ماستريخت عام 1996 مؤتمر حكومي دولي آخر تمخض عن معاهدة أمستردام التي وقعت عام 1997، ودخلت حيز التنفيذ عام 1999.
أعادت معاهدة أمستردام النظر في عدد من اختصاصات الاتحاد؛ من بينها الاختصاصات المتعلقة بالركيزتين الحكوميتين الدوليتين، وأضيف فصل جديد حول التوظيف إلى معاهدة الجماعة على نحو يعكس الشاغل بشأن البطالة التي استمرت خلال التسعينيات عند مستوى حوالي 10 في المائة، بجانب المخاوف من احتمال تفاقمها إذا كان البنك المركزي الأوروبي سيتبع سياسة تضييق نقدي.
من بين المؤسسات كلها، حقق البرلمان الأوروبي أكبر مكسب من خلال بسط نطاق إجراء القرار المشترك ليشمل أغلبية القرارات التشريعية، وحق الموافقة على تعيين المفوضية ككل، بل وقبل ذلك الموافقة على تعيين رئيسها. وبما أن الرئيس كان يعطى - ما إن يعين - الحق في قبول المرشحين لعضوية المفوضية الآخرين أو رفضهم، تعززت بذلك سلطة البرلمان على المفوضية كثيرا. وقد أثبت دور البرلمان في العملية التي أفضت إلى استقالة المفوضية في مارس 1999 وتعيين مفوضية جديدة؛ أهمية الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية. كما أعطت المعاهدة رئيس المفوضية سلطة أكبر على المفوضين الآخرين.
في الوقت نفسه الذي أضيفت فيه هذه العناصر الفيدرالية إلى المؤسسات، عكست معاهدة أمستردام المخاوف من عدم تمكن الاتحاد من التصدي للتحديات التي يواجهها إذا كان إجراء الموافقة بإجماع الآراء سيحول دون التطورات الجديدة؛ مما أفضى إلى إجراء «التعاون المعزز» الذي يسمح لمجموعة من الدول الأعضاء بالمضي قدما في أي مشروع لا ترغب أقلية في المشاركة فيه، وإن كان هذا الإجراء لم يستخدم بعد حتى كتابة هذه السطور. قبل انعقاد اجتماع المجلس الأوروبي الذي توصل إلى اتفاق على المعاهدة في أمستردام بستة أسابيع، تولى توني بلير رئاسة الوزراء في أعقاب فوز حزب العمال في الانتخابات، فوافقت الحكومة البريطانية الجديدة على الفصل الاجتماعي، وفي تحرك يعرب عن موقف أكثر إيجابية تجاه الاتحاد، قبلت - بلا تردد - الإصلاحات التي تضمنت زيادة صلاحيات البرلمان. غير أن بريطانيا - بجانب الدنمارك وأيرلندا - اختارت عدم المشاركة في النص على إلغاء إجراءات مراقبة الحدود، بجانب تحويل التعاون ذي الصلة في مجالي العدل والشئون الداخلية تحويلا جزئيا إلى ركيزة الجماعة، على الرغم من أنه سيأتي وقت فيما بعد تتعاون فيه الحكومة البريطانية تعاونا فاعلا في هذا المجال. وفيما يتعلق بالأمن الخارجي، استحث الأداء الأوروبي الضعيف في يوغوسلافيا السابقة مطالبات بإنشاء قدرة دفاعية أقوى، وقبلت بريطانيا نصا لهذا الغرض في معاهدة أمستردام، ثم انضمت إلى فرنسا في استهلال إجراءات في هذا الشأن. (6) التوسع إلى 28 عضوا، والدسترة، ولشبونة
حصلت عشر دول من أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية، عقب تحررها من الهيمنة السوفييتية، على الانتساب إلى الاتحاد، ثم سعت إلى الانضمام إليه، فواجهت مهمة جسيمة تتمثل في تحويل اقتصاداتها وأنظمتها السياسية من السيطرة الشيوعية المركزية إلى اقتصادات السوق والديمقراطيات التعددية التي تقتضيها العضوية. لكن بحلول عام 1997 ارتأى الاتحاد أن خمسا منها أحرزت تقدما كافيا لتسويغ الشروع معها في مفاوضات الانضمام في العام المقبل، واستهلت المفاوضات مع خمس أخرى في يناير 2000. وبحلول عام 2004، انضمت الجمهورية التشيكية وإستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا، إضافة إلى قبرص ومالطة؛ ثم انضمت بلغاريا ورومانيا عام 2007؛ كما اعترف أيضا بترشح تركيا، لكن المشكلات الاقتصادية والسياسية حالت دون الشروع في المفاوضات حتى 2005، ويبدو أنه مقدر لها أن تظل هكذا لسنوات عديدة، ولا سيما في ضوء معارضة العديد من الدول الأعضاء.
مع وجود مثل هذا التوسع الهائل في الأفق، أثيرت مجددا مسألة التعمق. كان من الضروري إصلاح بعض السياسات، وبالأخص السياسات المعنية بالزراعة والصناديق البنيوية، فجرت الموافقة على مقترحات المفوضية في هذا الشأن، والتي عنونت ب «جدول أعمال عام 2000»، موافقة جزئية، على الرغم من أنه ستكون هناك حاجة إلى المزيد من التدابير. وفيما يتعلق بإصلاح المؤسسات، عقد مؤتمر حكومي دولي آخر عام 2000 أفضى إلى معاهدة نيس، التي وقعت عام 2001، ودخلت حيز التنفيذ عام 2002.
كانت النتيجة استجابة غير كافية لاحتمال تضاعف عدد الدول الأعضاء تقريبا، حيث أدخل المؤتمر زيادات متواضعة على نطاق التصويت بالأغلبية المشروطة في المجلس، ونطاق القرار التشريعي المشترك مع البرلمان، وبعض التحسينات الإجرائية بالنسبة لمحكمة العدل. وقد واجه المجلس النمو في عدد المفوضين الذي رافق التوسع بمزيد من تعزيز سلطة الرئيس على المفوضين الآخرين، واتخاذ بعض الخطوات للحد من عددهم. كما شهد الإعلان الرسمي عن «ميثاق الحقوق الأساسية»؛ وذلك كوسيلة لتقوية أحكام الاتحاد المقررة في هذا المضمار، لكن ترجيح الأصوات في المجلس وعدد أعضاء البرلمان الأوروبي لكل دولة صارا موضوعا لمساومات تجردت من المبادئ وتمخضت عن محصلة لا تفهمها الأغلبية العظمى من المواطنين. وجدت الحكومتان الألمانية والإيطالية المعاهدة غير مرضية إلى درجة أنهما اقترحتا «نقاشا أعمق وأوسع حول مستقبل الاتحاد»، فقرر المجلس الأوروبي في ديسمبر 2001، تحت الرئاسة البلجيكية، عقد اجتماع اتفاقية لتقديم المزيد من المقترحات إلى مؤتمر حكومي دولي عام 2004.
صيغ «إعلان لايكن» - الذي سمي تيمنا بالضاحية التي اجتمع فيها المجلس الأوروبي في بروكسل - بمهارة لضمان الموافقة بالإجماع باشتماله - فيما كان أشبه بمرجعيات لاجتماع الاتفاقية - بنودا استهدفت الأعضاء الأكثر ميلا إلى الحكومية الدولية، والأعضاء الأكثر ميلا إلى الفيدرالية؛ وبذا انعقد اجتماع الاتفاقية في فبراير 2002 ومنح اختصاصا واسعا جدا، وغطى أعضاؤه المائة والخمسة طيفا واسعا من التوجهات السياسية؛ حيث ضم عضوي برلمان من كل دولة من الدول الأعضاء والدول المرشحة البالغ عددها آنذاك 27 دولة، إضافة إلى تركيا كدولة مرشحة قريبا، و16 عضوا بالبرلمان الأوروبي، وممثلا عن كل حكومة، وعضوين من المفوضية الأوروبية، ورئيسا، ونائبي رئيس.
اختط رئيس اجتماع الاتفاقية، وهو الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان، مسارا حاذقا بين الفيدرالية والحكومية الدولية. كان أغلبية أعضاء الاجتماع، ومن ضمنهم برلمانيون من الدول الأعضاء، يفضلون توجها ذا طابع فيدرالي أكثر منه ذا طابع حكومي دولي، وقد أرضاهم جيسكار بمحاباة عناصر الإصلاح الفيدرالي داخل ركيزة الجماعة.
لكن معاهدة الاتحاد الأوروبي المعدلة التي صاغها اجتماع الاتفاقية ما كانت لتلقى قبولا بالإجماع من قبل المؤتمر الحكومي الدولي التالي لو أقحمت العناصر الفيدرالية نفسها أكثر مما ينبغي في مجالي السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، وسياسة الاقتصاد الكلي، ولا كان بعض ممثلي رؤساء الحكومات في اجتماع الاتفاقية سيقبلون توافق الآراء الذي سعى إليه جيسكار كمحصلة لعمل الاجتماع. ومن الجائز تماما أن جيسكار نفسه أيد هذه الرؤية؛ لذا وجه دفة اجتماع الاتفاقية نحو المقترحات التي يطغى عليها الطابع الحكومي الدولي في ذلكما الميدانين. وفي يوليو 2003، أعلن عن توافق في الآراء على مشروع دستور. كان الضغط الرئيس لهذا المشروع يصب في اتجاه خلق مؤسسات أكثر فاعلية وديمقراطية، مع ترتيبه في الوقت نفسه كثيرا من بنود المعاهدات القائمة بشأن السياسات المشتركة، وقد وفر أساسا للمزيد من التطوير لدفاع مشترك. عقد المؤتمر الحكومي الدولي في أكتوبر 2003، فوافق على بعض التعديلات في اتجاه حكومي دولي، واختتم بعد ذلك بعام عندما وقعت كل الدول الأعضاء والمنضمة المعاهدة المؤسسة لدستور لأوروبا، التي صدقت عليها ثماني عشرة منها، لكنها رفضت بأغلبيات كبيرة في استفتاءين شعبيين في فرنسا وهولندا عام 2005.
يمكن أن نعد من أمارات مرونة عملية التكامل أنه على الرغم من عدم رغبة جمهوري عضوين مؤسسين في الموافقة على أساس دستوري أكثر صراحة للاتحاد، كانت لا تزال هناك رغبة في المثابرة من جانب الحكومات الوطنية، وإن كان ذلك بعد «فترة من التفكر». ولا شك أن استمرار عدم التكافؤ بين الانخراط النخبوي والشعبي مع الاتحاد الأوروبي منذ ماستريخت تفاقم نتيجة عدم استعداد النخب لإثارة نقاش حول ما يرفض غالبا باعتباره أمرا مستبعدا أو معقدا. ولا ريب أن إحياء الأغلبية الكبيرة من محتويات المعاهدة الدستورية بمؤتمر حكومي دولي مقتضب عام 2007، وتصديق كاد يتفادى تماما استفتاءات التصديق الشعبية لم يفعل إلا قليلا لتحبيب الاتحاد إلى الجمهور. وهو ما أكده «تصويت بالرفض» في أيرلندا (البلد الوحيد الذي أجرى مثل هذا الاستفتاء) والتحديات القانونية في ألمانيا والجمهورية التشيكية. وكلها كان معناها أن الوثيقة النهائية - معاهدة لشبونة - لم تدخل حيز التنفيذ إلا في ديسمبر 2009.
على الرغم من كون معاهدة لشبونة النتيجة النهائية لهذا الاستعراض الجوهري للأساس القانوني للاتحاد، ولنقاش دام نحو عقد من الزمان، فإنها تبدو أشبه كثيرا بسابقاتها؛ إذ تحتفظ بالمزيج الأساسي من العناصر الحكومية الدولية والعناصر الفيدرالية، وتبقي على الدول الأعضاء في وضع مميز من حيث اتخاذ القرارات، وتبقي كثيرا من الاختصاصات حيثما كانت من قبل، غير أنها تؤذن بمرحلة جديدة في تطور الاتحاد.
الأهم من ذلك أن لشبونة أنهت نظام الركائز، حيث ضمت كل ما تبقى من الركيزتين الثانية والثالثة إلى الأولى، التي كانت تحكمها المعاهدة التي أعيدت تسميتها «المعاهدة المنظمة لعمل الاتحاد الأوروبي». ظلت معاهدة الاتحاد الأوروبي توفر إطارا أوسع، وشخصية قانونية للاتحاد، فضلا عن توفيرها مجالا كي يكتسب «ميثاق الحقوق الأساسية» مكانة قانونية بأن يشكل أساسا لأنشطة الاتحاد. جرى تبسيط التصويت في المجلس، في حين وسع البرلمان صلاحياته التشريعية بدرجة أكبر؛ إذ صار «الإجراء التشريعي العادي» ينطبق على معظم الأنشطة، وصار له القول الفصل في مجالات الإنفاق كافة. وصار للمجلس الأوروبي رئيس دائم يترأسه ويمثله، ليحل بذلك محل الرئاسة الدورية، التي صارت آنذاك مقتصرة على المجلس. وعززت المعاهدة التمثيل الخارجي باستحداث منصب ممثل سام للشئون الخارجية، يتولى في الوقت نفسه منصب نائب رئيس المفوضية ورئيس مجلس الشئون الخارجية. والمهم أن أدوارا رسمية أسندت إلى البرلمانات الوطنية للاعتراض على المقترحات التشريعية، وإلى المواطنين الأوروبيين لتقديم التماسات عمل إلى المفوضية.
مثلت معاهدة لشبونة لكثيرين نهاية لعهد الدسترة في شئون الاتحاد، لكن التدهور السريع الذي شهده الاقتصاد العالمي بداية من 2007، والذي أخذ يستحوذ على كثير من اهتمام الساسة في أوروبا في السنوات اللاحقة، سلط الضوء على الحاجة إلى نقاش متواصل؛ فقد أثرت الأزمة المالية الأولية التي فجرها الانهيار في قدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها المالية على الاقتصادات الأوروبية بشدة، لتوقف بذلك فترة نمو طويلة، أضف إلى ذلك أزمة الديون السيادية سنة 2009 التي كانت خاصة بمنطقة اليورو.
سنناقش هذا بمزيد من التفصيل في الفصل الرابع، لكننا سننوه هنا إلى أن أزمة الديون السيادية - على الرغم من تنوع أسبابها - تفاقمت بفعل الطبيعة المنقوصة لتكامل منطقة اليورو؛ ففي ظل افتقار الاتحاد إلى القدرة على توليد تحويلات مالية في عموم منطقة اليورو، أو إصدار سندات دين، تمكنت الأسواق المالية العالمية من إجبار الحكومات على الدخول في جولات متكررة من إدارة الأزمة والتدخل، وأوضح مثال على ذلك حالة اليونان. تدهورت الأزمة على نحو جعلها تتطلب تدريجيا المزيد من التدخلات الكبرى، حتى برزت على الساحة بحلول 2010-2011 مجموعة كبيرة من المقترحات كان بعضها تشريعيا، لكن بعضها كان يتطلب تعديل المعاهدات. حدت شواغل الحكومة البريطانية بشأن الأثر المترتب على مدينة لندن بها إلى عرقلة محاولة لفعل هذا في ديسمبر 2011، فكانت النتيجة أن توصلت الدول الأعضاء الأخرى ببساطة إلى توافق في أوائل 2012، بشأن «اتفاق مالي» يقع خارج إطار الاتحاد، لكنه يستخدم مؤسساته.
في ظل مستقبل اقتصادي محفوف بالشكوك، يبدو أن الاتحاد الأوروبي تجاوز الأزمة، مع انحسار خطر تخلي دول أعضاء منفردة عن اليورو، وأظهر انضمام كرواتيا إلى الاتحاد في منتصف 2013 أهميته المستمرة في ضمان السلام والاستقرار، لكن الأمر الذي يظل غير واضح هو أثر ذلك على حوكمة الاتحاد، وعلى المواقف الشعبية من التكامل. وهي مسائل سنعود إليها لاحقا.
الفصل الثالث
كيف يحكم الاتحاد الأوروبي؟
يملك الاتحاد الأوروبي صلاحيات اقتصادية وبيئية كبيرة، ويبدي نشاطا متزايدا في السياسة الخارجية والدفاع والأمن الداخلي، فكيف تستخدم هذه السلطة وتراقب؟ وكيف يحكم الاتحاد؟
الإجابة - وفقا لكثيرين من أنصار الحكومية الدولية - أن ذلك يتم من خلال التعاون بين حكومات الدول الأعضاء؛ فالمؤسسات الأخرى ثانوية بالنسبة للمجلس الذي يضم ممثلي الحكومات، وهذا الواقع سيستمر. لكن في حين لا يزال المجلس هو المؤسسة الأقوى نفوذا، ينظر أنصار الفيدرالية إلى البرلمان والمفوضية ومحكمة العدل ليس كمحض هيئات مستقلة استقلالا كافيا عن الدول على نحو جعلها تغير طبيعة العلاقات بينها، بل أيضا كأطراف فاعلة رئيسة في عملية يمكنها - بل وينبغي لها - أن تسفر عن تحول الاتحاد إلى كيان سياسي فيدرالي. (1) المجلس الأوروبي والمجلس
رسم بياني (1): مؤسسات الاتحاد.
يتألف المجلس من وزراء يمثلون الدول الأعضاء، وعلى أرفع مستوى يوجد «المجلس الأوروبي لرؤساء الدول أو الحكومات»، إضافة إلى رئيس المجلس الأوروبي ورئيس المفوضية الأوروبية. وقد اشتمل رؤساء الدول في اسم المجلس؛ لأن العديد من رؤساء الدول يشاركون بجانب رؤساء وزراء بلادهم؛ لأنهم منوطة بهم بعض الصلاحيات المنوطة برؤساء الحكومات في بلدان أخرى.
يجتمع المجلس الأوروبي ثلاث أو أربع مرات كل عام، ويتخذ القرارات التي تتطلب حسما أو زخما على هذا المستوى السياسي: إما لعدم قدرة الوزراء على حل قضية ما في المجلس، وإما في بعض الأحيان لضرورة التحضير لصفقة شاملة تضم موضوعات كثيرة؛ كمعاهدة تعديل مهمة، أو منظور مالي سبعي. كما يتعين على المجلس الأوروبي «تحديد مبادئ توجيهية سياسية عامة». وتعد رئاسة المجلس الدورية وظيفة مهمة لإدارة الأعمال الحالية، ولإطلاق مشروعات جديدة.
ومنصب رئيس المجلس الأوروبي هو أقرب ما وصل إليه الاتحاد شبها بنظير قومي؛ حيث يمثل هذا الرئيس الاتحاد الأوروبي خارجيا، ويقرر محور تركيز عمل المجلس الأوروبي. وقد ركز أول شاغل لهذا المنصب، وهو رئيس الوزراء البلجيكي السابق هيرمان فان رومبوي، بالدرجة الأولى على الجانب الإداري للمنصب؛ حيث ساعد على تنسيق الاستجابة لأزمة منطقة اليورو، وأسس «أسلوب عمل» مع المؤسسات الأخرى وأبرزها المفوضية.
تقتصر الاجتماعات ذاتها على رئيسين (رئيسي المجلس الأوروبي والمفوضية) ورؤساء الدول والحكومات الثمانية والعشرين، وعادة الممثل السامي للاتحاد للشئون الخارجية. ويحيط بهؤلاء، خارج قاعة الاجتماعات، جيش من الإعلاميين الذين يقدمون نتائج الاجتماعات إلى مواطني مختلف البلدان بطرق متباينة تباينا جذريا، في ظل سعي كل زعيم إلى إحداث أفضل انطباع ممكن لدى جمهوره.
تصدر «القرارات الرئاسية» عقب كل اجتماع، وتكون عادة على هيئة وثيقة مطولة ترفق بها أحيانا ملاحق ضخمة.
شكل : المجلس الأوروبي (1979): وجوه تنظر في اتجاهات مختلفة.
لا يباشر المجلس الأوروبي ذاته إلا قلة من هذه القرارات، ولا يملك وقتا لإجراء مناقشة شاملة لكل ما يطرح عليه، ولا سيما عند التعامل مع الإحاطات الفنية، كما في أزمة منطقة اليورو. والمعتاد بدرجة أكبر أن تنبثق معظم التفاصيل ومعظم «المبادئ التوجيهية السياسية» عن مؤسسات الاتحاد من خلال عملها مع رئيس المجلس الأوروبي.
مجلس الاتحاد الأوروبي (أو «مجلس الوزراء» كما يعرف عادة) هيئة أكثر تعقيدا، وتتوقف مسألة من من الوزراء يحضر اجتماعا معينا على الموضوع المطروح. ويجتمع هذا المجلس على نحو عشر هيئات، من ضمنها «المجلس الاقتصادي والمالي» «إيكوفين»، والمجلس الزراعي، ومجلس الشئون الخارجية (برئاسة الممثل السامي)، ومجلس الشئون العامة، الذي يتألف من وزراء الخارجية، ويفترض أن يتولى تنسيق عمل المجالس الأخرى، لكنه - على أرض الواقع - يواجه صعوبة في السيطرة على مجالس الوزراء من وزارات الخارجية النافذة. ويترأس كل مجلس ممثل دولة من الدول التي تتناوب على منصب الرئيس الدوري كل ستة أشهر.
تحضر اجتماعات المجلس - خلافا للمجلس الأوروبي - أعداد كبيرة تضم مسئولين كثرا، وكذلك وزراء أو ممثلين عنهم من كل دولة عضو، ويرافقهم المفوضون ذوو الصلة، إضافة إلى مسئولين من المفوضية ومسئولين من أمانة المجلس. وهذه الأمانة هي التي تكفل الاستمرارية من رئاسة إلى التي تليها، وقد صارت مؤسسة قوية نوعا ما. وخلافا للمجلس الأوروبي أيضا، يتسم قدر كبير من عمل المجلس بالطابع التشريعي، وبعضه بالطابع التنفيذي.
بعد ضغط مطول، يعقد المجلس الآن جلساته التشريعية علانية، لكن أعماله ما زالت أشبه بمفاوضات في مؤتمر دبلوماسي منها بنقاش في هيئة تشريعية ديمقراطية عادية.
كان وجه الشبه بين أعمال المجلس والتفاوض الدولي أوضح ما يكون قبل منتصف الثمانينيات - مع تدشين برنامج السوق الموحدة - وهو الوقت الذي بدأ يحل فيه «التصويت بالأغلبية المشروطة» محل التصويت بالإجماع كإجراء متبع في القرارات التشريعية. وعلى الرغم من نص المعاهدة على أن المشروعات التي تقترحها المفوضية هي وحدها التي تسن بوصفها قوانين، كان إجراء التصويت بالإجماع قد أعطى كل وزير حقا في النقض يضغط به على المفوضية كي تعدل مقترحها على النحو الذي يطلبه. وعلى الرغم من نص المعاهدة على التصويت بالأغلبية المشروطة بشأن مجموعة متنوعة من الموضوعات؛ فإن حق النقض المشمول ضمنا في «تسوية» لوكسمبورج وسع من نطاقه عمليا حتى كاد يشمل عملية التشريع بأكملها. كما تسعى «لجنة الممثلين الدائمين» للدول الأعضاء مقدما إلى إيجاد أرضية مشتركة في ردود أفعال الحكومات تجاه مقترحات المفوضية. ونظرا لصعوبة التوصل إلى إجماع آراء؛ فإنه لولا تفاني كثير من هؤلاء المسئولين لما تمكن الاتحاد من أداء وظائفه إطلاقا، لكن التدابير التي تحددها المفوضية بوصفها في الصالح العام، وتتمتع بمساندة أغلبية كبيرة، اختزلت في أغلب الأحوال إلى «قاسم مشترك أدنى» يتوصل إليه بعد طول تأخير.
شكل : مجلس الوزراء: ليس بتجمع محدود.
ساهم هذا في عدم إحراز تقدم صوب السوق الموحدة حتى تغيرت إجراءات التصويت في أعقاب إقرار القانون الأوروبي الموحد؛ فحتى ذلك الحين كانت تدابير السوق الموحدة تمرر بوتيرة تصل إلى نحو شهر. وهذا يكفي بالكاد لمواكبة التطورات في الاقتصاد، ناهيك عن إتمام البرنامج ككل في غضون ربع قرن من الزمان، لكن القانون الموحد وما نص عليه من تصويت بالأغلبية المشروطة على معظم تشريعات السوق الموحدة ساعد على تسريع الوتيرة لتصل إلى نحو أسبوع؛ بحيث انتهى سن القسم الأكبر من هذه القوانين بحلول 1992.
شهد نظام التصويت بالأغلبية المشروطة العديد من الدورات. وتوجد في الوقت الحالي عقبة ثلاثية تتمثل في الحصول على أغلبية بنسبة 67 في المائة من الدول، وأغلبية بنسبة 62 في المائة من السكان، وأغلبية بنسبة 74 في المائة من الأوزان التصويتية (أي 260 صوتا من أصل 352 صوتا، وذلك بالترجيح تقريبيا حسب الحجم). ولد هذا النظام الصعب من رحم مساومات مطولة في مؤتمر نيس الحكومي الدولي، ودفعت تعقيداته اجتماع الاتفاقية ثم معاهدة لشبونة إلى التوصل إلى نموذج أبسط. وسيطبق هذا النموذج اعتبارا من 2014، ويتطلب 55 في المائة من الدول، و65 في المائة من السكان للوصول إلى العتبة. وهو يقي النظام المنازعات التي كانت تحدث من قبل على الأوزان التصويتية، مع حمايته كلا من الدول الكبيرة والصغيرة من التعرض للتهميش الهيكلي.
على الرغم من أن التصويت بالأغلبية المشروطة صمم لضمان إمكانية تمرير القوانين التي تريدها أغلبية كبيرة، لا يزال المجلس يحاول أن يتجنب تجاهل أي أقلية، ولو كانت حكومة واحدة، في شيء تراه شديد الأهمية. ويعود هذا بدرجة ما إلى ضرورة معاملة الأقليات باعتناء في كيان سياسي متنوع. ولهذا القصد ميزته في الاتحاد الأوروبي؛ حيث يمكن لأي حكومة مستاءة أن تثأر لنفسها بعرقلة السير في مسائل أخرى مرهونة بالموافقة بالإجماع، كما أنه يجسد بدرجة ما الثقافة الدبلوماسية التي تسود في المجلس، لكن على النقيض من «تسوية» لوكسمبورج، كثيرا ما تجرى تصويتات وتسير أعمال الاجتماعات في «ظل التصويت»، والنتيجة هي أن الوزراء يفضلون التوصل إلى حلول وسط بدلا من المخاطرة بأن يسفر التصويت عن محصلة أسوأ بالنسبة لهم من هذه الحلول الوسط. وغالبا ما يقترح الرئيس - مرتئيا أن مشكلة ما قد حلت - أنه تم التوصل إلى توافق الآراء، وإذا لم تكن هناك ممانعة، يقبل المجلس النص دون تصويت رسمي.
باستخدام التصويت بالأغلبية المشروطة في تشريعات السوق الموحدة، بدأ فيتو لوكسمبورج يتلاشى إلى حد أن صار التصويت بالأغلبية المشروطة هو السياق لنطاق أوسع من القرارات، وقد امتد نطاقه بموجب المعاهدات المتتالية ليشمل جل مجالات التشريع. أما القلة الباقية التي يسري عليها التصويت بالإجماع، فتندرج تحت تشكيلة من العناوين التي ترتبط نمطيا بقضايا بنيوية؛ كعضوية الاتحاد، والتعاون المعزز، والمواطنة، أو بمجالات السياسات ذات الحساسية الخاصة. والأهم فيما يخص العمل اليومي للاتحاد هو الاحتفاظ بالتصويت بالإجماع في معظم شئون السياسة الخارجية، على نحو ما نناقش في الفصل الثامن. والبديهي أنه كلما ازداد عدد الدول ازدادت صعوبة التوصل إلى موافقة بالإجماع، وهكذا دائما ما كان هناك ضغط من أجل تضييق نطاق استخدام إجراء الموافقة بالإجماع، وهذا مصدر خلاف بين من هم أكثر توجها نحو الفيدرالية ومن هم أقل توجها نحوها. كما يبرز جدال مماثل حول الدور التنفيذي للمجلس.
فخلافا للهيئات التشريعية في معظم الديمقراطيات، يمارس المجلس صلاحيات تنفيذية كبيرة . وعلى الرغم من أن المفوضية - كما تصور مونيه - هي الهيئة التنفيذية الرئيسة للاتحاد، تسمح المعاهدة للمجلس بأن «يفرض اشتراطات» بشأن الطريقة التي تنفذ بها المفوضية القوانين، أو حتى أن يضمن تنفيذ هذه القوانين بنفسه. كان هذا يحدث في ظل نظام معقد اسمه «منظومة اللجان»؛ حيث كانت هناك لجان فردية تضم مسئولي الدول الأعضاء تشرف على تنفيذ أقسام معينة من التشريعات. وفي حين أن شيئا من الرقابة كان ممكنا من قبل المفوضية والبرلمان، فإن مدى العرقلة والتأخير أفضى إلى إحلال عملية جديدة هي «القوانين المفوضة»، التي تلغي هذه اللجان فيما يخص تشريعا معينا، محل هذا النظام جزئيا في معاهدة لشبونة، وإعادة تسمية بقية منظومة اللجان «القوانين التنفيذية». غير أن النظام الجديد يظل عديم الشفافية وبشدة؛ لا سيما لأن الأمر متروك لتقدير المشرعين كي يقرروا أي نظام يستخدمون. ويقينا ستظل الشواغل القديمة بشأن شفافية هذا الجزء من العملية التشريعية قائمة لسنوات عديدة. (2) البرلمان الأوروبي
ينتخب أعضاء البرلمان الأوروبي انتخابا مباشرا من قبل المواطنين في عموم الاتحاد في يونيو كل خمس سنوات. ويتألف البرلمان من 751 عضوا موزعين على الدول الأعضاء بنسب تحابي الدول الأصغر حجما، وإن كان بدرجة أقل مقارنة بترجيح الأصوات في المجلس؛ حيث تتراوح بين تسعة وتسعين عضوا من ألمانيا، واثنين وسبعين عضوا من كل من فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة، وخمسين من كل من بولندا وإسبانيا، ونزولا حتى ستة أعضاء من كل من قبرص وإستونيا ولوكسمبورج ومالطة.
تختلف ثقافة البرلمان الأوروبي السياسية اختلافا جذريا عن ثقافة المجلس؛ فاجتماعاته علنية، والتصويت بالأغلبية البسيطة هو النظام المتبع فيه، وعادة ما يصوت أعضاؤه حسب المجموعة الحزبية التي ينتمون إليها لا حسب الدولة. كان ثلاثة أرباع الأعضاء المنتخبين في يونيو 2009 ينتمون إلى المجموعات الحزبية السائدة، حيث كان ينتمي 271 عضوا إلى مجموعة حزب الديمقراطيين المسيحيين وحزب الشعب الأوروبي المحافظ (يمين الوسط)، و189 عضوا إلى مجموعة حزب الاشتراكيين الأوروبيين (يسار الوسط)، و85 عضوا إلى مجموعة الليبراليين والديمقراطيين والإصلاحيين الأوروبيين. أما البقية فكانوا موزعين بالتساوي على مجموعات أصغر حجما جهة اليسار - أهمها الخضر - وجهة اليمين، مع مجموعة من المتشككين بجدوى الاتحاد الأوروبي من ذوي التوجهات الأيديولوجية المتنوعة.
رسم بياني (2): عدد أعضاء البرلمان الأوروبي من كل دولة، عام 2014.
على الرغم من عدم التوافق بعد على إجراء انتخابي موحد، أو «مبادئ مشتركة بين الدول الأعضاء كافة»، كما تقول معاهدة أمستردام، بشكل أكثر تلطفا، تطبق الدول كافة أنظمة التمثيل النسبي الآن، وقد ظل التوازن بين أحزاب الاتجاه السائد فيما عدا ذلك مستقرا بعض الشيء، دون أن يتمكن يمين الوسط ولا يسار الوسط من الحصول على أغلبية بمفرده. ومن ثم هناك حاجة إلى ائتلافات واسعة عبر الوسط لضمان الحصول على أغلبية عند التصويت على تشريع ما، أو على الميزانية، بل ويكون هذا ضروريا بشكل أشد عند تعديل تدابير أو رفضها في ظل إجراء القرار المشترك - وهو إجراء متزايد الأهمية - إذ يتطلب الأمر أغلبية مطلقة قوامها 376 صوتا. كما تميل منظومة اللجان المحكمة، التي تحضر كل منها مواقف البرلمان، وتستجوب المفوضين بقسوة في أحد مجالات أنشطة الاتحاد، إلى تشجيع السلوك التوافقي، لكن مع ذلك حدث انقسام أشد حدة بين اليسار واليمين منذ انتخابات 1999، عندما صار يمين الوسط أكبر هيكليا من يسار الوسط. وهو النمط الذي عززه التوسع.
رسم بياني (3): المجموعات الحزبية في البرلمان، عام 2012.
على الرغم من أن البرلمان حقق أداء جيدا بدرجة كافية في ممارسته صلاحياته - الكبيرة حاليا - على التشريع والميزانية، تراجعت معدلات إقبال الناخبين مع كل عملية انتخابية من 63 في المائة عام 1979 إلى 43 في المائة عام 2009 لأسباب؛ منها: شيوع اتجاه عام في الدول الأعضاء من إقبال متدن على الانتخابات، ومنها التراجع واسع النطاق في تأييد الاتحاد، لكن ثمة سببا آخر ربما يكمن في تعرض البرلمان على وجه التحديد لتعليقات إعلامية ناقدة، بل ولتعليقات عدائية صريحة، بالأخص في بريطانيا، ركزت على أمور من قبيل الإخفاق المطول في إرساء نظام واف للسيطرة على نفقات أعضائه (وهو إلى حد كبير خطأ أعضاء البرلمان أنفسهم، وإن كان الآن طور التصويب )، والبنايتين باهظتي التكلفة الكائنتين في بروكسل وستراسبورج اللتين يتنقل بينهما (وهذا بالكلية خطأ الحكومات). زد على ذلك أن المواطنين ربما لم يدركوا بعد إلى أي مدى ازدادت صلاحيات البرلمان على مر الزمن.
شكل : النواب المنتخبون يعملون: البرلمان الأوروبي في حالة انعقاد.
لقد تطور الدور التشريعي من محض التشاور في البداية، مرورا بإجراء التعاون الذي أنشأه القانون الموحد، وانتهاء بالقرار المشترك الذي استحدثته معاهدة ماستريخت، ووسعت معاهدة أمستردام من نطاقه حتى صار الآن يسري على الأغلبية العظمى من التشريعات، باسمه الجديد «الإجراء التشريعي العادي». علاوة على ذلك، تعطي معاهدة لشبونة البرلمان حقوقا متساوية مع المجلس في الموافقة على الميزانية بأكملها، مما يسمح له بالرقابة على مجالات كالزراعة، التي كانت بمنأى عنها قبل ذلك.
على الرغم من أن نصيب البرلمان من سلطة تقرير الميزانية عنصر جوهري من عناصر الرقابة الديمقراطية، كان لدوره في الإشراف على كيفية إنفاق الأموال أعظم الأثر؛ فإضافة إلى صلاحية البرلمان لتدقيق أنشطة المفوضية الإدارية والمالية، فإن له الحق في منح «إجازة»: أي إقرار تنفيذ المفوضية ميزانية العام السابق أو رفضها؛ وذلك بناء على تقرير من ديوان المحاسبة الأوروبي. وإذا لم يكن البرلمان مقتنعا، فإنه يحبس هذه الإجازة حتى تتعهد المفوضية بفعل ما هو مطلوب. وهكذا؛ ففي 1998، وبعد أن حبس البرلمان إجازته حسابات عام 1996 ولم يقتنع برد المفوضية، عين لجنة خبيرة رفيعة المستوى للتحري بمزيد من التفصيل. وقد أصدرت هذه اللجنة تقريرا مدمرا حول سوء الإدارة وبعض حالات الفساد، فاستقالت المفوضية في مارس 1999 استباقا لاستعمال البرلمان صلاحية إقالتها.
بعد أن برهن البرلمان على صلاحياته لتعيين المفوضية وإقالتها، فإنه في وضع جيد يؤهله لأن يوضح للناخبين قدرته على استخدام نفوذه مستقبلا لضمان تعيين مرشح لرئاسة المفوضية يعكس نتائج الانتخابات الأوروبية. وهناك من قال إن البرلمان لو التزم بفعل ذلك؛ فمن شأنه زيادة اهتمام الناخبين بالانتخابات، ومن ثم تعزيز الديمقراطية النيابية في الاتحاد.
يتقاسم البرلمان السلطة بالتساوي مع المجلس فيما يخص غالبية التشريعات وكامل الميزانية، وقد أثبت أنه أقدر من المجلس على الرقابة على المفوضية؛ لذا يمكننا قول إن البرلمان قطع أكثر من نصف الشوط نحو ممارسة وظائف سن التشريعات، والرقابة على السلطة التنفيذية التي يؤديها مجلس المواطنين في أي هيئة تشريعية فيدرالية. أما المجلس فهو أشبه بمجلس ولايات فيما عدا أن إجراء الموافقة بالإجماع ما زال يسري على بعض التشريعات، وأن جلساته التشريعية هي فقط التي تعقد علانية، وأنه يحتفظ بصلاحيات تنفيذية لا تنسجم مع دوره التشريعي. (3) المفوضية الأوروبية
في حين أن المفوضية، بالوضع الذي هي عليه اليوم، ليست السلطة التنفيذية الفيدرالية التي تصورها مونيه، فإنها في ظل حقها في «المبادرة التشريعية» ووظائفها في تنفيذ سياسات الاتحاد، وبوصفها «رقيبا على المعاهدة»، غدت أكبر كثيرا من مجرد أمانة لمنظمة دولية.
أعطت معاهدة روما المفوضية الحق الرئيس في المبادرة التشريعية، بمعنى أن تقترح مشروعات القوانين على البرلمان والمجلس. كان الهدف من ذلك ضمان استناد القوانين بدرجة أكبر إلى رؤية للمصلحة العامة للجماعة ومواطنيها، مقارنة بما سينشأ عن أي مبادرات من حكومات الدول الأعضاء، وأن تكون هناك درجة أكبر من التماسك في البرنامج التشريعي مقارنة بما يمكن لهذه الدول أو المجالس بمختلف مسئولياتها الوظيفية توفيره. وكثيرا ما كانت المفوضية تسمى في أيامها الأولى «محرك الجماعة» بفضل تسلحها بهذه الصلاحية. وبعد أن أضعفها هجوم ديجول عليها في الستينيات، رجحت كفة ميزان القوة في مصلحة المجلس، وكذلك المجلس الأوروبي منذ تأسيسه عام 1974، لكن المفوضية ما زالت تؤدي الدور الأساسي المتمثل في اقتراح تدابير معينة كي يقررها المجلس والبرلمان، واقتراح حزم السياسات العامة في المجلس الأوروبي. ومن الأمثلة البارزة على هذا الجزء الأخير «حزمة ديلور» لإصلاح الميزانية عام 1992، وإصلاحات سياسات الجماعة في إطار «جدول أعمال 2000» استعدادا للتوسع شرقا الذي ووفق عليه عام 1999.
أطلق على المفوضية أيضا اسم «الرقيب»؛ لأنها تسهر على ضمان تطبيق معاهدة الاتحاد وقوانينه، وبالأخص من قبل الدول الأعضاء، فإذا وجدت شواهد على أي خرق، فعليها إصدار «رأي مسبب» إلى الدولة المعنية، فإذا لم تمتثل الدولة، تستطيع المفوضية مقاضاتها في محكمة العدل، وهو ما حدث عام 1999، عندما رفضت الحكومة الفرنسية قبول قرار المفوضية بأن لحم البقر البريطاني كان آنذاك آمنا لأكله، وينبغي السماح باستيراده، فحكمت المحكمة لصالح المملكة المتحدة في أواخر 2001، على الرغم من أن الدول الأعضاء الأخرى لم توافق على رفع القيود إلا في 2006، وفرضت المفوضية على فرنسا غرامات تجاوزت 10 ملايين يورو. كما تتولى المفوضية مسئولية تنفيذ قوانين الاتحاد وسياسته، وإن كان جل هذه المسئولية موكلا إلى حكومات الدول الأعضاء وأجهزة أخرى.
لضمان أن تعمل المفوضية تحقيقا للصالح العام للاتحاد، تشترط المعاهدة أن يكون استقلالها عن أي مصالح خارجية «لا يرقى إليه شك»، ويجب على المفوضين عند توليهم مناصبهم أن يقطعوا على أنفسهم «عهدا مغلظا» بهذا المعنى. وعلى الرغم من أن المعاهدة تنص على ترشيحهم «بالتوافق العام» بين الحكومات، فقد دأبت كل حكومة - فيما سبق - على ترشيح مفوضها أو مفوضيها، وقبلت الأخريات بهذا، لكن هذا لم يعد من المسلمات؛ لأنه تشترط الآن أيضا موافقة رئيس المفوضية المعين حديثا قبل إقرار البرلمان المفوضية ككل.
حتى 2005 كان هناك مفوضان من كل دولة كبيرة، ومفوض واحد من كل دولة صغيرة، لكن التوسع الوشيك أثار شاغلا بشأن تدني فاعلية المفوضية بسبب كبر حجمها؛ لذا حددت معاهدة نيس عدد المفوضين اعتبارا من 2005 بمفوض واحد من كل دولة عضو. وقوبلت مقترحات إدخال المزيد من التخفيض على العدد بمعارضة شديدة من الدول الصغيرة، وأسفر الرفض الأولي لمعاهدة لشبونة من قبل الناخبين الأيرلنديين سنة 2008 عن اتفاق على بقاء النظام الحالي.
إن تقليص عدد المفوضين إلى أقل من واحد لكل دولة ليس بأي حال السبيل الوحيد لضمان الفاعلية؛ فهناك حكومات رفيعة المستوى كالحكومة البريطانية تضم عادة أكثر من 20 عضوا، وفي بعض الأحيان أكثر من 30. وقد نجح هذا العدد لأن هناك رئيس وزراء يملك سلطة السيطرة على الأعضاء الآخرين. وقد قطعت المعاهدات منذ معاهدة أمستردام بالمفوضية شوطا ما في ذلك الاتجاه، بإعطاء الرئيس ليس صلاحية المشاركة في قرارات ترشيح المفوضين الآخرين فحسب، بل أيضا ممارسة «الإرشاد السياسي» على المفوضين، وتخصيص مسئولياتهم و«إعادة توزيعها»، وتعيين نواب الرئيس، وإقالة مفوض «بعد الحصول على موافقة المفوضية الجماعية»، كما ساعد وجود الممثل السامي للاتحاد لشئون السياسة الخارجية بوصفه نائب رئيس منذ لشبونة على توفير إدارة لتنسيق السياسات، على الصعيدين الداخلي والخارجي على السواء.
شكل : الاجتماع الأول للمفوضية برئاسة خوسيه مانويل باروسو، 2004.
بلغة المعاهدات، المقصود بالمفوضية هيئة المفوضين بأكملها. أما باللغة الدارجة، فيشير هذا القول أيضا إلى موظفي المفوضية، لكن عادة ما يكون واضحا إن كان المقصود بالإشارة هم المفوضين أم الخمسة والعشرين ألف موظف. وعلى الرغم من كثرة الحديث عن تضخم الجهاز البيروقراطي للمفوضية، فإن هذا العدد أقل من عدد موظفي سلطات محلية كثيرة.
بما أن التصويت بالأغلبية المشروطة يسري الآن على جل التشريعات، فإن حق المفوضية دون غيرها في المبادرة أعطاها مركزا قويا في العملية التشريعية. ويستطيع المجلس - شريطة الموافقة بالإجماع - تعديل النص المقترح من المفوضية، وهو ما يصب هنا في صالح المفوضية لا ضدها؛ لأن المفوضية، على الرغم من تفضيلها عادة مواءمة رغبات الحكومات، تكون في وضع أفضل يسمح لها بمقاومة ضغط هذه الحكومات فيما يختص بالأمور التي تعدها مهمة.
شكل : سيادة القانون: محكمة العدل في حالة انعقاد.
أدت المفوضية دورها التشريعي جيدا، لكن أداءها بوصفها سلطة تنفيذية تعرض لنقد شديد معظمه غير عادل؛ إذ إن التنفيذ في الحقيقة موكل إلى الدول الأعضاء. وهذا مبدأ جيد، وهو ناجح في نظام ألمانيا الفيدرالي، حيث تدير الولايات معظم السياسات الفيدرالية، لكن للحكومة الفيدرالية في ألمانيا صلاحية أكبر لضمان كفاية أداء الولايات، فيما تميل الدول الأعضاء إلى مقاومة جهود المفوضية الرامية إلى الإشراف عليها. والحل يقينا ليس المزيد من الإدارة المباشرة من قبل بروكسل، بل توفير عدد كاف من موظفي المفوضية للاضطلاع بمهمة الإشراف، ومنح صلاحيات أقوى لضمان التنفيذ كما ينبغي من جانب الدول.
تتمتع المفوضية بسجل طيب في مجالات كإدارة سياسة المنافسة، حيث أعطيت صلاحية القيام بهذه المهمة بنفسها، فأدتها على أكمل وجه على الرغم من العجز في الموظفين، لكنها أظهرت مثالب خطيرة عندما تولت إدارة برامج الإنفاق دون وجود الموظفين الذين يمكنهم أداء هذه المهمة كما ينبغي؛ مما أسفر عن خلل إما في عملها هي ذاتها، أو في عمل الاستشاريين الذين استعانت بهم لأدائها، وكانت النتائج سيئة أحيانا، وانطوت على قضايا احتيال في قليل منها. ولم يؤد هذا إلى استقالة المفوضية سنة 1999 فحسب، بل إلى الإصلاحات الإدارية الجارية التي استهلها نيل كينوك في أوائل العقد الأول من هذا القرن، وتهدف إلى تحسين عملية استقدام الموظفين وتدريبهم وترقيتهم، وتحسين ممارسات التدقيق.
ذهب البعض إلى أن المفوضية حكومة أوروبية. فإلى أي مدى يمكن أن يكون هذا وصفا دقيقا؟ في المجالات الواقعة ضمن اختصاص الاتحاد، يشبه حق المفوضية في المبادرة التشريعية حق الحكومة، بل ويتجاوزه من حيث كونه يكاد يكون حقا مقصورا عليها، لكن استعمالها هذا الحق مقيد بالمجلس، وبالأخص حيث يسري إجراء الموافقة بالإجماع، لكنه مقيد أيضا باستعمال التصويت بالأغلبية المشروطة وليس بأغلبية بسيطة. غير أن الاختلاف أكبر مقارنة ببريطانيا منه بالدول التي تمارس نمط الحكومات الائتلافية التوافقي. أما دور المفوضية التنفيذي فهو مقيد بالمجلس وصعوبات التنفيذ، لكنه فيما عدا ذلك لا يختلف كثيرا، من حيث المبدأ، عن الدور التنفيذي للحكومة الفيدرالية الألمانية، فيما عدا أن الحكومة الألمانية تملك وسائل أكثر فاعلية لفرض التنفيذ اللائق من قبل الولايات. وثمة فارق حاسم الأهمية بين المفوضية والحكومة هو حقيقة أن الأولى لا تسيطر على أي وسائل إنفاذ مادية، بل والأكثر من هذا أنها لا تؤدي إلا دورا ثانويا في السياسة الخارجية العامة، ودورا ضئيلا جدا في مجال الدفاع، لكن إلى جانب هذه الاختلافات توجد تشابهات كبيرة. (4) محكمة العدل
كانت سيادة القانون ولا تزال محورية في نجاح الاتحاد الأوروبي؛ ففي مجالات اختصاص الاتحاد، نجد على نحو متزايد أن إطارا قوامه القانون لا القوة النسبية هو الذي يحكم العلاقات بين الدول الأعضاء، ويسري على مواطنيها، وهو ما يرسخ «اليقين القانوني» الذي يثمنه أصحاب الأعمال؛ لأنه يقلص عنصر مخاطرة كبير في معاملاتهم. وعلى الصعيد السياسي، ساعد هذا على إيجاد المناخ الجديد تماما الذي صارت فيه الحرب بين الدول تعتبر أمرا غير وارد.
توجد على قمة نظام الاتحاد القانوني محكمة العدل، التي تقضي المعاهدات بأن تضمن «مراعاة القانون» - بمعناه الواسع في هذا السياق - «في تفسير المعاهدات وتطبيقها».
تضم المحكمة قاضيا من كل دولة عضو، يعين لمدة ست سنوات بالتراضي العام بين الدول الأعضاء، على أن يكون استقلاله «لا يرقى إليه شك.» وتفصل المحكمة نفسها في قضايا كالتي تتعلق بقانونية قوانين الاتحاد، أو الإجراءات التي تتخذها المفوضية ضد دولة عضو، أو دولة عضو ضد دولة أخرى تدعي إخفاقها في الوفاء بالتزام تعاهدي، لكن الأغلبية العظمى من القضايا التي تستدعي فصل قانون الاتحاد فيها هي التي يرفعها أفراد أو شركات ضد أشخاص قانونيين آخرين أو حكومات، وتنظر هذه القضايا في محاكم الدول الأعضاء، ولا تحال إلى محكمة العدل إلا إذا طلبت إحدى هذه المحاكم منها تفسير إحدى النقاط القانونية.
استندت أهم أحكام المحكمة، التي أصدرتها في الستينيات، إلى تصميمها على ضمان مراعاة القانون كما اقتضت المعاهدة؛ إذ استهدف الحكم الأول، وكان بشأن أسبقية قانون الاتحاد، ضمان التطبيق المتسق لهذا القانون في الدول الأعضاء كافة؛ لأن سيادة القانون ستنهار تدريجيا إذا طغت عليها القوانين الوطنية المتشعبة. ونص الثاني - وكان معنيا بالنفاذ المباشر - على حق الأفراد في المطالبة بحقوقهم بموجب المعاهدة أمام محاكم الدول دون وسيط، ثم صدر عام 1979 حكم في قضية «كاسيس دو ديجون» وضع حجر زاوية لبرنامج السوق الموحدة، بإرساء مبدأ «الاعتراف المتبادل» بمعايير الدول الأعضاء لسلامة المنتجات، شريطة أن تكون محكوما بقبولها، مما قلل جذريا الحاجة إلى لائحة مفصلة على مستوى الاتحاد.
أصدرت المحكمة نحو 9 آلاف حكم منذ إنشائها، ولا تزال القضايا تعرض عليها بمعدل يتعذر معه الحد من التأخر في الفصل فيها لمدد تصل إلى عامين. وقد أنشئت محكمتان فرعيتان للمساعدة على التعامل مع هذه المشكلة: «محكمة عامة» (كانت تسمى فيما سبق المحكمة الابتدائية)، وتنظر معظم القضايا التي يرفعها الأفراد أو الشخصيات ذات الصفة الاعتبارية، والتي يتعلق أغلبها بحقوق الملكية الفكرية وسياسة المنافسة ، و«محكمة الخدمة المدنية»، وتتولى الفصل في النزاعات بين مؤسسات الاتحاد وموظفيها، لكن هذا لم يسفر إلا عن إبطاء طوفان القضايا التي تنتظر الفصل فيها دون تحويل اتجاهه.
في حين يجوز للمتقاضين استئناف أحكام المحكمتين الدنييين، لا يجوز استئناف أحكام محكمة العدل، التي تشكل السلطة القضائية النهائية في الأمور الواقعة ضمن اختصاص الاتحاد، لكن المحكمة تعتمد في إنفاذ إحكامها على أجهزة الإنفاذ بالدول الأعضاء. وكون الأغلبية العظمى من الأحكام الصادرة، بموجب قوانين الاتحاد، إنما هي صادرة عن محاكم الدول الأعضاء، رسخ الاعتياد على إنفاذها، ولم يحدث أن كان هناك رفض لإنفاذ أحكام المحكمة نفسها حتى وإن كان هناك أحيانا توان لفترات طوال قبل أن تمتثل الدول الأعضاء للأحكام الصادرة بحقها.
لا يزال اختصاص المحكمة محدودا بالمعاهدات، ولا سيما في السياسة الخارجية، لكن ضمن هذه الحدود - وبصرف النظر عن اعتمادها شبه التام على أجهزة الإنفاذ بالدول الأعضاء - يتسم نظام الاتحاد القضائي إلى حد كبير بخصائص فيدرالية. (5) الولاية الاحتياطية والمرونة
في كلمة شهيرة ألقتها السيدة تاتشر في مدينة بروج، استحضرت شبح «دولة أوروبية فوق الدولة تمارس هيمنة جديدة من بروكسل»، كما أصبحت مقولة «المنحدر الزلق» الذي يفضي إلى «دولة مركزية فوق الدولة» استعارة مفضلة لدى البريطانيين المتشككين بجدوى الاتحاد الأوروبي. ومن زاوية مختلفة، نظرت الولايات الألمانية بريبة إلى المقترحات الرامية إلى منح الاتحاد اختصاصا في مجالات تختص هي بها في نظام ألمانيا الفيدرالي. والحقيقة أن كثيرين من أنصار الفيدرالية يجدون هدف المعاهدة المتمثل في «إقامة اتحاد وثيق أكثر من أي وقت مضى» مطلقا أكثر مما ينبغي. وتساند الأكثرية مبدأ «الولاية الاحتياطية» كدليل لتحديد ما ينبغي أن يفعله الاتحاد وما ينبغي ألا يفعله. ويقتضي ذلك المبدأ ذو الجذور الكالفينية والكاثوليكية ألا تؤدي الهيئات التي تضطلع بمسئوليات عن مناطق كبيرة إلا الوظائف التي لا يمكن للمناطق الصغيرة الواقعة ضمنها أن تؤديها بنفسها. وإعمالا لهذا المبدأ، تقتضي المعاهدة من الاتحاد ألا «يتخذ إجراء ... إلا إذا كان هدف هذا الإجراء المقترح لا تستطيع الدول الأعضاء تحقيقه بدرجة كافية»، ويمكن «نظرا لحجمه أو آثاره، تحقيقه بشكل أفضل بمعرفة الاتحاد.»
اعترفت معاهدة روما ضمنيا بهذا المبدأ بتمييزها بين نوعين من قوانين الاتحاد؛ أولهما: اللائحة، وهي «ملزمة بأكملها» للدول الأعضاء كافة، وثانيهما: التوجيه، ولا يكون ملزما إلا «من حيث النتيجة المراد تحقيقها»، مع ترك كل دولة تختار «الشكل والأساليب»، لكن هذا لم يكن إلا تطبيقا جزئيا للمبدأ. وقد صدرت التوجيهات أحيانا على نحو مفصل لا يترك للدول إلا خيارا محدودا. وهكذا عرفت معاهدة ماستريخت الولاية الاحتياطية، وأرست معاهدة أمستردام إجراءات مفصلة تهدف إلى ضمان ممارسة مؤسسات الاتحاد هذا المبدأ. وقد كفل اشتمال معاهدة لشبونة على قائمة بالاختصاصات المقصورة على الاتحاد، والاختصاصات المشتركة مع الدول الأعضاء، والاختصاصات التي تساند اتخاذ الدولة إجراء، كفل وجود ضمانات متعددة ضد المبالغة في المركزية.
توجد بالطبع اختلافات حول المجالات التي يكون فيها التكامل مبررا، وتركت هذه الاختلافات بصمتها على معاهدة ماستريخت في اختيار بريطانيا عدم المشاركة في الفصل الاجتماعي والعملة الموحدة، واختيار الدنمارك عدم المشاركة في العملة الموحدة والدفاع. ونظرا لعدم جواز تعديل المعاهدة إلا بإجماع الآراء، كان لا بد من قبول الحكومات الأخرى بنود اختيار عدم المشاركة إذا كانت ستشتمل عليها المعاهدة، وهو ما أدى إلى اهتمام متنام بفكرة «المرونة»، مما يمكن الدول التي تريد المزيد من التكامل في حقل معين من المضي في ذلك قدما في إطار مؤسسات الاتحاد، أو إن شئت فقل مما يسمح لأقلية باختيار عدم المشاركة. كان أحد الأهداف تفادي فيتو الدول الأعضاء المنفردة، التي قد تعوق معارضتها إجراء إصلاحات تعتبرها معظم الحكومات الأخرى ضرورية، وهو شاغل صعده التوسع لضم دول قد يتبين أنها غير راغبة أو غير قادرة على المضي قدما في المزيد من التكامل.
برز مفهوم المرونة في معاهدة أمستردام تحت عنوان «التعاون المعزز»، وهو مصطلح فضله أنصار الفيدرالية؛ لأنه يقتضي ضمنا مستوى أعمق من التكامل بين مجموعة من الدول، في حين مال المتشككون بجدوى الاتحاد الأوروبي إلى رؤية المرونة سبيلا لإرخاء الروابط في الاتحاد ككل. وتنص المعاهدات الآن على التعاون المعزز في إطار الاتحاد ، شريطة استيفاء عدد من الشروط، من ضمنها الموافقة بالإجماع على سريانه على أي حالة، واشتماله ثماني دول كحد أدنى في البداية، وبقاؤه مفتوحا أمام أي دول إضافية. (6) المواطنون
استحدث مفهوم مواطنة الاتحاد في معاهدة ماستريخت التي نصت على أن جميع مواطني الدول الأعضاء مواطنون للاتحاد أيضا، وأضافت معاهدة أمستردام أن كلتا صورتي المواطنة متتامتان. وتضمنت معاهدة ماستريخت بعض الحقوق الجديدة للمواطنين: كالحق في الحركة والتنقل والإقامة بحرية في مختلف أنحاء الاتحاد رهنا بشروط معينة، والحق في التصويت أو الترشح في الدول الأعضاء الأخرى في الانتخابات المحلية والأوروبية دون الانتخابات الوطنية. وتأتي هذه القائمة القصيرة على رأس حقوق معينة مضمونة بالفعل بموجب معاهدات: كحماية مواطني الدول الأعضاء ضد التمييز على أساس الجنسية في مجالات اختصاص الاتحاد، والمساواة في معاملة الرجال والنساء في الأمور المتعلقة بالتوظيف. ولزام على مؤسسات الاتحاد أيضا احترام الحقوق الأساسية التي تكفلها «الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية». وتؤكد المعاهدات على أن الاتحاد «قائم على مبادئ الحرية، والديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وسيادة القانون. وهي مبادئ مشتركة بين الدول الأعضاء»، علاوة على أنها تنص على أنه في حالة «الخرق الخطير والمستمر» لهذه المبادئ، يمكن حرمان الدولة العضو من بعض حقوقها التي تكفلها المعاهدة، بما فيها حقوق التصويت.
واستجابة للشواغل بشأن احتياج الاتحاد إلى فعل المزيد لاستقطاب مساندة مواطنيه، صيغ أيضا «ميثاق الحقوق الأساسية»، على التوازي مع معاهدة نيس، من قبل اجتماع اتفاقية كان نموذجا لاجتماع الاتفاقية الذي صاغ المعاهدة الدستورية، لكن لم يكن الميثاق ليكتسب قوة قانونية فيما يتعلق بأعمال الاتحاد نفسه إلا بمعاهدة لشبونة. إضافة إلى ذلك، تنص المعاهدات على تعيين البرلمان أمين مظالم للتحقيق في شكاوى المواطنين من سوء الإدارة من قبل مؤسسات الاتحاد، ورفع تقارير بالنتائج إلى البرلمان والمؤسسة المعنية.
بصرف النظر عن مسألة الحقوق، يصعب نظام حكم الاتحاد - بمزيجه المعقد من العناصر الحكومية الدولية والفيدرالية - اتخاذ القرارات، ويجعل من إقامة علاقة مرضية بين المؤسسات والمواطنين شيئا بعيد المنال. لكن ما لم يوفر المواطنون مساندة كافية للاتحاد إلى جانب مساندتهم دولهم، فمن الممكن أن تكون جماهير الناخبين في الدول قوة طاردة مركزيا تفضي إلى التفكك. كذلك يثير التوسع إلى 28 دولة، وربما أكثر من 30 دولة في النهاية، مشكلات إضافية. وقد دار نقاش أكاديمي مكثف حول ضرورة وجود شعب «اتحادي» من أجل استدامة الديمقراطية «الاتحادية»؛ مما أثار الشكوك في إمكانية حدوث ذلك، لكن الاتحاد تمكن من الاستفادة من عناصره الديمقراطية المتنامية كصلاحيات البرلمان الأوروبي، ومن التشاؤم غير المبرر أن نفترض أن العملية لا يمكنها الاستمرار. هذا إلى جانب تطور الاتحاد ككل. ويظل التضامن بين المواطنين أقل كثيرا مما سيكون ضروريا لدولة فيدرالية. وقد أدخلت اتفاقية لشبونة إصلاحا جوهريا، مع أنها لا تزال تترك بعض الأسئلة دون أجوبة.
الأهم أن لشبونة أكدت مجددا على الحاجة إلى الموازنة بين مصالح الاتحاد ككل ومصالح الدول الأعضاء. ويتيح إلغاء هيكل الركائز، وتقوية المجلس الأوروبي برئيس دائم، ودمج أدوار السياسة الخارجية في شخص الممثل السامي إمكانية حصول الاتحاد الأوروبي على شخصية أكثر تلاحما، وإن كانت الحكومات الوطنية تسعى على الرغم من ذلك إلى تقييد العمل المشترك. كذلك فإنه فيما تملك البرلمانات الوطنية الآن صلاحيات رفع «كارت أصفر» في وجه المقترحات التشريعية، غالبا ما تفتقر تلك البرلمانات إلى آليات مراقبة كافية تكون معها هذه الصلاحيات ذات كفاءة حقيقية، مثلما أن مبادرة المواطنين - التي يمكن بموجبها لعريضة تحمل مليون توقيع أن تؤدي بالمفوضية إلى اتخاذ إجراء تشريعي - تستند إلى تصور للمجال العام الأوروبي هو في الوقت الراهن أمل أكثر منه حقيقة واقعة. ربما يستوي مع هذا في دلالته أن لشبونة هي أول معاهدة تنص على آلية صريحة يمكن بموجبها لدولة أن تنسحب من العضوية.
ستكون أزمة اليورو الجسر التالي الذي يعبره الاتحاد، لا سيما إذا آتت المناقشات الجارية في أواخر 2012 حول المؤسسات الجديدة لدعم إقامة اتحاد مصرفي واقتصادي؛ ثمارها. ومهما تكن النتيجة، ينبغ أن تذكرنا بأن الاتحاد يعكس حاجات مواطنيه، وهذه الحاجات تتغير بمرور الوقت؛ لذا فمن المنطقي تماما أن يظل هناك شيء من اللايقين بشأن شكل تنظيمه.
الفصل الرابع
السوق الموحدة والعملة الموحدة
على الرغم من أن السلام بين الدول الأعضاء ظل يحتل صميم غرض الجماعة، صار قيام سوق مشتركة كبيرة بؤرة عملها ابتداء من النصف الثاني من عقد الخمسينيات. كانت قوة الاقتصاد الأمريكي مثالا مدهشا على نجاح مثل هذه السوق، كما كان الألمان والهولنديون يريدون تجارة حرة، وقبل الفرنسيون السوق المشتركة في السلع الصناعية شريطة أن تكون مصحوبة بالسوق المشتركة الزراعية التي ستحابي صادراتهم الزراعية.
كانت لفكرة قيام سوق مشتركة كبيرة قوة محركة استمرت طوال العقود التالية؛ لأنها كانت تعكس واقعا متناميا هو الاعتماد المتبادل في الميدان الاقتصادي. ومع تطور التكنولوجيات وما صاحبه من تطور اقتصادات الحجم، احتاج مزيد ومزيد من الشركات من كافة الأحجام إلى النفاذ إلى سوق كبيرة آمنة. ومن أجل ازدهار الاقتصاد، وتحقيقا لمصلحة المستهلكين، كان يلزم أن تكون هذه السوق كبيرة بما يكفي لتوفير مجال للمنافسة حتى بين الشركات الكبرى؛ لذا فمع تطور الاقتصادات الأوروبية، تلا مشروع الجماعة الاقتصادية الأوروبية الأصلي، المتمحور حول إلغاء التعريفات الجمركية في إطار اتحاد جمركي، برنامج السوق الموحدة في الثمانينيات، ثم العملة الموحدة في التسعينيات.
كانت ثمة دوافع اقتصادية وسياسية، على حد سواء، وراء كل واحد من هذه المشروعات، وهي منافع العقلانية الاقتصادية، وتوحيد نظام الجماعة كإطار للعلاقات السلمية بين الدول الأعضاء. كان كل من الاقتصاد والسياسة أيضا ضلعا في جوهر هذه المشروعات ومحصلاتها؛ لأن تكامل الاقتصادات الحديثة يتطلب إطارا قانونيا؛ ومن ثم مؤسسات سياسية وقضائية مشتركة، كما أن النجاح في الميدان الاقتصادي أو السياسي وحده ما كان ليكفي لاستدامة الجماعة، بل كان يجب أن يكون النجاح في كليهما، وهو ما حققه كل من الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة. ونذكر أيضا أن توليفة من الدوافع الاقتصادية والسياسية هي التي ضمنت إطلاق العملة الموحدة، وإن كانت مشاركة الدول الأعضاء كافة لم تتحقق بعد. (1) السوق الموحدة
كانت التعريفات الجمركية وحصص الواردات لا تزال في الخمسينيات هي الحواجز الرئيسة أمام التبادل التجاري، فبدأت العملية الدولية للحد منها بقيادة أمريكية في اتفاقية الجات (الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة)، لكن الدول الأعضاء في الجماعة أرادت أن تفعل شيئا أكثر من ذلك، فكانت النتيجة قيام الاتحاد الجمركي للجماعة الاقتصادية الأوروبية، وإزالة الحواجز الجمركية والحصص أمام تجارتها المتبادلة، وإنشاء تعريفة خارجية موحدة. (2) الاتحاد الجمركي وسياسة المنافسة
ألغيت التعريفات والحصص المفروضة على التجارة على مراحل فيما بين عامي 1958 و1968، فاستجابت الصناعة إيجابيا، ونمت التجارة عبر الحدود بسرعة حتى وصلت لأكثر من ضعفين خلال ذلك العقد.
على الرغم من أن التعريفات الجمركية والحصص كانت أهم مظاهر التشويه التي تعوق التجارة، فإنها لم تكن الوحيدة. فأعطيت الجماعة أيضا صلاحيات حظر الإجراءات التقييدية، وإساءة استعمال المراكز المهيمنة في القطاع الخاص؛ حيث أسندت المعاهدة هذه المهمة إلى المفوضية، وذلك دون تدخل من حكومات الدول الأعضاء. وفي 1989، أعطيت المفوضية أيضا صلاحية مكافحة عمليات الاندماج والاستحواذ الكبيرة إلى حد يشكل تهديدا للمنافسة في الجماعة. وقد فعلت المفوضية مسلحة بهذه الصلاحيات الكثير للإثناء عن السلوك غير التنافسي، حتى اعتبرت أقوى محارب للاتحادات الاحتكارية في العالم. وهكذا؛ ففي 2008، غرمت المفوضية شركة سان جوبان 895 مليون يورو لسيطرتها بما يخالف القانون على نسبة من سوق زجاج السيارات. وقد سعت المفوضية نتيجة حجم العمل المنوط بها إلى إعادة بعض هذه المسئوليات إلى السلطات المعنية بالمنافسة في الدول الأعضاء، فمارست جماعات مصالح الأعمال ضغطا للحيلولة دون ذلك؛ لأنها تجد أن الأوفق التعامل مع المفوضية بوصفها «مركزا جامعا»، لكن تحقق بالفعل قدر ما من اللامركزية بإنشاء شبكة المنافسة الأوروبية التي تتبادل في إطارها المفوضية والسلطات الوطنية المعلومات وتنسق التحقيقات.
يمكن أيضا أن تتخذ المنافسة غير العادلة شكل إعانات مالية تقدمها حكومة أي دولة عضو لشركة أو قطاع (ما يسمى بلغة الاتحاد الأوروبي «معونات الدولة»)، مما يمكنها من تقويض المنافسين الأكفاء، وإضعاف قدرتهم على الاستمرار في المنافسة. وقد أعطيت المفوضية صلاحية حظر مثل هذه الإعانات المالية، لكن تبين أن السيطرة على الحكومات أصعب منها على الشركات. وتمكنت المفوضية من إنفاذ بعض القرارات الصعبة على الحكومات الممانعة ، لكنها لم تستطع - بوجه خاص في السبعينيات بعد أن أضعفها ديجول، وفي ظل تأثر الاقتصادات تأثرا شديدا بفعل الركود - أن تفعل إلا القليل للحد من طوفان الإعانات المالية المتزايد.
انتشرت في تلك السنوات، بجانب هذه الإعانات المالية، الحواجز غير الجمركية، حتى أصبحت العقبة الرئيسة أمام التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، وكان من أسبابها التقدم التكنولوجي الذي تمخضت عنه لوائح تنظيمية معقدة تختلف من دولة إلى أخرى. والأهم من ذلك كان الضغط من أجل الحماية الممارس من جانب الدول التي تعاني من الركود التضخمي السائد آنذاك. كان الاقتصاد الأوروبي بحق في حالة سيئة خير ما يصورها مصطلح «التصلب الأوروبي». وقد التمس مخرج؛ إذ أقنعت المفوضية وكبرى جماعات مصالح الأعمال الحكومات بالحاجة إلى برنامج لإتمام السوق الداخلية للجماعة. (3) برنامج إتمام السوق الموحدة بحلول 1992
عكف بعض قيادات الأعمال وموظفي المفوضية - واضعين نصب أعينهم نجاح إلغاء التعريفات الجمركية الداخلية في الستينيات - على فكرة وضع برنامج لإزالة الحواجز غير الجمركية. وعندما تولى ديلور رئاسة المفوضية عام 1985 استمسك بهذه الفكرة، باعتبارها المبادرة الرئيسة الوحيدة التي ستساندها حكومات الدول الأعضاء كافة؛ فالأغلبية ستساندها لفضائلها الاقتصادية، وللهدف السياسي المتمثل في «إعادة تدشين الجماعة» بعد عقدين من الجمود نوعا ما، والسيدة تاتشر ستساندها لتحرير الاقتصاد وحده، لكن تاتشر أسدت للجماعة خدمة بترشيحها اللورد كوكفيلد، وزير تجارتها السابق صاحب الإمكانات، مفوضا للعمل مع ديلور في هذا المشروع.
قدم ديلور وكوكفيلد المشروع إلى المجلس الأوروبي في يونيو 1985. وعلى الرغم من أن برنامج إلغاء التعريفات في الستينيات أمكن النص عليه في المعاهدة على هيئة تخفيضات بنسب مئوية، تطلب إلغاء الحواجز غير الجمركية برنامجا ضخما من تشريعات الجماعة؛ إذ لزم التعامل مع الإجراءات الحدودية والتمييز الناجم عن المعايير واللوائح التنظيمية، وعن المشتريات العامة، وعن التباينات في فرض الضرائب غير المباشرة. نشرت المفوضية «وثيقة بيضاء» تبين ضرورة سن نحو 300 تدبير، وتقترح جدولا زمنيا لإتمام البرنامج في غضون ثماني سنوات، فأقرها المجلس الأوروبي وأدمجها في القانون الأوروبي الموحد؛ مما جعل إتمام البرنامج بنهاية 1992 التزاما تعاهديا .
كانت إزالة الحواجز غير الجمركية واردة بالفعل ورودا ضمنيا في معاهدة روما، التي حظرت «كل التدابير ذات الأثر المكافئ» لحصص الواردات، لكن نظرا لأن ممارسة التصويت بالإجماع كانت قد عرقلت العملية التشريعية، نص القانون الموحد على التصويت بالأغلبية المشروطة على معظم التدابير المطلوبة لإتمام البرنامج، كما خفضت المفوضية أيضا العبء التشريعي باعتمادها على مبدأ الاعتراف المتبادل الذي كانت المحكمة قد أرسته بحكمها الصادر في قضية «كاسيس دو ديجون»، وبتفويضها اتخاذ القرارات بشأن معظم التفاصيل إلى معاهد المعايير القائمة. وعلى الرغم من ذلك، ظلت السوق الموحدة مبادرة ضخمة، ولا ريب أنها كانت واحدة من أعظم برامج التشريع الرامية إلى تحرير التجارة في تاريخ العالم.
وقد نجحت نجاحا مبهرا؛ إذ كان النصف الأخير من عقد الثمانينيات فترة انتعاش اقتصادي في الجماعة. وعلى الرغم من أن المرء لا يمكنه أن يحدد بيقين مقدار ما يعزوه من هذا الانتعاش إلى برنامج السوق الموحدة؛ فإن الأبحاث الاقتصادية عزت إليه على الأقل بعض الفضل. لقد ساهم البرنامج يقينا في هذا الانتعاش باستنباط وجهات نظر إيجابية حول الآفاق المستقبلية للأعمال، وبتنشيط التجارة والإصلاح الهيكلي الذي تجسد في عدد كبير من عمليات الاندماج عبر الحدود. كانت الدول الأقل تقدما صناعيا، وهي اليونان والبرتغال، وفي ذلك الحين أيرلندا وإسبانيا، قد ضمنت مضاعفة الصناديق البنيوية لمساعدتها على التكيف خشية لحوق ضرر بها من جانب المنافسين الأشد قوة، كما استفادت هذه الدول أيضا من البرنامج بفضل هذه الخطوة، وبفضل اقتصاد الجماعة النامي.
وعلى الصعيد السياسي، نالت السوق الموحدة درجة ملحوظة من الاستحسان عبر ألوان الطيف من أنصار الفيدرالية إلى المتشككين بجدوى الاتحاد الأوروبي؛ حيث كانت مثالا نموذجيا لهدف يمكن «نظرا لحجمه ... تحقيقه بشكل أفضل بمعرفة الجماعة»، كما تنص المادة الخاصة بمبدأ الولاية الاحتياطية بالمعاهدة. وضمن الإطار التشريعي سوقا كبيرة جدا للمنتجين، وأعطى المستهلكين تطمينا معقولا على السلوك التنافسي بين هؤلاء المنتجين. وهكذا قويت المفوضية والمجلس والبرلمان بفضل مخرجاتها الناجحة التي تشمل جزءا كبيرا من المجموعة الهائلة من تشريعات الاتحاد، كما تعزز من ثم دور المحكمة.
لقد انتهي من الجزء الأكبر من البرنامج، لكن ما زالت هناك فجوات كبيرة؛ حيث تركزت أبرز الصعوبات في مجال تحرير الخدمات، التي على الرغم من أنها تمثل ما يزيد على ثلثي إجمالي الناتج المحلي للاتحاد الأوروبي، لا يتم تقديمها عبر الحدود إلا قليلا، لا سيما بسبب مخاوف الدول الأعضاء القديمة من مجيء الأيدي العاملة الرخيصة من أوروبا الوسطى والشرقية. وتجلى هذا كأوضح ما يكون في حملة الاستفتاء الشعبي الفرنسي على «معاهدة الدستور» في 2005، عندما صار «توجيه بولكشتاين» - الذي استهدف تحرير الخدمات داخل الاتحاد - رمزا للإغراق الاجتماعي، وصار «السباك البولندي» باعثا لقلق سياسي شديد. وعندما ووفق على توجيه بولكشتاين عام 2006، كان قد خضع لقدر كبير من التعديل على نحو أضعف أثره. (4) العملة الموحدة
يتطلب أي اتحاد نقدي حرية انتقال الأموال بصورها كافة عبر الحدود بين الدول الأعضاء، وإلغاء أسعار الصرف فيما بينها. وقطع برنامج السوق الموحدة شوطا بعيدا نحو الوفاء بالمتطلب الأول، ومهدت «آلية أسعار الصرف» الساحة للثاني.
أنشئت «آلية أسعار الصرف» عام 1979 بعد المحاولة الفاشلة للانتقال إلى الاتحاد النقدي في السبعينيات، وتطلبت من البنوك المركزية التدخل في أسواق العملة للحفاظ على تقلبات أسعار الصرف المتبادلة ضمن أطر ضيقة؛ وبنهاية الثمانينيات حققت سجلا قويا من الاستقرار النقدي اعتمادا على البنك المركزي الألماني كمرتكز. وها هنا مجددا، تنحت بريطانيا جانبا في البداية لتنضم عام 1990 بثمن أعلى مما ينبغي، ومن دون الخبرة المكتسبة على مدى العقد السابق من التعاون. وفي سبتمبر 1992، أجبر اضطراب العملات الحكومة البريطانية على سحب الجنيه من آلية أسعار الصرف فيما صار معروفا باسم «الأربعاء الأسود»؛ مما جعل التكامل النقدي موضوعا مقلقا بالنسبة لكثير من الساسة البريطانيين. أما في الدول الأعضاء الأخرى، فقد كان لآلية أسعار الصرف الأثر المعاكس، مع تدفق فوائد استقرار أسعار الصرف إلى الفاعلين الاقتصاديين، وسمحت الآلية من ثم بالمزيد من إعادة الاستثمار في الإنتاج، وتوفير فرص عمل جديدة، وكلاهما مهم بصفة خاصة في سوق موحدة.
ساندت معظم الحكومات مشروع العملة الموحدة لدوافع سياسية أكثر منها اقتصادية. كان الالتزام الأقوى في فرنسا، المعروف عنها مساندتها استقرار أسعار الصرف، ناهيك عن رغبتها في المشاركة في السيطرة على بنك مركزي أوروبي؛ ومن ثم استرداد بعض الاستقلالية النقدية التي فقدت عمليا لمصلحة البنك المركزي الألماني. قبلت الدول الأعضاء الأخرى، باستثناء الدنمارك والمملكة المتحدة، مثل هذه المسوغات، ولا سيما في ظل توحيد ألمانيا حديثا، لكن بالنسبة لألمانيا، وعلى الرغم من أن دافعها السياسي لقبول العملة الموحدة باعتبارها شرطا فرنسيا لوحدة شطريها كان دافعا حاسما، كانت لا تزال هناك تحفظات بشأن استبدال عملة غير مجربة بالمارك الألماني بقوته واستقراره اللذين استحقهما عن جدارة. لكن إمكانية بناء نظام مماثل عبر الاتحاد كانت بلا شك دافعا آخر لاقتصاد قائم على الصادرات كاقتصاد ألمانيا. وإذا كانت الدول الأخرى ستقبل منطق التنسيق الاقتصادي الكلي بجانب العملة ذاتها؛ فهذا سيخدم مصالح ألمانيا في نهاية المطاف. (5) الهدف من الاتحاد الاقتصادي والنقدي
أنشأت معاهدة ماستريخت، بنصها على إقامة اتحاد اقتصادي ونقدي، البنك المركزي الأوروبي؛ بحيث يتمتع باستقلالية تامة حاله كحال البنك المركزي الألماني. يسمى البنك المركزي الأوروبي هو والبنوك المركزية بالدول الأعضاء «النظام الأوروبي للبنوك المركزية». ويشكل الأعضاء الستة بالمجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، بجانب محافظي البنوك المركزية الأخرى، مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي؛ ولا يجوز لأي من هذه البنوك ولا لأي عضو بأجهزة اتخاذ القرار فيها تلقي تعليمات من أي كيان آخر. ويتمثل «الهدف الأساسي» للنظام الأوروبي للبنوك المركزية في «الحفاظ على استقرار الأسعار»، وإن كان - مع مراعاة هذا الشرط المطلق - منوطا به أيضا مساندة «السياسات الاقتصادية العامة» للاتحاد. وللبنك المركزي الأوروبي الحق، دون غيره، في تخويل إصدار العملة الورقية، واعتماد كمية العملة المعدنية التي تسكها دور الضرب في الدول الأعضاء. واستجابة لرغبة ألمانيا، اختير للعملة الموحدة اسم اليورو لا اسم الإيكو الذي يبدو فرنسيا.
لضمان اقتصار المشاركة في اليورو على الدول التي حققت استقرارا نقديا، وضعت خمسة «معايير توافق» بشأن معدلات التضخم، وأسعار الفائدة ، وأسقف عجوزات الميزانية، وإجمالي الدين العام، واستقرار أسعار الصرف ؛ إذ اشترط على سبيل المثال ألا تتجاوز عجوزات الميزانية 3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وأن ينحصر الدين العام في حدود 60 في المائة من إجمالي الناتج المحلي ما لم يكن «متناقصا بدرجة كافية»، ويقترب من الحد «بوتيرة مقبولة». وتقرر ألا يسمح بالمشاركة إلا للدول التي استوفت المعايير؛ ومن جديد حددت مراحل وجدول زمني لإتاحة الوقت لحد أدنى من الدول على الأقل للمشاركة، كما تقرر منح الدول الأخرى «تحللا من التنفيذ» ريثما تستوفي المعايير، بينما تبنى البريطانيون والدنماركيون خيار عدم المشاركة؛ مما يسمح لهم بالبقاء خارجا ما لم يختاروا الانضمام.
في المرحلة الأولى، كان مقررا قبول الجميع آلية أسعار الصرف، وهو ما فعلته بريطانيا لفترة وجيزة قبل أن تلفظها قوى السوق. وفي المرحلة الثانية، كان على الدول إحراز تقدم كاف لاستيفاء معايير التوافق. وبدأت المرحلة الثالثة في يناير 1999 «بالتثبيت النهائي لأسعار الصرف» بين الدول المشاركة؛ مما أفضى في 2002 إلى بدء التعامل باليورو الجديد، ورقا ومعدنا، فحل نهائيا محل عملات الدول المشاركة.
رسم بياني (4): مؤسسات السياسة الاقتصادية والنقدية.
في منتصف التسعينيات، كان هناك قدر كبير من القلق بشأن أي البلدان ستتمكن من استيفاء معايير التوافق، لأسباب اقتصادية (كما في حالة إيطاليا)، ولعوامل سياسية تتعلق بدرجة الصرامة التي سيفسر بها الاتحاد الأوروبي هذه المعايير. المفاجأة أن انتعاشا اقتصاديا وضغطا سياسيا قويا سمحا لإحدى عشرة من الثلاث عشرة دولة بالانضمام في 1999، ولم يستثن تحديدا إلا اليونان (على الرغم من إعطائها الضوء الأخضر بعدئذ بعام)، فيما كانت الحكومة السويدية قد قررت عدم جدوى العضوية سياسيا، وطلبت عدم المضي قدما دون موافقتها.
شكل : اليورو: عملات ورقية ومعدنية.
وهكذا بحلول عام 2002، كانت الأغلبية العظمى من الدول الأعضاء من المشاركين في منطقة اليورو، وصارت قضية العلاقات مع الدول التي بخارجها مسألة مثار بعض الشواغل؛ نظرا لنموذج السياسة الاقتصادية الثنائي الذي تطلبه ذلك. شكليا على الأقل، نجد أن الدول الأعضاء كافة ملتزمة بالعضوية في نهاية المطاف، لكن عمليا، نجد أن الافتقار إلى الدعم الشعبي في المملكة المتحدة والدنمارك والسويد ، لا سيما في أعقاب أزمة منطقة اليورو، يعني أن هذا الموقف سيستمر على الأرجح في المستقبل المنظور. وفي المملكة المتحدة، تخلت الحكومة العمالية عن هذه القضية في 1999 بشروط تتعلق بالتوافق الهيكلي، والمرونة الكافية في اقتصادات منطقة اليورو، والأثر على مختلف المؤشرات الاقتصادية، وكلها ذات صياغة ملتبسة بشكل ملائم؛ مما يسمح لأي حكومة مستقبلية باتخاذ قرار استنادا إلى العوامل السياسية. وكان لهذا أهمية خاصة نظرا للتوافق بين مختلف الأحزاب على أن أي قرار سيتخذ سيكون بعد استفتاء شعبي.
كانت الدول الأعضاء الجديدة تعكس إلى حد ما ازدواجية هذه الدول الأعضاء الثلاث؛ فعلى الرغم من انضمام سلوفينيا ومالطة وقبرص وسلوفاكيا وإستونيا كلها إلى منطقة اليورو، فإن عددا من الدول الأخرى كبحت حماسها الأولي للمشاركة؛ لأسباب تتعلق بالمرونة الاقتصادية التي يتيحها الاحتفاظ بعملة وطنية أكثر منها بأي إحساس معين تجاه العملة باعتبارها رمزا قويا للهوية الوطنية. علاوة على ذلك، فإن الدول الأعضاء الجديدة كافة ملزمة قانونا بطرح اليورو في أسرع وقت ممكن؛ إذ لا تتمتع بخيار عدم المشاركة الذي تتمتع به المملكة المتحدة والدنمارك. (6) عملة في أزمة
إذا كان اليورو قد احتفي به في البداية بوصفه تجسيدا لمرحلة جديدة في التكامل الأوروبي، فقد كشفت السنوات الأخيرة الوجه الآخر لهذا التطور، باعتبار أن اليورو هو بوتقة اختبار الالتزام السياسي تجاه الاتحاد. فربما أغرت فترة النمو الاقتصادي الممتدة في العقد الأول من القرن الجاري البعض لاعتقاد أن التصميم اللاتماثلي للاتحاد الاقتصادي والنقدي ليس بمشكلة، لكن الضربة المزدوجة التي جاءت من الأزمة المالية بداية من 2007، وأزمة الديون السيادية بعد ذلك بسنتين، ضمنتا إفاقتهم على أمور مثار قلق شديد.
تكمن جذور الأزمة المالية في تخفيف القيود التنظيمية المفروضة على الأسواق المالية في أوائل العقد الأول من هذا القرن وما تلا ذلك من تضخم كثير من الاقتصادات العالمية. وأسفر الانهيار المفاجئ الذي شهده كثير من كبار الأطراف الفاعلة في السوق سنة 2007 - مع اتضاح نطاق التعرض للدين المعدوم ومداه - عن تعثر الائتمان حول العالم؛ مما جعل البنوك من ثم غير راغبة في تقديم القروض للشركات، أو غير قادرة على ذلك؛ وهو ما أجبر الحكومات على التحول إلى التدخلات الكينزية التقليدية لإعادة السيولة إلى الأسواق.
كان هذا في حد ذاته سيصبح أمرا يمكن تدبره داخل الاتحاد الاقتصادي والنقدي بصورته القائمة؛ لأن السياسة الاقتصادية الكلية وتنظيم البنوك كانا لا يزالان في أيدي السلطات الوطنية، لكن بداية من 2009، حولت الأسواق المالية اهتمامها بعيدا عن البنوك، واتجهت إلى الحكومات، وبالأخص ديونها. وتنامى قلق الأسواق بخاصة بشأن تحمل الدول أعضاء منطقة اليورو مقادير مفرطة من الديون السيادية (أي الحكومية) لدرجة من شأنها أن تهدد قدرتها على خدمة ذلك الدين، أو على الحفاظ على قدرة الأنظمة المصرفية الوطنية على الوفاء بالتزاماتها المالية.
لعبت عضوية منطقة اليورو يقينا دورا رئيسا في هذا؛ حيث صارت الدول، التي كانت تتسم من قبل بضعف الإدارة المالية، قادرة على الاستفادة من رجاحة العقل الألمانية المتصورة في عموم منطقة اليورو عند إصدار سندات دين جديدة، والتي كانت تباع بأسعار أقل كثيرا من ذي قبل. شجع ذلك على تراخ في الإدارة المالية من قبل تلك الدول، بعد جهودها السابقة لاستيفاء متطلبات الانضمام إلى العملة الموحدة. كان «ميثاق الاستقرار والنمو» الذي ضمن في معاهدة أمستردام محاولة متأخرة للحفاظ على النظام الأشد صرامة، غير أن استهانة الدول الأعضاء، بما فيها ألمانيا وفرنسا، الدائمة به في منتصف العقد الأول من القرن الجاري ترتب عليها عدم إنفاذه، وإن كان المناخ الاقتصادي الكلي المؤاتي عموما هو وحده الذي يسر استدامة الوضع.
بداية من 2010 فصاعدا، انخرط زعماء منطقة اليورو في سلسلة من التدابير الطارئة لمحاولة كسب زمام المبادرة، منها إنشاء «مرفق الاستقرار المالي الأوروبي» في مايو 2010 الذي يملك التصرف في نحو 750 مليار يورو لتوفير دعم مكثف لأعضاء منطقة اليورو. كان هذا المرفق هو الوسيلة التي قدمت من خلالها معونات الإنقاذ إلى أيرلندا والبرتغال واليونان (مرتين حتى الآن في حالة اليونان). ترافقت مع هذه المعونات اشتراطات لتنفيذ إصلاحات متنوعة على جانب العرض لتهيئة الظروف للمزيد من النمو المستدام على المدى الطويل. وكان استعداد البنك المركزي الأوروبي - برئاسة ماريو دراجي - لتقديم قروض قليلة التكلفة للبنوك، ووقف الدين السيادي منذ 2012 بمثابة وسيلة لتخفيف الضغط، وإن كان بشكل مؤقت.
إذا كان مرفق الاستقرار المالي الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وفرا مصدر إغاثة قصير المدى، فقد بذل أيضا جهد لوضع آليات تضمن عدم تكرار الأزمة مجددا. سار هذا الجهد في ثلاث مراحل رئيسة؛ أولا: جرى إصلاح ميثاق الاستقرار والنمو من خلال ما أطلق عليه «مجموعة التشريعات الستة» التي أقرت في 2011 للسماح بإنفاذ أشد صرامة لنصوصه المعنية بالعجوزات المفرطة، وهو ما وضع إطارا للعمل، إضافة إلى «ميثاق من أجل اليورو» وإصلاحاته التي أدخلها على جانب العرض في اقتصادات منطقة اليورو، غير أن محدوديات هذا النهج ساعدت على دفع الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو إلى مرحلة ثانية بدأت في أواخر 2011، عندما تم إقرار «الاتفاق المالي الأوروبي».
يقع هذا الاتفاق (أو «معاهدة الاستقرار والتنسيق والحوكمة في الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي» كما يعرف رسميا) خارج الإطار القانوني للاتحاد الأوروبي، لكن يمكنه استخدام مؤسساته. وقد نتج هذا الترتيب الغريب عن امتناع الحكومة البريطانية، في المجلس الأوروبي المنعقد في ديسمبر 2011، عن الموافقة على مراجعة للمعاهدة بالطريقة المعتادة؛ حيث طلبت حماية لمدينة لندن باعتبارها مركزا ماليا عالميا فرفض طلبها. ترتب على هذا الاعتراض، الذي انضمت إليها فيه الحكومة التشيكية، أن اضطر أعضاء منطقة اليورو ومعظم أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين إلى اتخاذ مسار ذي طابع حكومي دولي لتحقيق هدف الاتفاق الرئيس المتمثل في وضع اشتراطات قانونية تقضي بأن تكون الموازنات العامة للدول متوازنة. وينص الاتفاق على آليات أقوى للمراقبة والإنفاذ على المستوى الأوروبي، بما في ذلك إمكانية اتخاذ إجراء قانوني أمام المحكمة. لقد سعت منطقة اليورو بفعلها هذا إلى إعطاء الأسواق مزيدا من الثقة في استدامة منطقة العملة على المدى الطويل.
دعما للاتفاق المالي الأوروبي، كان هناك أيضا توافق على تحويل مرفق الاستقرار المالي الأوروبي إلى أساس دائم، وذلك بإنشاء «آلية الاستقرار الأوروبية» التي تحل محل مرفق الاستقرار المالي الأوروبي، وتوفر مجموعة أشمل كثيرا من الاحتياطيات المالية لدعم اقتصادات منطقة اليورو التي تعاني من متاعب. وتتموضع هذه الآلية، على عكس الاتفاق المالي الأوروبي، في صميم نظام التعاون المعزز بالاتحاد؛ حيث تنطبق على كل أعضاء منطقة اليورو.
غير أنه حتى مع التفاوض والموافقة السريعين على الاتفاق المالي، شهد عام 2012 ضغطا مجددا؛ مما أجبر من ثم الحكومات والمفوضية على وضع مخطط من جديد. ويدور النقاش في هذه المرحلة الحالية حول التكامل بما يتجاوز حدود التنسيق، ربما من خلال توحيد اللوائح المصرفية بحلول 2014، ثم الدخول في شيء أشبه باتحاد اقتصادي كامل. وهذا التطور الأخير من شأنه تكامل الميزانيات الوطنية والإشراف عليها من قبل المفوضية، إضافة إلى اتحاد مالي مع إنشاء دين سيادي مشترك، لكن كل هذه المقترحات ما زالت تحتاج إلى تفصيل وتفاوض كما ينبغي؛ نظرا للقفزة النوعية التي ستمثلها.
كانت نتيجة كل هذه التطورات الانتقال بالاتحاد الاقتصادي والنقدي إلى مرحلة جديدة من وجوده؛ إذ كشفت ضغوط قوى السوق شديدة السلبية محدوديات التصميم اللاتماثلي الذي أرسي في معاهدة ماستريخت. وهكذا اضطر أعضاء منطقة اليورو إلى تعزيز التزامهم باليورو، وتقوية عدد من الجوانب الأساسية لتكاملهم الاقتصادي والمالي.
غير أن الاتحاد الاقتصادي والنقدي لن يؤدي حتما إلى دولة فيدرالية؛ فالدولة الفيدرالية تمدد صلاحياتها المركزية لتشمل استعمال القوة، وهذا لا ينتج عن تبني اليورو. أما الجدل الدائر حول التكامل في ميدان الدفاع (الذي سنتناوله في موضع لاحق) فشيء مختلف. وفيما يتعلق بتقوية المؤسسات وإضفاء مزيد من الديمقراطية عليها؛ فهذا شيء منشود بالفعل، سواء بالعملة الموحدة أو دونها، وسوف تصبح هذه التقوية ضرورية إذا أردنا أن يتمكن الاتحاد من تلبية حاجات مواطنيه، ويتفادى مخاطر التفكك.
الفصل الخامس
الزراعة والأقاليم
والميزانية: صراعات حول ما سيحصل عليه كل طرف
السوق الموحدة وضع مربح لجميع الأطراف؛ فنظرا لتعزيزها الإنتاجية في الاقتصاد، هناك منفعة تتحقق لمعظم الناس، سواء أحصلوا هذه المنفعة على هيئة زيادة في الاستهلاك، أم نقص في ساعات العمل. لكن بجانب الأغلبية التي تكسب، سيكون هناك البعض ممن يخسرون، أو على الأقل يخشون أنهم سيخسرون من فتح الأسواق أمام منافسين جدد، وقد يطلب هؤلاء البعض تعويضا عن موافقتهم على المشاركة في الترتيبات الجديدة. وعادة ما يكون لمثل هذا التعويض آثاره على ميزانية الاتحاد، ويبدو كوضع يكسب فيه بعض الأطراف ويخسر بعضهم خسارة مكافئة؛ مما قد يؤدي إلى صراع بين من يدفعون ومن يقبضون، حتى وإن كانت حزمة التعويض والمنافسة - إذا أخذا سويا - تفيد كلا الطرفين. كان أول مثال مهم على هذا اشتمال الزراعة في السوق المشتركة للجماعة الاقتصادية الأوروبية. (1) الزراعة
كان فتح سوق الجماعة أمام التجارة في المواد المصنعة، عندما تأسست الجماعة الاقتصادية الأوروبية، مسألة بسيطة نسبيا تتعلق بإلغاء التعريفات الجمركية والحصص على مراحل، لكن إلغاء التعريفات الجمركية والحصص لم يكن إلا جزءا صغيرا من مشكلة إنشاء سوق مشتركة زراعية. كانت البلدان الأوروبية كافة تدير أسواقها الزراعية بأدوات معقدة: كالإعانات المالية وسياسات دعم الأسعار؛ لضمان مدخولات كافية للمزارعين، وأمن الإمدادات الغذائية؛ لذا فإن أي سوق مشتركة للحاصلات الزراعية كان يلزم أن تكون سوقا مدارة معقدة للجماعة كي تحل هذه السوق محل أسواق الدول الأعضاء. كان الأبسط أن تنحصر السوق المشتركة في مجال الصناعة، لكن الفرنسيين كانوا يخشون احتمال المنافسة الصناعية الألمانية، ونظرا لامتلاكهم قطاعا زراعيا تنافسيا أصروا على فتح سوق الجماعة أمام الزراعة أيضا.
كانت النتيجة هي السياسة الزراعية المشتركة التي تقدم الدعم لأسعار المنتجات الرئيسية على المستويات التي يقررها مجلس وزراء الزراعة من خلال رسوم متغيرة تفرض على الواردات الآتية من خارج الجماعة، وشراء الإنتاج الفائض بالأسعار المدعومة وتخزينه. تعززت مدخولات المزارعين بفضل ارتفاع الأسعار التي يدفعها المستهلك بجانب الإعانات المالية المقدمة من دافعي الضرائب بالجماعة لتمويل الفوائض التي تمخض عنها ارتفاع الأسعار. وبينما كان هذا وضعا مقبولا في سنين الجماعة الأولى، برزت توترات جديدة بمجرد انضمام المملكة المتحدة إلى العضوية. فبفضل نموذج التجارة الحرة البريطاني كانت الأسعار هناك أقل بكثير؛ لذا كانت عضوية «السياسة الزراعية المشتركة» بمثابة ضربة ثلاثية لها، قوامها ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وارتفاع مستويات المساهمات البريطانية في الميزانية نتيجة رسوم الواردات على المواد الغذائية، وانخفاض مقبوضاتها من الميزانية نتيجة صغر حجم قطاعها الزراعي.
قدر لهذا الوضع أن يفجر معركة دامت خمس سنوات عقب تولي السيدة تاتشر رئاسة الوزراء عام 1979، منتهجة عرقلة الكثير من أعمال الجماعة الأخرى في إطار سياستها التي أسمتها «استرداد أموالنا». بلغت الأمور مرحلة حرجة في 1984، عندما كان تراكم المخزونات مثل «جبال الزبد» و«بحيرات الخمر» قد تكلف كثيرا جدا، لدرجة أن احتاجت الجماعة إلى رفع سقف إيراداتها من الضرائب، وهو ما كان يتطلب موافقة بالإجماع من الدول الأعضاء؛ لذا أبرمت صفقة، حيث اتفق على رفع سقف الموارد الضريبية المخصصة للجماعة، وعلى منح تخفيض سنوي لبريطانيا يبلغ نحو ثلثي مساهمتها الصافية. واتخذت في الوقت نفسه خطوة لإصلاح السياسة الزراعية المشتركة، لكنها ليست إلا خطوة متواضعة؛ لأن الاهتمام كان مركزا على مسألتي التخفيض والموارد الضريبية. (2) مراحل الإصلاح
سارت السياسة الزراعية المشتركة بخطوات بطيئة متثاقلة، وأدت إلى تراكم المزيد من الفوائض باهظة التكلفة حتى جاء عام 1988 ونفدت الأموال من جديد. وفي هذه المرة تغلبت المصالح المالية للدول الأعضاء. في ظل تقسيم المجلس إلى وحدات وظيفية، كانت قرارات مجلس وزراء الزراعة بشأن أسعار المنتجات الزراعية قد حددت مستوى معظم نفقات الجماعة، ولم يكن لمجلس وزراء المالية إلا دور محدود فيها. ونظرا لأن الفاتورة الناشئة عن ذلك كان يلزم سدادها من موارد الجماعة الضريبية، كان وزراء الزراعة في الحقيقة هم الذين يقررون معدل الضريبة التي يدفعها المواطنون للجماعة. كان يلزم إرساء رقابة مالية، فوافق المجلس الأوروبي في 1988 على حزمة تدابير اقترحها ديلور ترتب عليها تطبيق «منظور مالي» يضع حدودا للعناوين الرئيسة لنفقات الجماعة خلال السنوات الخمس من 1988 إلى 1992. وحصر نمو الإنفاق على الزراعة في أقل من ثلاثة أرباع معدل نمو المجموع الكلي.
في حين أزالت هذه الخطوة شيئا من حدة الصراع على المال، كانت لا تزال هناك حاجة إلى إدخال إصلاح جاد على السياسة الزراعية المشتركة. وبحلول 1992، كان المفوض المسئول عن الزراعة الوزير الأيرلندي السابق، راي ماكشيري، الذي انبرى للمشكلات واستطاع ببراعة التغلب على المصالح المتعارضة؛ ليضمن الحصول على تخفيض بنسبة 15 في المائة في السعر المدعوم للحم البقري، ونحو الثلث بالنسبة للحبوب. لم تخفض مستويات النفقات الحالية؛ لأنه جرى تعويض المزارعين بدعم لدخولهم تضمن مدفوعات «تبوير الأراضي» مقابل إراحتهم الأرض الزراعية، لكن هذه التدابير ألغت الديناميكية التوسعية من السياسة الزراعية المشتركة، ومهدت الساحة للمزيد من الإصلاح.
ظلت تكلفة السياسة الزراعية المشتركة عبئا ثقيلا على الجماعة؛ حيث كان نصف الميزانية ينفق على دعم قطاع يعمل به أقل من 5 في المائة من القوة العاملة، ويذهب معظمه إلى أقلية صغيرة من كبار المزارعين وأثريائهم. زد على ذلك أنه بنهاية التسعينيات، كانت الضغوط المزدوجة المترتبة على التوسع شرقا والمفاوضات في منظمة التجارة العالمية حديثة التأسيس تجبر الاتحاد الأوروبي على إجراء المزيد من الإصلاح الهيكلي. كانت الدول الأعضاء الجديدة سترفع التكاليف بشدة على الأرجح، في حين كانت ضرورة الوصول إلى اتفاق في مفاوضات تحرير التجارة بمنظمة التجارة العالمية تضغط بشكل متزايد في اتجاه إجراء تخفيضات في مستويات الدعم الزراعي. بناء على ذلك وافق الاتحاد على تخفيضات كبيرة بالنسبة لبعض المنتجات عام 1999، في إطار مفاوضات أوسع بشأن الميزانية، إضافة إلى تبني مفهوم السياسة الزراعية المشتركة متعددة الوظائف، بمعنى سياسة تمتد إلى البعدين الاجتماعي والبيئي اللذين يحيطان بالزراعة. كانت إعادة صياغة السياسة الزراعية المشتركة هكذا باعتبارها سياسة «ريفية» - على نحو ما أكده «فحص السلامة» عام 2008 - خطوة مهمة للمساعدة على إطلاق العنان للإصلاحات التي أخرتها بعض الدول، وأبرزها فرنسا.
رسم بياني (5): الحصة المنفقة من الميزانية على السياسة الزراعية المشتركة، 1970-2010 (النسبة المئوية من الميزانية الإجمالية).
صار هذا أكثر وضوحا بكثير في «استعراض منتصف المدة» لاتفاقية 1999 عام 2003، في ظل ما اعتبر في البداية استعراضا بسيطا للتغييرات التي تفرز إصلاحات تتساوى في أهميتها مع إصلاحات ماكشيري قبل ذلك بعقد من الزمان. جرى تخفيض مبلغ دعم الأسعار مجددا، لكن الثورة الأهم كانت التحول إلى الدعم المباشر للمزارعين؛ فحتى ذلك الحين كانت السياسة الزراعية المشتركة تستخدم آليات دعم الأسعار لدفع الأموال للمزارعين ، موفرة بذلك حافزا قويا للإفراط في الإنتاج، ومن هنا جاءت بحيرات الخمر وجبال الزبد في الثمانينيات. ونظام «مدفوعات المزرعة الواحدة» الجديد الذي طبق عام 2006 يفصل الدفع عن الإنتاج (أو كما في لغة الاتحاد «يزيل الاقتران» بينهما)؛ إذ تدفع الإعانة بدلا من ذلك للمزارعين للعناية بأراضيهم بصرف النظر عما إذا قرروا زراعتها أم لا.
ربما كان التخلي عن نموذج دعم الأسعار القديم حتميا في مواجهة الضغوطات التي كانت السياسة الزراعية المشتركة قد واجهتها على مدى الأربعين سنة السابقة؛ إذ أثبتت العوامل المؤلفة من التوسع، ومفاوضات منظمة التجارة العالمية، والشواغل البيئية المتزايدة، ومخاوف الصحة العامة أنها في النهاية أقوى من أن تقاوم. الأمر الذي لا يزال غير واضح هو كيف ستتطور السياسة الزراعية المشتركة في الأمد المتوسط؛ فالدول الأعضاء الجديدة مؤيدة بطبيعتها لسياسة زراعية مشتركة سخية تدفع لمزارعيها إعانات جيدة، فيما صار مفهوم اتباع نهج متعدد الوظائف في التنمية الريفية حديثا أشد هيمنة بكثير داخل المؤسسات. على أي حال، سيتبين أن السياسة الزراعية المشتركة مهيأة لأن تشهد المزيد من التغيير. (3) صندوق التماسك والصناديق البنيوية
تمثل «سياسة التماسك» - وهي بند الإنفاق الآخر الكبير من بنود ميزانية الاتحاد - تجربة أسعد من السياسة الزراعية المشتركة. تنبع هذه السياسة من مخاوف لدى الدول الأعضاء ذات الاقتصادات الأضعف نسبيا من خسارتها في المنافسة الحرة في الاتحاد؛ إذ عندما تأسس الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة والعملة الموحدة، قدمت أموال لمساعدة التنمية الاقتصادية في هذه البلدان؛ بحيث تتعاون في هذه المشروعات الجديدة وتصبح شراكة ناجحة، ومن هنا جاءت كلمة «التماسك».
كان أول مخصص من هذا القبيل لصالح «الصندوق الاجتماعي» المشمول في معاهدة روما بناء على طلب إيطاليا. كان الاقتصاد الإيطالي هو الأضعف بين الدول المؤسسة الست، وخشي الإيطاليون أن يعانوا من تحرير التجارة، فأرادوا صندوقا لمساعدة قوتهم العاملة على التكيف، وأجيب طلبهم وإن كان على نطاق ضيق نوعا ما.
كان دافع إنشاء «الصندوق الأوروبي للتنمية الإقليمية» مختلفا نوعا ما؛ فبحلول وقت انضمام بريطانيا عام 1973، كان أداؤها الاقتصادي قد تخلف عن أداء الدول المؤسسة الست، وكان متوقعا أن تكون مساهمة بريطانيا الصافية في السياسة الزراعية المشتركة كبيرة. كانت بريطانيا لديها ما يكفيها وزيادة من المناطق التي تعاني من متاعب اقتصادية، لكن الدول الأعضاء الأخرى كان لديها نصيبها أيضا؛ فاقترحت حكومة إدوارد هيث، التي كان قد سبق لها التفاوض بشأن انضمام بريطانيا، فكرة صائبة بشأن تأسيس صندوق للمساعدة الإقليمية يحقق المصلحة العامة، ويكون في الوقت نفسه عظيم القيمة بالنسبة لبريطانيا، فلا يساعد تنميتها الإقليمية فحسب، بل يقلل أيضا مساهمتها الصافية في ميزانية الجماعة. وفي حين كان أثر الصندوق الأولي ضعيفا، فإنه تطور ليصبح المصدر الرئيس لتمويل التماسك.
ثالث الصناديق التي صارت تعرف باسم «الصناديق البنيوية» - تأكيدا على أن هدفها لم يكن مجرد إعادة توزيع الأموال، بل بالأحرى تحسين الأداء الاقتصادي في الأجزاء الضعيفة من اقتصاد الاتحاد - هو «الصندوق الزراعي الأوروبي للتنمية الريفية» (سابقا «قطاع التوجيه» بالصندوق الأوروبي للتوجيه والضمان الزراعي) الذي يساعد المزارعين على تنفيذ تغيير هيكلي، لكن الصناديق البنيوية الثلاثة، على الرغم من صغرها في البداية، نمت باطراد، وكانت جاهزة للاستجابة إلى الحاجة إلى توسعة كبيرة في الثمانينيات عندما توسعت الجماعة جنوبا. (4) التوسع والصناديق البنيوية
عندما انضمت إسبانيا والبرتغال واليونان إلى الجماعة، كانت متوسطات دخولها أقل كثيرا من متوسطات دخول الدول الأعضاء الأخرى، عدا أيرلندا التي كانت عند مستوى مماثل قبل نموها غير العادي في التسعينيات. طالبت هذه البلدان الأربعة، بقيادة إسبانيا، بزيادة كبيرة في الصناديق البنيوية، وكانت نتيجة الخوف من عرقلتها الموافقة على تمرير تشريعات السوق الموحدة اشتمال القانون الموحد على مادة بشأن «التماسك الاقتصادي والاجتماعي». واقترح ديلور مضاعفة ميزانية الصناديق البنيوية في المنظور المالي للفترة 1988-1992، وقبل المجلس الأوروبي بذلك.
برزت مشكلة مماثلة عندما تقرر الشروع في الاتحاد الاقتصادي والنقدي، فسعت الدول الأربع ذاتها إلى توسيع مماثل للصناديق البنيوية، فضمن ديلور هذه المرة زيادة بمقدار الخمسين في مخصصات الصناديق للفترة 1993-1999، ونصت معاهدة ماستريخت على تأسيس صندوق التماسك لمساندة المشروعات في مجالي البيئة وبنية النقل التحتية. وبحلول عام 2000، بلغت ميزانية الصناديق 32 مليار يورو.
حققت الدول الأربع التي صمم توسيع الصناديق البنيوية في الأصل من أجلها أداء جيدا في معظم الأحوال، على الرغم من أزمة منطقة اليورو، حيث حققت إسبانيا نجاحا كبيرا، وإن كان أقل إبهارا من نجاح أيرلندا، واضطرت البرتغال إلى لجم نموها، الذي كان سريعا في البداية، بواسطة برنامج لتثبيت الاستقرار. أما الحالة اليونانية فهي أكثر تعقيدا بكثير، حيث عادل التمويل المقدم من خلال الصناديق أثر المشكلات الاقتصادية البنيوية الكلية. وعلى الرغم من عدم إمكانية تحديد المقدار الذي يمكن أن نعزوه إلى الصناديق البنيوية من هذه النتيجة الطيبة عموما، لا شك أن المساهمات البالغة 2-4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي يسرت لها الطريق.
إطار 2: الصناديق البنيوية وأهدافها
منذ مطلع السبعينيات، محورت الجماعة سياساتها الإقليمية حول مجموعة من الصناديق والأهداف التي شهدت إصلاحا في 1999، ومجددا في 2006.
وتتألف الصناديق البنيوية الآن مما يلي:
الصندوق الأوروبي للتنمية الإقليمية: ويتعامل مع التنمية الإقليمية والتغيير الاقتصادي.
الصندوق الاجتماعي الأوروبي: ويعنى بإعادة تدريب العمال.
صندوق التماسك: ويستهدف الدول الأعضاء الفقيرة؛ حيث يطور مشروعات في مجالي البيئة والبنية التحتية.
تركز الإنفاق بالنسبة للفترة التخطيطية 2007-2013 على ثلاثة أهداف أساسية هي:
التقارب (المناطق التي يقل فيها نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي عن 75 في المائة من متوسط الاتحاد الأوروبي): ينفق نحو 45 مليار يورو سنويا على مساعدة مناطق تعداد سكانها 154 مليون نسمة.
القدرة التنافسية الإقليمية والتوظيف (مساعدة المناطق على إجراء تعديلات هيكلية لملاءمة الأوضاع الاقتصادية الجديدة وتكييف القوى العاملة): تخصص 9 مليارات يورو سنويا لمناطق تعداد سكانها 314 مليون نسمة.
التعاون الإقليمي الأوروبي (تطوير الروابط عبر الحدود بين الدول الأعضاء): ما يزيد على مليار يورو سنويا لمساعدة مناطق يعيش فيها 182 مليون نسمة.
على الرغم من تركز أهداف الصناديق البنيوية على مساعدة المناطق ذات التنمية «المتأخرة»، فإنها كانت دائما ملمحا من ملامح سياسة التماسك الرامية إلى تمكين الدول الأعضاء كافة من استعادة شيء من الميزانية. وهذا في جزء منه انعكاس لتنوع الدول الأعضاء، لكنه أيضا مدفوع بإجماع الآراء المطلوب لإبرام مفاوضات تخطيط الميزانية . وقد أثار هذا مشكلة خاصة عند التوسع شرقا؛ لأنه بموجب السياسة التي كانت سائدة في أواخر التسعينيات، كانت الدول الأعضاء الجديدة مهيأة لتلقي مبالغ مالية كبيرة جدا في حين أن الدول الأعضاء الحالية مهيأة للخسارة.
كانت الاستجابة لهذا - كما الحال مع السياسة الزراعية المشتركة - هي الانخراط في بعض الإصلاحات المتطرفة نوعا ما، حيث وضع حد للنمو في التمويل المقدم للتماسك في المنظور المالي الذي اتفق عليه في برلين عام 1999؛ لأن الدول الأعضاء الثرية لم تكن مستعدة لدفع الفاتورة، بينما تقررت في الوقت نفسه ضرورة تخصيص معظم التمويل القائم للأعضاء الحاليين دون غيرهم، بغض النظر عن الاحتياجات الموضوعية لدى الأعضاء الجدد. وإذ اقترن ذلك بقرار المفوضية تحديد التحويلات إلى أي دولة عضو بما يعادل 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، على أساس أن هذا هو أقصى ما يمكن لأي بلد استيعابه على نحو مفيد، أمكن التخفيف نسبيا من آثار التوسع الذي جاء عام 2004 على الميزانية. وعلى الرغم من أن متوسط الدخول في الدول الأعضاء الجديدة يتراوح في المعتاد بين نصف وثلثي متوسط الاتحاد الأوروبي؛ فإنها لا تتلقى إلا ثلث تمويل صندوق التماسك. وفي حين أن هذه النسبة أكثر من النسبة التي تمثلها من سكان الاتحاد الأوروبي، وهي الخمس، فإنها تظل أقل مما يبدو أنه ضروري لمساعدتها على السير بسرعة معقولة نحو مستويات مماثلة من التنمية الاقتصادية. ومن المرجح أن تسفر المفاوضات بشأن الفترة من 2014 إلى 2020 عن ذهاب حصة أكبر من التمويل إلى الدول الأفقر نسبيا، وإن استمر حصول كل دولة على شيء لنفسها.
وهكذا، فعلى الرغم من أن سياسة التماسك اتسمت بالتناغم نسبيا على نقيض السياسة الزراعية المشتركة، من المهم أن ندرك القيود التي وضعتها الدول الأعضاء على تعظيم فائدتها للاتحاد ككل، والأثر المتزايد لهذا الموقف أيضا على الميزانية ككل. (5) الميزانية
بعد أن صار كل من الزراعة والتماسك يمثل الآن نحو 40 في المائة من نفقات الاتحاد الأوروبي، فإن الاثنين معا، بآثارهما القوية من حيث إعادة التوزيع، يمثلان معظم الإنفاق. وتصل تكلفة الإدارة في مؤسسات الاتحاد إلى أقل من 6 في المائة من المجموع، وأما البقية فتنفق على تمويل مجموعة متنوعة من السياسات الداخلية والخارجية. وثمة بند مهم من بنود إعادة التوزيع خارج الميزانية هو التخفيض الممنوح لبريطانيا لتقليص مساهمتها الصافية، والذي بلغ 3,5 مليارات يورو عام 2010، وتدفعه الدول الأعضاء الأخرى مباشرة إلى بريطانيا.
بلغ إجمالي النفقات في ميزانية 2012 مبلغ 147,2 مليار يورو أو 1,12 في المائة من إجمالي الناتج القومي للاتحاد. ويجب أن يظل هذا المبلغ دون 1,24 في المائة من إجمالي الناتج القومي ما لم يرفع هذا السقف بقرار تصدق عليه الدول الأعضاء كافة، ويبقي المنظور المالي للسنوات 2007-2013 الإنفاق عند مستوى دون 1 في المائة من إجمالي الناتج القومي في كل سنة. (5-1) موارد الاتحاد
خلافا للمنظمات الدولية التي تعتمد على المساهمات المقدمة من دولها الأعضاء، يعد إيراد الاتحاد الأوروبي من الضرائب متطلبا قانونيا بموجب المعاهدة، ويخضع - شأنه شأن الالتزامات التعاهدية الأخرى - لسلطة محكمة العدل؛ لمنع الدول الأعضاء من لي ذراع الاتحاد بحبس مساهماتها. وتتجلى عواقب مثل هذا السلوك واضحة في الحالة المالية للأمم المتحدة التي أضعفها لسنوات رفض الكونجرس الموافقة على دفع المساهمة المستحقة على الولايات المتحدة. وهذه مفارقة كبيرة؛ لأن امتناع الولايات الأمريكية، في ثمانينيات القرن الثامن عشر، عن دفع مساهماتها المستحقة عليها، بموجب الدستور الكونفيدرالي الأمريكي الأول، كان حجة قوية لمصلحة الدستور الفيدرالي الأمريكي. وقد أثرت الحجة ذاتها على الآباء المؤسسين للجماعة الأوروبية؛ فجعلوا دفع الإيرادات الضريبية للجماعة التزاما قانونيا.
رسم بياني (6): تحليل نفقات الميزانية عام 2012 (بالمليار يورو).
لا يملك الاتحاد الأوروبي وسائل إنفاذ مادية في حال عدم سداد دولة عضو هذه الأموال، لكن سيادة القانون كانت لها قيمتها الكافية كي تحظى باحترام الدول الأعضاء.
في البداية كانت موارد الجماعة الاقتصادية الأوروبية الضريبية - تسمى في المعاهدة «موارد الجماعة» للتوكيد على نقطة أنها مملوكة للجماعة لا للدول - تتألف من الإيرادات المحصلة من الرسوم الجمركية، ورسوم الواردات الزراعية، لكن هذه الأموال لم تكف لدفع نفقات السياسة الزراعية المشتركة، فخصص للجماعة نصيب من ضريبة القيمة المضافة بنسبة 1 في المائة من قيمة السلع والخدمات التي تجبى عليها هذه الضريبة.
رسم بياني (7): مصادر الإيرادات عام 2011 (النسب المئوية).
كان هناك اعتراض كبير على هذه الضرائب غير المباشرة باعتبارها تثقل على الأفقر نسبيا، دولا ومواطنين، فتحملهم نسبة أعلى من دخولهم مقارنة بالأغنى؛ لذا أضيف في 1988 مورد رابع على هيئة نسبة مئوية صغيرة من إجمالي الناتج القومي لكل دولة عضو. ويكاد يكون هذا المورد متناسبا مع الدخول، وبحلول 2012 كان يمثل نحو ثلاثة أرباع إيرادات الاتحاد الأوروبي، لكن المحصلة الإجمالية لنظام الإيرادات ما زالت تنازلية. (6) المساهمات الصافية
كانت السيدة تاتشر - كما أسلفنا - هي أول من صاغ عبارة «استرداد أموالنا»، على الرغم من سعي البريطانيين الدائم منذ انضمامهم عام 1973 إلى الحصول على تعويض عما ادعوا أنه «موقف غير مقبول» ناشئ عن لائحة تنظيمية مالية أقرت قبيل انضمامهم مباشرة. فيما مضى، كان حصول بعض الدول الأعضاء على أموال أكثر من غيرها من الميزانية يعتبر ببساطة جزءا من حزمة العضوية؛ فالألمان على وجه الخصوص، الذين قبلوا لسنوات عديدة، وعن طيب خاطر، دورهم كأكبر مساهم صاف، فعلوا ما فعلوه إدراكا منهم أن منافع العضوية لا تقاس بالأرصدة المصرفية وحدها؛ إذ لم يحقق البلد مكاسب على صعيد نيل القبول الدولي والأمن المنشودين بشدة فحسب، بل أيضا، وبحق، على صعيد إعطاء المصدرين الألمان إمكانية الوصول إلى أسواق جديدة كبيرة.
ومع ذلك، فمنذ الثمانينيات، وبالأخص منذ منتصف التسعينيات، ازداد وعي الدول الأعضاء كثيرا بالتكاليف المالية للعضوية. نجم ذلك في جزء منه عن السيدة تاتشر وحملتها الشرسة، كما نجم أيضا عن تطور سياسات الجماعة والاتحاد؛ فالنمو الكبير في إنفاق التماسك عزز بدرجة أكبر الفاصل بين الشمال والجنوب، القائم بين الدول المساهمة الصافية والدول المتلقية الصافية، فيما أدى ازدياد أهمية المورد الرابع في الواقع إلى رد مقبوضات الميزانية إلى أصحابها. زد على ذلك قلق الدول الأعضاء الحالية بشأن آثار التوسع على الميزانية. وإذا أضفنا إلى هذا رغبة ألمانيا المتزايدة عن تحمل التكلفة، صار الإصلاح أمرا حتميا بشكل متزايد.
إطار 3: مدفوعات أو مقبوضات الميزانية الصافية للدول (النسبة المئوية من إجمالي الدخل القومي لسنة 2010 مطروحا منه المدفوعات الصافية)
الدول المساهمة الصافية
الدول المتلقية الصافية
بلجيكا −0,41
قبرص
0,06
ألمانيا −0,36
إسبانيا
0,39
السويد −0,34
أيرلندا
0,64
المملكة المتحدة −0,33
مالطة
0,91
هولندا −0,31
رومانيا
1,03
إيطاليا −0,30
سلوفينيا
1,19
فرنسا −0,26
الجمهورية التشيكية
1,53
الدنمارك −0,26
البرتغال
1,57
النمسا −0,24
اليونان
1,61
فنلندا −0,16
سلوفاكيا
2,07
لوكسمبورج −0,14
بولندا
2,47
بلغاريا
2,55
المجر
2,94
لاتفيا
3,67
إستونيا
4,86
ليتوانيا
5,03
المصدر: المفوضية الأوروبية، التقرير المالي لسنة 2010 عن ميزانية الاتحاد الأوروبي، 2011.
في عام 1999، وافق المجلس الأوروبي المنعقد في برلين على تقليص المبلغ الذي تدفعه ألمانيا وهولندا والنمسا والسويد - وكانت دول مساهمة صافية آنذاك - في التخفيض الممنوح لبريطانيا، الذي ظل مثار خلاف؛ لأن المبررات الأصلية، وهي المساهمات الزائدة وقلة المقبوضات، كانت تقل إقناعا شيئا فشيئا، لكن الحكومات البريطانية المتعاقبة لم تكن راغبة في التخلي عن دخل منتظم بعدة مليارات من الجنيهات سنويا. وعلى الرغم من ذلك، وبعد أن صار التوسع واقعا، أبدى البريطانيون بعض الاستعداد لتقليص مستوى التخفيض الممنوح لهم لتخفيف العبء على الدول الأعضاء الجديدة؛ حيث وافقوا في 2005 على استقطاع 10,5 مليارات يورو من التخفيض فيما بين عامي 2007 و2013؛ أي ما يعادل نحو ربع القيمة الإجمالية. كان الهدف تأييد المبررات البريطانية لإجراء مراجعة عامة لسياسات الإنفاق وإجراء الميزانية، على الرغم من أن هذا لم يتمخض إلا عن القليل جدا، وكانت القضية مثار نزاع في المفاوضات بشأن المنظورات المالية للفترة 2014-2020.
ثمة شاغل آخر يتمثل في غياب النمو في ميزانية الاتحاد الأوروبي الإجمالية؛ فمنذ 1999 وهناك انخفاض في سقف النفقات كنسبة مئوية من إجمالي الناتج القومي. وحتى مع نمو إجمالي الناتج القومي هذا بمرور الزمن، تظل الميزانية صغيرة جدا مقارنة بميزانيات حكومات الدول الأعضاء. وهذه مقارنة ظالمة نوعا ما؛ لأن الاتحاد الأوروبي ليس مضطرا للإنفاق على الضمان الاجتماعي، ولا الدفاع، ولا الصحة، ولا التعليم، ولا أي من البنود الرئيسة التي نربطها في المعتاد بالأنشطة العامة، غير أن حجم الميزانية يحد فعلا مما يمكن للاتحاد فعله - مثلا - حيال تشجيع التماسك والتنمية المتوازنة في عموم دوله الأعضاء. وفي حين يبدو أن الاتحاد اجتاز فعلا، وبسلام، انتقاله إلى عضوية موسعة ، فالواضح أنه ستكون هناك حاجة إلى المزيد من الإصلاحات إذا أراد الاتحاد أن يظل طرفا فاعلا مهما، على الصعيد الداخلي، وفي العالم ككل.
الفصل السادس
السياسة الاجتماعية والسياسة البيئية
أعطي الاتحاد الأوروبي بعض صلاحياته، كصلاحيات إقامة السوق الموحدة؛ لأن حجمه يتيح له مزايا ليست في متناول الدول الأعضاء منفردة. وتهدف صلاحياته الأخرى إلى منع الدول الأعضاء من إلحاق الضرر بعضها ببعض. والبيئة أحد الميادين التي أعطيت فيها الصلاحيات تحقيقا لتلك الغاية، التي يوجد اتفاق عام على أنها غاية منشودة. وهناك ميدان آخر وهو السياسة الاجتماعية الذي شهد خلافا حادا حول مدى احتياجه إلى تدخل الاتحاد الأوروبي. (1) السياسة الاجتماعية
لمصطلح «السياسة الاجتماعية» معنى أضيق في لغة الاتحاد الأوروبي من معناه بشكل عام في بريطانيا؛ فهو لا يشير إلى مجموعة السياسات - ومن ضمنها الصحة والإسكان والخدمات الاجتماعية - التي تعنى بها دولة الرفاه. فنمط هذه الخدمات يختلف من بلد إلى آخر على نحو يعكس ثقافتيه السياسية والاجتماعية، وهناك توافق عام على أن الآثار العابرة للحدود للاختلافات لا تكفي لتبرير التدخل من جانب الاتحاد، لكن في لغة المعاهدة والاتحاد الأوروبي، تعنى السياسة الاجتماعية بأمور تتعلق بالتوظيف، الذي يشهد أيضا اختلافات واسعة من بلد إلى آخر. لكن نظرا لأن ظروف التوظيف تمس السوق الموحدة مساسا من قريب جدا، مورس ضغط من أجل تنسيق سياسات الدول الأعضاء اتقاء لمعاناة العاملين في الدول التي تتبنى معايير أعلى نتيجة المنافسة من العاملين في الدول التي تتبنى معايير أدنى.
أول مثال من هذا القبيل هو المادة المعنية بالمساواة في الأجور التي تضمنتها معاهدة روما. كانت فرنسا في طليعة الدول المؤسسة الأخرى بسنها تشريعات توجب المساواة في الأجور بين النساء والرجال عند تساوي العمل. ومن أجل الحفاظ على القدرة التنافسية للقطاعات التي تعمل بها نسبة كبيرة من النساء، طالبت فرنسا شركاءها بأن ينتهجوا هم أيضا المساواة في الأجور. وفي ظل الاتجاه العام نحو المساواة بين الجنسين صار هذا أحد أكثر القوانين الأوروبية شعبية. وبحلول الوقت الذي أبرمت فيه معاهدة أمستردام ، كان هناك اتفاق جاهز على تمديد المبدأ من المساواة في الأجور إلى تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة في الأمور المتعلقة بالتوظيف كافة.
بسط القانون الأوروبي الموحد نطاق السياسة الاجتماعية في اتجاهين؛ هما: النص على تشريعات بشأن الصحة والسلامة في العمل، وعلى تشجيع الحوار بين ممثلي الإدارة والعمال على المستوى الأوروبي. وعلى الرغم من أن السيدة تاتشر كانت قد سبق لها النضال بشدة ضد تأثير العلاقات «الكوربوراتية» في بريطانيا؛ فلا شك أنها كانت تعتقد أن مثل هذا الحوار على المستوى الأوروبي لن يكون ذا شأن كبير؛ وأما مبررات عدم خفض معايير الصحة والسلامة، فكانت تحظى بتوافق عام؛ لذا فعلى الرغم من أن السياسة الاجتماعية للجماعة كان مصيرها أن تصبح بعبعا يطارد تاتشر، فإنها قبلت نصوص القانون الأوروبي الموحد هذه في إطار حزمة تضمنت برنامج السوق الموحدة.
في 1989 اقترح ديلور - الذي كان يرى أن الالتزام بمستويات أعلى من التشريعات الاجتماعية ضروري للعمال، ويتمم السوق الموحدة - «ميثاقا اجتماعيا» أقره الجميع في المجلس الأوروبي عدا واحد، إذ عارضته تاتشر، التي على الرغم من قبولها بعض أحكامه - كحرية حركة وتنقل العمال وحق الانضمام (أو عدم الانضمام) إلى النقابات العمالية - اعترضت على أحكام أخرى كحق العمال في المشاركة في اتخاذ القرار بالشركات، إضافة إلى وضع حد أقصى لساعات العمل، وهي الأحكام التي أقرت لاحقا - على نحو أثار اشمئزاز الحكومة البريطانية الشديد - بتصويت بأغلبية مشروطة بموجب المادة التعاهدية المختصة بالصحة والسلامة في العمل. وحذا ميجور حذوها عندما كفل لبريطانيا حق اختيار عدم المشاركة في الأحكام المعنية بالسياسة الاجتماعية بمعاهدة ماستريخت، والتي ضمنت بناء على ذلك في بروتوكول سرى على الدول الأعضاء الأخرى كافة. ولم يتأت الاتفاق بإجماع الآراء على تحويل البروتوكول إلى فصل اجتماعي في معاهدة أمستردام إلا بعد فوز حزب العمال في الانتخابات التي جرت في 1997، ورافق هذا فصل جديد يهدف إلى تحقيق «مستوى عال من التوظيف، ومن الحماية الاجتماعية»، لكن بريطانيا واصلت الدعوة لقضية مرونة أسواق العمل. وهو هدف اعتمد في جدول أعمال لشبونة لسنة 2000، والوثيقة التي تلته؛ وهي استراتيجية «أوروبا عام 2020» التي اقترحت عام 2010، وجمعت بين السياسة الاجتماعية وسياسة التوظيف في توليفة أكثر توجها بكثير نحو استخدام النمو الاقتصادي لتحقيق الرفاه الاجتماعي. (2) المرونة أم التنظيم في أسواق العمل؟
شددت بريطانيا في نهجها في التعامل مع الاتحاد الأوروبي على المرونة وتخفيف القيود التنظيمية؛ بدعوى أن هذا سيجعل الاقتصاد الأوروبي أقدر على التنافس، ويزيد من معدل التوظيف. وعلى الرغم من أن أسواق العمل ليست القطاع الاقتصادي الوحيد الذي يدعى إلى تخفيف قيوده التنظيمية، فهي من أهم القطاعات.
في حين سمي النهج البريطاني «أنجلوساكسوني» نظرا لأوجه الشبه بينه وبين الفلسفة الاقتصادية الأمريكية، ظهر بديل صار يعرف بنهج «راينلاند»، وأبرز أمثلته ألمانيا. في ذلك النهج، كان التأكيد في أسواق العمل ينصب على التضامن والحماية الاجتماعية وليس على المرونة، وجرى التفاوض على معظم القواعد التنظيمية الرامية إلى تحقيق هذا الغرض بين أرباب العمل والنقابات (يسمون في ألمانيا «الشركاء الاجتماعيون»). يجسد هذا النهج ثقافة توافق الآراء في المجتمع المدني؛ ردا على طرق الدكتاتورية الشمولية السابقة، ويستند إلى تقاليد عريقة من التضامن، كتقبل القطاع الخاص المسئولية عن معايير التدريب الفني الرفيعة. وكان من نتائجه النجاح الاقتصادي المبهر في العقود التالية للحرب، وتزايد قوة الصادرات الألمانية. لكن على الرغم من أن عبء دمج الولايات الشرقية في الاقتصاد الألماني كان أحد أسباب تراجع الأداء المزدهر في التسعينيات، فإن ألمانيا تلام أيضا على إحجامها عن تبني المزيد من المرونة في سوق العمل، وعن إصلاح التنظيم الصناعي والمالي والنظام الضريبي استجابة للتطورات الجارية في الاقتصاد العالمي.
إطار 4: سياسة التوظيف
استجابة للشاغل بشأن ارتفاع مستوى البطالة في الاتحاد الأوروبي؛ استحدثت معاهدة أمستردام قسما جديدا حول التوظيف، غرضه الرئيس تشجيع التعاون بين الدول الأعضاء فيما يتعلق بسياساتها التوظيفية.
ترفع الدول الأعضاء تقارير سنوية حول سياساتها التوظيفية إلى المجلس والمفوضية اللذين يعدان تقريرا يرفعانه إلى المجلس الأوروبي، وعندئذ تصدر مبادئ توجيهية للدول تأخذها بعين الاعتبار في سياساتها التوظيفية . ويجوز أن يرفع المجلس توصيات إلى الحكومات، كما يجوز له ، بقرار مشترك مع البرلمان، أن يقرر إنفاق أموال من الميزانية لتشجيع تبادل المعلومات وأفضل الممارسات، وتوفير تحاليل مقارنة، وتقديم المشورة، وتشجيع النهج المبتكرة، وتمويل المشروعات الرائدة.
أدى هذا إلى زيادة الاهتمام الذي تناله سياسة التوظيف في الاتحاد، لكن لم نر بعد مقدار أثره على سياسات الحكومات.
يتدفق نهر الراين أيضا عبر هولندا. وللهولنديين - مثلهم مثل الألمان - نظام اقتصادي وسياسي يتسم بدرجة عالية من التوافق. دشن الهولنديون في مواجهة المشكلات الاقتصادية الخطيرة في الثمانينيات عملية إصلاح أفضت إلى ما يسمى «نموذج بولدر»؛ حيث أدخلت إصلاحات موجهة نحو السوق على النظام الذي ظل على حال قوامه التوافق في الآراء، وحققوا تخفيضا في معدلات البطالة، وارتفاعا في الكفاءة، وأداء اقتصاديا جيدا بوجه عام. وتشترك البلدان الإسكندنافية في هذا النهج من نواح عديدة.
يعتمد الفرنسيون - فيما يشددون على الحماية الاجتماعية - اعتمادا أكبر على القيادة الحكومية والقواعد التنظيمية، وقد حققوا هم أيضا - على الرغم من النقد الموجه إليهم بأنهم تباطئوا في الإصلاح - في التسعينيات أداء جيدا بكل المقاييس، عدا ارتفاع معدل البطالة. لكن البطالة ظلت مرتفعة بخاصة بين الشباب، وتراجع نجاح الاقتصاد تدريجيا؛ لذا شرع الرئيس نيكولا ساركوزي في تخفيف العبء التنظيمي.
غالبا ما ينسى أن البريطانيين كان لديهم، ولأكثر من ثلاثة عقود بعد الحرب العالمية الثانية، اقتصاد يخضع لمستوى عال من التنظيم بفعل كل من المفاوضة الجماعية والتدخل الحكومي. ولم تأت إصلاحات فترة تاتشر بدفعها بريطانيا بقوة في اتجاه النموذج الأنجلوساكسوني إلا ردا على هذا. وعلى الرغم من أن هدف «الطريق الثالث» الذي انتهجه بلير هو الحيلولة دون هذا التذبذب باحتلال موضع وسط بين هذا وذاك؛ فقد استمد جل التأكيد على المرونة الاقتصادية وتوجه حكومته المراعي لمؤسسات الأعمال من إصلاحات أسلافه ومن الليبرالية الاقتصادية، التي هي تقليد بريطاني قديم.
ساعد تحسن الأداء الاقتصادي البريطاني منذ التسعينيات على إضفاء مصداقية على النهج الأنجلوساكسوني، كما كان الحال مع حيوية الاقتصاد الأيرلندي. لكن الأهم كان النجاح المستدام الذي حققه الاقتصاد الأمريكي بمعدل بطالته المنخفض ونموه المرتفع، والذي يمكن أن يستنتج منه أن المرونة تناسب المرحلة الحالية من التطور التكنولوجي. وعلى الرغم من رفض الدرجة التي يتبناها النهج الأمريكي من عدم التدخل في السياسة الاجتماعية، ربما بدأ يبرز في الاتحاد الأوروبي قدر معين من التوافق في الآراء على أن طرقا من قبيل وضع أسس للمقارنة وضغط الأقران هي أنسب من التشريعات الاجتماعية لتخفيض البطالة، ولبعض التدابير الرامية إلى خلق اقتصاد حيوي وتنافسي. وفي حين أنه لا يزال هناك تأييد قوي داخل العديد من الدول الأعضاء الكبيرة لاتباع نهج تدخلي في التعامل مع هذه المسائل، أدى صعود العولمة، والحاجة إلى الحفاظ على التنافسية، ومؤخرا أزمة منطقة اليورو، إلى تحريك النقاش داخل الاتحاد صوب وجهة النظر البريطانية. ولم نر بعد إن كانت ستجرى إصلاحات على جانب العرض، وكيف سيكون ذلك. (3) السياسة البيئية
لا يمكن منع الهواء والماء الملوثين من الانتقال من دولة إلى أخرى وإحداث ضرر فيها؛ لذا هناك اهتمام بوضع معايير مشتركة لمكافحة التلوث من منبعه، وينطبق الشيء نفسه على الآثار البيئية للسلع التي يجري الاتجار فيها في السوق الموحدة؛ إذ نص القانون الأوروبي الموحد على وضع سياسة بيئية للجماعة تتعامل مع هذه المشكلات، كما أكد على أن هدف الجماعة الأوروبية «الحفاظ على جودة البيئة وحمايتها وتحسينها.»
أصدرت المئات من التدابير البيئية استجابة لطائفة واسعة من الشواغل البيئية: كتلوث الهواء والمياه، والتخلص من النفايات، وحدود الضوضاء للطائرات والمركبات الآلية، وموائل الحياة البرية، ومعايير جودة مياه الشرب والاستحمام. وفي 1988، ووفق على قانون للحد من حدوث الأمطار الحمضية، مخفضا انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين بنسبة 58 في المائة على مراحل، على مدى الأعوام الخمسة عشر التالية. وفي أعقاب انضمام السويديين ذوي الوعي البيئي عام 1995، جاءت المطالبة بمعايير حماية ضد المواد الكيميائية الخطرة، فووفق على «لائحة تسجيل وتقييم وتصريح وتقييد المواد الكيميائية» في نهاية المطاف عام 2006؛ لضمان المعايير في عموم الاتحاد. وفي حين أن تشريعات الاتحاد سمحت دائما للدول الأعضاء بأن تضع لأنفسها معايير أعلى في الأمور الأخرى، أدى ضغط البلدان الاسكندنافية إلى وضع مادة في معاهدة أمستردام تسمح للدول بوضع معايير أعلى للمنتجات المتاجر فيها أيضا، شريطة إقناعها المفوضية بأن هذه المعايير ليست أدوات حمائية. وبحلول عام 2004، صار مبدأ «الملوث يدفع» من قوانين الاتحاد. جاء التركيز على السياسة البيئية في وقت يشهد فيه الأوروبيون تحولا سريعا إلى المزيد من الخضرة؛ لذا أصبحت واحدة من أكثر سياسات الاتحاد شعبية مثلما كان الحال من قبل مع بند المساواة في الأجور. ومثلما كان الحال مع سياسة المساواة بين الجنسين، تعززت هذه السياسة أيضا بموجب معاهدة أمستردام التي نصت على ضرورة إدماج «اشتراطات حماية البيئة» في سياسات الاتحاد الأخرى؛ «بغرض تشجيع التنمية المستدامة.»
اشتمل «برنامج العمل البيئي السادس»، الذي أقره المجلس والبرلمان عام 2002، على إطار عشري لتشجيع التنمية المستدامة في مجالات تغير المناخ، والطبيعة، والتنوع الحيوي، والبيئة، والصحة، والموارد الطبيعية، والنفايات. وفي وقت لاحق من ذلك العام، لعب الاتحاد دورا قياديا في «القمة العالمية للتنمية المستدامة» في جنوب أفريقيا. وهكذا صارت استراتيجية التنمية المستدامة، وأبرز عناصرها تغير المناخ، من الأولويات، وقد نص على هذا صراحة في معاهدة لشبونة.
كان لإجراء الاتحاد فيما يخص تغير المناخ أثر قوي، على الصعيدين الداخلي والعالمي، حيث وقع الاتحاد الأوروبي بروتوكول كيوتو عام 1998، الذي استهدف خفض انبعاثات غازات الدفيئة بحلول عام 2012 إلى أقل من مستويات عام 1990 بنسبة 8 في المائة. وبعدئذ خصص المجلس، في عملية مشحونة نوعا ما، حصصا للدول الأعضاء لانبعاثاتها بناء على اقتراح من المفوضية بعد التشاور مع كل دولة في حدود إجمالي يقدر بأنه يبقي انبعاثات الاتحاد ضمن هدف الخفض. ويجري رصد الانبعاثات بدقة، وهناك جزاءات تفرض على عدم الامتثال. وفي 2005 طبق الاتحاد - من أجل توفير المرونة في السيطرة على الانبعاثات - «نظام تداول الانبعاثات» الذي يوزع الحقوق بين أكثر من 5 آلاف من كبرى المنشآت الصناعية الملوثة بالاتحاد؛ مما يسمح للمنشآت التي تطلق انبعاثات أقل من حصصها ببيع حقوقها غير المستعملة إلى المنشآت التي تطلق انبعاثات أكثر، منشئا بذلك «سوق كربون» تقرر تكلفة الكربون داخل الاتحاد. ونظرا لأنه كان من الواضح أن الحقوق وزعت بسخاء أكثر مما ينبغي في البداية، فسيقوم الآن نظام تداول الانبعاثات ببيع الاعتمادات في مزادات، مما يساعد على رفع سعر الكربون بدرجة كافية للإثناء عن الاستخدام المفرط. ولهذا أهمية خاصة؛ نظرا لأن المجلس الأوروبي قرر في 2006، متبعا أفضل النصائح العلمية، ضرورة أن يحقق الاتحاد تخفيضا بنسبة 60 في المائة بحلول عام 2050، اتساقا مع الهدف العالمي المعتبر ضروريا لتجنب تغير ربما يكون كارثيا. وبما أن الاتحاد - كما نتبين من الفصل العاشر - يقود العالم في هذا المضمار، فلا بد أن يحافظ على مصداقيته.
الفصل السابع
منطقة حرية وأمن وعدالة
قال إرنست بيفن، وزير الخارجية البريطانية العظيم، في أول حكومة عمالية بعد الحرب العالمية الثانية، إن هدف سياسته الخارجية «كان في الحقيقة ... التعامل مع مشكلة جوازات السفر والتأشيرات بأكملها»، بحيث يمكنه «التوجه إلى محطة فيكتوريا» التي كانت تغادر منها القطارات متوجهة إلى أوروبا، و«الحصول على تذكرة قطار والذهاب إلى حيثما شئت دون جواز سفر أو أي شيء آخر.» لقد احتفظ النقابي العمالي القديم برؤيته لأخوة بني الإنسان، لكنه حين شغل منصب وزير الخارجية وجد نفسه يدافع عن سيادة دولته. وقد رفض فكرة عضوية بريطانيا في الجماعة الوليدة التي قدر لها في نهاية المطاف أن تجعل تحقيق حلمه ممكنا.
اشتملت معاهدة روما بالفعل عام 1958 «الأشخاص» بجانب السلع والخدمات ورأس المال في الحريات الأربع الخاصة بالحركة والتنقل عبر الحدود بين الدول الأعضاء، مع قصر هذه الحرية بالنسبة «للأشخاص» على عبور الحدود لأغراض العمل. وبعد ذلك بربع قرن، عرف القانون الأوروبي الموحد السوق الداخلية بوصفها «منطقة دون حدود داخلية»، فاعتبرت حكومة السيدة تاتشر أن هذه الكلمات لا تعني أي تغيير؛ لأنها قيدت بإضافة عبارة «وفقا للمعاهدة»، التي كانت لا تزال سارية المفعول في النواحي ذات العلاقة. لكن حكومات الدول الأكثر تأييدا للفيدرالية أرادت التصرف على أساس المعنى الحرفي للكلمات؛ أي إلغاء إجراءات مراقبة حدودها المشتركة؛ ومن ثم منح الجميع حرية الحركة والتنقل عبرها.
أعطيت هذه الفكرة تعبيرا قانونيا في اتفاقيتي شنجن لسنة 1985 وسنة 1990. وشنجن هذه بلدة صغيرة في لوكسمبورج تحتل موقعا رمزيا على الحدود مع كل من فرنسا وألمانيا، وقعت فيها هذه الدول الثلاث، إضافة إلى بلجيكا وهولندا، هاتين الاتفاقيتين. وازداد عدد الموقعين منذ ذلك الحين حتى انضمت دول الاتحاد الأوروبي كافة، عدا بريطانيا وأيرلندا، وكذلك أعضاء الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة، إلى أن صار يطلق عليها كثيرا «دول شنجن».
كان لشنجن هدفان: عني أولهما بإجراءات مراقبة الحدود؛ أي إلغاء هذه الإجراءات داخل دول شنجن، وتأسيس إجراءات مراقبة حدودها الخارجية، ووضع قواعد للتعامل مع اللجوء والهجرة وتنقل مواطني البلدان الأخرى داخل المنطقة أو إقامتهم فيها. وعني الثاني بالتعاون في مكافحة الجريمة.
يزداد النشاط الإجرامي عبر الحدود لأسباب مماثلة للتي تدفع عجلة النشاط الاقتصادي عبر الحدود؛ وهي التقدم التكنولوجي، وبالأخص في مجالي النقل والاتصالات. وكما هو الحال مع التجارة، هناك حاجة إلى التعاون عبر الحدود إذا أريد لسيادة القانون أن تواكب هذا النشاط. وفي ظل العلاقة الوثيقة التي تمخض عنها التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، نجد هذه الدول بحاجة خاصة إلى مثل هذا التعاون. وقد اتخذت خطوة أولى عام 1974 بإبرام اتفاقية «تريفي» لتبادل المعلومات حول الإرهاب، وسرعان ما تبين الوزراء والمسئولون المعنيون جدوى اشتمال أشكال الجريمة الأخرى. كانت هذه بادرة شنجن التي أوجدت تعاونا أوثق بين أجهزة إنفاذ القانون بالدول التي كانت جاهزة للمضي أبعد من ذلك معا، والتي أفضت إلى «مجموعة صكوك شنجن» القانونية التي تسري على أغلبية كبيرة جدا من الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي. (1) ركيزة ماستريخت الثالثة
تؤثر الجوانب العابرة للحدود المرتبطة بالجريمة وبتنقل البشر على الدول الأعضاء كافة لا دول شنجن فحسب، وقد اتفق على أن تنص معاهدة ماستريخت على التعاون في هذه المجالات، فنص في المعاهدة على الإرهاب والمخدرات والاحتيال و«أشكال الجريمة الخطيرة الأخرى»، بجانب إجراءات مراقبة الحدود الخارجية واللجوء والهجرة والتنقل عبر الحدود الداخلية من قبل مواطني الدول غير الأعضاء في الاتحاد. وكان على السلطات القضائية والإدارية والشرطية والجمركية بالدول الأعضاء أن تتعاون من أجل التعامل معها .
أرادت بعض الدول، كألمانيا، أن يكون هذا في إطار مؤسسات الجماعة على أن تلعب المفوضية والمحكمة والبرلمان، إلى جانب المجلس، أدوارها الطبيعية، وأرادت دول أخرى، كبريطانيا - دفاعا عن سيادتها - أن تستبعد، بقدر المستطاع، كل المؤسسات الأخرى عدا المجلس، فكانت الثمرة «الركيزة الثالثة» الجديدة المعنية «بالتعاون في مجال العدل والشئون الداخلية»، التي أنشئت بجانب «الركيزة الأولي» (الجماعة). كانت المؤسسات المعنية بالتعاون في مجال العدل والشئون الداخلية حكومية دولية، مع اتباع إجراء الموافقة بإجماع الآراء في المجلس، واقتصار البرلمان والمفوضية على الأدوار الاستشارية، ولا شيء بالمرة للمحكمة. كان مقررا أن تكون أدوات السياسة هي المواقف المشتركة والإجراءات المشتركة التي يقررها المجلس، والاتفاقيات التي تصدق عليها الدول الأعضاء كافة. وستنص إحدى الاتفاقيات على تأسيس جهاز الشرطة الأوروبية الجديد «اليوروبول».
نظرا لاشتراط الموافقة بإجماع الحكومات الخمس عشرة آنذاك قبل أن يتسنى اتخاذ أي قرار، ليس من المفاجأة أنه لم يحرز تقدم كبير بحلول الوقت الذي جرى فيه التفاوض بشأن معاهدة أمستردام. لم تكن أي اتفاقية قد دخلت بعد حيز التنفيذ، وكان العمل في النواحي الأخرى بطيئا، لكن القلق بشأن الجريمة العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية ظل يتنامى، وكان التوسع شرقا - الذي كان يتوقع أن يجلب مشكلات جديدة - أمرا وشيكا؛ لذا أرادت معظم الدول الأعضاء نظاما أقوى. (2) مشروع أمستردام
أكدت معاهدة أمستردام نية إقامة ما سمته بشيء من الشموخ «منطقة حرية وأمن وعدالة». كان هذا يعني في الأساس انتقال مختلف عناصر الركيزة الثالثة إلى الركيزة الأولى، تحت سيطرة مؤسسات الاتحاد، وأبرزها البرلمان والمحكمة. ولقد اكتسبت «منطقة الحرية والأمن والعدالة» زخما معتبرا؛ إذ اقترنت بدورة جديدة من البرامج الخمسية بداية من 1999، وبالتبني التدريجي لميثاق الحقوق الأساسية.
جلبت لشبونة المزيد من التغيير الجوهري؛ إذ أدى دمج الركائز إلى إدخال التعاون الشرطي والقضائي في «الإجراء التشريعي العادي»، وإن كان مع بعض الترتيبات الانتقالية، ومع السماح للدول الأعضاء بحق مبادرة محدود. وفي حين أن الميثاق صار الآن ملزما قانونا ، تتمتع دول عديدة من ضمنها المملكة المتحدة بأحكام خاصة، وبخيار عدم المشاركة؛ مما يعكس الحساسية المستمرة لميدان السياسات.
في حين تتسم الأوضاع في الاتحاد بوجه عام بدرجة ملحوظة من الحرية والأمن والعدالة عند مقارنتها بمعظم أنحاء العالم الأخرى، تستخدم هذه الكلمات في المعاهدة بمعنى أكثر تحديدا؛ إذ تشير الحرية إلى حرية الحركة والتنقل عبر الحدود الداخلية، ويشير الأمن إلى الحماية من الجريمة العابرة للحدود، وتشير العدالة - بالدرجة الأولى - إلى التعاون القضائي في الأمور المدنية والجنائية. ولم يتضح بعد إن كان من الحكمة إفراد كلمات لها مثل هذه الدلالة الواسعة والنبيلة لمثل هذه الغايات المعينة، وربما تعتمد الإجابة على مدى تحقيق هذه الغايات ووقت تحقيقها.
فيما يتعلق «بحرية» الحركة والتنقل، تحول معظم مجموعة صكوك شنجن بالفعل إلى الاتحاد، وهكذا صار حق الناس في الحركة والتنقل بحرية في عموم بلاد شنجن أمرا تكفله المؤسسات، وإن كانت بعض الدول الأعضاء اضطرت إلى استعادة بعض نقاط مراقبة الحدود مؤقتا للتعامل مع تدفقات المهاجرين غير مواطني الاتحاد الأوروبي القادمة من الدول الأعضاء الأخرى بتأشيرات مزيفة. لم تصل إجراءات مراقبة الحدود الخارجية بعد إلى المستوى المرضي، كما لم تكتمل بعد سياسة الهجرة واللجوء المشتركة. ولن تكون هناك حرية حركة وتنقل دون نقاط مراقبة للحدود في عموم الاتحاد، في حين تحتفظ بريطانيا والدنمارك وأيرلندا بإجراءاتها الرقابية. ولما كانت بريطانيا مصممة على الاحتفاظ بإجراءاتها لمراقبة الحدود، فقد آثرت عدم المشاركة في أحكام معاهدة أمستردام المعنية بحرية الحركة والتنقل، واضطرت أيرلندا - التي تتمتع بحدود مفتوحة مع المملكة المتحدة - إلى أن تحذو حذوها، لكن لكلتيهما الحق في الانضمام إلى تدابير معينة شريطة موافقة الدول الأخرى بالإجماع في كل حالة. وقالت الحكومة البريطانية إنها تعتزم المشاركة بالكامل في نهاية المطاف في مجموعة صكوك شنجن، ما عدا الجوانب المتعلقة بإجراءات مراقبة الحدود، فيما آثرت الدنمارك - التي سبق لها التوقيع على اتفاقيات شنجن - عدم المشاركة بعد تحويلها إلى الاتحاد.
وفيما يتعلق «بالأمن»، ما زالت الحرب ضد الجريمة العابرة للحدود في أغلبها مسألة حكومية دولية، وإن كانت في ظل النفوذ المتوسع للمفوضية. بذل نشاط كبير للتصدي للاتجار بالأشخاص والجرائم ضد الأطفال والفساد، وغسل الأموال، وتزييف الأموال، و«الجريمة الإلكترونية». وقدم اليوروبول مساهمة مفيدة، وإن كان لم يتسن له العمل بكامل طاقته ريثما صدقت الدول الأعضاء كافة على اتفاقيته كلية، وذلك في يوليو 1999؛ أي بعد أن نصت معاهدة ماستريخت على إنشائه بأكثر من خمس سنوات. وبالمثل شهدت «الوكالة الأوروبية لإدارة التعاون في مجال العمليات على الحدود الخارجية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي» (فرونتكس)، التي تأسست عام 2005 لتنسيق حرس الحدود؛ شهدت بداية بطيئة، لكنها الآن تنشر فرقا على العديد من حدود الاتحاد الرئيسة.
غير أن أكبر تقدم أحرز كان في مجال مكافحة الإرهاب؛ فبعد هجمات سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، دفع الاتحاد بسرعة لتطوير قدراته على التصرف، فووفق عام 2002 على مذكرة توقيف أوروبية ظلت حبيسة الأدراج سنوات طويلة، بجانب الموافقة على خطة عمل تستهدف جوانب منع الأعمال الإرهابية وملاحقتها قضائيا، إضافة إلى تنسيق استجابات الدول الأعضاء. وارتبط بهذا قرار إنشاء «كلية شرطة أوروبية» رفيعة المستوى، وهيئة تسمى «وكالة التعاون القضائي الأوروبي» (يوروجست) تضم مدعين عموم، وقضاة تحقيق، وضباط شرطة من الدول الأعضاء؛ للتعاون في التحقيقات الجنائية والادعاء.
حسب التعريف الضيق «للعدالة» بوصفها تعاونا قضائيا، اتخذت بعض الخطوات المعينة لمساعدة الدول الأعضاء بعضها بعضا في المشكلات العابرة للحدود، المتعلقة بالاعتراف بالأحكام وتنفيذها، وإن كان لم يتحقق الكثير بشأن حقوق ضحايا الجريمة. وكان المسار الذي اختاره الاتحاد هو مسار الاعتراف المتبادل لا التوفيق، لكن كان هناك اتفاق على العديد من السياسات المشتركة، أبرزها مذكرة التوقيف الأوروبية، التي تتصدى لبعض مشكلات الجريمة العابرة للحدود.
وحسب التعريف الواسع للكلمة، كانت عدالة التوزيع قضية في هذا المضمار منذ أرادت ألمانيا - وفيها من طالبي اللجوء ما يفوق كثيرا من في الدول الأعضاء الأخرى - تدابير لتقاسم التكلفة؛ مما أسفر عن استحداث سياسة اللجوء الأوروبية التي نسقت السياسات الوطنية، وسمحت بتحسين إدارة التدفقات السكانية الكبيرة التي شهدها عالم ما بعد الحرب الباردة.
ومن منظور أوسع للعدالة، استجاب الاتحاد للانتقادات التي وجهت إليه بأنه شدد القيود على الهجرة واللجوء، على حساب الاهتمام بمعاملة البشر ذوي الصلة. وفي مواجهة الشعور العام العدائي واسع الانتشار ضد هؤلاء الأشخاص، نصت معاهدة أمستردام على تدابير لحماية حقوقهم، إضافة إلى إجراءات لمكافحة العنصرية وكراهية الأجانب بوجه عام. وبالجمع بين هذه التدابير وميثاق الحقوق الأساسية، وضع الاتحاد الآن برنامجا ثريا نوعا ما لحماية حقوق الإنسان، وإن كانت درجة قدرته على إنفاذه تظل موضع نقاش. (3) ماذا في الاسم؟
تكاد تكون حرية الحركة والتنقل داخل دول شنجن واقعا مكتملا، ولو كان بمقدور بيفن اليوم الذهاب إلى محطة جار دو نور أو محطة جار دو ليون، لاستطاع شراء تذكرة والذهاب دون جواز سفر أينما شاء في دول شنجن، إلا محطة فيكتوريا للأسف.
في حين أضفت لشبونة كثيرا من الوضوح على تنظيم هذا الميدان من ميادين السياسات، فمن المشكوك فيه أن ينجح هذا نجاحا كافيا في التصدي لمختلف التحديات؛ فالانقسامات المستمرة بين الدول الأعضاء والاتحاد، إضافة إلى التباين بين عضويتي الاتحاد الأوروبي ودول شنجن، تسفر عن خطوط سيطرة ملتبسة، ونطاق عمل محدود، ونظام لا يعرفه ولا يفهمه إلا قلة من الجمهور. تعد منطقة الحرية والأمن والعدالة، من نواح عدة، مثالا نمطيا على المشكلة الأوسع نطاقا التي تواجه الاتحاد؛ فهي من شأنها أن تكون وسيلة مفيدة للتعامل مع المشكلات التي تقع خارج نطاق الدول الأعضاء منفردة، لكن تعوقها التسويات السياسية، ولغة الاتحاد المبهمة، والسياسات غير المعقولة أحيانا التي تنتج عن محاولة التوفيق بين مثل هذا العدد الكبير من الأطراف الفاعلة دون إصلاح مؤسسي واف.
الفصل الثامن
قوة مدنية عظيمة ... وأكثر أم أقل؟
كان أهم دوافع إنشاء الجماعة السلام بين فرنسا وألمانيا والدول الأعضاء الأخرى ورخاء مواطنيها، لكن في حين أن العلاقة المتبادلة بينها كانت عميقة جدا، كانت العلاقات مع الجيران ومع البلدان البعيدة أيضا شديدة الأهمية، فبدأ منطق الولاية الاحتياطية، القاضي بضرورة تولي الجماعة مسئولية ما يمكنها فعله بشكل أفضل من الدول الأعضاء، عند عملها منفردة، يسري على الشئون الخارجية والداخلية.
كانت علاقات الجماعة الخارجية، اتساقا مع صلاحياتها، مركزة في الأصل في الميدان الاقتصادي، لكن كانت هناك أيضا أهداف سياسية منذ البداية؛ فبالنسبة لألمانيا، المتاخمة للكتلة الشيوعية، وفي ظل خضوع ألمانيا الشرقية للسيطرة السوفييتية، كانت الأولوية هي التضامن في مقاومة الضغط السوفييتي. أما الفرنسيون فكانت لديهم رؤية أوسع للجماعة كقوة في العالم. وكانت العلاقات مع الولايات المتحدة عنصرا محوريا، يراها مونيه على هيئة شراكة بين الجماعة والولايات المتحدة، ويريدها ديجول لتحدي السطوة الأمريكية. كانت رؤية مونيه مشتركة على نطاق واسع، وصار ينظر إلى الجماعة باعتبارها «قوة مدنية عظيمة» محتملة.
مضى كثيرون في فرنسا أبعد من ذلك، فتصوروا أوروبا قادرة على تحدي الهيمنة الأمريكية في ميدان الدفاع. وكانت هذه الرؤية تواجه مقاومة - بوجه عام - في البلدان الأخرى. لكن التعاون في السياسة الخارجية تطور إلى النقطة التي سماه الاتحاد عندها «السياسة الخارجية والأمنية المشتركة». وقد انضمت بريطانيا، التي ظلت طويلا تعارض بعناد العمل الاتحادي المشترك في ميدان الدفاع، إلى فرنسا عام 1999، في تدشين قدرة دفاعية اتحادية متواضعة. ولا يزال هذا عنصرا ثانويا، وإن كان متزايد الأهمية، في علاقات الاتحاد الخارجية، وتظل سياسات الاتحاد الاقتصادية الخارجية أكثر أهمية بكثير.
في هذه الأثناء، كان العالم قد بدأ يتحول إلى مكان أكثر خطرا يشتمل على مصادر زعزعة الاستقرار كتغير المناخ، والتدهور البيئي، والجريمة العابرة للحدود، والفقر، وما ينشأ عن ذلك من هجرة جماعية، وإرهاب، إضافة إلى صور انعدام الأمن العسكري. البساطة النسبية التي وسمت المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي حلت محلها السيادة الأمريكية، واحتمال بروز عالم متعدد الأقطاب بدأت فيه الصين - وربما الهند فيما بعد - تنضم إلى الولايات المتحدة كقوتين عملاقتين، مع ضرورة أن تؤخذ روسيا هي والقوى الصاعدة الأخرى أيضا بعين الاعتبار. ويشهد توازن القوة الاقتصادية ثنائية القطب، تحت هيمنة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تحولا سريعا - أيضا بجانب اقتصادات البرازيل وروسيا والهند والصين - إلى اقتصاد عالمي متعدد الأقطاب. هذا هو العالم الذي يجب أن يجد فيه الاتحاد الأوروبي مكانه. وهذه ليست بالمهمة البسيطة كما أثبت تأثير حرب العراق سنة 2003 ومفاوضات جولة الدوحة التجارية المتعثرة.
بلغ الأوروبيون - بوجه عام - مرحلة في تاريخهم، وبالأخص في تجربة العيش معا في سلام في كنف الاتحاد الأوروبي، يثمنون فيها بشدة الأمن والطمأنينة في العلاقات بين الدول؛ ومن هنا يؤيدون إنشاء نظام آمن متعدد الأطراف في العالم. وعلى الرغم من أن قدرات الاتحاد العسكرية تلعب دورا متناميا في وظائف كحفظ السلام؛ فإن سياساته الخارجية الاقتصادية والبيئية والمتعلقة بالمعونات، إضافة إلى خبرته في إقامة العلاقات السلمية بين الدول لها قدرة كبيرة على المساهمة في أمنه ورخائه، وأمن العالم ككل ورخائه. ومن هذا المنظور، يمكن تعلم الكثير من خبرة الاتحاد حتى الآن؛ لذا نستعرض في هذا الفصل دواعي تأسيس هياكله المعنية بالتعامل مع سائر دول العالم وكيفية تأسيسها، وفي الفصل التاسع كيفية توسعه من 15 دولة في أوروبا الغربية ليضم معظم الدول الأوروبية، وفي الفصل العاشر كيفية تطوير سياساته للتعامل مع سائر دول العالم. (1) العلاقات الاقتصادية الخارجية
أعطت معاهدة روما الجماعة تعريفتها الجمركية الخارجية الموحدة كأداة للسياسة التجارية، وتسمى بلغة الاتحاد «السياسة التجارية المشتركة». ولم تكن هذه نتيجة متوقعة سلفا؛ إذ أراد البعض احتفاظ الدول الأعضاء بتعريفاتها القائمة، والتي كانت دون المتوسط في ألمانيا ودول بنلوكس، وأعلى منه في فرنسا وإيطاليا. لكن الفرنسيين أصروا على التعريفة الموحدة لأسباب؛ منها: خشيتهم المنافسة من الصادرات الرخيصة المتسربة خلال الدول المنخفضة التعريفة، ومنها أيضا: رغبتهم في أن تكون لدى الجماعة أداة يمكن أن تبدأ بها في التحول إلى قوة في الشئون العالمية.
ظل هذا موضوعا فرنسيا ملحا، فكان أحد دوافع الحراك صوب العملة الموحدة بغية تحدي سطوة الدولار، كما تواصل بمحاولة بناء قدرة دفاعية أوروبية (صك لها مصطلح «القوة الأوروبية»)، في مقابل مجرد «فضاء» أوروبي منشغل بشئون الأعمال. فلم يتصور أولئك الفرنسيون الذين كانوا من كبار معتنقي الحمائية، ولا البريطانيون الذين انتقدوا آنذاك التعريفة الموحدة كأداة حمائية، أنها ستكون في واقع الأمر الشرارة التي أطلقت جولة كينيدي للتخفيضات الجمركية، التي كانت الخطوة الأولى على الطريق إلى دور الجماعة بصفتها أكبر نصير لتحرير التجارة العالمية؛ ومن ثم أيضا على الطريق إلى إظهار قوة امتلاك أداة مشتركة للسياسة الخارجية.
أبديت تلك القوة في ميدان الزراعة أيضا، لكن مع تحقيق نتائج أقل حظا بكثير، واستخدم نظام رسوم الواردات وإعانات الصادرات بطريقة حمائية بامتياز، على حساب مستهلكي الجماعة وعلاقاتها التجارية الدولية، بما في ذلك صادراتها الصناعية ذاتها، لكن السياسة التجارية الخارجية - بوجه عام - كانت ذات نفع كبير لمواطنيها وللتجارة الدولية على السواء.
تدار العلاقات التجارية الخارجية إدارة ذات فاعلية بمعرفة مؤسسات الاتحاد؛ حيث يتولى المجلس إقرار السياسات، والموافقة على الاتفاقيات بموجب إجراء الأغلبية المشروطة، وتجري المفوضية المفاوضات في إطار ولاية السياسات التي تتقرر على هذا النحو، وبالتشاور مع لجنة خاصة يعينها المجلس. وتختص المحكمة بالمسائل القانونية. ولا تلعب البرلمانات عادة دورا كبيرا فيما يتعلق بالمفاوضات التجارية، فيما عدا الموافقة الرسمية على النتائج. لكن المعاهدات لم تنص حتى على استشارة البرلمان الأوروبي في مسائل السياسة التجارية، وإن كان يملك حق إعطاء موافقته على اتفاقيات الانتساب، والأهم معاهدات الانضمام، أو حبس هذه الموافقة عنها، على الرغم من أن البرلمان يلعب دورا كبيرا في العلاقات الخارجية بوجه أعم.
عندما صيغت معاهدة روما، كانت التجارة في السلع هي الأهم على الإطلاق. وأما التجارة في الخدمات فكانت أقل أهمية، ولم يرد ذكرها في الفصل المعني بالسياسة التجارية المشتركة، لكن الخدمات تؤلف الآن نحو ثلث التجارة العالمية كافة، ومع ذلك فعلى الرغم من نجاح نظام الاتحاد العادي من حيث سريانه على التجارة في السلع، تخضع التجارة في الخدمات لإجراءات يغلب عليها الطابع الحكومي الدولي. وفي حين أن زخم المفاوضات الناجحة بشأن التجارة في السلع ساعد الاتحاد على اجتياز سلسلة من الجولات التجارية، فإن هذه الإجراءات يمكنها مع ذلك إضعاف قدرته على التفاوض بفاعلية بشأن الخدمات؛ لذا طبقت معاهدة نيس التصويت بالأغلبية المشروطة على التجارة في جميع الخدمات، عدا ميادين الثقافة، والخدمات السمعية البصرية، والتعليم، والصحة والخدمات الاجتماعية، وبعض خدمات النقل.
رسم بياني (8): حصص الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين واليابان وغيرها من التجارة العالمية عام 2010.
أصبحت المعونات الإنمائية أيضا أداة رئيسة من أدوات سياسة الاتحاد الخارجية التي انطلقت، بناء على إصرار فرنسي كذلك، بنص معاهدة روما على إنشاء صندوق لما كانت آنذاك مستعمرات الدول الأعضاء. نما الصندوق منذ ذلك الحين على نحو صار معه الاتحاد يقدم معونات لبلدان في كل أصقاع العالم الأقل نموا. وهكذا صار الاتحاد الأوروبي، هو ودوله الأعضاء، أكبر مصدر للمعونات في العالم وبفارق كبير. أما داخل أوروبا، فباتت أدوات التجارة التي يملكها الاتحاد وسياسة المعونات، إضافة إلى احتمالات العضوية، نفوذا خارجيا مهما يدعم التحول الناجح للدول الأعضاء الجديدة من أوروبا الوسطى والشرقية. وكان من حسن الحظ حقا أن أصرت فرنسا أصلا على منح الجماعة أدوات لسياستها الخارجية.
صارت البيئة أيضا، وبالأخص تغير المناخ، ميدانا مهما للتفاوض الدولي. وعلى الرغم من أن سياسة الاتحاد الخارجية تظل خاضعة لإجراء ذي طابع حكومي دولي أكبر من سياسته التجارية، فإن الاتحاد الأوروبي مع هذا - وكما سنرى في الفصل العاشر - كان له تأثير حاسم على مفاوضات مكافحة الاحترار العالمي وتدمير طبقة الأوزون.
لا يلعب الاتحاد الأوروبي بعد دورا مماثلا في النظام النقدي الدولي، على الرغم من الإمكانية التي تتيحها أزمة منطقة اليورو؛ فالترتيبات المؤسسية لتنفيذ سياسة نقدية خارجية ليست قوية بما يكفي في الوقت الحالي لتمكينها من ممارسة ثقلها المحتمل، على الرغم من أن البنك المركزي الأوروبي أصبح بالفعل لاعبا مهما في النقاشات بشأن السياسات. (2) السياسة الخارجية
استحدث التعاون في مجال السياسة الخارجية بين الدول الأعضاء عام 1970 كعنصر تعميق وتوسيع لاشتمال بريطانيا وأيرلندا والدنمارك، وأعطي هذا النشاط اسم «التعاون السياسي الأوروبي»؛ حيث استخدمت وزارات الشئون الخارجية كلمة «سياسي» لتمييز ما تراه «سياسة رفيعة» عن أمور كالاقتصاد، الذي من الواضح أنه يعتبر وضيعا. لكن السياسات الاقتصادية الخارجية للجماعة كانت بالفعل أهم بكثير من أي شيء سيحققه التعاون السياسي الأوروبي خلال السنوات التالية، ولا سيما مع إصرار فرنسا - في السنوات التي تلت ديجول - على الإبقاء على التعاون السياسي الأوروبي ليس حكوميا دوليا فحسب، بل أيضا منفصلا عن الجماعة تمام الانفصال.
حقق التعاون السياسي الأوروبي فعلا نتيجة مبكرة هامة عندما أدرجت الدول الأعضاء حقوق الإنسان على جدول أعمال «مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا»، وقبل الاتحاد السوفييتي النص الذي تم تبنيه في النهاية، والذي تبين - على الرغم من أن أحدا لم يعتبره آنذاك ذا شأن كبير - أنه عضد الاضطراب الذي ساهم في حل الكتلة السوفييتية. وبوجه أعم، ابتكر دبلوماسيو الدول الأعضاء طرقا للعمل سويا قدر لها أن تفرز كثيرا من المواقف المشتركة حيال طائفة واسعة من الموضوعات، في العلاقات مع الدول الأخرى وفي الأمم المتحدة أيضا. وبحلول عام 1985، كانت فرنسا مهيأة لقبول الحاجة إلى تقريب التعاون السياسي الأوروبي إلى الجماعة، فاشتمل عليه في القانون الأوروبي الموحد.
تمثل التطور الشكلي التالي الذي شهده التعاون في مجال السياسة الخارجية في تضمينه في معاهدة ماستريخت، لينضم بذلك إلى الجماعة بصفته «الركيزة الثانية» للاتحاد الأوروبي. فقد أثار احتمال توحيد ألمانيا قلق فرنسا التي خشيت احتمال تخفيض ألمانيا - بعد أن تصير أكبر حجما - الشراكة الفرنسية الألمانية، واتباعها سياسة شرقية مستقلة. وكما أيد الفرنسيون العملة الموحدة لإرساء ألمانيا في إطار الجماعة، أرادوا سياسة خارجية مشتركة للحد من استقلالية ألمانيا في العلاقات مع الشرق. أما الألمان، الذين كانوا بعيدين عن معارضة هذا الطرح، فقد رأوه جزءا من مخطط قيام أوروبا موحدة بطريقة فيدرالية. ورأى كل من الرئيس ميتران والمستشار كول في وجود سياسة خارجية مشتركة، بجانب العملة الموحدة، ترسيخا للسلام الدائم في أوروبا؛ لذا اقترحا عقد مؤتمر حكومي دولي حول «الاتحاد السياسي» بالتوازي مع المؤتمر المعني بالاتحاد الاقتصادي والنقدي.
شكل : كول وميتران يدا بيد بين المقابر التي تضم رفات مليون جندي فرنسي وألماني.
وعندما سألتهما السيدة تاتشر عما يعنيانه بالاتحاد السياسي لم تتلق إجابة واضحة. كان أحد الأسباب أن الاثنين، على الرغم من اتفاقهما على فكرة انتهاج سياسة خارجية مشتركة (أحد العنصرين اللذين استعمل لهما المصطلح)، كانا مختلفين بشأن إصلاح المؤسسات (العنصر الآخر)، ذلك أنه على الرغم من رغبة الفرنسيين في تقوية العناصر الحكومية الدولية ، وبالأخص المجلس الأوروبي، كان الألمان يريدون التحرك صوب نظام فيدرالي بتقوية البرلمان؛ لذا كان من الصعب أن يتحدثا بصوت واحد عن هذا الأمر. لم تكن تاتشر تريد أي الاثنين، وعلى الرغم من قبولها التعاون السياسي الأوروبي القائم، لم تكن تريد أن تكون لمؤسسات الجماعة يد فيه. وبينما كانت ألمانيا تتصور أن تسير السياسة الخارجية في اتجاه تحولها إلى أحد اختصاصات الجماعة، عارضت فرنسا أيضا هذه الفكرة، فكانت المحصلة «الركيزة الثانية» الحكومية الدولية المعنية «بالسياسة الخارجية والأمنية المشتركة».
أعطيت السياسة الخارجية والأمنية المشتركة اسما أفخم من «التعاون السياسي الأوروبي» ومؤسسات أكبر. وفي أعقاب أداء أوروبا السيئ في حرب الخليج، ذكر الدفاع في المعاهدة، لكن بعبارات مبهمة لاستيعاب كل من الرغبة الفرنسية في إنشاء قدرة دفاعية أوروبية مستقلة، والمعارضة البريطانية لأي شيء من هذا القبيل خشية إضعاف الناتو؛ لذا لم ينتج الكثير عن استخدام كلمة دفاع، كما لم تتمخض السياسة الخارجية والأمنية المشتركة في الحقيقة آنذاك عن نتائج أحسن كثيرا مما حققه التعاون السياسي الأوروبي قبل ذلك؛ لذا كانت هناك محاولة ثانية، في إطار معاهدة أمستردام، لاستحداث ركيزة ثانية مرضية.
أوضحت معاهدة أمستردام عددا من الجوانب، من ضمنها مجموعة من الأهداف العامة للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة، وإمكانية استخدام التصويت بالأغلبية المشروطة في بعض الحالات، فضلا عن التعاون المعزز. الأمر الأشد أهمية كان محاولة النص على نظام أبسط للتمثيل الخارجي، وذلك باستحداث منصب ممثل سام؛ وهو منصب سيشغله أمين عام أمانة المجلس؛ بمعنى أنه منصب حكومي دولي. وقد سمح هذا، مقرونا بزيادة القدرات التخطيطية داخل الأمانة، للممثل السامي، وهو أمين عام حلف شمال الأطلسي السابق خافيير سولانا، بإبراز صورة أقوى كثيرا للاتحاد في المنظمات الدولية.
رسم بياني (9): كيف يمثل الاتحاد الأوروبي فيما يخص السياسة الخارجية والأمنية المشتركة.
غير أن معاهدة أمستردام والترقيعات الطفيفة التي أدخلتها معاهدة نيس كانت لا تزال غير كافية للتصدي للمشكلات البنيوية المستمرة التي واجهتها السياسة الخارجية والأمنية المشتركة؛ لذا ركزت عملية لايكن صراحة على ضرورة الانخراط في إعادة تنظيم جوهرية للتمثيل الخارجي؛ مما أفضى في النهاية إلى معاهدة لشبونة التي أنهت نظام ركيزة ماستريخت، وحاولت خلق شخصية خارجية واحدة. كان المنوط بهذا المنصب الجديد، وهو «الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية»، الربط بين المفوضية والمجلس؛ إذ سيكون شاغله نائب رئيس المفوضية ورئيس هيئة الشئون الخارجية بالمجلس، إضافة إلى حضوره المجالس الأوروبية. بإيجاز، كانت لدى الممثل السامي إمكانية أن يصبح لاعبا سياسيا دوليا أساسيا، ولا سيما بدعم من موارد دائرة جديدة؛ هي «الدائرة الأوروبية للشئون الخارجية» التي تمثل في جوهرها سلكا دبلوماسيا أوروبيا. وباستخدام الإطار القانوني للمواقف والأعمال المشتركة للمجلس، كان هناك مجال كبير لصياغة موقف أوروبي مميز في العالم.
بينما ساعدت إعادة التنظيم على تقليل قدر مما اتصف به النظام في السابق من تعقيد وتكرار دون داع، من العدالة أيضا أن نقول إن اختيار كاثرين أشتون لتكون أول من يشغل منصب الممثل السامي دل أيضا على تواصل الحدود التي سعى الزعماء الوطنيون إلى فرضها؛ فبدلا من اختيار شخصية بارزة بالغة النشاط، دل قرار اختيار البارونة كاثرين أشتون على الدور الذي يغلب عليه الطابع الإداري لهذا المنصب؛ ومن ثم انحصر معظم عملها حتى الآن في تولي إنشاء هياكل لشبونة الجديدة وتعبئتها بدلا من القيام بعمل بارز. والحقيقة أن الدورين المؤسسيين الثنائيين أسفرا عن تقسيم لمحور التركيز بقدر ما أسفرا عن توحيد للسياسة.
سوف يستمر الدمج التدريجي للتمثيل الخارجي على الأرجح، ولا سيما ما إن تتمكن المؤسسات الجديدة من الاستقرار وتطوير هوياتها المؤسسية، كما سيلعب يقينا الدور المتنامي للبرلمان الأوروبي في التأثير على مخصصات الميزانية دورا في هذا، لكن الأرجح أن الأمن سيكون المجال الذي ستلمس فيه أبرز النتائج. (3) الأمن
شجع الوعي بضرورة أن يوفر الاتحاد دعما عسكريا فاعلا لسياسته المشتركة في يوغوسلافيا السابقة الحكومات على تقوية قدرته في ميدان الدفاع؛ لذا فعلى الرغم من إدراكها اعتمادها على حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة للدفاع ضد أي تهديد كبير يواجه أمنها، استخدمت في معاهدة أمستردام لغة أقوى نوعا ما منها في معاهدة ماستريخت فيما يخص قدرة الاتحاد ذاته؛ حيث تصورت «الصياغة التدريجية لسياسة دفاعية مشتركة ربما تؤدي إلى إقامة دفاع مشترك» غرضه المباشر اشتمال المهام الإنسانية، وحفظ السلام، و«إدارة الأزمات بما في ذلك صنع السلام.»
تم التوصل إلى هذا الاتفاق على دور حلف شمال الأطلسي، بصعوبة، في مواجهة البلدان التي رغبت في إبقاء الولايات المتحدة بعيدة عن الصورة، وأبرز ممثليها فرنسا. وقد برهنت التجارب الصعبة في البلقان، ولا سيما في كوسوفو، على أن الأوروبيين - على الرغم من إنفاقهم العسكري البالغ ثلثي إنفاق الأمريكيين - لم يقدروا إلا على تقديم عشر القوة النيرانية التي قدمها الأمريكيون، كما كان تأثيرهم على سير العمليات محدودا بالمثل. وهذا دفع البريطانيين والفرنسيين، الذين قدموا المساهمة الأوروبية الرئيسة، إلى إطلاق مبادرتهم الدفاعية. كانت خبرة الفرنسيين في حروب الخليج والبلقان قد أثبتت أن عليهم الاقتراب من حلف شمال الأطلسي بدرجة أكبر إذا أرادوا تقديم مساهمة عسكرية فاعلة. أما البريطانيون فصاروا من جانبهم يرون ميزة العمل مع الفرنسيين؛ وبعد أن رفضت الحكومة أن تكون عضوا مؤسسا في منطقة اليورو، رأت الدفاع كميدان يمكن أن يضمن فيه لبريطانيا دور محوري في إطار الاتحاد.
كانت النتيجة هي المقترح المشترك بإنشاء قوة رد سريع تابعة للاتحاد الأوروبي يبلغ قوامها ما بين 50 ألف و60 ألف فرد، والذي تبناه المجلس الأوروبي في هلسنكي في ديسمبر 1999، كما ووفق على دمج اتحاد غرب أوروبا في الاتحاد. بدأ الاتحاد الأوروبي يضع لبنات «سياسة أوروبية للأمن والدفاع» (يشار إليها الآن باسم «السياسة الأوروبية المشتركة للأمن والدفاع») لتكون بمثابة الذراع الأمنية للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة، فأسس هيكلا للتخطيط الدفاعي وهيئة الأركان، مع مشاركة وزراء الدفاع بجانب وزراء الخارجية في مؤتمرات المجلس، ولجنة عسكرية تمثل «رؤساء أركان القوات المسلحة» بالدول الأعضاء، وهيئة أركان عسكرية داخل أمانة المجلس؛ وحول اللجنة السياسية المسئولة أمام المجلس إلى لجنة سياسية وأمنية. بدأت التحضيرات لإنشاء قوة للرد السريع مهمتها حفظ السلام، وإدارة الأزمات بشكل مستقل «في الحالات التي لا ينخرط فيها حلف شمال الأطلسي ككل »، وإن كانت ستظل هناك عادة حاجة إلى مرافق الحلف - التي تعني عمليا المرافق الأمريكية - كالنقل الجوي والاستخبارات باستخدام الأقمار الصناعية؛ مما يعني الموافقة الأمريكية على أي عمليات كبيرة. وهكذا تخففت مخاوف الحكومة البريطانية بشأن إضعاف حلف شمال الأطلسي، وطمئنت النمسا وفنلندا وأيرلندا والسويد، وهي دول دأبت على الحيادية، بأحكام تجيز لأي من الدول الأعضاء اختيار عدم المشاركة في أي عمل أو المشاركة فيه. وأعادت لشبونة التأكيد على هذه الأهداف واضعة السياسة الأوروبية المشتركة للأمن والدفاع تحت سيطرة الممثل السامي.
يبين هذا الصعوبات التي تواجه قدرة الاتحاد الدفاعية؛ إذ يجب أن توافق كتلة حرجة من الدول الأعضاء على أي عمل قبل أن يتسنى القيام به؛ وبالنسبة للعمليات الكبيرة التي تحتاج إلى مرافق حلف شمال الأطلسي؛ ومن ثم الموافقة الأمريكية، ربما لا يوافق الأمريكيون على ما يريد الأوروبيون فعله؛ مما سيثير توترات داخل الحلف. وفي حال توافر موافقة الكتلة الحرجة الأوروبية والموافقة الأمريكية كلتيهما، ربما تكون الترتيبات الحكومية الدولية أضعف من أن تطلق عملية ناجحة وتديرها. وعلى الرغم من أن حلف شمال الأطلسي هو أيضا نظام حكومي دولي؛ فإن الزعامة الأمريكية المهيمنة جعلته ينجح. لكن لا يوجد بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي طرف مهيمن، وعلى الرغم من أن هذا الواقع يتيح مزيدا من إمكانية تطوير الاتحاد إلى ديمقراطية عاملة؛ فإنه في الوقت نفسه سيجعل من النظام الحكومي الدولي في ميدان الدفاع نظاما تصعب إدارته.
لم يكن يتوقع سير تطور الاتحاد بسلاسة في ميدان شديد الحساسية يمس السيادة، لكن الاتحاد واجه مواقف أصعب بعد هجوم القاعدة الإرهابي على الولايات المتحدة في سبتمبر 2001، عندما تمزقت العلاقات بين الدول في حلف شمال الأطلسي وداخل الاتحاد نفسه؛ حيث تبنى الأمريكيون نهجا أحاديا حيال «الحرب على الإرهاب»، مقرونا بالتدخل في العراق في مارس 2003. كما شهدت الدول أعضاء الاتحاد انقساما حادا؛ حيث تزعمت الحكومات البريطانية والإيطالية والبولندية والإسبانية المساندة للتدخل الأمريكي، بينما كان الفرنسيون والألمان، وانضم إليهم بعدها بقليل الإيطاليون والإسبان بعد تغير حكومتيهم، أبرز المعارضين لهذا التدخل. ربما كان متوقعا أن يعوق هذا استمرار تطوير قدرة الاتحاد في ميدان الأمن العسكري، وكذلك العلاقات داخل حلف شمال الأطلسي، وقد أخر فعلا تقدم السياسة الأوروبية للأمن والدفاع لبعض الوقت، لكن الاتحاد واصل تطوير قدرته في ميدان الأمن، وبحلول عام 2004 كان قادرا على الحلول محل قوة حفظ السلام التابعة للحلف في البوسنة، وإنشاء «وكالة الدفاع الأوروبية» لتحسين كفاءة إنتاج الأسلحة، وإنشاء مجموعات قتالية قوام الواحدة 1500 فرد؛ بهدف نشرها في غضون 5 أيام من صدور قرار من المجلس بشن عملية.
مع تطوير الاتحاد قدرته في ميدان الأمن، سيصبح شيئا أكثر من مجرد قوة مدنية عظيمة، لكن لقوته في الجوانب الاقتصادية والبيئية والجوانب الأخرى من السياسة الخارجية - التي تسمى بأسلوب فيه شيء من التلطف «القوة الناعمة» - أهمية شديدة بالفعل، ولديها إمكانية إضافية عظيمة بوصفها قوة لإيجاد عالم أكثر أمنا وازدهارا.
الفصل التاسع
الاتحاد الأوروبي وسائر أوروبا
من أشد ما يثير الإعجاب في الاتحاد الأوروبي قدرته على تطوير مجموعة صغيرة من الدول المتشابهة نسبيا في أوروبا الغربية، وبسط رقعتها لتصبح اتحادا أوروبيا أكثر اتساعا وعمقا بكثير. وقد تناولنا في الفصل الثاني عملية التعمق والتوسع منذ الخمسينيات، بما فيها من أوجه تآزر وتناقض. وفي إطار هذه العملية الطويلة، كان التوسع في أوروبا الوسطى والشرقية هو الأشد إثارة للنزاع، باستثناء رد فعل ديجول تجاه طلب الانضمام البريطاني. وفي حين أن الدول الأعضاء توافقت عموما على أن التوسع شرقا سيكون محل ترحيب، بغية توسيع مساحة الازدهار والأمن، كانت هناك أيضا درجات متفاوتة بشدة من الحماس إلى حد أن مناقشة «إجهاد التوسع» لم تعد بالأمر النادر في الدول الأعضاء القديمة. ولا ريب أنه كانت هناك مشكلات آتية في الطريق، لكن يمكن النظر إلى التوسع كجزء جوهري من الاتحاد الأوروبي واستمرار تطوره، وبالأخص في تعاملاته مع من يظلون خارجه. وما زالت المعاهدة تؤكد أن العضوية مفتوحة أمام أي دولة أوروبية تحترم «مبادئ الحرية والديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وسيادة القانون.» (1) التوسع لاشتمال أغلبية أوروبا الغربية
هناك إجراء روتيني يتبع في عملية التوسع؛ فعند تلقي طلب انضمام، يطلب المجلس من المفوضية «رأيها» الذي يجوز له على أساسه أن يقر، بالإجماع، تفويضا لإجراء المفاوضات. تتفاوض المفوضية تحت إشراف المجلس، ويلزم في نهاية المطاف إقرار معاهدة انضمام بالإجماع في المجلس، وبموافقة البرلمان، يليها التصديق في الدول الأعضاء كافة.
يمكن أن تسبق العضوية بصورة ما من صور الانتساب، التي كانت أول أمثلتها اتفاقية الانتساب بين اليونان والجماعة عام 1962، والتي نصت على إزالة الحواجز التجارية على مدى فترة انتقالية، وفي صور عديدة من التعاون، ومن خلال مجلس انتساب. كما تصورت الاتفاقية أيضا حصول الدولة على العضوية في النهاية. وبعد العديد من التقلبات، حصلت اليونان بالفعل على العضوية عام 1981.
لم تكن البرتغال وإسبانيا مؤهلتين للانتساب في الستينيات؛ إذ كان نظاماهما الحاكمان غير متوافقين مع الجماعة، التي كانت البلدان الديمقراطية وحدها هي الشركاء المناسبين لها. كانت البرتغال قد صارت من قبل، في 1960، عضوا مؤسسا في الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة التي أسستها بريطانيا ردا على تأسيس الجماعة الاقتصادية الأوروبية، والتي لم تكن معنية بالطبيعة السياسية لأعضائها؛ نظرا لاقتصارها على العلاقة التجارية المحضة. لذا فعندما حلت الديمقراطية محل الدكتاتورية في السبعينيات، تفاوض كلا بلدي شبه جزيرة أيبيريا بشأن الانضمام إلى الجماعة دون أي صورة سابقة من صور الانتساب. وكان هذا أحد أسباب استطالة المفاوضات؛ إذ لم يتحقق الانضمام إلا في 1986، لكن مقاومة أنصار الحمائية، وبالأخص من جانب المزارعين الفرنسيين، كانت السبب الأهم.
كان الطريق إلى العضوية مختلفا بالنسبة للأعضاء الشماليين بالرابطة الأوروبية للتجارة الحرة. كان البريطانيون والدنماركيون والنرويجيون والسويديون والسويسريون قد نأوا بأنفسهم عن المقتضيات السياسية لعضوية الجماعة، كما استبعد النمساويون بفعل معاهدة السلام التي كانوا طرفا فيها. وانضمت بريطانيا والدنمارك وأيرلندا عام 1973 دون سابق انتساب على أي نحو، وأبرمت في الوقت نفسه اتفاقيات تجارة حرة ثنائية بين الجماعة وكل واحدة من الدول الأخرى بالرابطة الأوروبية للتجارة الحرة، التي كانت تضم أيسلندا بحلول ذلك الوقت . وأبرمت هذه الاتفاقيات لاحقا مع فنلندا التي انضمت عام 1986، وليختنشتاين التي انضمت عام 1991.
بمجرد أن انفك القيد السوفييتي عام 1989، تقدمت النمسا بطلب لعضوية الجماعة الأوروبية، ولم تتأخر فنلندا والنرويج والسويد وسويسرا عنها كثيرا. صاغ ديلور - على أمل تأجيل هذا التوسع خشية أن يضعف الجماعة - مقترحا بإقامة «منطقة اقتصادية أوروبية» تضم بلدان الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة والجماعة الأوروبية في سوق موحدة موسعة، لكن حكومات تلك الدول الخمس لم تشأ أن تستبعد من اتخاذ القرار في الجماعة؛ لذا تقدمت كلها بطلبات للعضوية، فحصلت عليها النمسا وفنلندا والسويد عام 1995، بعد مفاوضات قصيرة يسرتها علاقتها القائمة في ميدان التجارة الحرة، ورفض النرويجيون الانضمام في استفتائهم الشعبي، ورفض الناخبون السويسريون قبول حتى المنطقة الاقتصادية الأوروبية. لذا تظل سويسرا باتفاقية التجارة الحرة الثنائية التي أبرمتها، ولا يتبقى من المنطقة الاقتصادية الأوروبية إلا أثر ضئيل يربط النرويج وأيسلندا وليختنشتاين بالاتحاد. (2) التوسع شرقا
ظلت العلاقات بين الجماعة الأوروبية والاتحاد السوفييتي فاترة طوال الحرب الباردة؛ إذ رفض الاتحاد السوفييتي منح الجماعة الاعتراف القانوني معتبرا إياها تقوية «للمعسكر الرأسمالي»، ورفضت الجماعة التفاوض مع مجلس التعاون الاقتصادي (الكوميكون)؛ تلك المنظمة الاقتصادية التي يهيمن عليها الاتحاد السوفييتي. وبعد عام 1989 وتفكك الكتلة السوفييتية، اتجهت بلدان أوروبا الوسطى والشرقية إلى الجماعة رائية فيها معقلا للرخاء والديمقراطية والحماية من الاتحاد السوفييتي الفوضوي (والآخذ في الانهيار)، وبطبيعة الحال فكرت هذه الدول في الحصول على العضوية.
شكل : سقوط جدار برلين.
كان أبسط مثال هو جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الاسم الذي أطلقه الجزء الواقع تحت السيطرة السوفييتية من ألمانيا على نفسه)، التي صارت جزءا من جمهورية ألمانيا الاتحادية عام 1990، وسارعت الجماعة إلى إجراء التعديلات الفنية اللازمة بحيث يتسنى لألمانيا الموسعة تقلد العضوية الألمانية دون إبطاء.
بالنسبة لبلدان أوروبا الوسطى والشرقية الأخرى، وضعت حزم المعونات والتنمية الواسعة سويا تحت قيادة المفوضية؛ حيث سعت مشروعات، كمشروع «تقديم المساعدة لبولندا والمجر لإعادة تشكيل هياكل الاقتصاد»، إلى تقديم المساعدة بإعادة هيكلة الديمقراطيات الناشئة اقتصاديا وسياسيا، فكانت تنفق نحو 600 مليون يورو سنويا بين عامي 1990 و2003، وهي السنة التي أنهي فيها المشروع. ومع ذلك، فعلى الرغم من الترحيب بمثل هذه المساعدة، اعتبرها كثيرون في المنطقة صرفا للأنظار عن العضوية. والحقيقة أن وجهة النظر هذه كانت انعكاسا دقيقا للشعور المتناقض الذي كان يشعر به الكثير من أعضاء الاتحاد تجاه التوسع. ففي حين كان كثير من الساسة يعلنون على الملأ رسالة الاتحاد التاريخية المتمثلة في إعادة توحيد أوروبا سلميا، فإنهم كانوا قلقين حيال قبول عدد كبير من الأعضاء الجدد الفقراء نسبيا، والصغار نسبيا، وغير المستقرين نسبيا، والذين ربما يرتحل سكانهم جملة إلى الغرب بحثا عن فرصة عمل.
ولم يوافق الاتحاد الأوروبي على مبدأ منح العضوية الكاملة للدول التي تريدها إلا في 1993، في المجلس الأوروبي المنعقد في كوبنهاجن. لكن الاتحاد وافق أيضا، ولأول مرة، على التوسع في أحكام المعاهدة، ووضع ما صار يعرف باسم معايير كوبنهاجن، وهي: الديمقراطية المستقرة، وحقوق الإنسان، وحماية الأقليات، وسيادة القانون، واقتصاد السوق التنافسي، و«القدرة على تحمل التزامات العضوية بما فيها التقيد بأهداف الاتحاد السياسي والاقتصادي والنقدي». وفي حين كان للاتحاد السياسي معان مختلفة في مختلف الدول الأعضاء؛ فإن دلالة «التزامات العضوية» كانت واضحة بما يكفي، بما فيها مهمة هائلة هي تطبيق ما لا يقل كثيرا عن 100 ألف صفحة من التشريعات التي يختص معظمها بالسوق الموحدة. ولتسكين المخاوف من أن يؤدي التوسع إلى الإضعاف، جاء أيضا الشرط القاضي بضرورة أن تكون لدى الاتحاد «القدرة على استيعاب أعضاء جدد مع الحفاظ في الوقت نفسه على زخم التكامل.»
على الرغم من وضع الحد الأدنى للعضوية على هذا النحو، ووضع برامج شاملة لتقديم المساعدة لدول أوروبا الوسطى والشرقية لإعانتها على استيفائها، لم تبدأ العجلة تدور فعلا إلا بعد إبرام معاهدة أمستردام عام 1997. وفي 1998، رأى الاتحاد أن موجة أولى تضم خمس دول أحرزت تقدما، فبدأت المفاوضات عام 1998 مع الجمهورية التشيكية وإستونيا والمجر وبولندا وسلوفينيا بجانب قبرص، التي كانت هي أيضا قد تقدمت بطلب العضوية، ثم جاء عام 2000 بموجة ثانية تضم بلغاريا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا بجانب مالطة . وفي حين أن الاتحاد كان قد أشار إلى سير كل عملية من عمليات التفاوض على الانضمام بوتيرتها الخاصة، وافق المجلس الأوروبي المنعقد في كوبنهاجن عام 2003 على إمكانية انضمام هذه الدول كلها - عدا بلغاريا ورومانيا - في مايو 2004. وقد نالت هاتان الدولتان العضوية في 2007.
خريطة (2): الدول المتقدمة بطلب انضمام.
كانت عملية التوسع شرقا مطولة بشدة لعدد من الأسباب؛ فعلى جانب الدول الأعضاء الجديدة، كانت التكييفات المطلوبة كبيرة جدا، ولا سيما في سياق الانبثاق من نظم شيوعية قائمة على الاقتصاد المخطط. كانت هناك دول كثيرة تفتقر ببساطة إلى المؤسسات أو الموارد أو الخبرات اللازمة لتنفيذ تغييرات جذرية في تسيير الكثير من مجالات السياسة العامة واتخاذ القرار. أما على جانب الدول الأعضاء الراهنة، فقد تحدثنا بالفعل عن المخاوف من ازدياد درجة عدم التجانس داخل الاتحاد، والآثار المترتبة على حرية الحركة والتنقل، وعلى حالة سياسات الاتحاد الأوروبي. وكان لهذه النقطة الأخيرة أن تستغرق كثيرا من وقت الاتحاد في أواخر التسعينيات، فيما كان يكافح لإصلاح السياسة الزراعية المشتركة وسياسات التماسك؛ للتعامل مع المجيء الوشيك لعدد كبير من الدول الفقيرة ذات القطاعات الزراعية الكبيرة. وقد ناقشنا تلك الإصلاحات في الفصل الخامس. من منظور عام، نجد أن الحل الذي تم التوصل إليه هو إصلاح السياسات بتغيير أنواع الدعم المقدم، لكن مع الحد أيضا من المبلغ الذي يمكن للدول الجديدة أن تطالب به في أي حالة. ظل هذا النهج الجائر في ظاهره تجاه الأعضاء الجدد ملمحا ثابتا من ملامح عمليات التوسع السابقة كافة؛ حيث تسعى الدول الأعضاء الراهنة إلى حماية مصالحها ما دامت تستطيع، وما دامت الدولة طالبة العضوية لا تقدر على مقاومة ذلك إلا قليلا. تجلى هذا أيضا في المناقشات التي دارت بشأن الإصلاح المؤسسي، وتوجت بمعاهدة نيس التي وجدتها بعض الدول الأعضاء غير مرضية بدرجة كافية للدعوة إلى المؤتمر الدستوري.
على الرغم من كل هذا القلق، ربما يكون أبرز ملامح الاتحاد الأوروبي فيما بعد التوسع هو مدى سهولة هذا التوسع حتى تاريخه؛ فعلى الرغم من الفشل في استبدال المعاهدة الدستورية بتسوية نيس، أدت أجهزة الاتحاد المعنية باتخاذ القرار وظائفها دون مشكلات ناشئة عن التوسع، ولم يحدث الشلل التام الذي كان البعض قد توقعه في التسعينيات. والحقيقة أننا عندما ندرس أبرز الأزمات داخل الاتحاد الأوروبي، نجد أنها كانت تخص الدول الأعضاء القديمة أكثر مما تخص الجديدة، وهي تصويت الفرنسيين والهولنديين بالرفض على المعاهدة الدستورية، والانقسام الأنجلوساكسوني تجاه حرب العراق وتبعاتها، وعضوية اليونان في اليورو. وقد حدث ذلك لسببين؛ أحدهما: أن الأعضاء الجدد تواروا جانبا وهم يتعلمون كيفية العمل داخل الاتحاد، باستثناء بولندا إلى حد ما. والآخر: يتعلق بعمق التكييف الهيكلي الذي قامت به هذه الدول لنيل العضوية؛ إذ كان كثير منها أشد تقيدا بمتطلبات العضوية من الأعضاء القدامى. (3) جنوب شرق أوروبا
كانت يوغوسلافيا السابقة، قبل أن تتفكك، أقرب إلى الجماعة من أي دولة أخرى في أوروبا الوسطى أو الشرقية، ثم جاء التفكك والحروب، فأرادت الولايات المتحدة في البداية أن يتعامل الأوروبيون مع هذه المشكلات. وقد تحدث جاك بوز، وزير خارجية لوكسمبورج والرئيس الدوري للمجلس في النصف الأول من 1991، بعبارة شهيرة قال فيها: «هذه ساعة أوروبا.» حصلت سلوفينيا على الاستقلال دون قتال كبير، لكن حروبا مريرة تلت ذلك في كرواتيا والبوسنة، ولاحقا في كوسوفو. وفي الحالات الثلاث جميعها أخفق الاتحاد في النهوض تماما إلى مستوى مقولة بوز. بدلا من ذلك، كانت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي هما أهم طرفين فاعلين في التوصل إلى تسوية سلمية دائمة في المنطقة، مع اقتصار الاتحاد الأوروبي على تولي تقديم الإغاثة الإنسانية.
كانت أهم نتائج هذه التجربة للاتحاد تشجيعه على إجراء مراجعة تامة للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة، أبرز ما تمخضت عنه هو إنشاء قدرات عسكرية خشنة لتأمين ما يسمى مهام بطرسبرج للإغاثة الإنسانية، وحفظ السلام، وإدارة الأزمات، كما ساعدت أيضا على دفع الاتحاد إلى دراسة توافق سياساته الخارجية المختلفة بعضها مع بعض، وهو ما يتجلى على نحو أشد وضوحا في استحداث منصب الممثل السامي لإعطاء عمل الاتحاد الأوروبي واجهة موحدة. وفيما يخص دول البلقان ، كانت نتيجة الفشل الأولي الذي مني به الاتحاد الأوروبي هي الرجوع لنقطة الصفر مرة أخرى، وإصدار «ميثاق استقرار» لجنوب شرق أوروبا. اتبعت لاحقا هذه المجموعة الجامعة من السياسات، التي وضعت لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والإصلاح الاقتصادي، باتفاقات تحقيق الاستقرار والانتساب بين الاتحاد وكل واحدة من دول غرب البلقان، تدعمها «أداة مساعدة ما قبل الانضمام» التابعة للاتحاد، والتي توفر نحو 500 مليون يورو سنويا لدول غرب البلقان. رغم بطء تحقيق الاستقرار في المنطقة، تمكن الاتحاد من منح كرواتيا العضوية، ومقدونيا والجبل الأسود وصربيا وضع المرشح الكامل، ودولا أخرى وضعا مؤقتا بموجب اتفاقات تحقيق الاستقرار والانتساب؛ ومن ثم وفر حافزا قويا للساسة المحليين ليحذوا حذو مواطني أوروبا الوسطى والشرقية الآخرين. (4) روسيا ورابطة الدول المستقلة
رفضت جمهوريات البلطيق السوفييتية السابقة الثلاث، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، الانضمام إلى روسيا في عضوية رابطة الدول المستقلة - وريث الاتحاد السوفييتي - ونالت عضوية الاتحاد الأوروبي عام 2004. وهناك ست من بين الدول التي ظلت مع رابطة الدول المستقلة، وهي أرمينيا وروسيا البيضاء وجورجيا ومولدوفا وأوكرانيا وروسيا ذاتها، يمكنها ادعاء أنها أوروبية؛ ومن ثم يمكنها - إذا استوفت شرطي الديمقراطية المستقرة واقتصاد السوق التنافسي - أن تتقدم بطلب عضوية الاتحاد.
خريطة (3): بنية أوروبا 2013.
مع توسع الاتحاد الأوروبي حتى حدود روسيا وأوكرانيا، أثيرت مسألة ضم دول رابطة الدول المستقلة، لكن ما يحول دون ذلك هو حجم روسيا، مضافا إليه التفاوتات الاقتصادية والسياسية بينها وبين الاتحاد الأوروبي، والتي تفوق كثيرا التفاوتات الموجودة في أوروبا الوسطى والشرقية؛ ومن ثم كانت السياسة المتبعة هي إقامة علاقات ثنائية ومتعددة الأطراف أوثق بدلا من التفكير في العضوية. وتواجه الدول الأخرى أيضا صعوبات جمة، لكن على الرغم من أن أوكرانيا تواجه مشكلات كبيرة في التحول إلى ديمقراطية مستقرة؛ فإن الرغبة في العضوية ليست مستبعدة على المدى الطويل.
غير أن الاتحاد الأوروبي لطالما كان تواقا إلى المساعدة على الانتقال إلى الديمقراطية واقتصادات السوق الحرة في عموم رابطة الدول المستقلة؛ إذ أدار بين عامي 1991 و2007 برنامجا مكثفا جدا للمساعدات يعرف باسم «برنامج المساعدة التقنية إلى رابطة الدول المستقلة»، الذي ركز - بميزانية تبلغ نحو 500 مليون يورو سنويا - على أشياء من قبيل إعادة تشكيل المؤسسات وتطويرها، والإصلاح الإداري، والخدمات الاجتماعية، والتعليم، والسلامة النووية التي تعد أكبر بند، وتشكل جزءا كبيرا من البرامج الإقليمية. وكما سنرى في الفصل العاشر، ألغي برنامج المساعدة التقنية إلى رابطة الدول المستقلة وحلت محله «سياسة الجوار الأوروبية».
تظل علاقة الاتحاد بروسيا علاقة ملتبسة؛ ففي الوقت الذي انقضى إلى حد كبير ذلك التنافس العسكري الذي كان سمة للحرب الباردة، أثارت طبيعة الديمقراطية الروسية المشكوك فيها إبان حكم فلاديمير بوتين في القرن الجديد نقاط توتر جديدة. ومع تضاؤل قوة روسيا العسكرية وعدم نجاح تحولها إلى اقتصاد السوق الحرة حتى الآن على النحو المرجو، بدأت الحكومة الروسية تستخدم صادراتها الهائلة من الطاقة الطبيعية إلى أوروبا كطريقة جديدة تكون بها طرفا فاعلا على الساحة الدولية؛ حيث شهد عهد بوتين أمثلة متكررة على استخدام شركات غاز ونفط - تسيطر عليها الدولة - حجمها وعلاقتها المميزة بالكرملين لكسب مراكز متزايدة الهيمنة داخل أسواق الطاقة في الاتحاد الأوروبي، وساعدتها على ذلك أجندة تحرير الطاقة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي ذاته. وفي حين أن هذه الهيمنة مرهونة بحقيقة اعتماد الشركات الروسية حاليا على الاتحاد الأوروبي في معظم أرباحها، فإنه ريثما تزداد الثقة في النظم السياسية والقانونية في روسيا، لا يتوقع أن يسعى الاتحاد إلى تطوير علاقته بما يتجاوز «اتفاق الشراكة والتعاون» الحالي، على الرغم من انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية عام 2012. (5) تركيا
لا يكتمل هذا الفصل دون الإشارة إلى تركيا؛ فإذا كانت روسيا شريكا يصعب التعامل معه بالنسبة للاتحاد الأوروبي؛ فإن تركيا لطالما كانت شوكة في جانبه؛ لأنها أعلنت بصراحة وحماس رغبتها في الانضمام إلى عضوية الاتحاد منذ فترة طويلة جدا.
أبرمت تركيا مع الجماعة الاقتصادية الأوروبية عام 1964 اتفاقية انتساب كاتفاقية اليونان، عدا أن شكوك الجماعة حيال تركيا انعكست في فترة انتقالية مدتها 22 سنة، وعدم وجود التزام واضح بالعضوية. تقدمت تركيا بطلب العضوية في 1987، لكن الاتحاد لم يعترف بها كمرشح حتى 1999، ولم تبدأ المفاوضات إلا في 2005، مع عدم توقع انضمامها قبل سنوات طويلة آتية . ومثل هذه العملية المطولة، حتى بمعايير الاتحاد الأوروبي المتدنية، تحتاج إلى تفسير ما.
أعرب ساسة الاتحاد عن عدد من الأسباب التي تدعوهم إلى الشك فيما إذا كان ينبغي أن تحصل تركيا على العضوية أم لا؛ أولا: أشير إلى معايير كوبنهاجن وعدم ملاءمة البلد لما فيه من انتهاكات لحقوق الإنسان، ودور القوات المسلحة في السياسة، ونقاط الضعف التي تعتري الاقتصاد، ومدى إمكانية إدخال إصلاحات ذات معنى. ثانيا: هناك شواغل بشأن حجم تركيا (فلن يمضي وقت طويل قبل أن تكون أكبر دولة عضو في الاتحاد الأوروبي بفضل معدل مواليدها المرتفع) وما يترتب على ذلك من احتمال حدوث هجرة واسعة النطاق إلى الدول الأعضاء الأخرى والوزن التصويتي في المجلس. ثالثا: كثر الحديث عن «إجهاد التوسع» والحاجة إلى وقفة حقيقية قبل مثل هذا التوسع الكبير. الأمر الرابع، والذي ربما يؤكد هذه الأبعاد الأخرى جميعها، هو فكرة أن تركيا بلد «غريب»؛ فسكانها أغلبيتهم مسلمون، ودعواها بأنها «أوروبية» بالجغرافيا لا تقوم على دليل قوي، ومسارها التاريخي يختلف تماما عن مسار الأعضاء الحاليين التاريخي. وهي بهذا تتحدى مفاهيم كثيرة بشأن ماهية الاتحاد الأوروبي وما ينبغي أن يكون عليه.
أما الأتراك من جانبهم، فإصرارهم في مواجهة هذه المعارضة يعكس قوة المشروع الكمالي الغربي في البلد، وقوة تصور البلد نفسه كجسر بين الشرق والغرب. ولا ريب أن الحكومات التركية المتعاقبة أجرت تعديلات كبيرة جدا على الهياكل القانونية والسياسية لضمان إجراء مفاوضات الانضمام التي كانت تتوق إليها بشدة، وهو شيء مدهش تماما نتيجة انعدام اليقين في أن مثل هذه المفاوضات ستحدث، لكن الصبر التركي، ولا سيما بين عامة الجمهور، ليس بلا نهاية، وقد شهدت السنوات الأخيرة فتورا في الرغبة في الانضمام إلى الاتحاد، لكن هذا سمة عادية من سمات عمليات التوسع، حيث تبدأ أعين الناس في التفتح على التكاليف والمنافع مع اقتراب العضوية.
ومع ذلك تظل عضوية تركيا عالقة. وفي كثير من الدول الأعضاء تمثل العضوية التركية إشكالية عميقة، بالنسبة للجماهير والنخب على حد سواء، لكن السؤال الذي ينبغي أن يطرح هو ما إذا كان استبعاد تركيا منشودا أم غير منشود. يضم الاتحاد الأوروبي بالفعل أكثر من 15 مليون مسلم؛ لذا فالدين ليس العقبة التي يتصورها البعض، كذلك فإن قبول عضوية تركيا يمكنه المساعدة على توطيد مكانة الاتحاد الأوروبي كقوة عالمية، من خلال قبول دولة تمثل جسرا للعبور إلى الشرق الأوسط، ومن خلال قدرتها العسكرية الضخمة. مهما يكن القرار الذي يتخذ في نهاية المطاف، فستكون له آثار خطيرة بالنسبة للاتحاد وتطوره المستقبلي.
الفصل العاشر
دور الاتحاد الأوروبي في العالم
بعد أن بينا كيف «يمكن أن توحد المؤسسات الفيدرالية دولا شديدة التقدم»، ربما تصلح الجماعة كمثال على كيفية «إقامة عالم أكثر ازدهارا وسلاما.» كان هذا هو الأمل الذي أعرب عنه جان مونيه عام 1954 أمام طلاب جامعة كولومبيا في نيويورك. ظل الاتحاد الأوروبي مهتما، مثله مثل الآخرين، بمصالحه الخاصة، حتى وإن كان يصعب في أغلب الأحوال التوصل إلى اتفاق على ماهية هذه المصالح، لكن الأوروبيين صاروا أكثر وعيا من معظم من سواهم بأن هذه المصالح تشمل فعليا إقامة عالم مزدهر ومسالم. فكيف تساهم أعماله، بمعزل عن كونه نموذجا لمنطقة السلام والرفاهة، في تحقيق هذه الغاية؟ (1) الجماعة باعتبارها قوة تجارية عظيمة
كانت الولايات المتحدة راعية لتوحيد أوروبا، بداية من مشروع مارشال إلى ميلاد الجماعة والمراحل المبكرة من نموها، فرد مونيه الجميل بفكرة إقامة شراكة على أساس من المساواة بين الجماعة الأوروبية والولايات المتحدة. وفور إنشاء الجماعة الاقتصادية الأوروبية واستحداثها تعريفتها الخارجية الموحدة، استجابت الولايات المتحدة بإطلاق جولة كينيدي لتحرير التجارة في اتفاقية الجات؛ مما أفضى عام 1967، وبعد خمس سنوات من المفاوضات المضنية، إلى الاتفاق على خفض التعريفات بمقدار الثلث.
ما كان ذلك ليتسنى لو لم تصبح الجماعة، بمساعدة تعريفتها الموحدة باعتبارها أداة للسياسة الخارجية، شريكا تجاريا على قدم المساواة مع الولايات المتحدة. وكما قال أحد المراقبين في واشنطن، كانت الجماعة الأوروبية آنذاك «أهم عضو في اتفاقية الجات»، والسبيل إلى بذل المزيد من الجهود لتحرير التجارة. وقد صارت هكذا فعلا في الجولات اللاحقة من مفاوضات اتفاقية الجات مع انحسار الإلهام الأمريكي الخلاق الذي برز في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. لعبت الجماعة دورا قياديا في جولة أوروجواي التي اختتمت عام 1994. وفي ظل الانخفاض الفعلي في التعريفات على معظم المواد المصنعة، انتقل محور التركيز إلى الحواجز غير الجمركية؛ حيث أعطى برنامج السوق الموحدة الجماعة خبرة فريدة في أساليب تحرير التجارة. كما أفادت خبرتها أيضا عندما أحلت منظمة التجارة العالمية، بنطاقها الأوسع وصلاحياتها الأكبر لحل النزاعات، محل اتفاقية الجات، ولعل هذه تكون خطوة نحو إثبات صحة اقتراح إمكانية «استنساخ نموذج الجماعة الأوروبية في مجال سن القوانين الدولية، وذلك على الصعيد العالمي» في مرحلة معينة.
بطبيعة الحال تمخضت علاقات الجماعة التجارية عن التصادم الطبيعي بين المصالح، أو على الأقل بين ما يفترض المشاركون أنها مصالحهم، فكانت الزراعة أهم سبب للخلاف؛ فقد أضرت السياسة الزراعية المشتركة، وهي سياسة حمائية، بشركاء تجاريين: كأستراليا وكندا ونيوزيلندا والولايات المتحدة. وعقب انضمام المملكة المتحدة، أصاب الضرر الثلاثة الأول بشدة، وهي ضربة كان يمكن تحاشيها لو كانت بريطانيا قد انضمت عندما جرى التفاوض بشأن معاهدة روما. لم تبدأ الجماعة تنفيذ إصلاح جاد حتى التسعينيات، عندما خفضت مستوى الحماية لبعض السلع الرئيسة بمقدار نحو النصف. واتفق في جولة أوروجواي على إلغاء إعانات الصادرات المعرقلة للتجارة في الجولة التالية، وهو تحد صعب بالنسبة للجماعة والولايات المتحدة على السواء.
رغم تقارب الجماعة والولايات المتحدة فيما يخص الزراعة، فقد تباعدتا فيما يخص القضايا البيئية والثقافية وقضايا حماية المستهلك؛ حيث فضل الأوروبيون معايير أدت إلى تقييد وارداتهم من الولايات المتحدة، واعتبرها الأمريكيون حمائية. ومن الأمثلة على ذلك: الكائنات المعدلة وراثيا، ولحم البقر المعالج بالهرمونات، والمحركات الجوية عالية الضجيج، وخصوصية البيانات، والأفلام والبرامج التليفزيونية.
على النقيض من ذلك، خفت وطأة الاحتكاك الذي أثارته شبكة الترتيبات التفضيلية الخاصة بالاتحاد مع تخفيض التعريفات في جولات اتفاقية الجات المتتالية. كانت تلك الشبكة قد اتسعت جدا، مغطية معظم أوروبا والبلدان الأقل نموا، لدرجة أنه لم يبق خارجها إلا بعض الدول؛ من ضمنها أستراليا وكندا واليابان ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة. وقد انزعج الأمريكيون جراء تفضيلات الجماعة الأوروبية الممنوحة لبلدان معينة، لكن في المقابل كانت هناك العلاقات المقامة مع أعداد كبيرة من بلدان الجنوب، والتي مرت باختبار صعب في جولة الدوحة للمفاوضات التجارية التي افتتحت عام 2001؛ إذ كان يريد الاتحاد الأوروبي جدول أعمال شاملا، وكانت الولايات المتحدة تفضل التركيز على ميادين كالزراعة والبيئة.
كانت رغبة الاتحاد في اشتمال مسائل كالاستثمار، وسياسة المنافسة، والمشتريات العامة، وتيسير التجارة، المعروفة باسم «مسائل سنغافورة»، مدفوعة في جزء منها بالرأي القائل بضرورة أن يبدأ العالم في التحرك، مثلما فعل الاتحاد الأوروبي نفسه من قبل، بما يتجاوز محور التركيز على التعريفات وحصص الواردات، من أجل التعامل مع مجالات السياسات الأخرى متزايدة التأثير على التجارة، لكن البلدان النامية لم تكن جاهزة لهذا. وقد تعززت قدرتها التفاوضية بفضل إنشاء مجموعة العشرين، بقيادة البرازيل والصين والهند وجنوب أفريقيا، مع آخرين يمثلون المصالح الإقليمية والتجارية. وكما هو معتاد، برزت التجارة أيضا كعقبة في ظل مقاومة التحرير من جانب اللوبيات الزراعية الأوروبية والأمريكية. وفيما يخص بعض البلدان الأقل نموا، كانت هناك مشكلة إضافية ناشئة عن قرار «كل شيء إلا الأسلحة» الصادر عن الاتحاد لإلغاء القيود على الواردات من البلدان الأربعين الأشد فقرا، وذلك على نحو أضر بمنافسيها في البلدان الأقل نموا الأخرى.
بحلول مايو 2004، عرض مفوض التجارة، باسكال لامي، تخفيف إصرار الاتحاد على مسائل سنغافورة، والتفاوض بشأن إلغاء كل إعانات الصادرات، مما مكن المفاوضات من المضي قدما في ذلك العام. في الوقت نفسه، أعطت طفرة في واردات الملابس من الصين فكرة مسبقة عن نطاق التحديات التي يتوقع أن تنشأ عن حجم الاقتصاد الأوروبي وسرعة نموه، مع احتمال أن تحدث الهند أثرا مماثلا فيما بعد، وقد صعب انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001 على الاتحاد الاستجابة باتخاذ تدابير ضد الإغراق.
منذ ذلك الحين تخبطت جولة الدوحة على صخور السلوك المتعنت على كل الجوانب، وهي الآن ماضية في طريق مسدود فيما يخص عددا من القضايا الأساسية . ومهما كانت المحصلة النهائية، سيكون هناك نظر في جدوى المزيد من جولات المفاوضات التجارية التي يجب الموافقة عليها بالإجماع من قبل 150 دولة، وفيما لو ستكون هناك ضرورة إلى مسار مختلف صوب تحرير التجارة العالمية. وسيكون على الاتحاد النظر إن كان بالإمكان تطبيق تجربته على مدى نصف القرن الماضي في العالم على نطاق واسع، وإذا كان ممكنا، فكيف يكون ذلك؟ (2) الاتحاد الأوروبي ودول الجوار والعالم النامي
على الرغم من أهمية العلاقات مع الولايات المتحدة بالنسبة للدول الأعضاء كافة، تجمع الدول منفردة علاقات خاصة مع بلدان معينة في معظم بقاع العالم الأخرى، وكثير من هذه العلاقات صارت مشتركة بين الاتحاد ككل.
رسم بياني (10): اتجاه تجارة الاتحاد الأوروبي في السلع حسب المنطقة، عام 2010.
ينبع هذا، وغيره الكثير، من معاهدة روما؛ إذ أرادت فرنسا مميزات لمستعمراتها، وجعلت هذا شرطا للتصديق على المعاهدة؛ لذا منحت الجماعة ككل الواردات الآتية من هذه المستعمرات حرية الدخول، وقدمت لها عونا من خلال «صندوق التنمية الأوروبي». سرت القواعد ذاتها على الأقاليم ذات الصلة ببلجيكا وإيطاليا وهولندا، وكان الارتباط الناشئ عن ذلك هو الأساس الأصلي «لاتفاق كوتونو» الحالي، كما تمخض الضغط الفرنسي عن اتفاقيتين تفضيليتين للمغرب وتونس، وهما اللتان مهدتا السبيل لنظام الاتفاقيات الحالي بعيد المدى مع دول الجوار.
بعد نيل المستعمرات السابقة استقلالها، تغير هذا الارتباط بموجب اتفاقية نصت على إنشاء مؤسسات مشتركة (مجلس وزراء ولجنة سفراء وجمعية برلمانيين). وعقب انضمام المملكة المتحدة، شاركت بلدان أفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ الأعضاء بالكومنولث في التفاوض على «اتفاقية لومي»، التي وسعت المشاركة لتشمل معظم أفريقيا وجزر الكاريبي، إضافة إلى عدد من الجزر في المحيط الهادئ، وتعرف مجتمعة باسم «دول أفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ»، وأزالت بعض آثار النظام الاستعماري، ووسعت العون نحو مستوى 3 مليارات يورو سنويا منذ التسعينيات، إضافة إلى الأموال المقدمة لتخفيف أثر الانخفاضات التي طرأت على دخول الدول المرتبطة من صادرات السلع.
تجددت اتفاقية لومي للمرة الخامسة في كوتونو عام 2000 في ظروف صعبة؛ إذ كانت الدول المرتبطة منزعجة لتآكل هوامش التفضيل بعد أن جرى تخفيض التعريفات في جولات الجات المتعاقبة، إضافة إلى أن الاتحاد كان قلقا من الحال السيئ - يعزى جزئيا على الأقل إلى الحكم غير الرشيد - الذي ظل عليه معظم بلدان أفريقيا على الرغم من كميات العون الضخمة المقدمة إليها. غير أن المسائل محل النقاش كانت من الأهمية بما يكفي للفوز بالموافقة على الاتفاقية الخامسة، موافقة كل من شركاء الاتحاد الأوروبي التسعة والسبعين من أفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ، بتجديد برنامج العون، وموافقة دوله الأعضاء، باعتراف الاتفاقية، بأن تكون كفاية الأداء في الحكم الرشيد معيارا لتخصيص العون، وضرورة أن تعد الدول المرتبطة اقتصاداتها للانضمام إلى الاتحاد في منطقة تجارة حرة في غضون 20 عاما. علاوة على ذلك، شدد الاتحاد الأوروبي في علاقاته الخارجية خلال التسعينيات تشديدا متزايدا على حقوق الإنسان، ويشترط اتفاق كوتونو على المشاركين فيه احترام هذه الحقوق.
إطار 5: اتفاق كوتونو 2000-2020
وافق الاتحاد الأوروبي ودول أفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ عام 2000 على تجديد اتفاقية لومي للمرة الخامسة، ولمدة 20 سنة. ويراجع اتفاق كوتونو الناشئ عنها كل خمس سنوات، كما تحددت بروتوكولات المعونة بفترات قوامها خمس سنوات. ويجتمع مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي ودول أفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ سنويا لاستعراض التقدم المحرز.
تحتل التجارة صميم الاتفاقية، ومن المقرر أن تسفر المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وكل دولة من دول أفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ بشأن «اتفاقيات الشراكة الاقتصادية» في نهاية المطاف عن ترتيبات تجارية جديدة (اتفاقيات شراكة اقتصادية) هدفها إنشاء منطقة تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي ودول أفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ بحلول عام 2020. وفي غضون ذلك، سيبقى على الحق في الدخول الحر أو التفضيلي إلى الاتحاد الأوروبي.
تحددت المعونات بمبلغ 13,5 مليار يورو للفترة 2000-2007، إضافة إلى 9,5 مليارات يورو خصصت بالفعل، لكن لم تنفق بعد، على أن تكافأ الدول على حسن أدائها في استخدام المعونات.
سيكون الحد من الفقر محور تركيز مفضل للاستراتيجيات الإنمائية.
سيتم تشجيع الجهات الفاعلة من غير الدول على المشاركة في عملية التنمية.
يدل الحوار السياسي على نهج أكثر براجماتية من جانب الاتحاد الأوروبي، مع اشتمال الحكم الرشيد، واحترام حقوق الإنسان، والمبادئ الديمقراطية، وسيادة القانون كمعايير لسياسة المعونات، ومع اتخاذ إجراءات ضد الفساد.
يصطبغ اتفاق كوتونو بخيبة أمل الاتحاد الأوروبي في نتائج اتفاقيات لومي السالفة، والتي تعزى إلى الحكم غير الرشيد في كثير من البلدان. ومن هذا المنطلق، يعد تطوير منطقة تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي ودول أفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ فكرة طموحة جدا، وقد تأخرت بالفعل عن موعدها المقرر.
بحلول نهاية السبعينيات، كانت الجماعة تملك أيضا شبكة من الاتفاقيات التي تمنح تفضيلات ومساعدات للدول المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط، بمضمون لا يختلف عن مضمون اتفاقية لومي لكن من دون المؤسسات متعددة الأطراف. شملت الشبكة دول شمال أفريقيا (عدا ليبيا التي امتنعت عن المشاركة)، إضافة إلى إسرائيل ولبنان والأردن (التي لا تفصلها إلا دولة واحدة عن المتوسط) وسوريا.
خريطة (4): دول جوار الاتحاد الأوروبي.
بحلول التسعينيات، تسببت توليفة من الصعوبات الاقتصادية، وانعدام الاستقرار السياسي، والنمو السكاني السريع في معظم هذه البلدان، وما تلا ذلك من ضغط للهجرة إلى أوروبا، في قلق متنام في الاتحاد، ولا سيما بين دوله الجنوبية؛ فكانت النتيجة مؤتمرا للوزراء من الاتحاد وشركائه المتوسطيين انعقد في برشلونة عام 1995، وأطلق «العملية الأوروبية-المتوسطية» التي هدفت إلى بناء شبكة واسعة من الروابط متعددة الأطراف عبر حوض البحر المتوسط. غير أن الهدف الرئيس المعلن لهذه العملية؛ ألا وهو إقامة منطقة تجارة حرة بحلول 2005، سرعان ما تحطم على صخرة الخلافات السياسية في الدول الشريكة، والانشغال المستمر بالتوسع شرقا.
بمجيء ذلك التوسع، انخرط الاتحاد في استعراض شامل لروابطه بجيرانه، مع حرص خاص على محاولة الإبقاء على الاتحاد تجمعا منفتحا ومتيسرا. وهكذا ففي 2003، اقترحت المفوضية أن تحل سياسة جوار أوروبية محل العملية الأوروبية-المتوسطية، ومشروع تقديم المساعدة لبولندا والمجر لإعادة تشكيل هياكلها الاقتصادية، وبرنامج المساعدة التقنية إلى رابطة الدول المستقلة. وفي 2007، ضمنت هذه البرامج السابقة تضمينا رسميا في «سياسة الجوار الأوروبية»، مدعومة بأداة مالية جديدة ستوفر نحو 1,7 مليار يورو سنويا؛ للتعاون عبر الحدود ، وتنمية المجتمع المدني، والمساعدة التقنية.
في حين تمثل سياسة الجوار الأوروبية التزاما كبيرا من جانب الاتحاد الأوروبي تجاه هذه البلدان، فلم نر بعد هل سيكون لها أي أثر دال على خلق بيئة أكثر استقرارا أو ديمقراطية أو ازدهارا حول حدود الاتحاد الأوروبي، ولا سيما في ضوء الربيع العربي لعام 2011، واستمرار الحكم غير الرشيد في العديد من دول أوروبا الشرقية. (3) آسيا وأمريكا اللاتينية والأفضليات المعممة
تمكنت بريطانيا، لدى انضمامها إلى الجماعة، من الحصول على شروط مرضية لبلدان أفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ الأعضاء في الكومنولث، لكن لم يتم الاتفاق على ترتيب خاص لأعضاء الكومنولث الآسيويين (الهند وباكستان - وكانت آنذاك تضم بنجلاديش - وسري لانكا وماليزيا وهونج كونج وسنغافورة) التي كانت أغلب صادراتها تدخل بريطانيا دون تعريفة جمركية في إطار نظام الكومنولث التفضيلي. غير أن الضرر كان محدودا؛ لأن الجماعة كانت من أول ما تبنى نظام الأفضليات المعمم عام 1971، مانحة دخولا تفضيليا للواردات من السواد الأعظم من بلدان العالم الثالث التي لم تستفد من قبل من اتفاقية لومي، ولا الاتفاقيات المتوسطية؛ وهو ما حد من التمييز ضد أغلب البلدان الآسيوية والأمريكية اللاتينية، لكن لم يلق النظام الترحيب المتوقع؛ نظرا لوجود حصص فيما يتعلق بالمنتجات «الحساسة» (بمعنى الأشد تنافسية) تقصر الأفضليات على كميات محددة مسبقا لكل منتج، وكل دولة عضو، لكن الأفضليات المعممة ساعدت مع ذلك على تقوية الروابط مع البلدان الأقل نموا.
إطار 6: اتفاقيات الاتحاد الأوروبي وروابطه في العالم الثالث بخلاف اتفاق كوتونو وسياسة الجوار الأوروبي
أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقيات تجارة وتعاون مع:
الأرجنتين
المكسيك
كوريا الجنوبية
البرازيل
باكستان
سري لانكا
شيلي
باراجواي
أوروجواي
كولومبيا
جنوب أفريقيا
فيتنام
الهند
تجمع الاتحاد الأوروبي روابط بتجمعات إقليمية أخرى من ضمنها:
جماعة دول الأنديز (أمريكا الجنوبية)
مجلس التعاون الخليجي
السوق المشتركة لبلدان المخروط الجنوبي (أمريكا الجنوبية)
رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي
مجموعة سان خوسيه (أمريكا الوسطى)
رابطة أمم جنوب شرق آسيا
ينطبق نظام الأفضليات المعمم على كل البلدان النامية تقريبا.
رسم بياني (11): حصص المعونات الإنمائية الرسمية المقدمة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان وغيرها عام 2011.
رسم بياني (12): المعونات الإنمائية المقدمة من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء حسب الوجهة عام 2010.
على الرغم من تراجع هوامش الأفضلية التي يمنحها نظام الأفضليات المعمم للبلدان الأقل نموا في ظل انخفاض المستوى العام للتعريفات، اكتسبت روابط هذه البلدان مع الاتحاد الأوروبي من خلال برامجه المعنية بالمعونات أهمية متزايدة؛ حيث تبلغ هذه البرامج نحو 10 مليارات يورو سنويا، متضمنة كلا من المعونات الإنسانية والإنمائية لبلدان أفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ وسياسة الجوار الأوروبية، كما أبرم الاتحاد اتفاقيات ثنائية للتجارة والتعاون لتقوية روابطه مع البلدان النامية الكبيرة، من بينها الهند والمكسيك والبرازيل، ولديه اتفاقيات مع جماعات إقليمية كالآسيان (رابطة أمم جنوب شرق آسيا). ومنذ انضمام إسبانيا والبرتغال إلى الجماعة عام 1986، أضيفت الروابط الخاصة التي تجمعهما بأمريكا اللاتينية إلى الروابط التي تجمع الدول الأعضاء الأخرى بأفريقيا وآسيا.
على الرغم من صعوبة قياس الأثر الاقتصادي للاتفاقيات والأفضليات والمعونات - وربما لم يكن هذا الأثر عظيما - اكتسب الاتحاد مصداقية سياسية ربما تساعده في التطوير المستقبلي لعلاقاته مع بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. (4) المال
على الرغم من أن تعريفة الاتحاد المشتركة جعلته قوة تجارية تضارع الولايات المتحدة، لم تكن لديه قبل اليورو أداة نقدية قادرة على أن تصبح ندا للدولار في النظام النقدي الدولي. كان تحدي السطوة الأمريكية أحد الدوافع وراء الدعم الفرنسي الطويل لعملة موحدة. وكانت تقلبات أسعار صرف الدولار مثار إزعاج للدول الأعضاء الأخرى أيضا. في البداية عطل ضعف الدولار محاولة إطلاق عملة موحدة في أوائل السبعينيات، ثم شجع الأوروبيين على اتخاذ أول خطوة كبيرة نحو التكامل النقدي بتأسيس النظام النقدي الأوروبي عام 1979. وفي الثمانينيات، أثارت سياسة رفع أسعار الفائدة الأمريكية، التي كانت تستهدف مقاومة التضخم، أزمة في كثير من البلدان النامية، فقيدت التنمية فيها لما يصل إلى عقد من الزمان.
عندما يضطر من يديرون عملة مهيمنة إلى الاختيار بين التعامل مع مشكلة محلية ومراعاة الأثر المترتب على الاقتصادات الأخرى المتأثرة باختيارهم هذا؛ فمن الطبيعي أن يختاروا مصالحهم المحلية. عايش الأوروبيون هذا في التسعينيات عندما أدى رفع أسعار الفائدة الألمانية، الذي كان يستهدف السيطرة على التضخم في أعقاب توحيد ألمانيا، إلى تفاقم الركود في البلدان الأخرى المتأثرة بالمارك الألماني المهيمن، ومنحت هذه التجربة دفعة إضافية للعملة الموحدة، مع سياسة نقدية مصممة خصوصا لتلائم حاجات المشاركين ككل. وفي حين أن ذلك العلاج ليس متاحا للتعامل مع هيمنة الدولار في النظام العالمي، تحول اليورو إلى قوة نقدية موازنة كبيرة، على الرغم من أزمة منطقة اليورو.
وهكذا صار اليورو مصدرا آخر للمال ذا دورة اقتصادية مختلفة، وهو ما يمكنه من معادلة نفوذ الدولار عندما يعمل ضد مصالح البلدان الأخرى، لكن هناك عاملين أساسيين حدا من هذا الأثر؛ فأولا: لا يزال هناك ترتيب غير واضح لتسيير السياسة النقدية الخارجية؛ إذ تنقسم المسئولية بين البنك المركزي الأوروبي ومجلس وزراء المالية. وثانيا: أثبتت المشكلات الهيكلية المتواصلة التي تثيرها أزمة منطقة اليورو أيضا أنها مثار اضطراب كبير جدا. إذن فالاتحاد لم يغتنم بعد بالكامل الفرصة التي يتيحها اليورو لاستبدال علاقة أكثر تكافؤا بالسطوة الأمريكية، على نحو ما فعلت السياسة التجارية المشتركة منذ نشأتها فيما يتعلق بالتجارة. (5) الأمن: حفظ السلام وتغير المناخ
غير أن السطوة الأمريكية في مجال الدفاع ستظل بلا منازع على مدى المستقبل المنظور. ولن يضطر الأوروبيون إلى تحمل نفقات هائلة فحسب عند أي محاولة للاستقلال عن القوة الاستراتيجية الأمريكية، بل إن أي قوة مكتسبة على هذا النحو سيلزم أيضا أن تكون تحت سيطرة دولة أوروبية ديمقراطية راسخة تمتلك تاريخا من الموثوقية في اتخاذ القرار؛ لذا يواصل الأوروبيون اعتمادهم على الدرع الاستراتيجية لحلف شمال الأطلسي تحت القيادة الأمريكية، وستتمثل أغلبية جهودهم في ميدان الدفاع في المساهمة في حفظ السلام، وصنع السلام، ولا سيما في الإجراءات التي ترعاها الأمم المتحدة، وسوف يواصل الأوروبيون اعتمادهم على الحماية الأمريكية للدفاع عن إقليم الاتحاد ضد التهديدات الكبرى.
ليس من الحكمة أن نفترض أنه لن تدعو الحاجة أبدا إلى مثل هذه الحماية في عالم بدأ يصير متعدد الأقطاب من منظور استراتيجي واقتصادي على السواء، ويضم عددا متناميا من الدول التي تملك أسلحة دمار شامل، إضافة إلى أنه يمكن أن تبرز تهديدات عسكرية لمصالح الاتحاد ربما لا يقدر الأمريكان على التعامل معها، أو لا يرغبون في ذلك؛ لذا فالأرجح أن يواصل الاتحاد بناء قدرته الدفاعية، وكذلك الحفاظ على التحالف، مع استخدامه في الوقت نفسه قوته الناعمة لتعزيز قيام عالم أكثر أمانا.
استأنف الاتحاد - كما رأينا في الفصل الثامن - تطوير أنشطته العسكرية دون مزيد من التأخر، في أعقاب الانقسامات الداخلية أثناء التجهيز للتدخل الأمريكي في العراق. وفي عام 2003، أقر المجلس الأوروبي بإجماع الآراء استراتيجية لتعزيز الأمن حول الاتحاد وفي النظام الدولي. وفي عام 2004، حلت قوة تابعة للاتحاد قوامها 7 آلاف فرد محل قوة الناتو في البوسنة، مع استخدام أصول الناتو وقدراته. كما اضطلع بعمليات أصغر حجما، لكن لها أهميتها في جورجيا ومقدونيا وجمهورية الكونجو الديمقراطية، وكانت الأخيرة بادرة مشروع إنشاء مجموعات قتالية دشن في العام نفسه. وبحلول عام 2006، أرسل الاتحاد قوة لحفظ السلام قوامها نحو 8 آلاف فرد إلى لبنان بعد الحرب بين حزب الله وإسرائيل. ومنذ عام 2008، قدم الاتحاد الأوروبي موارد وافرة لمكافحة القرصنة في الصومال من خلال مهمة «أطلنطا» التي أنفذها.
هكذا واصل الاتحاد إنشاء قدرة يعتد بها على تقديم مساهمات عسكرية في حفظ السلام وصنع السلام، والتي من أهم متمماتها قدرته على المساهمة في العناصر المدنية لحفظ السلام، بجانب خبرته في المساعدة على بناء دول ديمقراطية. ثمة مثال - وهو ناتج مباشرة عن تنفيذ مهمة عسكرية ناجحة - هو المهام الشرطية كالمهمة التي أنفذها الاتحاد في البوسنة؛ حيث تسلم المسئولية عام 2003 من قوة شرطة تابعة للأمم المتحدة، وتلتها أخريات في مقدونيا وجمهورية الكونجو الديمقراطية والأراضي الفلسطينية. بوجه أعم، يملك الاتحاد خبرة كبيرة في المساعدة على تطوير المؤسسات السياسية والقضائية والإدارية، وهياكل المجتمع المدني، ولا سيما بين دول أوروبا الوسطى والشرقية التي تعد أنفسها للانضمام، وكذلك في دول غرب البلقان وما هو أبعد من ذلك. ومن شأن هذا أن تكون له أهمية كبيرة من حيث تطبيقه على نطاق أوسع في عالم يمكن أن تشكل فيه الدول المتداعية أو الآخذة في التداعي خطرا أمنيا شديدا، في حين تستطيع الديمقراطيات ذات الأساس المتين أن تساهم كثيرا في علاقات دولية مستقرة.
البيئة هي الأخرى جانب حيوي من جوانب الأمن، حيث يعد تغير المناخ من أخطر التهديدات التي تحيق برفاه سكان العالم، وربما بأرواحهم، وقد قدم الاتحاد مساهمة كبرى في الجهود الدولية للتصدي له. ففي 1986، عندما بات واضحا أن مركبات الكلورو فلورو كربون يمكنها تدمير طبقة الأوزون؛ ومن ثم تعريض الحياة على الأرض للخطر، نجحت الجماعة الأوروبية في كسر حالة من الجمود شهدتها المفاوضات بشأن بروتوكول مونتريال الملحق باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ؛ ومن ثم أوقف التدهور. ثم في 1997، لعب الاتحاد الدور القيادي في المفاوضات بشأن بروتوكول كيوتو الملحق باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لوقف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الدفيئة، التي تولد درجة من الاحترار العالمي يمكن أن تكون كارثية. وعلى الرغم من المقاومة الأمريكية الشرسة للمستهدفات، وكذلك للمساعدة التي تحتاج إليها البلدان النامية من أجل التحول التكنولوجي اللازم، ضمن الاتحاد الأوروبي التوصل إلى اتفاق على مستهدف خفض الانبعاثات بحلول عام 2012 إلى أقل من مستوياتها في 1990 بنسبة 8 في المائة، كما ضمن الحصول على تصديقات كافية على البروتوكول، على الرغم من المعارضة الأمريكية الشديدة، كي يدخل حيز التنفيذ في فبراير 2005. وكان التصديق النهائي المطلوب هو تصديق روسيا، التي شجعها عليه فيما يبدو استخدام الاتحاد إحدى أدوات سياسته التجارية المشتركة؛ إذ رد الاتحاد الأوروبي الجميل بشكل يكاد يكون فوريا بقبوله رسميا انضمام روسيا الذي كانت تتمناه بشدة إلى منظمة التجارة العالمية.
بعد أن انتهى الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة تخفيض الانبعاثات العالمية بنسبة 60 في المائة بحلول منتصف القرن، وتبنى ذلك المستهدف لانبعاثاته، نجد أنه له مصلحة قوية في الحصول على التزامات مماثلة من أكبر عدد ممكن من الدول. وعلى الرغم من توقف إحراز تقدم على هذه الجبهة منذ قمة كوبنهاجن عام 2009، يظل الاتحاد في صدارة الجهود الدولية. (6) دور الاتحاد في العالم
السطوة الأمريكية الزائدة عما ينبغي خطر على الأمريكيين وعلى غيرهم سواء بسواء؛ فالقوة الساحقة قد تؤدي إلى صدور قرارات متعجلة، والعبء أكبر من أن يتحمله بلد بمفرده. ومن المتوقع أن الصين ستلحق بالولايات المتحدة خلال النصف الأول من هذا القرن كقوة عسكرية، وأيضا اقتصادية، ولا يمكن التنبؤ بعواقب ذلك، ومن الجائز تماما أن تليها الهند. لكن الاتحاد الأوروبي لديه الإمكانية التي تجعله، بشكل أسرع من هاتين بكثير، على الأقل شريكا مساويا للولايات المتحدة فيما يتعلق بالاقتصاد والبيئة والأمن الناعم، لكن ليس الدفاع.
والحقيقة أن وقوف الاتحاد الأوروبي منذ زمن طويل على قدم المساواة مع الولايات المتحدة في النظام التجاري العالمي برهن على ما يمكن عمله عندما تتولى مؤسسات فاعلة التصرف في أداة مشتركة. ويوفر اليورو أساسا لأداء مماثل في النظام النقدي الدولي، إن أصلحت مؤسسات السياسة النقدية الخارجية إصلاحا كافيا. وفيما يخص العمل حيال تغير المناخ العالمي، ينبغي أن يكون الاتحاد قادرا - مرة أخرى ببعض التعزيز لمؤسساته - على الحفاظ على دوره القيادي. أما الأمن الناعم، بما فيه الجوانب المدنية لحفظ السلام، فهو ميدان يعكف الاتحاد فيه على تطوير قدرة يمكن أن تصبح نظيرا جوهريا للقوة العسكرية الأمريكية، كما أن الأدوات العسكرية التي ينشئها الاتحاد الأوروبي تتيح أيضا فرصا لأداء دور مكمل.
شكل : قمة مجموعة البلدان الثمانية المنعقدة في كامب ديفيد في مايو 2012، ويرى رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي (جالسا إلى يسار أنجيلا ميركل) ورئيس المفوضية خوسيه مانويل باروسو (إلى يسار فان رومبوي).
يصعب دائما على من كانوا في القمة أن يتكيفوا مع مثل هذه التغيرات في علاقات القوة، لكن ينبغي ألا يصعب أكثر مما ينبغي على الأمريكيين أن يتكيفوا مع اتحاد أوروبي أكثر قوة، ومجتمع يشترك معهم في الكثير النواحي، في ظل أربعة عقود من التعاون الرشيد في مجال التجارة الذي يملك فيه كلاهما بالفعل قوة متكافئة، وفي ظل عدم وجود منافسة محتملة في ميدان القوة العسكرية. وبعد أن تكيفت الولايات المتحدة مع قيام شراكة متساوية بينها وبين الاتحاد الأوروبي في معظم الميادين الأخرى، ينبغي أن يكون تكيفها مع التغيرات في العلاقات مع القوى الصاعدة أسهل، ولا سيما عندما سيصبح الاتحاد الأوروبي في وضع جيد - بشبكة علاقاته مع البلدان حول العالم - لدفع عجلة عملية إنشاء نظام عالمي مستقر يستوعبها جميعا.
إن خبرة الاتحاد بالمؤسسات والسياسات والمواقف التي ساعدت الدول الأعضاء على العيش معا في سلام لنصف قرن، إضافة إلى شبكته العالمية من العلاقات، ينبغي بحق أن تمكنه من التأثير على الآخرين للمضي في اتجاه مماثل، لكن فكرة مونيه القائلة بأن مثل هذه المؤسسات ربما تفيد في إيجاد عالم مزدهر ومسالم لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل ظروف دقيقة تماما. فالتقاسم الضروري للسيادة أمر لا يتسنى إلا بين ديمقراطيات تعددية لديها الاستعداد لقبول سيادة قانون مشتركة، ولديها قدرة على إنشاء مؤسسات تشريعية مشتركة لتفعيل هذه السيادة، ونظام حكم لتنفيذ السياسات في إطارها. تنطبق هذه الشروط داخل الاتحاد إلى حد كبير، لكنها لا تنطبق على أجزاء كثيرة من العالم. في الوقت نفسه، يستطيع الاتحاد المساعدة في جهود إيجاد مثل هذه الظروف في الأماكن التي لا توجد فيها بعد، والاضطلاع بتطويرات على غرار التي نفذها داخله في الأماكن التي توجد فيها. كما يستطيع مساندة الخطوات المتخذة لمساعدة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى كي تكون أكثر فاعلية، مدركا في الوقت نفسه عدم إمكانية إنشاء مؤسسات على غرار مؤسسات الاتحاد على ذلك المستوى، إلا بعد أن تصبح الديمقراطية التعددية هي القاعدة في شتى بقاع العالم. لكن سياسات الاتحاد التي تشير في اتجاه مثل هذه المحصلة تصب في المصلحة طويلة الأمد لدوله ولمواطنيه، وحتى إن كان هذا يتطلب جدولا زمنيا طويلا جدا، فقد أثبتت التجربة الأوروبية أن استهلال عملية تقود في ذلك الاتجاه يمكن أن يبدأ بسرعة في إحداث تحول في العلاقات بين الدول.
الفصل الحادي عشر
الكثير من الإنجازات ... لكن ماذا بعد ؟
قطع الاتحاد شوطا بعيدا منذ انطلقت عملية إقامته بإعلان شومان عام 1950؛ إذ صارت الحرب فعلا أمرا غير وارد بين الدول الأعضاء، التي تشمل الآن معظم البلدان الأوروبية. وقد بينا في الفصول السابقة كيف استحدثت المؤسسات والصلاحيات والسياسات للتعامل مع مسائل خارج متناول حكومات الدول منفردة، كما بينا أيضا حاجة الاتحاد إلى مزيد من الإصلاح إذا أراد أن يرتقي بمصالح شعبه كما ينبغي في عالم متزايد التعقيد. والآن يمكننا أن نحاول إيجاز ما أنجز، وطرح بعض الخواطر بشأن المستقبل.
هل تتواءم الصلاحيات والأدوات مع الأهداف؟
تمكن الاتحاد من تحقيق أهدافه في الميادين التي يملك فيها الصلاحيات والأدوات، فضلا عن المؤسسات التي يتصرف بواسطتها. هذه الصلاحيات والأدوات يمكن أن تكون تشريعية، كإطار السوق الموحدة، أو مالية عامة كما هو الحال مع الميزانية أو التعريفة الخارجية المشتركة، أو مالية متخصصة كما هو الحال مع برامج المعونات والبنك الأوروبي للاستثمار، والأهم من هذا كله العملة الموحدة. والتعاون استنادا إلى صلاحيات وأدوات الدول الأعضاء يمكن أن يكون مفيدا، لكنه لن يحقق الكثير دون النواة المتمثلة في الصلاحيات والأدوات المشتركة.
توفر تشريعات السوق الموحدة إطارا للقوة الاقتصادية والازدهار، حتى وإن ظلت منقوصة في بعض القطاعات الهامة، وبحاجة إلى المزيد من التطوير لتلبي بشكل كاف حاجات الاقتصاد الجديد بما في ذلك التجارة الإلكترونية وتكنولوجيا المعلومات. وفيما يخص الدول الأعضاء التي اعتمدت اليورو، تتمم العملة الموحدة السوق الموحدة في الميدان النقدي.
حولت الميزانية موارد إلى قطاعات ترى بحاجة إلى دعم، حيث ابتدئ بالزراعة ثم تلتها - وبشكل متزايد - المناطق والدول الأعضاء الأقل نموا. وفي حين تمخضت الميزانية الزراعية عن صراع، نالت الصناديق البنيوية لمساعدة تنمية المناطق الفقيرة الاستحسان بوجه عام. ويعزز التوسع إلى أوروبا الوسطى والشرقية مسوغات إنشاء صناديق أكبر.
إذن فالاتحاد يملك كثيرا من الصلاحيات الضرورية في الميدان الاقتصادي، ويمكن قول الشيء ذاته عن البيئة، والحاجة الأشد إلحاحا في هذا الميدان هي تقوية كل من العمل الداخلي والخارجي للحد من الضرر الناجم عن تغير المناخ.
أما السياسة الاجتماعية كما تتجسد في دولة الرفاه، فهي بالدرجة الأولى شأن الدول الأعضاء إعمالا لمبدأ الولاية الاحتياطية، الذي يبرر انخراط الاتحاد في بعض جوانب السياسة الاجتماعية المتصلة بالتوظيف، كمنع الإغراق الاجتماعي بخفض معايير الصحة والسلامة في العمل. وهناك منطقة رمادية، تشمل عناصر الضمان الاجتماعي وساعات العمل، تشهد نزاعا بين من يريدون إرساء معايير تطبق في عموم الاتحاد، ومن يرون ضرورة مراعاة الاختلافات المتجذرة في الثقافات الاجتماعية المتباينة. وتظل أوجه الاختلاف قائمة، لكن وجهة النظر الأخيرة تغلبت.
في حين عززت جماعات المصالح والفيدراليون الأهداف والصلاحيات الاقتصادية والبيئية، كما عززت حرية حركة وتنقل العمال عبر الحدود الداخلية؛ فإن الفكرة الفيدرالية هي التي كانت وراء منح حرية الحركة والتنقل للجميع داخل الاتحاد، والتي قبلها الجميع - مع بعض الاستثناءات الانتقالية - ما عدا الدنمارك وأيرلندا والمملكة المتحدة، لكن الجميع يشاركون في تدابير مكافحة الجريمة العابرة للحدود.
وفي مجال العلاقات الخارجية، صممت صلاحيات الاتحاد للدفاع عن مصالحه المشتركة وخدمتها، وتشمل هذه المصالح الاستقرار في النظام الاقتصادي والسياسي الدولي. وأقوى أدوات الاتحاد هي عرض الانضمام إليه؛ ومن ثم المشاركة في مؤسساته وصلاحياته ككل، لكن الانضمام غير متاح إلا للدول الأوروبية، وينبغي استخدام وسائل أخرى للنهوض بمصالح الاتحاد في سائر العالم.
مكنت الصلاحيات في مجال التجارة الخارجية، إضافة إلى أداة التعريفة الخارجية المشتركة، الاتحاد من خدمة مصالحه في التجارة الدولية الحرة، وتحويل ما كانت سطوة أمريكية في هذا المجال إلى شراكة أوروبية أمريكية. أما السياسة الزراعية المشتركة الحمائية، التي تعمل في الاتجاه المعاكس؛ فقد أفسدت العلاقات مع كثير من الشركاء التجاريين. وقد استغرقت الإصلاحات اللازمة لتصحيح هذا الاعوجاج أطول بكثير مما ينبغي، لكن يجري تنفيذها على مراحل. وساعدت توليفة من الترتيبات التفضيلية والمعونات على تقوية العلاقات مع معظم بلدان العالم الثالث.
إضافة إلى هذا النفوذ في النظام التجاري العالمي، استخدم الاتحاد صلاحياته البيئية للعب الدور القيادي في المفاوضات الدولية لحماية طبقة الأوزون، والحد من الضرر الناجم عن تغير المناخ.
بطرح اليورو صار الاتحاد يملك أداة قوية يستخدمها في النظام النقدي الدولي، لكن ريثما يتعامل بنجاح مع حوكمته الداخلية والتحديات السياسية والاقتصادية الأساسية التي أثارتها أزمة منطقة اليورو، فمن غير المرجح أن تتحقق إمكانياته التي من شأنها تحويل السطوة الأمريكية إلى شراكة في هذا المجال أيضا.
بالنسبة للدفاع، تظل الهيمنة العسكرية الأمريكية واقعا لم يجر تصميم نهج الاتحاد الأوروبي التدريجي نحو التكامل العسكري لمجابهتها، وإن كان هذا النهج يحقق أغراضا مفيدة بدرجة متزايدة. إن المجال المدني هو الذي يستطيع فيه الاتحاد الأوروبي أن يتمم القوة الأمريكية، بجوانب مدنية كحفظ السلام، والأهم من هذا بكثير من خلال مساهمته في استقرار أوروبا والعالم في المجالات الاقتصادية والبيئية والسياسية. فالاتحاد يحتل مكانة فريدة لتيسير الانتقال من السطوة الأمريكية العالمية إلى عالم متعدد الأقطاب يمكن أن تلعب فيه الشراكة الأوروأمريكية دورا جوهريا. ولتحقيق هذا، يحتاج الاتحاد إلى صلاحيات جديدة، إضافة إلى مزيد من الإصلاح لمؤسساته؛ لتمكينه من استخدام صلاحياته بفاعلية كبيرة. (1) المؤسسات: ما مدى فاعليتها؟ وما مدى ديمقراطيتها؟
يميل المتشككون بجدوى الاتحاد الأوروبي إلى اعتبار أن تحقيق «تكامل أوثق» شيء غير مرغوب دون تمييز بين نقل الصلاحيات إلى الاتحاد وإصلاح مؤسساته، لكن هاتين مسألتان شديدتا الاختلاف؛ فلا يكون نقل الصلاحيات مبررا إلا حيثما يستطيع الاتحاد خدمة مواطنيه بطرق لا تتسنى للدول الأعضاء منفردة، ويملك الاتحاد بالفعل كثيرا من الصلاحيات التي تندرج تحت مبدأ الولاية الاحتياطية، إلا في ميدان الدفاع، لكن مجرد نقل الصلاحيات لن يخدم مصالح المواطنين الخدمة الكافية ما لم تستخدمها مؤسسات فاعلة وديمقراطية تابعة للاتحاد.
تتطلب المؤسسات السياسية سياقا قوامه سيادة القانون، وهو ما تضمنه محكمة العدل في المسائل الواقعة ضمن اختصاص الاتحاد، وهو ما أحدث تغييرا جوهريا في العلاقات بين الدول الأعضاء.
غير أن المجلس ليس فاعلا بما يكفي في المواقف التي تغلب فيها قاعدة الإجماع، على نحو ما أثبتت عدم كفاية تشريعات السوق الموحدة قبل تطبيق التصويت بالأغلبية المشروطة. صار الأكثر فاعلية الآن تطبيق التصويت بالأغلبية المشروطة على أكثرية القوانين التشريعية، إضافة إلى الميزانية بأكملها، على أن يظل إجماع الآراء والتعاون المعزز إجراءين عمليين في المواقف التي يعتمد فيها الاتحاد على استخدام أدوات الدول الأعضاء، كما في مجال الدفاع. لكن إزاء النمو في عدد الدول الأعضاء هناك بالتأكيد شكوك متزايدة حيال قدرة الاتحاد على التصرف في المواقف التي يطبق فيها إجماع الآراء، كما في حالة معاهدات الانتساب والانضمام والترشيح لبعض المناصب الكبرى في المؤسسات والاتفاقيات الدولية بشأن ترتيبات سعر الصرف.
تملك المفوضية صلاحيات كبيرة للقيام بوظائفها بصفتها سلطة الاتحاد التنفيذية، على الرغم من أن دورها في ضمان تنفيذ الدول الأعضاء أعمال الإدارة الموكلة إليها من قبل الاتحاد تنفيذا فعليا ليس دورا قويا بما يكفي، وأن التدخل الزائد من جانب المجلس وشبكة لجانه في تنفيذ قرارات الاتحاد يعوق فاعلية المفوضية. كما أن الثقافة الإدارية للمفوضية ذاتها صارت هي أيضا نقطة ضعف خطيرة، لكن الإصلاحات التي أدخلت بعد أن ضمن البرلمان الأوروبي استقالة المفوضية في مارس 1999 حققت تحسنا كبيرا.
أظهر الدور الذي لعبه البرلمان آنذاك في ضمان استقالة المفوضية كيف يمكن أن تساهم الرقابة الديمقراطية في الفاعلية. لكن صلاحيات البرلمان ما زالت مقيدة بالمعاهدات؛ ففي حين حولت معاهدة لشبونة القرار المشترك إلى «الإجراء التشريعي العادي» (حرفيا)، مما يعكس سريانه العام، ما زالت هناك «الإجراءات التشريعية الخاصة» متنوعة. وما دام الحال هكذا، فإن الاتحاد بهذا يهمل وسيلة جوهرية للحصول على دعم المواطنين، الذين لا يزالون يفتقرون إلى صلة ذات معنى تربطهم بالاتحاد حتى مع تعزيز حقوقهم بموجب معاهدة لشبونة، ولن يكون من الحكمة تجاهل السجل الحافل الذي تملكه الديمقراطية النيابية كعنصر مهم في المواطنة. وما دام المواطنون لا يرون البرلمان ندا للمجلس، فلا يرجح أن ينظروا إليه كقناة تمثيل على درجة كافية من الأهمية. والمجلس، بتمثيله الدول، جزء جوهري من سلطة الاتحاد التشريعية أيضا، لكن على الرغم مما أحرز من تقدم بعقده جلساته التشريعية علانية، يظل في صميم نظام عديم الشفافية قوامه التفاوض شبه الدبلوماسي. ومن الجائز تماما أن يكون تمثيل مواطني الاتحاد في مجلس مواطنين قوي شرطا لمساندتهم الاتحاد على الأمد الأبعد.
يثبت نجاح بند المساواة بين الجنسين في العمل كيف يمكن لحقوق المواطنين أيضا كسب المساندة للاتحاد. ويشير تضمين «ميثاق الحقوق الأساسية» وانضمام الاتحاد الوشيك إلى الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية إلى بعض الإيجابيات، لكن فاعلية الاتحاد عموما في فعل أشياء ضرورية للمواطنين ستكون هي الأهم من كل ما سواها بالنسبة لهم، فيجب أن يروا الاتحاد يفعل مثل هذه الأشياء في وقت يواجه فيه تحديات كبيرة، على الصعيد الداخلي، وفي العالم بوجه عام. (2) المرونة مقابل الفيدرالية
يستخدم البريطانيون في جل حديثهم عن أوروبا كلمة «المرونة» باستحسان للدلالة على تجنب التنظيم المفرط في الاقتصاد، ومن الناحية السياسية للدلالة على النفور من المقترحات - فيما عدا إتمام السوق الموحدة - الخاصة بالأدوات المشتركة والالتزامات الملزمة قانونا على النحو الذي ميز ركيزة الجماعة الأوروبية.
نجحت المرونة بالمعنى الاقتصادي في تطوير اقتصاد معاصر سريع التغير، وهو ما لاقى اعترافا متزايدا في الاتحاد، لكن المرونة بالمعنى السياسي ليست ملائمة للأمور التي لا تستطيع الدول منفردة التعامل معها بفاعلية. وقد أبانت التحديات الحديثة التي واجهت بعض مبادئ الاتحاد الأساسية، بما في ذلك حرية الحركة والتنقل وعدم التمييز على أساس الجنسية، الحاجة إلى العمل الجماعي. وهذا أفضل لحماية حقوق الأعضاء كافة.
ثمة تحد خطير على المدى الأطول هو أيضا ضمان أن تكون مؤسسات الأعمال الأوروبية من المؤسسات الرائدة في التطور التكنولوجي. ويتطلب هذا، في بعض القطاعات كالطائرات والأقمار الصناعية، استثمارات كبيرة وطويلة الأمد من الأموال العامة، وهو طرح متزايد الصعوبة في المناخ الاقتصادي الحالي. وهناك حاجة إلى جهد أوروبي مشترك لمساندة مثل هذه المشروعات، التي هي أكبر من أن تتحملها حكومات أوروبية منفردة، وما دام بعض الدول الأعضاء غير مهيأ للمشاركة، يمكن أن يكون هناك تعاون معزز منظم بين الدول المهيأة لها.
أظهرت أزمة منطقة اليورو بوضوح شديد مدى عمق التشابك بين الاقتصادات الوطنية واعتماد بعضها على بعض؛ ومن ثم فإن قدرة منطقة اليورو على إيجاد حلول دائمة لا تصب في مصلحة أعضائها فحسب، بل تصب أيضا في مصلحة كل الدول الأخرى أعضاء الاتحاد الأوروبي، وأبعد من ذلك. إن واحدة من أصعب الرسائل التي ينبغي نشرها في المملكة المتحدة تقول بالضبط إنه ليس ممكنا ولا مستحبا أن نقف على هامش الأحداث ونهيب بالآخرين كي يفعلوا شيئا. وهذا بلا شك صحيح في الأمور الاقتصادية، على الرغم من أنه يطرح تعقيدات كثيرة من منظور سياسي وقانوني على السواء. وكما أظهرت مفاوضات الاتفاق المالي، فإنه حتى لو كانت هناك دولة ما غير موقعة، تظل هناك حاجة إلى إشراكها بصورة أو بأخرى. وبوجه أعم، أظهر الاتفاق أن بعض الدول الأعضاء سيكون لديه الرغبة أحيانا في التحرك أسبق من الدول الأخرى.
يرجع النقاش الدائر في المملكة المتحدة بشأن الانسحاب من الاتحاد، إلى حد كبير، إلى افتقار إلى المعرفة والفهم بشأن عمل الاتحاد الأوروبي وطبيعة التشابك العالمي. وحتى إذا رحلت المملكة المتحدة فعلا عن الاتحاد، ستظل تجد نفسها مجاورة اتحادا يشتري سلعا وخدمات بريطانية، لكن لم يعد للحكومة البريطانية صوت مؤسسي (ولا صوت انتخابي) فيه. علاوة على ذلك، سوف يضعف أيضا وضع المملكة المتحدة الحالي كنقطة دخول إلى الاتحاد الأوروبي تفضلها الشركات التي تنتمي إلى بلد من خارج الاتحاد الأوروبي. وإذا كان الحال هكذا، فسوف يتيح الانخراط البناء فرصة أكبر بكثير لمزيج مقبول من السياسات مما لو نفضنا أيدينا وانسحبنا.
نبع جزء كبير من التباعد بين نهج البريطانيين ونهج معظم الدول الأعضاء الأخرى من اختلاف التجارب في الحرب العالمية الثانية، التي كانت أشد هولا بالنسبة لمعظم أمم أوروبا القارية منها بالنسبة لبريطانيا؛ لذا فبينما كان لمعظم التقدم المحرز في بناء الاتحاد دوافع اقتصادية، شكلت أساس التحولات الكبرى نحو تقاسم السيادة - كالجماعة الأوروبية للفحم والصلب ومعاهدتي روما وماستريخت - رغبة راسخة في تأصيل السلام والأمن. وقد قبل البريطانيون مزايا التكامل الاقتصادي، لكنهم عارضوا تقاسم السيادة مكتفين بقبول ما كانت تقتضيه المشاركة في السوق الكبيرة أو يقتضيه تجنب فقدان أكثر مما ينبغي من النفوذ السياسي.
لكن الحكومات وأعدادا كبيرة من المواطنين في عموم الاتحاد، بمن فيهم البريطانيون، على وعي بمصادر الأمن الكثيرة والمتنوعة في العالم، ويشتركون في الرغبة في السير في اتجاه عالم أكثر أمنا، بناء على نظام متعدد الأطراف أشد فاعلية؛ لذا فربما يتمكنون أيضا من قبول عواقب مثل هذا التقاسم للسيادة بقدر ما يكون ضروريا لتعزيز قدرة الاتحاد على العمل صوب تحقيق تلك الغاية تعزيزا كافيا. إن قدرات الاتحاد العسكرية على حفظ السلام في تنام، وعلى الرغم من استبعاد صيرورته قوة عسكرية عظيمة، فبإمكانه أن يصبح أهم صانع سلام في العالم عبر مجموعة رائعة من القوى الناعمة. وهو يستطيع تعزيز مساهمته في الازدهار والاستقرار في الاقتصاد العالمي في مجالات التجارة والمعونات والسياسة النقدية الخارجية، ويستطيع المساعدة - كما أثبت في غرب البلقان وأماكن أخرى - في بناء دول ديمقراطية قابلة للبقاء وفي استدامتها، وقد قاد العالم في العمل على مكافحة التغير المدمر في المناخ. علاوة على ذلك يمكنه، باعتباره قوة مدنية عظيمة جدا، فعل الكثير لتسهيل الانتقال إلى عالم ستنضم فيه الصين ثم الهند إلى الولايات المتحدة بوصفها قوى عظمى جدا من المنظور العسكري أيضا، ويمكنه مساعدة هذه الدول وغيرها على زيادة فاعلية الأمم المتحدة.
هناك توافق واسع في الآراء بين دول أعضاء، أبرزها المملكة المتحدة، على صحة مثل هذه الأهداف، لكن لم يجر اتفاق على كيفية استعمال ثقل الاتحاد الكامل في تحقيقها. وهناك صعوبة كبيرة تتمثل في امتناع كثيرين - مرة أخرى أبرزهم البريطانيون - عن قبول تخصيص موارد للاتحاد وتقوية مؤسساته على نحو من شأنه منحه درجة كافية من الفاعلية، وهذا يعني ضمنا قبول مجموعة كافية من الالتزامات الملزمة قانونا والأدوات المشتركة، مع إصلاح مؤسسات الاتحاد كي يكون فاعلا وديمقراطيا كما ينبغي. تعد كلمة «فيدرالية» اختصارا ملائما ودقيقا للكلمات التالية لعبارة «مجموعة كافية من» في الجملة السابقة، سواء أفضت هذه الالتزامات والأدوات والمؤسسات، بعد إصلاحها، إلى اتحاد فيدرالي أم لا في نهاية المطاف. هذه الكلمة أقل أهمية مما تمثله، غير أن استخدامها - إذا عرف كما ينبغي - يوضح الفكرة، وييسر التواصل مع من يستخدمونها. فالوردة، بأي اسم آخر، تظل زكية الرائحة، لكن الأفضل أن نطلق على الوردة اسما يتألف من كلمة واحدة لا سبع عشرة.
يستشعر البريطانيون - حالهم كحال غيرهم من الأوروبيين - تعرضهم لمصادر التهديد المتزايدة في العالم المعاصر؛ لذا ينبغي أن تتمكن بريطانيا من لعب دور بناء تماما في مساندة إصلاح صلاحيات الاتحاد ومؤسساته الحالية التي من شأنها أن تمكنه من تحقيق إمكانياته الهائلة بغية خلق عالم أكثر أمانا وازدهارا.
تأريخ للأحداث في الفترة 1946-2013
(1) أربعينيات القرن العشرين
19 سبتمبر 1946:
تشرشل يدعو إلى «كيان أشبه بالولايات المتحدة الأوروبية».
5 يونيو 1947:
الإعلان عن مشروع مارشال.
16 أبريل 1948:
إنشاء منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي (صار اسمها فيما بعد منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي) لتنسيق مشروع مارشال لدول أوروبا الغربية.
4 أبريل 1949:
التوقيع على معاهدة شمال الأطلسي المؤسسة لحلف شمال الأطلسي.
5 مايو 1949:
تأسيس مجلس أوروبا. (2) الخمسينيات
9 مايو 1950:
إعلان شومان يدشن مفاوضات تأسيس الجماعة الأوروبية للفحم والصلب لتكون «خطوة أولى نحو اتحاد أوروبا الفيدرالي».
18 أبريل 1951:
الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوروبي (بلجيكا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، لوكسمبورج، هولندا) توقع على معاهدة الجماعة الأوروبية للفحم والصلب.
27 مايو 1952:
الدول الست توقع على معاهدة جماعة الدفاع الأوروبية.
27 يوليو 1952:
معاهدة الجماعة الأوروبية للفحم والصلب تدخل حيز التنفيذ.
30 أغسطس 1954:
الجمعية الوطنية الفرنسية ترجئ النظر في معاهدة جماعة الدفاع الأوروبية.
20 أكتوبر 1954:
الدول الست والمملكة المتحدة تؤسس اتحاد غرب أوروبا.
1-2 يونيو 1955:
وزراء خارجية الدول الست يوافقون في ميسينا على إطلاق مفاوضات تمخضت عن الجماعة الاقتصادية الأوروبية والجماعة الأوروبية للطاقة الذرية.
25 مارس 1957:
التوقيع على معاهدتي روما المؤسستين للجماعة الاقتصادية الأوروبية والجماعة الأوروبية للطاقة الذرية.
1 يناير 1958:
معاهدتا روما تدخلان حيز التنفيذ. (3) الستينيات
3 مايو 1960:
النمسا والدنمارك والنرويج والبرتغال والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة تؤسس الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة.
31 يوليو و10 أغسطس 1961:
أيرلندا والدنمارك والمملكة المتحدة تتقدم للانضمام إلى الجماعة، والنرويج تتقدم بطلب العضوية في أبريل 1962.
14 يناير 1962:
الدول الست توافق على «السياسة الزراعية المشتركة».
14 يناير 1963:
الرئيس ديجول يقطع مفاوضات الانضمام.
1 يوليو 1965:
فرنسا تقطع المفاوضات بشأن السياسة الزراعية المشتركة، وتقاطع المجلس حتى يناير 1966.
28-29 يناير 1966:
الموافقة على «تسوية» لوكسمبورج، وعودة فرنسا إلى المجلس مصرة على إجماع الآراء عندما تكون هناك «مصالح شديدة الأهمية» على المحك.
11 مايو 1967:
المملكة المتحدة تعيد تفعيل طلب عضويتها تتبعها أيرلندا والدنمارك والنرويج، وديجول ما زال معترضا.
1 يوليو 1968:
إتمام الاتحاد الجمركي قبل الموعد المحدد بثمانية عشر شهرا.
1-2 ديسمبر 1969:
قمة لاهاي توافق على ترتيبات تمويل السياسة الزراعية المشتركة، واستئناف مفاوضات الانضمام. (4) السبعينيات
22 أبريل 1970:
التوقيع على المعاهدة المعدلة، مما يعطي الجماعة كل الإيرادات من التعريفة الخارجية المشتركة ورسوم الواردات الزراعية، إضافة إلى حصة من ضريبة القيمة المضافة، ويعطي البرلمان الأوروبي بعض الصلاحيات فيما يخص الميزانية.
27 أكتوبر 1970:
المجلس يقرر إجراءات «التعاون السياسي الأوروبي» للتعاون في السياسة الخارجية.
22 مارس 1971:
المجلس يتبنى خطة لتحقيق الاتحاد الاقتصادي والنقدي بحلول 1980، سرعان ما تنحرف عن مسارها نتيجة الاضطراب النقدي الدولي.
22 يناير 1972:
التوقيع على معاهدات انضمام الدنمارك وأيرلندا والنرويج والمملكة المتحدة (لكن النرويجيين يرفضون معاهدتهم في استفتاء شعبي).
1 يناير 1973:
الدنمارك وأيرلندا والمملكة المتحدة تنضم إلى الجماعة.
9-10 ديسمبر 1974:
قمة باريس تقرر عقد اجتماعات ثلاث مرات سنويا باسم المجلس الأوروبي، وتعطي الضوء الأخضر للانتخابات المباشرة للبرلمان الأوروبي.
28 فبراير 1975:
الجماعة و46 بلدا من بلدان أفريقيا ومنطقة الكاريبي والمحيط الهادئ توقع على اتفاقية لومي.
18 مارس 1975:
إنشاء الصندوق الأوروبي للتنمية الإقليمية.
22 يوليو 1975:
التوقيع على المعاهدة المعدلة، مما يعطي البرلمان الأوروبي مزيدا من الصلاحيات فيما يخص الميزانية، وينشئ ديوان المحاسبة الأوروبي.
4-5 ديسمبر 1978:
المجلس الأوروبي ينشئ النظام النقدي الأوروبي بآلية لأسعار الصرف قائمة على الإيكو.
7، 10 يونيو 1979:
أول انتخابات مباشرة للبرلمان الأوروبي. (5) الثمانينيات
1 يناير 1981:
اليونان تصبح العضو العاشر بالجماعة.
14 فبراير 1984:
الموافقة على مشروع معاهدة الاتحاد الأوروبي الذي أوعز به سبينيللي بأغلبية كبيرة في البرلمان الأوروبي.
25-26 يونيو 1984:
موافقة المجلس الأوروبي المنعقد في فونتينبلو على تخفيض مساهمة المملكة المتحدة الصافية في ميزانية الجماعة.
7 يناير 1985:
مفوضية جديدة تتقلد مهامها برئاسة ديلور.
14 يونيو 1985:
بلجيكا وفرنسا وألمانيا ولوكسمبورج وهولندا توقع على اتفاقية شنجن القاضية بإلغاء إجراءات مراقبة الحدود بينها.
28-29 يونيو 1985:
المجلس الأوروبي يقر مشروع المفوضية لإتمام السوق الموحدة بحلول 1992، وينظر في مقترحات من مشروع معاهدة البرلمان، ويستهل مؤتمرا حكوميا دوليا لتعديل المعاهدة .
1 يناير 1986:
انضمام إسبانيا والبرتغال ليصير بذلك عدد الأعضاء 12.
17، 28 فبراير 1986:
التوقيع على القانون الأوروبي الموحد.
1 يوليو 1987:
القانون الأوروبي الموحد يدخل حيز التنفيذ.
1 يوليو 1988:
الاتفاقية المشتركة بين البرلمان والمجلس والمفوضية بشأن ضوابط الميزانية وإجراءاتها تدخل حيز التنفيذ.
24 أكتوبر 1988:
إنشاء المحكمة الابتدائية.
9 نوفمبر 1989:
سقوط جدار برلين، وجمهورية ألمانيا الديمقراطية تفتح حدودها.
8-9 ديسمبر 1989:
المجلس الأوروبي يستهل مؤتمرا حكوميا دوليا بشأن الاتحاد الاقتصادي والنقدي، والجميع - عدا المملكة المتحدة - يتبنى ميثاق حقوق العمال الاجتماعية. (6) التسعينيات
28 أبريل 1990:
المجلس الأوروبي يوافق على سياسة بشأن توحيد ألمانيا والعلاقات مع دول أوروبا الوسطى والشرقية.
29 مايو 1990:
التوقيع على اتفاقية لإنشاء المصرف الأوروبي للإنشاء والتعمير.
19 يونيو 1990:
التوقيع على اتفاقية شنجن الثانية.
20 يونيو 1990:
الجماعة الاقتصادية الأوروبية والرابطة الأوروبية للتجارة الحرة تبدآن مفاوضات لإنشاء «المنطقة الاقتصادية الأوروبية».
25-26 يونيو 1990:
المجلس الأوروبي يقرر الدعوة إلى مؤتمر حكومي دولي بشأن الاتحاد السياسي بالتوازي مع المؤتمر الخاص بالاتحاد الاقتصادي والنقدي.
3 أكتوبر 1990:
توحيد ألمانيا، وتوسع الجماعة بحكم الواقع.
14-15 ديسمبر 1990:
المجلس الأوروبي يدشن مؤتمرين حكوميين دوليين بشأن الاتحاد الاقتصادي والنقدي والاتحاد السياسي.
9-10 ديسمبر 1991:
المجلس الأوروبي يوافق على معاهدة الاتحاد الأوروبي (معاهدة ماستريخت).
16 ديسمبر 1991:
التوقيع على «اتفاقيات أوروبا» مع بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا، تليها على فترات الاتفاقيات مع الجمهورية التشيكية وسلوفاكيا (وريثتي تشيكوسلوفاكيا) وبلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفينيا.
7 فبراير 1992:
التوقيع على معاهدة ماستريخت.
2 مايو 1992:
التوقيع على اتفاقية بشأن المنطقة الاقتصادية الأوروبية.
2 يونيو 1992:
استفتاء شعبي في الدنمارك يرفض معاهدة ماستريخت.
20 سبتمبر 1992:
استفتاء شعبي في فرنسا يوافق بالكاد على معاهدة ماستريخت.
6 ديسمبر 1992:
رفض الانضمام إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية في استفتاء شعبي في سويسرا، وتعليق محاولة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
11-12 ديسمبر 1992:
المجلس الأوروبي يعرض على الدنمارك ترتيبات خاصة لتيسير التصديق على المعاهدة، ويقر حزمة ديلور لمقترحات الميزانية، ويوافق على البدء في مفاوضات الانضمام مع النمسا والنرويج والسويد وفنلندا.
31 ديسمبر 1992:
الانتهاء من معظم تشريعات السوق الموحدة في الموعد المحدد.
18 مايو 1993:
استفتاء شعبي ثان في الدنمارك يقبل معاهدة ماستريخت.
21-22 يونيو 1993:
المجلس الأوروبي المنعقد في كوبنهاجن يعلن إمكانية انضمام دول أوروبا الوسطى والشرقية المنتسبة عند استيفائها الشروط السياسية والاقتصادية.
1 نوفمبر 1993:
معاهدة ماستريخت تدخل حيز التنفيذ.
28 نوفمبر 1994:
استفتاء شعبي في النرويج يرفض الانضمام .
1 يناير 1995:
انضمام النمسا وفنلندا والسويد ليصبح عدد الأعضاء 15.
12 يوليو 1995:
البرلمان الأوروبي يعين أول أمين مظالم بالاتحاد.
26 يوليو 1995:
الدول الأعضاء توقع على اتفاقية يوروبول.
31 ديسمبر 1995:
الاتحاد الجمركي بين الجماعة الأوروبية وتركيا يدخل حيز التنفيذ.
29 مارس 1996:
بدء أعمال مؤتمر حكومي دولي لمراجعة معاهدة ماستريخت.
2 أكتوبر 1997:
التوقيع على معاهدة أمستردام.
12 مارس 1998:
افتتاح مفاوضات الانضمام مع قبرص والجمهورية التشيكية وإستونيا والمجر وبولندا وسلوفينيا.
3 مايو 1998:
المجلس يقرر جاهزية 11 دولة لتبني اليورو في 1 يناير 1999.
1 يونيو 1998:
إنشاء البنك المركزي الأوروبي.
24-25 أكتوبر 1998:
المجلس الأوروبي يوافق على تدابير التعاون الدفاعي.
31 ديسمبر 1998:
المجلس يثبت أسعارا نهائية للتحويل بين اليورو وعملات الدول المشاركة.
1 يناير 1999:
اليورو يصبح العملة الرسمية للنمسا وبلجيكا وفنلندا وفرنسا وألمانيا وأيرلندا وإيطاليا ولوكسمبورج وهولندا والبرتغال وإسبانيا.
15 مارس 1999:
المفوضية تستقيل في أعقاب تقرير أعدته لجنة مستقلة حول مزاعم بسوء الإدارة والاحتيال.
1 مايو 1999:
معاهدة أمستردام تدخل حيز التنفيذ.
10-11 ديسمبر 1999:
المجلس الأوروبي يتخذ قرارا بإجراء مفاوضات الانضمام مع ست دول أخرى، ويعترف بتركيا كدولة متقدمة بطلب انضمام، ويستهل مؤتمرا حكوميا دوليا لمراجعة المعاهدة. (7) العقد الأول من القرن الحادي والعشرين
15 يناير 2000:
افتتاح مفاوضات الانضمام مع بلغاريا ولاتفيا وليتوانيا ومالطة ورومانيا وسلوفاكيا.
20 يونيو 2000:
المجلس الأوروبي المنعقد في لشبونة يوافق على تدابير بشأن المرونة في اقتصاد الاتحاد الأوروبي.
28 سبتمبر 2000:
الناخبون الدنماركيون يرفضون عضوية اليورو في استفتاء شعبي.
7-10 ديسمبر 2000:
المجلس الأوروبي يختتم مفاوضاته بشأن معاهدة نيس، ويعلن رسميا عن ميثاق الحقوق الأساسية.
1 يناير 2001:
اليونان تصبح العضو الثاني عشر بمنطقة اليورو.
7 يونيو 2001:
الناخبون الأيرلنديون يرفضون معاهدة نيس في استفتاء شعبي.
14-15 ديسمبر 2001:
المجلس الأوروبي المنعقد في لايكن يوافق على إعلان بشأن مستقبل الاتحاد، فاتحا الباب أمام عملية إصلاح شاملة.
1 يناير 2002:
بدء تداول أوراق وقطع اليورو النقدية.
28 فبراير 2002:
افتتاح اجتماع اتفاقية بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
19 أكتوبر 2002:
الناخبون الأيرلنديون يوافقون على معاهدة نيس في استفتاء شعبي ثان.
12-13 ديسمبر 2002:
المجلس الأوروبي المنعقد في كوبنهاجن يختتم مفاوضات الانضمام مع عشرة بلدان في أوروبا الوسطى والشرقية ومنطقة البحر المتوسط.
1 فبراير 2003:
معاهدة نيس تدخل حيز التنفيذ.
14 سبتمبر 2003:
الناخبون السويديون يرفضون عضوية اليورو في استفتاء شعبي.
4 أكتوبر 2003:
افتتاح مؤتمر حكومي دولي للنظر في إصلاح المعاهدة على أساس مشروع دستور الاتحاد الأوروبي الذي توصل إليه اجتماع الاتفاقية.
1 مايو 2004:
انضمام قبرص والجمهورية التشيكية وإستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا ومالطة وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا إلى الاتحاد ليرتفع عدد الأعضاء إلى 25.
29 يونيو 2004:
ترشيح باروسو رئيسا جديدا للمفوضية.
29 أكتوبر 2004:
رؤساء الدول والحكومات ووزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوقعون على المعاهدة المنشئة لدستور أوروبا.
29 مايو و1 يونيو 2005:
الناخبون الفرنسيون والهولنديون يرفضون المعاهدة الدستورية في استفتاءين شعبيين.
3 أكتوبر 2005:
افتتاح مفاوضات الانضمام مع تركيا وكرواتيا.
1 يناير 2007:
بلغاريا ورومانيا تصبحان الدولتين العضوين السادسة والعشرين والسابعة والعشرين في الاتحاد، وسلوفينيا تصبح المشارك الثالث عشر في منطقة اليورو.
23 يوليو 2007:
افتتاح مؤتمر حكومي دولي بشأن معاهدة لشبونة.
13 ديسمبر 2007:
التوقيع على معاهدة لشبونة.
21 ديسمبر 2007:
توسيع منطقة شنجن لتشمل إستونيا وجمهورية التشيك وليتوانيا والمجر ولاتفيا ومالطة وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا.
1 يناير 2008:
قبرص ومالطة تتبنيان اليورو.
12 يونيو 2008:
الناخبون الأيرلنديون يرفضون معاهدة لشبونة في استفتاء شعبي.
15 أكتوبر 2008:
المجلس الأوروبي المنعقد في بروكسل يصيغ الاستجابة الأولى للأزمة المالية العالمية.
12 ديسمبر 2008:
سويسرا تنضم إلى منطقة شنجن.
1 يناير 2009:
سلوفاكيا تنضم إلى اليورو.
4-7 يونيو 2009:
انتخابات البرلمان الأوروبي.
23 يوليو 2009:
أيسلندا تتقدم لعضوية الاتحاد الأوروبي.
3 أكتوبر 2009:
الناخبون الأيرلنديون يصوتون لصالح معاهدة لشبونة في استفتاء شعبي.
20 نوفمبر 2009:
تعيين هيرمان فان رومبوي أول رئيس للمجلس الأوروبي، وكاثرين أشتون في منصب الممثل السامي للاتحاد للشئون الخارجية والسياسة الأمنية.
1 ديسمبر 2009:
معاهدة لشبونة تدخل حيز التنفيذ. (8) العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين
17 يونيو 2010:
تبني استراتيجية «أوروبا 2020» للنمو المستدام على مدى السنوات العشر المقبلة.
1 يناير 2011:
إستونيا تتبنى اليورو، وبدء العمليات للهيئات الإشرافية المالية الجديدة (الهيئة المصرفية الأوروبية، هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية، هيئة التأمين والمعاشات المهنية الأوروبية).
18 يناير 2011:
بدء «الفصل الأوروبي» لتنسيق السياسة الاقتصادية من قبل الدول الأعضاء.
25 مارس 2011:
الموافقة على «ميثاق من أجل اليورو».
11 يوليو 2011:
أعضاء منطقة اليورو يوقعون على معاهدة بشأن آلية تحقيق الاستقرار الأوروبية؛ لتكون بمثابة احتياطي للدول التي تعاني أزمة مالية.
21 يوليو 2011:
الجولة الأولى لدعم الاقتصاد اليوناني بمقدار 109 مليارات يورو.
1 نوفمبر 2011:
ماريو دراجي يصبح الرئيس الجديد للبنك المركزي الأوروبي.
8 نوفمبر 2011:
تبني مجموعة التشريعات الستة بشأن الحوكمة الاقتصادية.
30 يناير 2012:
موافقة جميع الدول الأعضاء، عدا الجمهورية التشيكية والمملكة المتحدة، على «معاهدة الاستقرار والتنسيق والحوكمة».
21 فبراير 2012:
جولة ثانية لدعم الاقتصاد اليوناني.
1 مارس 2012:
منح صربيا وضع المرشح.
1 أبريل 2012: «مبادرة المواطنين الأوروبيين» تدخل حيز التنفيذ؛ مما يمكن المواطنين من اقتراح تشريعات للاتحاد الأوروبي.
1 يوليو 2013:
كرواتيا تصبح الدولة العضو الثامنة والعشرين.
مسرد المصطلحات
المصطلحات الموضوعة بين علامتي التنصيص هي مداخل بالمسرد.
اتحاد غرب أوروبا:
أنشئ عام 1954 على يد المملكة المتحدة والدول أعضاء «الجماعة الأوروبية». وبعد فترة طويلة من الجمود، نصت «معاهدتا ماستريخت وأمستردام» على روابط بين «الاتحاد الأوروبي» واتحاد غرب أوروبا، الذي أدمج في الاتحاد الأوروبي. وقد أعلن انقضاء اتحاد غرب أوروبا في 2011.
اتفاقيتا شنجن:
نشأتا عام 1985 خارج «الاتحاد الأوروبي». وهما الآن تغطيان كل الدول الأعضاء عدا أيرلندا والمملكة المتحدة، وإلى حد ما الدنمارك. وقد ضمنت الاتفاقيتان في الاتحاد الأوروبي.
اجتماع اتفاقية بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي:
منتدى مفتوح لممثلي البرلمانات والحكومات أنشأه «المجلس الأوروبي» عام 2002 بعد إعلان لايكن لمناقشة إعادة صياغة كاملة للاتحاد الأوروبي. قدم الاجتماع برئاسة فاليري جيسكار ديستان مشروع معاهدة لوضع دستور لأوروبا عام 2003، والذي شكل أساس «المعاهدة الدستورية».
أسلوب التنسيق المفتوح:
وسيلة متزايدة الشيوع تتيح للدول الأعضاء تبادل المعلومات وأفضل الممارسات دون استخدام تشريعات.
أعضاء البرلمان الأوروبي:
ينتخب حاليا 751 عضوا «بالبرلمان الأوروبي» من عموم الدول الأعضاء. وهم يمثلون دوائرهم، ويمحصون التشريعات في اللجان، ويصوتون على القوانين والميزانية، ويشرفون على «المفوضية»، ويناقشون نطاق شئون «الاتحاد الأوروبي».
الاتحاد الاقتصادي والنقدي:
تشارك سبع عشرة دولة من الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي والنقدي بعد أن استوفت «معايير التوافق» الخاصة بالمالية السليمة، وثبتت نهائيا أسعار صرف عملاتها مقابل اليورو، الذي حل محل عملاتها في مستهل عام 2002. والسياسة النقدية هي مسئولية «البنك المركزي الأوروبي» و«النظام الأوروبي للبنوك المركزية». ويوجد نظام لتنسيق السياسة الاقتصادية.
الاتحاد الأوروبي:
أنشئ بموجب «معاهدة الاتحاد الأوروبي بركيزتين جديدتين» بجانب ركيزة «الجماعة» المحورية، للتعاون في السياسة الخارجية والأمنية، وفي «العدل والشئون الداخلية». في حين كانت الركائز الثلاث تشترك في المؤسسات ذاتها، كانت الركيزتان الجديدتان يغلب عليهما الطابع الحكومي الدولي. ومنذ «معاهدة لشبونة»، أدمجت الركائز في ركيزة واحدة، مع بعض الاختلافات المتبقية في الإجراءات من ميدان إلى آخر من ميادين السياسات.
الاتحاد الفيدرالي:
الكيان الفيدرالي كيان تنقسم فيه وظائف الحكومة بين المؤسسات الديمقراطية على مستويين أو أكثر. عادة ما تكون الصلاحيات مقسمة وفقا لمبدأ «الولاية الاحتياطية»؛ حيث تملك الدول الأعضاء أو الأجزاء المكونة لهذا الكيان الصلاحيات التي يمكنها إدارتها بفاعلية.
الاتحاد:
انظر: «الاتحاد الأوروبي».
الاتفاق المالي:
المعاهدة الموقعة عام 2012 خارج النظام القانوني «للاتحاد» بين معظم الدول الأعضاء للتشديد على الميزانيات الوطنية المتوازنة، مع إشراف من قبل «المفوضية». تعرف رسميا باسم «معاهدة الاستقرار والتنسيق والحوكمة في الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي».
الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية:
إطار لحماية حقوق الإنسان في عموم أوروبا تبناه مجلس أوروبا عام 1950. وقعت دول «الاتحاد الأوروبي» كلها على هذه الاتفاقية، وهي تشكل أساسا لاحترام حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي. ويستند ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي في جزء كبير منه على هذه الاتفاقية.
الإجراءات التشريعية:
تسن معظم قوانين «الاتحاد الأوروبي» بموجب «الإجراء التشريعي العادي»، الذي يعطي كلا من «البرلمان الأوروبي» و«المجلس» صلاحيات قبول التشريع أو تعديله أو رفضه. لم يعد إجراء التعاون، الذي كان يعطي البرلمان الأوروبي صلاحيات أقل، هاما، لكن إجراء التشاور، الذي يطلع البرلمان الأوروبي بموجبه مجرد اطلاع على نوايا المجلس، ما زال معمولا به على نطاق واسع. أما إجراء الإذن (سابقا إجراء الموافقة)، فيعطي البرلمان الأوروبي صلاحيات على معاهدات الانضمام، واتفاقيات الانتساب، وبعض المسائل التشريعية.
الأسبقية:
انظر: «النظام القانوني الأوروبي».
الأعمال التنفيذية:
النظام الخاص بالإشراف على تنفيذ تشريعات «الاتحاد» من قبل الدول الأعضاء على النحو المقرر بموجب معاهدة لشبونة.
الانضمام:
عملية الالتحاق بعضوية «الاتحاد الأوروبي». وبعد التفاوض على معاهدات الالتحاق، يجب التصديق عليها من قبل كل الدول الأعضاء، والموافقة عليها من قبل البرلمان الأوروبي.
البرلمان الأوروبي:
الهيئة المنتخبة انتخابا مباشرا في «الاتحاد الأوروبي»، ويملك أعضاؤه صلاحيات كبيرة على «التشريع» و«الميزانية» و«المفوضية».
البنك المركزي الأوروبي:
مسئول عن السياسة النقدية لمنطقة اليورو، ويتخذ من فرانكفورت مقرا له، ويديره مجلس تنفيذي. يشكل أعضاؤه ومحافظو البنوك المركزية في «منطقة اليورو» مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي. يشكل البنك المركزي الأوروبي والبنوك المركزية معا النظام الأوروبي للبنوك المركزية الذي يتمثل هدفه الأساسي في الحفاظ على استقرار الأسعار، ولا يجوز لأي من هؤلاء المشاركين تلقي تعليمات من أي كيان آخر.
التشريع الثانوي:
القوانين التي تسنها المؤسسات في إطار الصلاحيات الممنوحة إياها بموجب المعاهدات.
التصويت بالأغلبية المشروطة:
انظر «التصويت».
التصويت:
تتخذ معظم القرارات في «المجلس» عن طريق «التصويت بالأغلبية المشروطة»، التي تتطلب أغلبيات ساحقة من الدول الأعضاء والسكان. ويسري التصويت بإجماع الآراء بدرجة أقل على تشريعات «الاتحاد»، لكنه أكثر شيوعا في المجالات الحساسة سياسيا. أما التصويت بأغلبية بسيطة فهو نادر، ويقتصر في المقام الأول على المسائل الإجرائية.
التعاون السياسي الأوروبي:
تعاون حكومي دولي في ميدان السياسة الخارجية طرح في 1970، وحلت محله «السياسة الخارجية والأمنية المشتركة» عام 1993.
التعاون الشرطي والقضائي في المسائل الجنائية:
انظر: «التعاون في مجالي العدل والشئون الداخلية».
التعاون المعزز:
يسمح للدول التي تريد التكامل بدرجة أشد من غيرها في ميادين معينة بأن تفعل ذلك داخل إطار «الاتحاد الأوروبي».
التعاون في مجالي العدل والشئون الداخلية: «الركيزة» الثالثة سابقا من ركائز «الاتحاد الأوروبي»، وتعنى بالتعاون فيما يخص تنقل الأشخاص عبر الحدود، وبمكافحة الجريمة العابرة للحدود.
التوجيه:
عمل قانوني من أعمال «الاتحاد» يتسم بأنه «ملزم من حيث النتيجة المراد تحقيقها»، لكنه يترك لسلطات الدول الأعضاء «اختيار الشكل والطرق».
الجماعة الاقتصادية الأوروبية:
تأسست عام 1958 بموجب «معاهدة روما»، وتشمل اختصاصاتها إنشاء سوق مشتركة بين الدول الأعضاء الست، وتعاونا واسع النطاق في السياسة الاقتصادية. كانت أهم مؤسساتها «المفوضية» و«المجلس» و«البرلمان الأوروبي» و«محكمة العدل». وهي تشكل أساس «الاتحاد الأوروبي» كما نراه اليوم .
الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية:
تأسست عام 1957 إلى جانب «الجماعة الاقتصادية الأوروبية» لتشجيع التعاون في ميدان الطاقة الذرية. وهي تضطلع بأعمال البحوث والتطوير لأغراض مدنية.
الجماعة الأوروبية للفحم والصلب:
انطلقت بموجب «إعلان شومان» في 9 مايو 1950، واضعة قطاعات الفحم والصلب بست دول (بلجيكا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، لوكسمبورج، هولندا) تحت نظام من الحوكمة المشتركة. قامت «الجماعة الاقتصادية الأوروبية» و«الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية» على الهيكل المؤسسي للجماعة الأوروبية للفحم والصلب. وقد انقضت المعاهدة في 2002.
الجماعة الأوروبية: «ركيزة» الاتحاد الأوروبي المحورية على النحو المقرر في «معاهدة ماستريخت». وكانت، بإدماجها «الجماعة الاقتصادية الأوروبية» و«الجماعة الأوروبية للفحم والصلب» و«الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية»، تشتمل على عناصر فيدرالية من مؤسسات «الاتحاد الأوروبي»، وتتولى مسئولية معظم أنشطة الاتحاد الأوروبي. والجماعة الأوروبية الآن مدمجة تماما في بقية الاتحاد بموجب «معاهدة لشبونة».
الجماعة:
انظر: «الجماعة الأوروبية».
الركائز:
أنشئ «الاتحاد الأوروبي» بموجب «معاهدة ماستريخت» باستخدام نظام الركائز. كانت الركيزة المحورية هي الجماعة الأوروبية، وكانت الأخريان تخصان «السياسة الخارجية والأمنية المشتركة»، و«التعاون الشرطي والقضائي في المسائل الجنائية» (كانت تعرف أصلا باسم «التعاون في مجالي العدالة والشئون الداخلية»). وقد ضمت معاهدة لشبونة الركائز الثلاث كلها في الاتحاد.
الرئاسة:
يترأس «المجلس» ممثلو إحدى الدول الأعضاء، وذلك بالتناوب كل ستة أشهر.
السياسة الأوروبية المشتركة للأمن والدفاع:
العنصر المعني بالتعاون الدفاعي والعسكري بالسياسة الخارجية والأمنية المشتركة.
السياسة الخارجية والأمنية المشتركة:
كانت في الأصل «الركيزة» الثانية من ركائز «الاتحاد الأوروبي»، وتعنى بالتعاون الحكومي الدولي في ميدان السياسة الخارجية. وهي الآن جزء لا يتجزأ من «الاتحاد».
السياسة الزراعية المشتركة:
خضعت لإصلاح كبير، وما زالت تمثل 40 في المائة من إنفاق ميزانية الاتحاد الأوروبي، من خلال دعمها المباشر للمزارعين والتنمية الريفية.
الصدمات غير المتماثلة:
تؤثر على مناطق مختلفة داخل اقتصاد معين بطرق مختلفة، وهي مشكلة محتملة بالنسبة «لمنطقة اليورو».
الصناديق البنيوية:
صندوق التماسك، صندوق التنمية الإقليمية، الصندوق الاجتماعي (انظر: «سياسة التماسك»).
القانون الأوروبي الموحد:
وقع عليه عام 1986، ويمثل أول إصلاح كبير لمعاهدة روما. وقد نص على برنامج 1992 لإتمام السوق الموحدة، وأضاف بعض الاختصاصات الجديدة، ووسع استخدام «التصويت» بالأغلبية المشروطة، وعزز دور «البرلمان الأوروبي».
اللائحة :
عمل قانوني من أعمال الجماعة الأوروبية يتسم بأنه «ملزم بكامله، ويسري سريانا مباشرا» في كل الدول الأعضاء.
اللجنة الاقتصادية والاجتماعية:
تتألف من ممثلين عن الموظفين والعمال والفئات الاجتماعية، وتبدي آراءها في تشريعات «الاتحاد» وتصدر تقارير بمبادرة ذاتية منها.
المجلس الأوروبي:
يتألف من رئيس المجلس الأوروبي ورؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء ورئيس «المفوضية»، ويتخذ قرارات تتطلب حسما أو زخما على ذلك المستوى، ويحدد المبادئ التوجيهية السياسية «للاتحاد الأوروبي».
المجلس، مجلس الوزراء:
يتألف من ممثلين عن الدول الأعضاء على المستوى الوزاري، ويعدل التشريعات «ويصوت» عليها، ويشرف على تنفيذ السياسات. تسانده أمانة المجلس في بروكسل ولجنة الممثلين الدائمين ونظامه الخاص باللجان (انظر: «منظومة اللجان»). يعد المجلس، هو و«المجلس الأوروبي»، أقوى مؤسسة سياسية «بالاتحاد الأوروبي».
المحكمة العامة:
تفصل في القضايا التي يرفعها الأفراد، والقضايا المتعلقة بسياسة المنافسة، وقانون العلامات التجارية، ومعونات الدولة.
المعاهدة الدستورية:
مراجعة مقترحة للمعاهدة استنادا إلى «اجتماع اتفاقية بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي»، لكنها رفضت في أعقاب استفتاءين شعبيين عام 2005 في فرنسا وهولندا، على الرغم من التصديق عليها من قبل أغلبية الدول الأعضاء، وقد ضمنت معظم أحكامها في نهاية المطاف في «معاهدة لشبونة».
المفوضية الأوروبية:
انظر: «المفوضية».
المفوضية، المفوضية الأوروبية:
أعلى هيئة تنفيذية «بالاتحاد الأوروبي»، وتتألف من 28 مفوضا مسئولين عن مختلف مجالات السياسات. وإضافة إلى وظائفها التنفيذية، تستهل المفوضية عملية التشريع، وتشرف على الامتثال. وكثيرا ما يستخدم مصطلح «المفوضية» للإشارة إلى المفوضية وطاقمها جمعاء.
الممثليات الدائمة:
لكل دولة عضو ممثلية دائمة في بروكسل تعد مركزا لتفاعلها مع «الاتحاد الأوروبي». ورئيس الممثلية هو ممثل الدولة في لجنة الممثلين الدائمين (انظر: «المجلس»).
المواطنة:
أنشأت «معاهدة الاتحاد الأوروبي» مواطنة أوروبية بجانب مواطنات الدول الأعضاء. ويحق للمواطنين الحقوق التي تمنحها المعاهدات.
المؤتمر الحكومي الدولي:
الطريقة الرئيسة التي تراجع بها معاهدات «الاتحاد الأوروبي». يصيغ ممثلو الدول الأعضاء في المؤتمر الحكومي الدولي معاهدة معدلة يجب التصديق عليها من قبل كل واحدة من الدول الأعضاء قبل دخولها حيز التنفيذ.
النظام الأوروبي للبنوك المركزية:
انظر: «البنك المركزي الأوروبي».
النظام القانوني الأوروبي:
أرست «محكمة العدل» مبادئ أساسية لقانون الجماعة، أحدها «النفاذ المباشر»، وهو ما يمكن الأفراد من الحصول على حقوقهم بموجب قانون الجماعة بالطريقة ذاتها التي يحصلون بها عليها بموجب قوانين الدول الأعضاء، والآخر «أسبقية» قانون الجماعة؛ مما يضمن اتساق تطبيقه في عموم الجماعة.
النظام النقدي الأوروبي:
نظام سالف «للاتحاد الاقتصادي والنقدي»، كانت أهم عناصره آلية أسعار الصرف، التي حدت من تقلبات سعر الصرف.
النظم الانتخابية:
تستخدم كل البلدان الآن التمثيل النسبي في انتخابات «البرلمان الأوروبي» منذ أن تبنته المملكة المتحدة في انتخابات 1999.
النفاذ المباشر:
انظر: «النظام القانوني الأوروبي».
الولاية الاحتياطية:
مبدأ يقضي بعدم القيام بعمل على مستوى «الاتحاد الأوروبي»، إلا عندما يمكن أن يكون أشد فاعلية من العمل الذي تقوم به الدول منفردة.
آلية تحقيق الاستقرار الأوروبية:
الهيئة الدائمة المنشأة عام 2012 لتقديم المساندة المالية الطارئة للدول أعضاء «منطقة اليورو» التي تعاني من ضائقة اقتصادية.
تشريعات الاتحاد الأوروبي:
كامل مجموعة التشريعات واللوائح والقواعد والأحكام القضائية الصادرة عن «الاتحاد الأوروبي».
جماعة الدفاع الأوروبية:
محاولة جريئة في أوائل الخمسينيات لدمج القوات المسلحة للدول المنضمة إلى «الجماعة الأوروبية للفحم والصلب». وقد أرجأت الجمعية الوطنية الفرنسية النظر فيها.
حرية الحركة والتنقل:
تنص المعاهدات على حرية الحركة والتنقل داخل «الاتحاد الأوروبي» للأفراد والسلع ورأس المال والخدمات، وهي ما تعرف باسم «الحريات الأربع».
حلف شمال الأطلسي:
تأسس عام 1949 كمظلة أمنية لأوروبا الغربية، رابطا الولايات المتحدة بمنظومة الأمن الأوروبية.
سياسة التماسك:
سياسة التنمية الإقليمية «للاتحاد الأوروبي»، والتي تنفذ من خلال «الصناديق البنيوية» التي تمثل ثلث إنفاق «ميزانية» الاتحاد الأوروبي.
لجنة الممثلين الدائمين:
انظر «المجلس».
لجنة المناطق:
تضم ممثلي الهيئات الإقليمية والمحلية، وتقدم آراء في التشريعات، وتصدر تقارير بمبادرة ذاتية منها.
محكمة العدل الأوروبية:
انظر: «محكمة العدل».
محكمة العدل:
السلطة القضائية النهائية فيما يتعلق بقوانين «الاتحاد». وضع قضاتها الثمانية والعشرون - الذين ينتمي كل واحد منهم إلى دولة عضو، وتنعقد جلساتهم في لوكسمبورج - قانون سوابق قضائية متوسع (انظر: «النظام القانوني الأوروبي»). كفلت المحكمة سيادة حكم القانون في «الاتحاد».
معاهدة الاتحاد الأوروبي:
وقعت عام 1991 في ماستريخت، وأنشأت «الاتحاد الأوروبي»، وأرست إجراءات إنشاء «الاتحاد الاقتصادي والنقدي»، وأعطت «البرلمان الأوروبي» صلاحيات جديدة مهمة، واستحدثت مفهوم «المواطنة» الأوروبية، وأنشأت «ركيزتين» جديدتين؛ إحداهما: «للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة»، والأخرى: «للتعاون في مجالي العدل والشئون الداخلية».
معاهدة أمستردام:
وقعت عام 1997، فوسعت مجال القرار المشترك، وأصلحت الركيزتين المعنيتين بالسياسة الخارجية وبالعدل والشئون الداخلية.
معاهدة لشبونة:
وقعت عام 2007، فدمجت ركائز «الاتحاد»، وأنشأت شخصية قانونية جديدة للاتحاد الأوروبي، وراجعت إجراءات اتخاذ القرار، وأنشأت منصبين جديدين؛ هما: رئيس المجلس الأوروبي، والممثل السامي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية. وهي تعتمد بدرجة كبيرة على عمل «اجتماع الاتفاقية بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي» و«المعاهدة الدستورية» الفاشلة.
معاهدة ماستريخت:
انظر: «معاهدة الاتحاد الأوروبي».
معاهدة نيس:
وقعت عام 2001، ونصت على إصلاحات مؤسسية استباقا للتوسع إلى أوروبا الوسطى والشرقية، وذلك بإرساء إجراءات وأوزان تصويتية جديدة، والمزيد من استخدام إجراءات «التعاون المعزز».
معاهدتا روما:
انظر: «الجماعة الاقتصادية الأوروبية» و«الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية». غالبا ما يطلق على معاهدة الجماعة الاقتصادية الأوروبية «معاهدة روما».
معايير كوبنهاجن:
المعايير التي يستخدمها الاتحاد الأوروبي لتقييم صلاحية الدول المتقدمة بطلب عضوية، وتشمل: وجود مؤسسات مستقرة تضمن الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، واحترام الأقليات، واقتصاد سوقي فاعل، والقدرة على تطبيق «تشريعات الاتحاد الأوروبي»، ومساندة أهدافه المتنوعة.
منطقة اليورو:
المنطقة التي يغطيها اليورو، عملة «الاتحاد» الموحدة.
منطقة حرية وأمن وعدالة:
السياسات ذات الصلة بتنسيق منظومات الأمن والعدالة الداخلية.
منظمة التجارة العالمية:
حلت منظمة التجارة العالمية محل اتفاقية الجات، وهي تنظم التجارة الدولية، وتهدف إلى الحد من الحواجز أمام التجارة الدولية، وتملك آليات لتسوية النزاعات.
منظومة اللجان:
منظومة من اللجان المؤلفة من مسئولي الدول الأعضاء، والتي تشرف على عمل «المفوضية» نيابة عن «المجلس». وقد حلت «الأعمال التنفيذية» الآن محلها إلى حد كبير.
مهام بطرسبرج:
الأولويات العسكرية والأمنية لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية، وهي تشمل المهام الإنسانية، ومهام الإنقاذ، وحفظ السلام، وإدارة الأزمات.
موارد الاتحاد:
الإيرادات الضريبية المخصصة «لميزانية الاتحاد الأوروبي». وأهم مصادرها نسب مئوية من إجماليات الناتج القومي للدول الأعضاء، ومن وعاء ضريبة القيمة المضافة، ومبالغ أصغر من التعريفات الخارجية ورسوم الواردات الزراعية.
ميزانية الاتحاد الأوروبي:
الإيرادات الآتية من «موارد الاتحاد الأوروبي»، ويوجه ثلثا إنفاق ميزانية الاتحاد إلى «السياسة الزراعية المشتركة» وسياسات «التماسك».
المراجع
References, in line with the nature of this series, have been kept to the minimum of quotations whose source is not obvious from the text.
الفصل الثاني
Spinelli called the Single Act a 'dead mouse’ in his speech to the European Parliament on 16 January 1986, reprinted in Altiero Spinelli,
Discorsi al Parlamento Europeo,
ed. Pier Virgilio Dastoli (Bologna, 1987), p. 369. Jenkins recalled his choice of a theme to 'move Europe forward’ in
European Diary 1977-1981 (London, 1989), pp. 22-3.
الفصل الثالث
Margaret Thatcher spoke of 'a European super-state’ in her
Britain and Europe: Text of the Speech Delivered in Bruges by the Prime Minister on 20th September 1988 (London: Conservative Political Centre, 1988), p. 4.
الفصل السابع
Bevin and Victoria Station is to be found in Michael Charlton,
The Price of Victory (London, 1983), pp. 43-4.
الفصل التاسع
New York Times , 29 June 1991, p. 4.
الفصل العاشر
The Community 'as an example’ is from Jean Monnet,
Les États-Unis d’Europe ont commencé: Discours et allocutions 1952-1954 (Paris, 1955), p. 128.
The EC as 'the most important member of Gatt’ is from Lawrence B. Krause,
European Economic Integration and the United States (Washington, DC, 1968), p. 225.
The EC and 'effective international law-making’ is from Tommaso Padoa-Schioppa,
Financial and Monetary Integration in Europe: 1990, 1992 and Beyond (London and New York, 1990), p. 28.
قراءات إضافية
There is a great deal of academic literature on the European Union, but not so many reliable books for the general reader or for those who are just setting out to acquire academic knowledge.
Of the many texts that provide
general introductions , two good options are Desmond Dinan’s
Ever Closer Union (Basingstoke, 4th edn, 2010, 640 pp.) and John McCormick’s
Understanding the EU (Basingstoke, 5th edn, 2011, 264 pp.). A federalist view of the way in which the EU has developed is to be found in Michael Burgess,
Federalism and European Union: The Building of Europe, 1950-2000 (London, 2000, 290 pp.). Chapters on all the main policies are to be found in Helen Wallace, Mark
European Union (Oxford, 6th edn, 2010, 640 pp.). A wide range of subjects is also covered in the
Annual Review of the Journal of Common Market Studies (Oxford).
Timothy Bainbridge and Anthony Teasdale,
The
(Harmondsworth, 3rd edn, 2012, 880 pp.) is an accurate and convenient
work of reference . For those who appreciate a
biographical
approach to the subject, the history of the EC up to the 1970s is seen through the eyes of its principal founding father in Jean Monnet’s
Memoirs (London, 1978, 544 pp.). Flavour and substance of the Delors period, from 1985 to 1994, are to be found in Charles Grant,
Inside the House that Jacques Built (London, 1994, 305 pp.). A range of leading actors in the uniting of Europe are given lively treatment in Martyn Bond, Julie Smith, and William Wallace (eds),
Eminent Europeans (London, 1996, 321 pp.). Hugo Young provides unsurpassed insights into the development of British relations with the EU, through chapters on a dozen British protagonists and antagonists from Churchill to Blair, in
This Blessed Plot (Basingstoke, 1998, 558 pp.).
There is not much that is easy to read and gives a true and fair view of how the
institutions
work. Neil Nugent’s
The Government and Politics of the European Union (Basingstoke, 7th edn, 2010, 512 pp.) is reliable and comprehensive, but not light reading. Michelle Cini and Nieves Perez-Solorzano Borragan’s
European Union Politics (Oxford, 3rd edn, 2010, 520 pp.) opens up a wide range of subjects to the reader. John Peterson and Michael Shackleton’s
The Institutions of the European Union (Oxford, 3rd edn, 2012, 472 pp.) is a very good overview. Shorter explanations of the institutions can be found in the chapter on 'Institutions or Constitution’ in
The Building of the European Union
and in Helen Wallace’s chapter on 'An Institutional Anatomy and Five Policy Modes’ in Wallace, Pollack, and Young (eds),
European Union (both books cited above). Chapters 7-10 of Dinan’s
Ever Closer Union (also cited above) deal with main institutions.
Ali El-Agraa’s
The European Union: Economics and
(Cambridge, 9th edn, 2011, 518 pp.) has the most current overview of
economics and economic policies . Lord Cockfield’s
The European Union: Creating the Single Market (Chichester, 1994, 185 pp.) is a lucid and entertaining account by the man who did most to create it, while Alasdair Young, in 'The Single Market’ (chapter in Wallace, Pollack, and Young (eds),
), brings you up to date. The budget is well explained by Brigid Laffan and Johannes Lindner (chapter in Wallace,
Union ). A useful summary of the EU’s environmental policies is given in Andrew Jordan and Camilla Adelle (eds),
Environmental
(Abingdon, 2012, 424 pp.).
Most of the literature on the EU’s
external relations
is about the Common Foreign and Security Policy, though the external economic policies remain more effective and important. Fraser Cameron gives a wide-ranging overview in An
Introduction to European Foreign Policy (Abingdon, 2012, 320 pp.), with Stephan Keukeleire and Jennifer MacNaughtan’s more detailed
The Foreign Policy of the European Union (Basingstoke, 2008, 392 pp.) working as a companion.
The
Area of Freedom, Security, and Justice
is also a fast-moving subject: Sandra Lavenex’s chapter on 'Justice and Home Affairs’ in Wallace, Pollack, and Young (eds),
gives a good overview.
Across the board,
the EU’s website-
http://europa.eu -is a vast quarry of information, from the very basic through to the highly technical.
مصادر الصور
(1-1) Photo by Kurt Hutton/Picture Post/Hulton Archive/Getty Images. (2-1) © Robert Cohen/AGIP/Rue des Archives,
(2-2) Fondation Jean Monnet pour l’Europe, Lausanne. (2-3) Photo by Douglas Miller/Keystone/Getty Images. (2-4) Credit © European Union, 2013. (2-5) Photo: European Parliament. (3-1) Photo by Keystone/Hulton Archive/Getty Images. (3-2) Credit © European Union, 2013. (3-3) Photo: European Parliament. (3-4) Credit © European Union, 2013. (3-5) Credit © European Union, 2013. (4-1) Banknotes draft design © EWI. (8-1) © Bettmann/Corbis. (9-1) Photo © Richard Gardner. (10-1) Credit © European Union, 2013.
Bilinmeyen sayfa